الدكتور محمد محمد عناني:
هام على وجهه في البلاد مشرقا ومغربا.. شاخصا بصره إلى السماء.. يبحث عن كل طائر حَطَّ على أرض بلاده ولو ضيفا لمرة واحدة، كان يتطلع إلى أن يسد فراغا هائلا في المكتبة العربية لم يملأه أحد من قبل.. فسجل كل صغيرة وكبيرة عن طيور وطنه الحبيب في موسوعته المبهرة "طيور مصر".. إنه الدكتور محمد محمد عناني، الذي قضى أكثر من عشرين عاما يعد موسوعته تلك.. يرصد ويشاهد ويفحص كل طيور مصر المستوطنة والزائرة، فلم تقتصر حياته على كتابة هذا المرجع فحسب، بل شغل نفسه بحكاياتها ليلا ونهارا، وكان يتمنى ألا يوافيه الأجل قبل أن يرى كتابه النور، ولكنه رحل عن دنيانا والكتاب ما يزال تحت الطبع.
وكجميع المخلصين لم يأبه الدكتور عناني بأي منصب أو مال بل أنفق كل ما ورثه من مال وفير على طيوره؛ فاقتنى آلاف الكتب، وقرأ التراث العربي والإسلامي بدقة كما يبدو ذلك جليًّا في لغته وأشعاره التي يستشهد بها، حتى إنه أورد بابا في كتابه عن أحكام الصيد الشرعية، ويشير ولده د. محمد محمد محمد عناني الأستاذ بجامعة القاهرة في مقدمة الموسوعة أن كاتبنا اشترى قطعة من الأرض في بلدة (رشيد) وحولها إلى جنة غناء فقد كان يرى في الطير المثل العليا للحرية والجمال والانطلاق.
"أهم ما دفعني إلى تأليف هذا الكتاب هو أنه لا يوجد مؤلف خاص عن طيور مصر باللغة العربية يحوي كل طائر بصورته".. كان هذا سببا رئيسيا دفع الدكتور عناني إلى تسجيل هذه الموسوعة التي اعتمد فيها على مراجع كثيرة كان أهمها (طيور مصر) للكولونيل مينرتز هاجن -وهو باللغة الإنجليزية- وكان يرى أن عدم الإقبال على تأليف كتب باللغة العربية في هذا المجال يرجع إلى أنها ليست مادة حيوية تدرس في المدارس والجامعات حيث إن أهم ما يعنى به الطالب هو دراسة المادة التي تؤهله لأن ينجح، بخلاف الأوربيين فإن هواية الطيور عندهم وخاصة الإنجليز والألمان من أمتع الهوايات.
المسخرات في جو السماء:
ونستطيع أن نقسم هذه الموسوعة العملاقة إلى جزأين: الأول منها اختار فيه الدكتور عناني عناوين متفرقة تحتها معلومات مهمة وحيوية عن الطيور وعالمها، مثل الطيور التي يحميها القانون في مصر والتي تزيد على 29 طائرا (في مطلع الستينيات)، ثم ينتقل بنا إلى أهم ما قيل عن هجرتها ونموها بين التكاثر والانقراض، ثم سرد بصورة غير مفصلة لبعض طرق صيد الطيور مع نبذة عن تاريخها.. فيوضح الكاتب أن صيد الطيور يتم بطريقتين، إما بقتلها ببندقية أو ما شابه، أو صيدها حية مثل صيد السمان في مصر بالشباك واستغلال طيرانه منخفضا فوق سطح البحر مباشرة.. أو بطريقة "الدبق" المنتشرة في شمال الدلتا، حيث يلزق على عود الدبق عجينة لزجة تلتصق بأرجل الطائر حينما يقف عليه
وقد كان قدماء المصريين من أشهر الشعوب المولعة بصيد الطيور، وقد عثر على أكثر من 12 طائرا هيروغليفيًّا مرسوما رسما كروكيا على جدران المعابد والمقابر، وخاصة في سقارة وأهرام أوناس وبني حسن، مثل طيور الكركي والبلبول والقبطي والخطاف المصري والبومة البيضاء، كما وجدت صور للإوز والحمام والنعام والسمان.
ويذكر الكاتب تحت عنوان: التكاثر والانقراض بعض المعلومات الطريفة عن غزل الطيور فيقول: إنه بحلول الربيع تبدأ الذكور -وهي التي اختصها الله بالجمال دون الإناث- في عرض زينته، وإبراز جمال ألوان ريشه، وغنائها بعذب الألحان لاستجلاب قلوب الإناث فيتم التزاوج، ثم تبيض ويفقس البيض خلال 14 يوما إلى شهرين بحسب نوع الطائر، الميجابود Mega pode يضع البيض على الرمل ويتركه لدفء التربة، أما الكوكو فيتطفل على عُشِّ غيره ويضع بيضه فيه.. ويخيط العصفور الخياط الذي يقطن الهند ورقتين من أوراق النبات ليضع عليها بيضه.. وقد ثبت أن هرمونا تفرزه الغدة النخامية في جسم الأنثى (البرولاكتين) ينبه إلى إفراز "اللبأ" في بعض الطيور كالحمامة وهو سائل أبيض غليظ القوام تفرزه حويصلة الحمامة وتطعم بها أفراخها وهو أشبه بلبن الأم.
ولكن هذا التكاثر لا يكفي لتعويض انقراض الطيور والذي يرجعه الكاتب إلى عدة أسباب من أهمها: تجفيف الكثير من البرك المائية والمستنقعات مثل بحيرتي إدكو والمنزلة؛ مما أدى إلى اختفاء كثير من الطيور المائية، مثل البط والبكاشنية الخواضة والعصافير المغنية (الهوازج Warblers)، ويأتي الزحف العمراني وتحويل المناطق الزراعية إلى مصانع ليكون سببا آخر مهما لانقراض بعض أنواع الطيور، هذا إلى جانب اختفاء مناطق لغابات كانت تحمل بين أشجارها أنواعا نادرة، مثل الببغاوات وطيور الفردوس.. حيث عَدَّدَ الكاتب ما يقرب من 28 طائرا ما بين منقرض بالفعل أو متواجد فقط بالعشرات.
الطيور: كيف تُسمَّى؟
وتحت عنوان أسماء الطيور يناقش الكاتب الكيفية التي يتم بها تسمية الطيور في اللغات المختلفة ويقول: إن هذا الأمر يعتمد على عدة سبل هي:
(1) من منطق أصواتها: وهذا هو الأصل في التسمية وتشترك في ذلك معظم اللغات فمثلا يسمى الهدهد بالإنجليزية Hoopoe وهذا الاسم اشتقه الإنجليز من صوته وهوhoop-hoop.. حتى في اللغة العربية فإن اسم الهدهد أخذه العرب من صوته وهو الهَدْهَدَة، أيضا طير (الوروار)؛ لأن في ندائه يصيح بما يشبه هذه الكلمة (ور – ور).
(2) من تشابه أصواتها بكائنات أخرى: وهذا في كثير من اللغات مثل طائر القط وسمي هكذا لأن صوته كمواء القط أو في العربية مثل البومة البيضاء والتي تسمى عندنا (المصاصة)؛ لأن نداءها يشبه مص الإنسان للماء.
(3) من بناء أجسامها ومميزات خاصة بها: مثل الشحرور الذي يسمى بالإنجليزية Blackbird لعموم السواد بجسمه أو أبو قرن hornbill، أما اللغة العربية فتحفل بذلك الأمر مثل: البط أبو سبلة والتفاحي المسمى هكذا لحمرة صدره.
(4) من أعمالها وحركاتها: مثل Dipper أي المنغمس في الماء وWeaver النساج، وفي اللغة العربية أيضا نجد "المدروان" الذي يدور تقريبا حول معظم الكرة الأرضية، أو الأطيش لما عرف عنه من الطيش والبلادة في إلقاء نفسه من علو شاهق وارتطامه بالماء.
هذا فضلا عن تسميات أخرى بحسب الأمكنة أو بحسب اسم الشخص الذي اكتشفه.. ويختم هذا الجزء بمعلومات لطيفة عن الطيور، أطرفها ما قيل عن الغراب المغرم بالسرقة، وإن لم يستفد شيئا من المسروق؛ فهو قد يحمل إلى عشه بعض قطع النقود أو الملاعق والصابون.
كل طير نزل مصر:
أما الجزء الثاني من الموسوعة فهو الجزء الأكبر، ويضم ما يقرب من 700 إلى 800 طائر وطيء بقدمه أرض مصر، وقد اعتمد الكاتب بصورة أساسية على كتاب طيور مصر للكولونيل هاجن، بدأ الكاتب بتصويب بعض الأخطاء القليلة التي ذكرت في هذه الموسوعة رغم امتنانه الشديد لجهود هاجن.
وقد ذكر الكاتب في موسوعته ما يقرب من 23 رتبة أوسعها كانت رتبة العصفوريات والتي تضم منفردة 300 طائر تحت فصائل وأجناس مختلفة، مرورا بالرتب متوسطة العدد كرتب الطيور الخواضة والصقور.. نهاية بالرتب التي تضم تحتها طائرا واحدا كالرتبة النعامية ورتبة الببغاوات، كل ذلك مع بيانات مختصرة في سطور عن كل طائر من حيث وصفه، وموطنه، وتوالده، ووجوده في مصر، وأحيانا الاختلاف بين ذكر وأنثى الطائر.
تجول الكاتب مع النادر من الطيور، مثل غراب القيظ، والعصفور فضي المنقار، ومع الطيور الشهيرة التي ترى طوال العام في مصر، مثل الصفير الذهبي، والحمام الجبلي، وأبو الرأس الخواض، والكروان الجبلي، وقد علق الكاتب على بعض الطيور وشكك في تواجدها في مصر مثل العقعق والغطاس أحمر الرقبة، والغراب الحيفي.
أكثر هذه الطيور تهاجر إلى مصر شتاء أو خريفا مثل الشرشور أو الزرزور الأوربي، وبعضها صيفا أو ربيعا مثل سنونو الرمال، والعصفور البيوتي. ورغم الأعداد الهائلة للطيور التي تحط على أرض مصر فإن هناك 8 أنواع فقط هي التي تتوالد على أرضها صيفا.
كل ذلك مذكور في موسوعة الدكتور عناني مع وصف دقيق للسيقان والأصابع والريش وطول الجناحين وأشكالهما وصورة لكل طائر ذكر اسمه بين صفحات الموسوعة، إلا أنه لم يذكر لون الطائر اعتمادا على الطبعة الملونة من الموسوعة، ويختم الكاتب هذا الجزء بعنوان شيق يوضح كيف تنطق أسماء الطيور باللغة العربية مع بعض التراجم لكلمات في الموسوعة الإنجليزية.
وننهي جولتنا مع هذه الموسوعة العملاقة بقول كاتبها رحمه الله: إن هذا الكتاب كان كالعنقاء لا يرتجى إليه وصـول، يتمنى أولو الفضائل أن لو كان يوما لديهم حصول. [17]
الدكتور محمود.. رائد علم الحشرات:
كان عشقه لجمع الفراشات والحشرات ذات الألوان الزاهية، وملاحظة طرق حياتها؛ وراء تأسيسه لأول مدرسة علمية مصرية وعربية في مجال الحشرات عبر رحلة طويلة من البحوث والإنجازات العلمية، وعلى مدى ما يقرب من (70) عامًا جعلته عالمًا بارزًا في هذا التخصص، وجديرًا بالعديد من المناصب العلمية، والجوائز، والأوسمة، وشهادات التقدير، وكان آخرها جائزة مبارك لعام (1999م).
وقد كانت زيارته لصديق والده نقطة التحول في حياته، عندما نصحه بالتحويل من كلية الطب إلى كلية العلوم؛ ليكون العالم الكبير الأستاذ الدكتور "محمود حافظ" صاحب أول مدرسة في علم الحشرات في الشرق الأوسط.
وُلِدَ الدكتور "محمود حافظ" في حي عابدين بمدينة القاهرة في (10) من يناير عام (1912)، وقضى بها جزءاً من طفولته المبكرة، وكذلك قضى جزءاً آخر في مدينة إسنا بصعيد مصر، ثم انتقل مع أسرته في سن السادسة إلى مدينة فارسكور بمحافظة دمياط حيث مسقط رأس والده، وهناك التحق بـ "الكُتَّاب"، وحفظ بعض أجزاء القرآن الكريم على أيدي المشايخ.
وعندما قامت ثورة (1919) كان عمره وقتها سبع سنوات، وكان والده من أبطال هذه الثورة؛ فالتف حوله سكان المدينة ومن حولها، ونادوا به مَلِكًا على فارسكور وشمال الدلتا، وتولوا الاستيلاء على مراكز الشرطة وما بها من أسلحة وقاوموا القوات الإنجليزية، وتزامنت هذه الأحداث مع أحداث متشابهة في مدينة زفتى بمحافظة الغربية، التي أُعْلِنَ فيها قيام جمهورية زفتى، وتعيين شخص يُدعَى "يوسف الجندي" رئيسًا لها.
ونظرًا لوجود عدد من القضاة الشرعيين في أسرته؛ التحق بمعهد دمياط الديني الأزهري، وأمضى به عامين، وبعد ذلك أصرت والدته على أن يلتحق بالتعليم العام؛ فدخل مدرسة فارسكور الابتدائية عام (1922)، وتلقَّى بها تعليم اللغة العربية، واللغة الإنجليزية بدرجة جيدة.
وبعد حصوله على الابتدائية عام (1926)، التحق د. "حافظ" بالمدرسة السعيدية بالنظام الداخلي، ونظرًا لتفوقه، وحصوله على مجموع بنسبة (93%) في الابتدائية، حصل على المجانية في السعيدية التي قضى بها خمس سنوات، وكان مجموعه في شهادة البكالوريا "الثانوية" (92 %)؛ فالتحق بكلية طب القاهرة وأمضى ثلاثة شهور بالسنة الإعدادية بها.
نقطة تحول
وحدثت للدكتور "محمود حافظ" في بدايته الجامعية نقطة تحول غيّرت مجرى حياته العلمية والعملية؛ فقد طلب منه والده أن يذهب إلى أحد أصدقائه؛ ليحدثه في أمر مهم، وبالفعل توجه إليه؛ فقال له صديق والده: إن كلية الطب صعبة، ودراستها مرهقة، وكلية العلوم فتحت حديثًا، ويمكن أن يكون له بها مستقبل، ومكانة علمية.
وذهب د. "حافظ" إلى د. "علي مصطفي مشرفة" العالم المصري الشهير، وكان وقتها رئيسًا لقسم الرياضيات بكلية العلوم، وتحدَّث معه بشأن التحويل من كلية الطب إلى كلية العلوم، ووافق عميد الكلية، واختار الطالب أن يلتحق بقسم الحيوان؛ لأنه الأقرب إلى دراسة الطب.
وفي عام (1935) حصل على بكالوريوس العلوم، وعُيِّنَ معيدًا بالكلية، وتوجَّه في دراساته العليا نحو علم الحشرات، وكان توجهه لهذا العلم بسبب أنه أثناء دراسته بالمدرسة الابتدائية في فارسكور كان يخرج مع أصدقائه إلى القرى المجاورة، ويقومون بجمع الفراشات، والحشرات، والرعاشات ذات الألوان الزاهية من الحقل؛ فرسخت هذه الهواية في وجدانه.
وفي عام (1937) تم إيفاده في بعثة إلى المتحف البريطاني وجامعة لندن، وحصل على درجة الماجستير عام (1938)، ثم بدأت الحرب العالمية الثانية عام (1939) وكان قد جمع جزءاً كبيرًا من المادة العلمية لرسالة الدكتوراة، وعاد إلى مصر، وتابع البحث في كلية العلوم بالقاهرة، وحصل على درجة الدكتوراة سنة (1940) فَعُيِّنَ مدرسًا( ب ) بالكلية سنة (1941)، وبدأ مرحلة البحوث العلمية وأصبح مدرسًا ( أ ) سنة (1944)، ثم أستاذًا مساعدًا عام (1948)، ثم أصبح أستاذَ كرسي، ورئيس قسم الحشرات بالكلية عام (1953) وحتى عام (1972)، ووكيلاً لكلية العلوم (1964-1966)، ثم وكيلاً بوزارة البحث العلمي (1967-1968).
بعثاته الدراسية
أما عن بعثاته الدراسية إلى الخارج فقد سافر.د. "محمود حافظ" إلى جامعة كامبردج بإنجلترا سنة (1946)، وقضى بها عامَيْنِ؛ لدراسة فسيولوجيا الحشرات مع "سيرفيتر ويلجز ويرث" أكبر عالم في هذا التخصص في أوربا.
ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام (1948)، ومكث بها ستة أشهر وزار (38) ولايةً، وتعرف على أقسام الحشرات بها، وطرق مكافحة الآفات. وزار مراكز بحوث وقاية النبات؛ فاكتملت في خلفيته وحصيلته العلمية صورة شاملة عن اتجاهات البحوث في إنجلترا وأمريكا. كما زار أقسام علم الحشرات بجامعات الاتحاد السوفيتي عام (1957). وفي المدة من عام (1937) إلى (1997) زار مراكز البحوث الحشرية في معظم البلاد الآسيوية، والأفريقية، والعربية.
اشترك د. "حافظ" في أكثر من (50) مؤتمرًا وندوةً دوليةً ممثلاً لجامعة القاهرة وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، وتولَّى رئاسة العديد منها في المدة من (1947 – 1996)، كما أشرف على عدة مشروعات بحثية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووزارة الزارعة الأمريكية، وهيئة البحوث البحرية الأمريكية، ومركز أبحاث الجراد بلندن، ومنظمة الأغذية والزراعة.
ذبابة الرمد
وطوال حياته العلمية أجرى.د. "محمود حافظ" مئات الأبحاث والدراسات، وتوصل إلى العديد من الاكتشافات العلمية التي كان من أهمها اكتشاف ذبابة الرمد، وأثبت أنها الناقل الرئيسي لأمراض العيون في مصر، وتنتشر في أواخر فصل الربيع، وأوائل فصل الصيف، وتحمل الآلاف من بكتيريا "إستربتو كوكاي Strepto Cocci "، و"إستافيلوكوكاي Staphylo Cocci "على جسمها وأرجلها، وقد تزامن هذا الاكتشاف مع تزايد أعداد المترددين على أقسام العيون في المستشفيات في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات.
وقد اهتمت منظمة الصحة العالمية بهذا الاكتشاف، وقامت بتعيين د. "حافظ" خبيرًا في مجال حشرات الذباب، سواء: العاديّ، أو الناقل للأمراض، أو الماصّ للدماء.
وتناولت بحوث العالم الكبير ثلاثة مجالات رئيسة:
أولها: مجال الحشرات الطبية التي أولاها اهتمامًا خاصًّا، واكتشف (55) نوعًا من القمل القارض، أو قمل الطيور، وكان أول مَن لفت الأنظار إلى أن مشكلة الذباب لا تُحَلُّ بالمبيدات؛ نظرًا لتكون المناعة لديها، ودعا إلى استخدام المعقمات الكيميائية لمنع توالد الذباب، ونفّذ هذه الفكرة بالتعاون مع المراكز البحثية الأمريكية، وتناولت بحوثه كذلك دراسة القُراد الذي يصيب الماشية في مصر، وعلاقته بنقل الأمراض وطرق مكافحته.
ثانيها: الحشرات الزراعية، حيث تناولت أبحاثه الكثير من الآفات، والحشرات القشرية، والجراد، وديدان القطن، والجعال، والمنِّ، وحشرات الحبوب المخزونة، من النواحي البيولوجية، والبيئية، والفسيولوجية؛ باعتبارها دراسات أساسية تُبْنَى عليها مكافحة الآفة.
ثالثها: الحشرات الصحراوية، حيث اهتم. د. "حافظ" ببعض الحشرات الصحراوية في مصر، ومراحل حياتها، وبيئتها، وسلوكها حيال الظروف الطبيعية، وهو مجال حشري لم يسبق أن طرقه باحث من قبل في مصر.
كما قام بتجارب ناجحة في مكافحة ذبابة الفاكهة بالإشعاع، واستخدام المركبات الهرمونية، ومنظمات النمو الحشرية، والكشف عن تأثيرها البيولوجي على الآفات.
وقام أيضًا بدراسة رائدة على استخدام الممرضات البكتيرية، والفطرية، على بعض آفات القطن بهدف الإقلال من استخدام المبيدات الكيميائية، والحفاظ على البيئة.
أما عن كتبه ومؤلفاته فقد ألَّف، وترجم، وراجع (17) كتابًا في علوم الحشرات، والحيوان، وتاريخ العلم، وكتب الجزء الخاص بالحشرات في الموسوعة الميسرة "فرانكلين". وأسهم في ترجمة بعض المعاجم العلمية: معجم كومتون العلمي المُصوَّر بإشراف الجامعة الأمريكية والموسوعة البريطانية، ومعجم علم الأحياء، ومعجم علم الكيمياء والصيدلة، كما أسهم في إصدار معجم اللغة العربية. وأسهم في كتاب تاريخ وتطور علم الحشرات في مصر، إصدار أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.
ومن خلال مجمع اللغة العربية الذي يشغل منصب نائب رئيسه، أجرى العشرات من الدراسات حول المعاجم العلمية، وتعريب العلوم، وشارك في ترجمة وتعريب الآلاف من المصطلحات، من خلال لجان الأحياء، والزراعة، والكيمياء، والصيدلة، والنفط. كما يرأس حاليًّا المجمع العلمي المصري.
متحف الحشرات
أما عن أعماله الإنشائية البارزة، فقد أسهم في إنشاء قسم الحشرات بكلية العلوم بجامعة القاهرة، وعمل على تطويره على مدى (60) عامًا، وقام بإنشاء متحف الحشرات بالقسم، ويُعتَبَر الأول من نوعه في الشرق الأوسط ويضم (70) ألف عينة، وأربعة آلاف نوع، والعديد منها قام باكتشافه.
كما أسهم في إنشاء قسم الآفات ووقاية النبات بالمركز القومي للبحوث، ووضع لبِنَتَهُ الأولى، وعمل على تطويره، وإعداد الباحثين به على مدى (16) عامًا، وأنشأ محطة أبحاث وادي النطرون للبحوث الحقلية والبيولوجية. وشارك في إنشاء البحوث الحشرية بهيئة الطاقة الذرية والمركز الإقليمي للنظائر المشعة للدول العربية، ومعهد بحوث الحشرات الطبية بوزارة الصحة المصرية خلال عمله مستشارًا ومشرفًا على بحوث الحشرات الناقلة للأمراض به.
وقد تخرج على يد. د. "محمود حافظ" أكثر من (100) باحث حصلوا على درجات الماجستير والدكتوراه، وأصبحوا أساتذةً في تخصصاتهم، وأصبح بعضهم وزراء ورؤساء جامعات، ومراكز بحوث.
وقد تواصل الإنتاج العلمي فلم ينضب، وكانت آخر أبحاثه المنشورة في عام (1998)؛ ولذلك فهو عضو في ثلاث أكاديميات عالمية هي: الأكاديمية الإسلامية للعلوم في الأردن، والأكاديمية الإفريقية في نيروبي بكينيا، وأكاديمية العالم الثالث بإيطاليا التي تضم أربعة أعضاء فقط من مصر.
كما أن. د. "حافظ" أستاذ زائر بجامعات أمريكا، وأوروبا، وشرق آسيا، وإفريقيا، وقد ألقى بها مئات المحاضرات عن المشاكل الحشرية، وتاريخ علم الحشرات، ومكافحة الذباب، والآفات.
الجوائز والأوسمة:
ولإنجازاته العلمية البارزة حصل د. "حافظ" على العديد من الجوائز والأوسمة طوال حياته منها: جائزة الدولة التقديرية في العلوم لعام (1977)، والميدالية الذهبية، وشهادة تقدير من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عام (1978)، وشهادة تقدير من هيئة البحوث الدولية بوزارة الزراعة الأمريكية لبحوثه الرائدة في علم الحشرات (1972-1987).
كما نال وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى (1978)، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام (1981)، وأخيرًا نال جائزة مبارك عام (1999م). [18]
عبد المنعم تلحوق:
فقد البحث العلمي بوفاة العالم البحاثة الدكتور عبد المنعم تلحوق ركناً من أركانه العالميين، حيث كرّس حياته العملية كلها في الكشف عن الحشرات المسببة أو الناقلة لأمراض المزروعات فتعرّف عليها ودرسها ونشر حولها المقالات العلمية والكتب القيمة؛ فذاع صيته في العالم كله، وقدّرته المحافل العلمية، وتعرّفت من خلاله على بلده لبنان وعلى جامعته (الجامعة الأميركية في بيروت) وعلى طلابه الكثر المنتشرين في كل أنحاء المسكونة.
الشيخ عبد المنعم تلحوق، الدكتور والأستاذ الجامعي هو باحث إلى أعماق جسده وروحه، أمضى حياته مفتشاً عن المعرفة، عاملاً بجهد لا يتعب ولا يمل مجيباً بمحبة على سائليه وملبياً طلبهم بحماس، فتواضعه اللامتناهي وصفاته الإنسانية العالية وعطفه على الجميع كلها صفات قرّبت منه طلابه الكثر فأحبوه واحترموه، فمن تحلى بهذه الأخلاق الفريدة يبقى ذكره خالداً إلى الأبد.
ويفخر المجلس الوطني للبحوث العلمية بكون عبد المنعم تلحوق أحد مستشاريه القدامى الذي لم يتأخر يوماً عن تلبية دعوته لتقييم المقالات العلمية المرشحة للنشر، أو لدراسة مشاريع الأبحاث في حقل اختصاصه، أو لنشر إحدى مقالاته المبتكرة في «المجلة العلمية اللبنانية» التي يصدرها المجلس.
نبذة عن حياته العلمية:
رحل البروفسور عبد المنعم سليم تلحوق صباح الأحد عن 91 عاما في بلدته (عالية) بعد عمر مديد أفناه باحثاً وعالماً ومؤلفاًً، أستاذ الشرف في علم الحشرات في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأمريكية في بيروت، والحائز على وسام المعارف من الدرجة الأولى، وعلى وسام الأرز الوطني من رتبة فارس.
ولد تلحوق في مصر عام 1913 وتخرج من الجامعة الأميركية في بيروت مع بكالوريوس في علم الأحياء عام 1948 وماجستير عام 1955 ثم حاز الدكتوراه من جامعة ميونيخ في عام 1960م.
عمل تلحوق لسنوات عدة في وزارة الزراعة في كل من لبنان وسوريا وبدأ التعليم في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1953 وترقى أكاديمياً من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك فأستاذ في علم الحشرات عام 1964 وعيّن أستاذ شرف عام 1988م.
شغف تلحوق بدراسة الحشرات منذ صغره، وهو مكتشف مئات الأنواع من الحشرات في لبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية، وقد سمي العديد منها باسمه "تلحوق" تيمنا به. وهو يعتبر مرجعاً رئيسياً في علم الحشرات وعضواً في العديد من الجمعيات العلمية الأكاديمية العالمية المتخصصة بهذا العلم.
وقد عرف بغزارة أبحاثه وله أربعة كتب عن الحشرات في الشرق الأوسط بالإنكليزية والعربية، ترجم بعضها إلى الفارسية والألمانية، كتابه الأخير " دور الحشرات في التنوع البيئي لحشرات العثة في لبنان"، وتبرع بأرباحه إلى الطلاب المحتاجين في الجامعة.
وللبروفسور تلحوق 75 مقالاً نشرت في المجلات العلمية المتخصصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا، وقد حاضر وشارك في مؤتمرات عالمية عن الحشرات كما زار معاهد لحماية النبات حول العالم، وهو أوصى بمجموعته من الحشرات النادرة إلى متحف التاريخ الطبيعي في دائرة علم الأحياء في الجامعة الأمريكية في بيروت. [19]
[1] (انظر: أبجد العلوم، ج2، ص259 بتصرف).
[2] (في ظلال القرآن، سيد قطب).
[3] (موقع: "منتديات العز الثقافية" بتصرف).
[4] (موقع: "الموسوعة العربية العالمية").
[5] (القرطبي 10/69)
[6] (الرازي 19/227)
[7] (فتح الباري 6/395)
[8] (الشيخ أحمد عبيد الكبيسي، حقوق الحيوان والرفق به في الشريعة الإسلامية، ص 22 - 34، موقع "الجامعة الإسلامية")
[9] (موقع: "الموسوعة العربية العالمية" بتصرف)
[10] (موقع: "الموسوعة العربية العالمية").
[11] ("الموسوعة العربية العالمية" بتصرف).
[12] (موجودة في المكتبة التيمورية بالقاهرة رقم 108)
[13] (موقع: "إسلام ست" بتصرف).
[14] (موقع: "الموسوعة العربية العالمية" بتصرف).
[15] (موقع: "شهود" بتصرف).
[16] (موقع: "الموسوعة العربية العالمية")
[17] (موقع: "إسلام أون لاين").
[18] (موقع: "إسلام أون لاين").
[19] (موقع: "نشرة البحث العلمي بلبنان").
/186_image002.jpg[/img][وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]