[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
يهتم علم الاقتصاد بدراسة السلوك الاقتصادي للأفراد والمجتمعات كالإنتاج والاستهلاك والادخار وتبادل السلع والخدمات، وبالتالي فهو يتصل بكل جوانب الحياة ويتميز بالعمومية والإحاطة.. وينتمي علم الاقتصاد إلى
العلوم الاجتماعية، كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة..
تعريف علم الاقتصاد:
"القصد" في اللغة خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير... وفي الحديث: "ما عال مقتصد ولايعيل" أي ما افتقر من لايسرف في الإنفاق ولا يقتر. (لسان العرب، ج3، ص353).
ويُعرِّف المتخصصون علم الاقتصاد بأنه ذلك الفرع من العلوم الاجتماعية الذي يبحث الاستخدامات المتعددة للموارد الاقتصادية لإنتاج السلع وتوزيعها للاستهلاك في الحاضر والمستقبل بين أفراد المجتمع.
الأمور التي يهتم بها علم الاقتصاد:
يختص علم الاقتصاد بدراسة الأمور الآتية:
1- ماهية السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع، أي ماهية السلع والخدمات التي يجب على المجتمع أن ينتجها وفقاً لموارده الاقتصادية المتاحة، والتي تتميز بالندرة النسبية، الأمر الذي يقتضي المفاضلة بين الاستخدامات البديلة من خلال آليات السوق.
2- بأي طريقة يتم الإنتاج، فهناك طرق إنتاجية متعددة مثل:
- طرق إنتاجية كثيفة العمالة
- طرق إنتاجية كثيفة رأس المال
- طرق إنتاجية كثيفة التكنولوجيا
3- كيفية توزيع الإنتاج بين أفراد المجتمع، أي كيفية توزيع الناتج القومي من السلع والخدمات بين عناصر الإنتاج المشاركة في العملية الإنتاجية، كالعمال، ملاك الأراضي، أصحاب رأس المال، التنظيم، وقد شهد العالم العديد من الأنظمة الاقتصادية أهمها:
- النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يوائم بين الملكية الخاصة والملكية العامة.
- النظام الرأسمالي الذي يقوم علي أساس الحرية المطلقة للأفراد في ممارسة النشط الاقتصادي، والحد من الملكية العامة.
- النظام الاقتصادي الاشتراكي والذي يركز علي الملكية الجماعية لعناصر الإنتاج.
4- مدي الكفاءة التي تُستخدم بها الموارد الاقتصادية، أي ما إذا كان الإنتاج يتم بطريقة كفؤة ويوزع أيضاً بكفاءة.
5- هل موارد المجتمع موظفه توظيفاً كاملا؟
6- هل الطاقة الاقتصادية تنمو بصورة مطردة مع الزمن أم أنها تظل ثابتة؟
فروع علم الاقتصاد
ينقسم علم الاقتصاد إلى فرعين:
1- الاقتصاد الجزئي: ويختص بدراسة الظواهر الاقتصادية الجزئية، مثل دراسة سلوك الوحدات الاقتصادية الفردية، كسلوك المستهلك وسلوك المنتج، ونظرية الثمن، وسعر السلعة..
2- الاقتصاد الكلي: ويختص بدراسة الظواهر الاقتصادية الكلية كالناتج القومي والدخل القومي والاستثمار والادخار والطلب الكلي والعرض الكلي..
ويُستخدم الاقتصاد القياسي الذي يُعنَى باستخدام التحليل الرياضي والإحصائي، في كل من دراسات الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي.
المشكلات الاقتصادية:
ينبغي على كل أمة أن تنظم عملية إنتاج السلع وتوزيعها والخدمات التي يطلبها مواطنوها، ولتحقيق ذلك فإِن النظام الاقتصادي للأمة لابد له من طرح الحلول المناسبة للأسئلة الأربعة الأساسية التالية:
1- ما الذي ينبغي إنتاجه من السلع والخدمات؟
2- كيف سيجري إنتاج تلك السلع والخدمات؟
3- من الذي سيتلقى السلع والخدمات المنتجة؟
4- بأي سرعة سينمو الاقتصاد؟
ما الذي ينبغي إنتاجه؟
ليس بإمكان أي أمة أن تنتج كل ما يكفيها من السلع والخدمات اللازمة للوفاء بكامل احتياجات مواطنيها، ولكن أيُّ السلع والخدمات التي يمكن اعتبارها أكثر أهمية من بين مجموعات السلع والخدمات المختلفة؟ هل من الأفضل استخدام الأرض لرعي الماشية أم لزراعة القمح؟ وهل يجب استخدام المصنع لإنتاج الصواريخ، أم لإنتاج الجرارات، أم أجهزة التلفاز؟
كيف سيجري إنتاج السلع والخدمات؟
أينبغي على كل أسرة أن تزرع غذاءها وتنسج كساءها؟ أم ينبغي إنشاء صناعات متخصصة لتوفر تلك السلع؟ أم ينبغي استخدام العديد من العمال في صناعة معينة؟ أم من الأفضل صناعة المزيد من الآلات التي تضطلع بمختلف المهام؟
من الذي سيتلقى السلع والخدمات؟
هل يجب أن ينال الجميع أنصبة وحصصًا متساوية من السلع والخدمات؟ وما السلع والخدمات التي يجب أن تُخصص للقادرين على شرائها؟ ثم ما السلع والخدمات التي يجب توزيعها بطرق أخرى؟
بأي سرعة سينمو الاقتصاد؟
ينمو الاقتصاد حينما يُنتج المزيد من السلع والخدمات، وعلى الأمة أن تُحدد النسبة من مواردها النادرة التي ينبغي أن تُستعمل لبناء المصانع والآلات، ولتقديم المزيد من التعليم لأبنائها بما يكفل زيادة الإنتاج في المستقبل، كذلك يجب معرفة كم من موارد البلاد يلزم تخصيصه لإنتاج السلع والخدمات، مثل الغذاء والكساء للاستهلاك المباشر، إضافة إلى ذلك ينبغي على الأمة أن تُقرر الكيفية التي تتفادى بها البطالة والنكسات الاقتصادية الأخرى التي تبدد موارد البلاد.
تنمية الاقتصاد
لا بد للاقتصاد من النمو حتى يتمكن من توفير مستوى معيشي مرتفع ومتزايد للناس، أي ما يكفل لهم الحصول على المزيد من السلع والخدمات، وأن تكون نوعيتها أفضل، وبصورة عامة فكلما تسارع نمو اقتصاد بلد ما تحسنت مستويات المعيشة فيه وارتفعت، وهنالك أربعة عناصر رئيسية تجعل من الممكن للبلاد أن تنتج السلع والخدمات، وهذه العناصر التي تسمى بـالموارد الإنتاجية هي: 1- الموارد الطبيعية 2- رأس المال 3- اليد العاملة 4- التقنية.
يعرِّف الاقتصاديون الموارد الطبيعية بأنها تشمل الأرض والمواد الخام، مثل: المعادن والمياه وضوء الشمس.. ويضم عنصر رأس المال المصانع والأدوات والمؤن والمعدات، أما اليد العاملة فتعني كل الناس الذين يعملون أو يبحثون عن عمل، كما تعني مستوياتهم التعليمية وخبراتهم العملية، وتشير التقنية إلى البحث العلمي والبحث في مجال الأعمال والمخترعات.
ولتحقيق النمو، فإن اقتصاد أمة معينة لابد أن يزيد من مواردها الإنتاجية، فعلى سبيل المثال ينبغي على الأمة أن تستعمل جزءًا من مواردها لبناء المصانع والمعدات الثقيلة وغيرها من المواد الصناعية، ومن ثم يمكن استعمال هذه المواد الصناعية لإنتاج المزيد من السلع الأخرى في المستقبل، كذلك ينبغي على البلاد أن تبحث عن المزيد من الموارد الطبيعية وأن تنميها، وأن تبتكر تقنيات جديدة، وأن تُدرب العلماء والعمال ومديري الأعمال الذين سيوجهون الإنتاج المستقبلي، وتُسمى المعرفة التي تكتسبها هذه الفئات "رأس المال البشري".
قياس النمو الاقتصادي
إن قيمة كل مايُنتج من سلع وخدمات في سنة معينة تساوي الناتج الوطني الإجمالي، ويُقاس معدل نمو الاقتصاد بالتغير في الناتج الوطني الإجمالي خلال فترة معينة، عادة ماتكون سنة بعد سنة، وفي الفترة من سنة 1970 إلى 1988م نما الناتج الوطني الإجمالي لبلدان مختلفة بمعدلات متوسطة يختلف بعضها عن بعض كثيرًا، وذلك بعد إجراء التصحيحات اللازمة لاستبعاد أثر التضخم، وقد تحققت المعدلات التالية: بريطانيا 2،2%، الولايات المتحدة 2،9%، أيرلندا 3%، أستراليا 3،3%، كندا 4،4%، ماليزيا 6،5%، سنغافورة 8%، هونج كونج 8،8%، جنوب إفريقيا 9،2%.
ويُمكن قياس درجة النمو الاقتصادي للبلاد باتباع طريقة أخرى، وذلك بدراسة المستوى المعيشي لمواطني البلاد، وللحكم على المستوى المعيشي يُقسم الاقتصاديون أحيانًا الناتج الوطني الإجمالي للبلاد على إجمالي عدد السكان، وينتج من ذلك الحصول على مقياس متوسط الناتج الوطني الإجمالي الفردي، ويقيس متوسط الناتج الوطني الإجمالي الفردي قيمة السلع والخدمات التي قد يحصل عليها الفرد في المتوسط، وذلك إذا ماتم تقسيم كل السلع والخدمات المنتجة في البلاد في تلك السنة على السكان بصورة متساوية.
أهداف المجتمع الاقتصادي
تتمثل الأهداف الرئيسية التي تسعى كافة المجتمعات إلى تحقيقها فيما يلي:
1- الكفاءة: وتعني الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، وعادة يميز الاقتصاديون بين نوعين من الكفاءة:
- الكفاءة الفنية: وتعني إنتاج أكبر كمية من السلع والخدمات بأقل تكلفة ممكنة.
- الكفاءة الاقتصادية (التوزيعية): وتعني إنتاج السلع والخدمات بالكميات التي يريدها المجتمع.
2- النمو الاقتصادي: ويعرف بأنه زيادة كمية السلع والخدمات التي يمكن إنتاجها في المجتمع مع مرور الزمن.
3- الاستقرار الاقتصادي: ويعني ذلك ثبات الأسعار وعدم وجود تقلبات غير طبيعية في المستوى العام للأسعار.
4- العدالة: وتعني توزيع الدخل أو الناتج القومي بين أفراد المجتمع بطريقة عادلة.(1)
النظرية الاقتصادية
يقول علماء الاقتصاد: إن النظرية الاقتصادية مفهوم متكامل يقوم على دعامتين هما: الإنتاج والتوزيع، ولكل منهما نظرية تكمل الأخرى، كما يرون أن للنقود نظرية ثالثة تمد الباحث في الدراسات الاقتصادية بمادة جديرة بالنظر العلمي إلا أنها غير منفصلة عن جوهر الاقتصاد وهو: إنتاج وتوزيع؛ ولذلك يمكن القول بوجود نظريات ثلاث متكاملة: إحداها للإنتاج، والثانية للتوزيع، والثالثة للنقود، ومنها مجتمعة تتألف النظرية الاقتصادية.(2)
علم الاقتصاد الوضعي قبل وبعد الإسلام
لا شك أن الأفكار الاقتصادية قديمة قدم الإنسان نفسه، ومنذ صدور الأمر الإلهي إلى سيدنا آدم بالهبوط من الجنة إلى الأرض وذلك بهدف إعمار الكون والسعي في طلب الرزق، وهذا يعني ببساطة: "العمل والإنتاج"، وهما - كما أشرنا - أساس الاقتصاد؛ قال تعالى: {قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[الأعراف: 24].
واعتبارا من هذا التاريخ والإنسان في صراع مع الطبيعة يحاول إخضاعها لسيطرته، وتسخيرها لخدمته، وذلك بأن يستخرج منها كل ما يكفي احتياجاته ويشبع رغباته، وقد ترتب على ذلك أن واجهته العديد من المشكلات الاقتصادية، وفي سعيه المستمر للتغلب عليها وتطوير قواه الإنتاجية والعملية الاقتصادية بأكملها، نشأت العديد من الأفكار الاقتصادية والتي تعد نتاج الممارسة العملية.
ثم انشغل بعض فئات المجتمع بالفكر بصفة عامة في مختلف أنواعه، وفي إطار ذلك كانت لهم بعض الأفكار الاقتصادية المحدودة بسبب محدودية العملية الاقتصادية؛ فالحاجات محدودة جدا وتنحصر في المأكل والمأوى والملبس، وأدوات الإنتاج بسيطة جد، وتعتمد على القوة الجسدية للإنسان بجانب بعض الأدوات المحدودة جدا.
فقد عرفت مصر القديمة الملكية الفردية، بالإضافة إلى ملكية الانتفاع، كما كانت هناك ملكية مقيدة وتتمثل في أراضي توقف على المعابد لكسب تأييد رجال الدين، غير أن كل ذلك في إطار أن الحاكم وهو الفرعون (والإله) هو المالك الأسمى لكل الأراضي، كما عرفت النقود السلعية كالقمح أولا، ومع التطور ووجود فائض زراعي والتوجه إلى المبادلة والتجارة استخدمت النقود المعدنية وخاصة الذهب، وهناك الكثير من البرديات يشير إلى ذلك.
وأما بشأن بلاد بابل أو ما بين النهرين فكان النشاط الاقتصادي أيضا يرتكز على الزراعة والتجارة، ورغم أن المالك الأسمى للأرض هو الملك (وكان له أيضا صفة الإله) فقد كانت هناك أنواع مختلفة من الملكية، ثم أصبحت الملكية الفردية هي الغالبة، ويحتل قانون حمورابي أهمية بالغة في المجالات الاقتصادية، حيث أورد تنظيما دقيقا لأمور الملكية والربا وغيرها، كما كان يتم استخدام النقود المعدنية في المبادلات.
أما النظام العبراني فتشير الدراسات إلى أنه قد عرف في مرحلة متأخرة التجارة الداخلية والخارجية، وارتبط بذلك الاتجاه نحو تجميع الثروات، ووجود طبقة شديدة الثراء، وارتفاع الضرائب، وزيادة أعداد فئات وطبقات الفقراء، وأدى هذا التغير الاقتصادي إلى ثورة أنبياء بني إسرائيل ضد الجشع واستغلال النفوذ من جانب التجار والمرابين، فكان تحريم الربا على القروض خصوصا بين العبرانيين، أما غير العبرانيين فكان بنو إسرائيل يتعاملون بالفائدة (الربا) معهم.
ولقد كان النشاط الاقتصادي عند الإغريق يرتكز على الزراعة البدائية، وكانت الوحدة الإنتاجية في الزراعة ثلاثة أنواع: وحدات كبار الملاك، ووحدات صغار الملاك، ووحدات مملوكة للدولة، وكانت التجارة الداخلية محدودة بسبب محدودية الحاجات، وكان يُعتَمَد على التجارة الخارجية في استيراد العديد من المنتجات الزراعية وغيرها.
وفي إطار هذا الاقتصاد البسيط، وفي ظل نهضة فكرية ملموسة ومشهورة كانت هناك بعض الأفكار الاقتصادية والتي تتميز بالريادة والإحاطة بالكثير من مكونات التحليل الاقتصادي غير المسبوق في هذه المرحلة التاريخية، فقدم أفلاطون في كتابه الجمهورية، وتحليله الشهير للمدينة المثالية العديد من الأفكار الاقتصادية المهمة، وكان من ذلك رأيه بضرورة وضع ضوابط للملكية الفردية أو الخاصة، وأنها يجب ألا تكون مطلقة.
وقد اقتفى أثر أفلاطون تلميذه أرسطو إلا أن آراءه كانت - في الغالب - تحمل وجهات نظر متباينة معه؛ فقد كان أرسطو مناديا ومحبذا للملكية الخاصة بشكل مطلق، ولكل أفراد المجتمع دون استثناء، ولكل فرد حرية تملك المال والتصرف والاستعمال والاستغلال، واعتبر الملكية حقًّا طبيعيًّا للفرد، وكان لذلك أبلغ الأثر في أوربا فيما بعد.
وإذا كان الرومان لم يقدموا فكرا اقتصاديا يستحق الذكر إلا أنهم قد أثروا في الفكر الاقتصادي مؤخرا وذلك عن طريق أفكارهم والتي تتمثل فيما يلي:
1) فكرة القانون الطبيعي، حيث تعني هذه الفكرة بوجود قانون ليس من خلق الإنسان ولكنه من خلق الطبيعة يحكم العلاقات الاقتصادية، وله صفة الدوام والعمومية، وقد ساد هذا الاعتقاد في القرن الثامن عشر لدى مدرسة الطبيعيين وكذلك لدى المدرسة الكلاسيكية.
2) فكرة المذهب الفردي: وتتضمن هذه الفكرة حق كل شخص في أن يعقد ما شاء من العقود، وكذلك الصفة المطلقة لحق الملكية، وأن يترك النشاط الاقتصادي حرا بدون تدخل من الدولة، وتعتبر هذه الفكرة أساس النظام الرأسمالي الذي ظهر واستقر منذ القرن السادس عشر حتى اكتمل بناؤه في القرن التاسع عشر.
هذا وقد كان النظام الطبقي هو السائد قديما كما عند اليونان والرومان، حيث كان المجتمع مقسم إلى الحاكم والنبلاء، وطبقة الزراع والصناع، وطبقة العبيد والأرقاء، مما كان له أثره المباشر في النظام الاقتصادي السائد.(3)
ولقد كان من بين أقدم النظم الاجتماعية - الاقتصادية (النظم التي تتضمن عوامل اجتماعية واقتصادية مشتركة) نظام العزبية ـ نسبة إلى عزْبة، وقد هيأ ذلك النظام الحلول للمسائل المتعلقة بكيفية إنتاج السلع وتوزيعها في مجتمع زراعي، وتحت ذلك النظام يقوم ملاك الأرض بتأجيرها للمستأجرين، أو باستخدام العمال للعمل على الأرض مقابل أجر، ومازال هذا النظام ساريًا في عالم اليوم في بعض البلدان، وقد بدأ نظام العزبية منذ نهاية الإمبراطورية الرومانية، وانتشر في غرب أوروبا، وبحلول القرن الثاني عشر الميلادي، نمت المعارضة لذلك النظام، وأدى التطور الاقتصادي إلى نمو المدن والدول، حيث كانت لكل واحدة منها نظرتها المختلفة لمبدأ تقسيم السلطة، وقد تلاشى النظام العزبى أولاً في غرب أوروب، ولكنه بقي في بعض الأجزاء الأخرى من أوروبا حتى القرن التاسع عشر.
ولم يتم تطوير النظريات الرئيسية الأولى الخاصة باقتصاديات الأمم إلا في القرن السادس عشر الميلادي، أي ببداية فترة النزعة التجارية، وقد آمن أصحاب النزعة التجارية أن على الحكومة أن تُمارس تنظيم النشاط الاقتصادي لتحويل الميزان التجاري لمصلحتها، وقال هؤلاء: إن الأمم يمكنها زيادة الكمية المعروضة من المال من خلال تصدير المزيد من المنتجات مقارنة بما تستورد، وكان معظم هؤلاء يحبذون الاعتماد على التعرفة الجمركية المرتفعة والموانع الأخرى لتحديد الواردات وتقييدها.
وخلال القرن الثامن عشر، هاجمت مجموعة من الكتاب الفرنسيين، ـ تُسمى الفيزوقراطيين ـ النزعة التجارية، وكان هؤلاء يؤيدون التقليل من تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، كما أنهم كانوا أول من استعمل المصطلح "دعه يعمل" من بين الاقتصاديين، ليعني عدم تدخل الحكومة، كما أن الفيزوقراطيين كانوا أول من بدأ الدراسة المنظمة للكيفية التي تعمل بها الأنظمة الاقتصادية.
الاقتصاديون الكلاسيكيون
يَعُدُّ معظم الاقتصاديين الحاليين آدم سميث أبا الاقتصاد الحديث، وقد بنى سميث - وهو أستاذ فلسفة أسكتلندي - مذهبه على بعض المباديء والأفكار الخاصة بالفيزوقراطيين، ولكنه كان يمتلك فهمًا أفضل لكثير من الأنشطة الاقتصادية، ويضم كتاب سميث (ثروة الأمم) (1776م) الكثير من الأفكار التي لايزال الاقتصاديون الحاليون يقبلونها أساسًا للسوق الحر، وقد قال سميث بأن المنافسة الحرة وكذلك التجارة الحرة كفيلتان بمساعدة الاقتصاد على النمو، كما قال بأن المهمة الرئيسية للحكومة في الحياة الاقتصادية يجب أن تكون العمل على تأكيد المنافسة الفعالة.
عاش سميث إبان حقبة الثورتين الأمريكية والفرنسية، وتوافق تشديده على الحرية الاقتصادية مع الاعتقاد المتزايد بالحرية السياسية الذي سرى خلال تلك الفترة، وبدأ الناس يتقبلون أفكار سميث، كما جرى تطوير النظريات الجديدة عن اقتصاد السوق الحر، وقد أُطلق على سميث وأتباعه مصطلح الاقتصاديين الكلاسيكيين.
وقد كتب ثلاثة من الاقتصاديين البريطانيين الذين عاشوا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بعضًا من أكثر الأعمال نفوذًا وتأثيرًا في الفكر الاقتصادي؛ فقد نشر ديفيد ريكاردو حُجَجًا قوية تدعم التجارة الحرة بين الدول، أما توماس روبرت مالتوس فقد تحدى بعضًا من أفكار سميث ولكنه طور بعضها الآخر لمدى أبعد، وقد حذر مالتوس من أنه إذا تُرِك العنان لأعداد السكان لتستمر في النمو فإن الأمم سوف لن تتمكن في يوم من الأيام من إنتاج ما يكفيها من طعام، وقد اقترح جون ستيوارت مِلْ أن توزع الأرباح بصورة أكثر مساواة بين المستخدمين والعمال.
كارل ماركس والشيوعية
عارض بعض الكتاب الفكرة التي تقول إن المنافسة تقود للنماء الاقتصادي، وكان من أكثرهم تأثيرًا كارل ماركس وهو فيلسوف ألماني عاش في القرن التاسع عشر، ففي كتابه رأس المال فسر ماركس التاريخ البشري الحديث بأنه صراع بين الطبقة التي تملك الصناعة والطبقة العاملة، وأعلن أن الاقتصاد الحر سيقود إلى كساد يتزايد بشكل خطير، وفي نهاية المطاف يؤدي إلى وقوع ثورة يقوم بها العمال، وفي البيان الشيوعي حث ماركس وصديقه فريدريك أنجلز العمال على التمرد على أرباب أعمالهم، وبشرا باقتصاد تمتلك فيه الطبقة العاملة كل الممتلكات، وقد وفرت نظريات ماركس الأساس لبناء الشيوعية.
حلول جديدة لمشكلات قديمة
مع أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الميلاديين بدأ الاقتصاديون في استخدام الطرق العلمية في دراسة المشكلات الاقتصادية؛ ففي فرنسا توصل ليون واراس إلى صيغة رياضية تبين كيف أن أي جزء من الأجزاء المكونة للاقتصاد لابد أن يعتمد في عمله على كل الأجزاء المتبقية، وحث الأمريكي ويسلي كلير ميتشيل من جهته الاقتصاديين على استعمال الإحصاء لاختبار نظرياتهم، ودرس كذلك تعاقب فترات الازدهار والكساد.
وقد أدى الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي إلى أن يشرع الاقتصاديون في البحث عن تفسير جديد لفترات الكساد، وهاجم الاقتصادي البريطاني جون ماينرد كينز الأفكار التي تقول إن الأسواق الحرة تقود دائمًا إلى الرخاء والتوظف الكامل، ففي كتابه (النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال) لمَّح كينز إلى أن الحكومات بوسعها المساعدة في إنهاء الكساد وذلك بزيادة إنفاقها، كما بدأ اقتصاديون آخرون في دراسة الطرق التي تمكِّن من قياس درجة النشاط الاقتصادي، فقد طور سيمون كوزنتز مع بعض اقتصاديي الولايات المتحدة الآخرين طرق قياس الناتج القومي الإجمالي والدخل القومي، وغيرها من العوامل الاقتصادية.
وخلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين الميلادي، رفضت مجموعة من الاقتصاديين تسمى النقديين الكثير من نظريات كينز وأتباعه، وخلافًا لما نادى به كينز حث النقديون الحكومات على زيادة كمية الأموال المعروضة بمعدل ثابت، وذلك من أجل المحافظة على استقرار الأسعار وتشجيع النمو الاقتصادي، وأصبح ميلتون فريدمان ـ وهو اقتصادي أمريكي ـ الرائد الرئيسي للمدرسة النقدية. (4)
أنواع الأنظمة الاقتصادية غير الإسلامية
تطورت في الغرب والشرق نظم اقتصادية متباينة، وذلك لأن الأمم المختلفة لم تتفق يومًا على الكيفية التي يجب أن تحل بها مشكلاتها الاقتصادية الأساسية، وفي عالم اليوم ثلاثة نُظم اقتصادية مهمة هي: 1- الرأسمالية 2- الأنظمة الاقتصادية المختلطة 3- الشيوعية، وتتضمن الأنظمة الاقتصادية لكثير من البلدان عناصر مشتركة من نظم اقتصادية مختلفة.
1- الرأسمالية:
هي النظام الاقتصادي لكثير من البلدان في مختلف أرجاء العالم، وسميت رأسمالية لأن الفرد بوسعه أن يمتلك الأرض ورأس المال مثل المصانع والشقق السكنية والسكك الحديدية، وتشجع الرأسمالية حرية العمل التجاري والاقتصاد الحر؛ لأنها تسمح للناس بأن يباشروا أنشطتهم الاقتصادية بصورة مباشرة ومتحررة إلى حد كبير من التدخل والتحكم الحكوميين.
وكان الاقتصادي الأسكتلندي آدم سميث أول من طرح مباديء النظام الرأسمالي، وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد آمن سميث بأن الحكومات ينبغي عليها ألا تتدخل في معظم الأعمال، وكان يعتقد أن رغبة رجال الأعمال في تحقيق الأرباح إذا ماتم تنظيمها وتقنينها وتأطيرها بالمنافسة، فستعمل مثل اليد الخفية لإنتاج مايرغبه المستهلكون، وتُعرَف فلسفة سميث بعبارة "دعهُ يعمل" (عدم التدخل).
ولا يزال تركيز آدم سميث على الحرية الفردية الاقتصادية يمثل حجر الزاوية للنظام الاقتصادي الرأسمالي، لكن نمو قطاعات الأعمال الحديثة والمدن والتقنيات المتبعة، وتعقُّد كل هذا، قاد الناس إلى إعطاء الحكومات المزيد من الأعباء الاقتصادية يفوق ما خصها به سميث، وفي حقيقة الأمر، فإن العديد من الاقتصاديين يُعرِّفون النظام الأمريكي بأنه نموذج مُعدَّل من الرأسمالية؛ لأن الحكومة تقوم بدور مهمّ فيه.
2- الأنظمة الاقتصادية المختلطة:
وتدعى أيضًا بالأنظمة الاقتصادية الموجهة، وتشتمل هذه الأنظمة على المزيد من التحكم والتخطيط الحكوميين بالمقارنة مع الأنظمة الرأسمالية، ففي الاقتصاد المختلط، غالبًا ما تمتلك الحكومة صناعات مهمة، مثل النقل والكهرباء والغاز والمياه وتسيرها، أما أغلب الصناعات المتبقية فيمكن أن تكون ذات ملكية خاصة، والاشتراكية هي النوع الرئيسي من أنواع الاقتصاد المختلط.
وبعض البلدان ذات الأنظمة الاقتصادية المختلطة دول ديمقراطية؛ إذ ينتخب أفراد الشعب في تلك البلدان حكوماتهم، ويقترعون على بعض السياسات الاقتصادية، كذلك قد يقترعون لزيادة مقدار التحكّم الذي تمارسه الحكومة على الاقتصاد أو تقليصه، وتُسمى الأنظمة الاقتصادية لتلك البلدان غالبًا الاشتراكية الديمقراطية.
3- الشيوعية:
الشيوعية في صورتها التقليدية مبنية على ملكية الدولة لكل الموارد المنتجة تقريبًا، وعلى هيمنة الحكومة على كل الأنشطة الاقتصادية المهمة، ويتخذ مخططو الحكومة كل القرارات المتعلقة بإنتاج السلع وتسعيرها وتوزيعها، ولكن في كثير من الأقطار التي جرى تطبيق هذا النظام فيها لم يؤد ذلك التطبيق إلى ازدهار الاقتصاد، وبنهاية الثمانينيات من القرن العشرين بدأت الكثير من البلدان الشيوعية ـ خاصة الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية الأخرى ـ في التنصل من النظام الشيوعي التقليدي والتخلي عنه؛ فقد خففت هذه البلدان من درجة التحكم الحكومي في الاقتصاد، وشرعت في السماح بالملكية الخاصة للمزارع والمصانع. (5)
علم الاقتصاد الإسلامي
بعد هذا العرض السابق نواجه سؤالا يطرح نفسه: هل جاء القرآن الكريم والسنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده بعناصر متكاملة تمد الفكر العلمي بنظرية علمية يقوم عليها النشاط الاقتصادى في كل من الإنتاج والتوزيع، وفي ظل ما يعرف بالاقتصاد النقدى؟ والجواب: نعم، وسنكتفي بإلمامة خفيفة فى هذا الشأن تفصح عن غرضنا.
إن القرآن الكريم قد أرسى القواعد الكلية لتنظيم الاقتصاد، وجاء بعناصر متكاملة تمد الفكر العلمي بحاجته منه، وتشتمل على الأسس التى تكفل للجنس البشري أوضاعا اقتصادية تحقق له مستويات عليا من الرفاهية قبل أن يقوم علم الاقتصاد ويصل إلى ما وصل إليه من التقدم، ومما جاء في القرآن الكريم:
1- مبدأ العمل:
فالعمل هو السبيل الطبيعي لكسب المعاش، وهو الدعامة التي يقوم عليها المجتمع الإنساني؟ فهذا رجل من أفراد المجتمع يزرع، وذاك يصنع، وآخر يتجر، وغيره يعالج المرضى، أو يسهر على حفظ الأمن، أو يدافع عن الوطن إلى غير ذلك من الأعمال التي يقتضيها نظام الجماعة البشرية، ومن أجل ذلك حثَّ الإسلام على العمل وحضَّ على الكسب من طرقه المشروعة؛ فقال تعالى: {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}، وقال سبحانه: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}، وقال عز وجل: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.
وقال صلى الله عليه رسلم: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" (أخرجه البخاري)، وقال أيضا: "والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه". (أخرجه البخاري).
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لا يقعدنَّ أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهمَّ ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة"، إلى كثير من الآيات والأحاديث والآثار التي تدل على عناية الإسلام بالعمل، وتبين مدى أهميته للفرد والجماعة.
2- الزكاة:
وهي من أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإنساني وينتظم بها اقتصاده؛ فهي من العوامل التي تقلل الفوارق بين الناس فى حظوظ الدنيا، وتطهر نفوس الأغنياء من الشُّحِّ والبخل، وفيها تتجلى مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء، وسدُّ خُلَّتهم، كما أنها تدفع عن الأغنياء عواقب الحقد عليهم من نفوس الفقراء؛ فتسود المحبة وتقوى أواصر الألفة والتعاطف والتراحم بينهما، ومن ثم جعلها الإسلام أحد الأركان التي يقوم عليها بنيانه.
ولقد حث عليها القرآن فى كثير من آياته ورغب فيها وقرنها بالصلاة؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وربه وفيها إصلاح للنفوس، والزكاة صلة بين الأغنياء والفقراء وفيها إصلاح لشئون المجتمع، قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا}، وقال عز من قائل: {وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}، وقال عز وجل: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، وقال سبحانه: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}، وقال صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تكشف عن كثير من نواحي الاقتصاد التى يسعد بها المجتمع.
وإذا استمع الأغنياء إلى مثل هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أدى ذلك إلى صيانة المجتمع من الآلام والشرور التي يقاسيها، وإلى البعد عن الشيوعية، وعن الفتن والثورات التي تنشأ من احتكار الأغنياء للثروة وحرمان الفقراء منها.
وإن الناظر إلى الزكاة وأثرها فى المجتمع يدرك الحكمة من فرضيته، وجعلها ركنا من أركان الدين، وفي المرتبة الثالثة بعد التوحيد والصلاة. وإذا اطمأنت نفس المسلم إلى هذا الحق، وأنه واجب عليه لأخيه المسلم دعاه ذلك لأن يعرف أن عليه أنواعا أخرى من التعاون ليست دون المال.
3- تحريم الربا:
الربا فيه من المفاسد والإضرار بالمجتمع الإنساني من نواحيه الاقتصادية والاجتماعية ما لسنا في حاجة هنا إلى الإسهاب فيها؛ فهو يتنافى مع الأخلاق الكريمة التي يجب أن تسود كل مجتمع فاضل، من المروءة والتعاون والتعاطف والتراحم، ويورث أفراد المجتمع الحقد والبغضاء، ويؤدي إلى حصول أصحاب الأموال على كسب دون عمل؛ فإنهم يستغلون حاجة المحتاج، وينصرفون عن الأعمال المشروعة للكسب الحلال، ويخلُدون إلى الراحة والكسل، ويؤثرون التعامل بالربا مع الراحة الجسمية عن الاشتغال بالزراعة أو الصناعة أو التجارة أو غيرها مما يحتاج إلى تعب وعناء؛ فتتعطل أيدٍ كثيرة من الأيدي التي يجب أن تعمل، كما أنه يوجِد هُوَّةً عميقةً بين طبقات الأمة بتحويل مجرى الثروة إلى جهة واحدة، هي جهة أصحاب الأموال ومحاباة رأس المال أو الانحياز معه على حساب العاملين الكادحين، وفى هذا يقول القرآن الكريم: {كي لا يكون دُولَةً بين الأغنياء منكم}.
وفى ذلك كما رأينا ما فيه من مفاسد اجتماعية واقتصادية، واختلال في توازن المجتمع، فتحريمه والنهي عنه تشريع حكيم له أثره البالغ فى اقتصاد الأمة ومعاشها، يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة}، ويقول سبحانه: {يمحق الله الربا ويُربي الصدقات}، ويقول عز وجل: {فإن لم تفعلوا فَأْذَنُوا بحرب من الله ورسوله}، وعن جابر رضي الله عنه قال: "لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء".
وإن المجتمع الذي يدين بالإسلام؛ فيتذكر دائما قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، وقوله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقةا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون} إلى أمثال هذه الآيات التي تحث على الإنفاق، وعلى فعل الخير لوجه الله تعالى لهو المجتمع الفاضل الذي تنشده الإنسانية، والذي أرسى قواعده محمد صلوات الله عليه وسلامه.
4- الميراث:
شرع الإسلام للميراث نظاما حكيما يقضي بتقسيم تركة المتوفى بين عدد من أفراد أسرته؛ ليحول بذلك دون تضخم الثروات وتجمعها في أيدٍ قليلة، فأين من هذا النظام الإسلامي الحكيم تلك النظم التي يقضي بعضها بانتقال جميع ثروة المتوفى إلى ابنه الأكبر، أو يدع بعضُها المالكَ حرا في أن يوصي بتركته لمن يشاء؛ فتجتمع من جرَّاء ذلك ثرواتٌ ضخمة في أيدي نفر قليل من الناس، مما يثير حفيظة الفقراء في المجتمعات التي تخضع لهذه النظم، ويسبب انتشار المذاهب المتطرفة.
5- قانون من أين لك هذا:
وهو قانون اقتصادي عظيم، ومبدأ خلقي جليل، وأصل إسلامي صميم طبقه النبي صلى الله عليه وسلم على بعض عماله على الصدقات حين رأى أنه استغل عمله لجمع مال لنفسه فأخذه منه، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا، ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي؛ فهلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئا بغير حقه إلا جاء اللهَ يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه إلى السماء حتى رُؤِيَ بياض إبطيه وهو يقول: ألا هل بلغت؟". (رواه البخاري ومسلم).
وقد مضى على تطبيقه في حزم وصرامة عمر بن الخطاب، فكان يراقب عماله وولاته؛ فلا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى لا ينحرفوا فيستغلوا مناصبهم في الاستكثار من الثروات الشخصية، وله في ذلك التصرفات الحازمة الحكيمة التي ازدانت بها سيرته.
6- الأراضي التي فتحت عنوة:
كان لعمر رضي الله عنه رأي سديد في شأن الأراضي التى فتحت على المسلمين، وكان لرأيه هذا أثر عظيم في اقتصاد الدولة الإسلامية، من حيث الإنتاج والتوزيع - وهما جوهر الاقتصاد كما هو معروف - ذلك أنه حينما فتح الله على المسلمين العراق والشام، وغيرهما من الأقاليم الواسعة رأى عمر رضوان الله عليه ألا تقسم هذه الأراضي المفتوحة بين الغانمين، ولكن تترك لأهلها مع وضع الخراج عليها لينفق منه على مصالح المسلمين على الدوام، ووافقه على رأيه هذا بعض الصحابة، وعلى رأسهم عثمان وعليّ وطلحة وابن عمر رضي الله عنهم، وعارضه بعضهم، وكان أشدهم عليه فى ذلك الزيير بن العوام وبلال بن رباح وسلمان الفارسي، فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا فيما بينهم، فعمد إلى تحكيم عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج؛ رغبة منه في أن يشتركوا معه في الأمانة التي حملها، فأعطى المحكمون رأيهم لعمر بعد أن استمعوا إلى رأي كل فريق من الطرفين، وكل ذلك إلهاما من الله وتوفيقا لعمر، وفيه كانت الخيرة والمصلحة الراجحة للمسلمين، وعموم النفع لجماعتهم.
7- النقود:
كذلك لم يفت الإسلام أن يُعنَى بأمر النقود؛ لأثرها المهم في معاملات الناس بعضهم مع بعض، فنرى أنه قد عني بضبطها وتحديد قيمتها حتى لايكون هناك سبيل إلى التلاعب بها، والفوضى في تداولها.
روى البلاذُرِي أن دراهم الأعاجم كانت ما العشرة منها وزن عشرة مثاقيل، وما العشرة منها وزن ستة مثاقيل، وما العشرة منها وزن خمسة مثاقيل، فجمع ذلك فَوُجِدَ واحدا وعشرين مثقالا، فأخذ ثلثه وهو سبعة مثاقيل فضربوا دراهم وزن سبعة مثاقيل. (6).
ومن خلال هذا كله كان هناك ما يعرف بـ (النظام المالي) وعرضه كما يلي:
النظام المالي الإسلامي
راعت الدولة الإسلامية أن يكون لها نظام مالي تسير عليه؛ فأنشأت بيتا للمال يقوم على رعاية مصالحها، وهو يشبه وزارة المالية في وقتنا الحاضر، والقائم عليه يشبه وزير المالية. ولبيت المال حقوق وعليه واجبات، فكل ما يستحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم فهو حق من حقوق بيت المال، وكل ما وَجَبَ صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال، ولبيت المال موارد هي الصدقة والغنيمة والفيء، وهذه الموارد قسمان: موارد دورية تجبى في أوقات معينة من كل عام كالزكاة والجزية، وموارد غير دورية كخمس الغنائم والركاز.
1- الصدقة:
الصدقة أو الزكاة هي ما يؤخذ من أغنياء المسلمين ليرد على فقرائهم،وقد بينا فيما سبق بعض مالها من آثار جليلة للمجتمع، وأنها من مظاهر التكافل الاجتماعي والأخوة الإنسانية، ومصادرها: السوائم (الإبل والبقر والغنم) والفضة والذهب، وعروض التجارة، والزروع والثمار، وقد بينت الشريعة لكل ذلك نصابا معينا لا تجب الزكاة فيما دونه، ومصرفها ما ذكر في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
ولعل في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن جماع القول لخصائص الزكاة، فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم..".
ويؤخذ من هذه الوصية أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء، وأنها تؤخذ في إنصاف؛ فلا تؤخذ كرائمُ الأموال وخيارها.
2- الغنيمة:
وهي ما يغنمه المسلمون ويأخذونه من أموال الكفار بالقتال والجهاد في سبيل الله، وهي أنواع: أسرى وسبي وأموال منقولة وأرضين على خلاف فيها، فالأسرى هم المقاتلون الذين يقعون في الأسر، والسبي هم النساء والأطفال الذين يقعون في أيدي المسلمين، ولا يجوز أن يقتلوا، ويكونون سبيا مسترقا يقسمون مع الغنائم، ويجوز قبول الفدية منهم، والأموال المنقولة هي ما يمكن نقله كالنقود والماشية.
والواجب في المغنم تخميسه وصرف الخمس إلى من ذكرهم الله تعالى بقوله: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)، وقسمة الأربعة الأخماس الباقية بين الغانمين.
3- الفيء
وهو كل مال وصل من المشركين عفوا من غير قتال، ولا بإيجاف ولا خيل ولا ركاب، ويدخل فيه الجزية والخراج والأعشار وغيرها.
4- الجزية:
وهي ما كان يُوضَعُ على رءوس أهل الذمة، وتؤخذ من الرجال القادرين لا ممن يُتصدق عليهم، ولا ممن لا قدرة له على العمل، وكانوا يقدرونها حسب أحوال أهل الذمة غنى وفقرا، لكن لا تزيد على ثمانية وأربعين درهما، ولا تنقص عن اثني عشر درهما في السنة، وكانت تؤدى منجمة، وتسقط بالإسلام.
وتقبل من غير المسلمين أيا كانوا إلا إذا كانوا من العرب عبدة الأوثان أو من المرتدين، فهؤلاء لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، أما غيرهم من النصارى واليهود والمجوس وعباد الأوثان من العجم فيقبل منهم الإسلام أو الجزية أو السيف، والجزية بدل عن القتل أو القتال، فدافعها لا يقتل ولا يدعى إلى قتال، وهو آمن على نفسه وماله.
5- الخراج:
وهو ما كان يوضع على الأراضي التي فُتِحَتْ عنوة ثم تركت بأيدي أصحابها على أن يؤدوا عنها الخراج، ومما يدخل تحت الخراج ويعتبر من موارد بيت المال في الإسلام: أعشار التجارة، وأخماس المعادن، والمراعي والضياع، وأثمان المياه، وما يوضع على الملاحات والآجام وغيرها مما يعد من قبيل الخراج. (7)
المِلْكِية في النظام الاقتصادي الإسلامي
تتقسم الملكية في نظام الإسلام الاقتصادي إلى أربعة أقسام:
أ ـ الملكية الفردية (الخاصة) ب ـ الملكية العامة
ج ـ الملكية المزدوجة أو الاقتصاد المختلط د ـ ملكية الدولة.
الملكية الفردية (الخاصة)
أباح الإسلام للمسلم حق التملك بحكم الاستخلاف في الأرض؛ فهو مستخلف في الأرض لاستعمارها واستغلال خيراتها لمصلحة نوعه، لكن أصل الاستخلاف في الإسلام ليس للفرد إنما للأمة والجماعة قال تعالى: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد: 7]، وقال تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32]، وهذا تقرير لحق الفرد في تملك ما كسبه بعرقه وجهده، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قُتِل دون ماله فهو شهيد" أخرجه الشيخان.
والملكية الفردية تكافيء ما يبذله الإنسان في تعمير الأرض واستغلالها، وبقدر بذله وجهده يكون حظه من هذه الملكية، وهو وكيل في هذه الملكية يتصرف فيها بأمر موكله وهو الله سبحانه وتعالى، وحق هذه الوكالة هو القيام بواجبات الإنفاق الخاص على نفسه وأهله وخاصته ثم القيام بواجبات الإنفاق العام كالزكاة والصدقة والنذور والكفارات وما إلى ذلك، وكذلك ينفق على أنواع البر المختلفة، قال تعالى في حق الأنصار: {يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويُؤْثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9].
فصفة الإيثار هي التي تميز المسلم، وتجعله ينفق على أوجه الخير ليطهر نفسه بهذا الإحسان، وينفي عنها البخل والشح لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] ويحق للملكية الفردية الإسهام الفعال في أنواع الاستثمار المختلفة، وجميع ألوان التجارة، وكذلك يحق للملكية الفردية المساهمة في العمل الحر المنتج الصناعي والزراعي، والاستثناء الوحيد من الملكية الفردية في الإسلام هو أن جزءًا من الملكية العامة لا يحق للفرد أن يمتلكه ولا حتى ملك وظيفة، ويتمثل ذلك في المرافق العامة الضرورية لحياة المجتمع التي ورد ذكرها في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار "، وما صارت هذه شركة للناس إلا لأنها من المرافق الحيوية التي لا تصلح للملكية الفردية، والحكمة من ذلك أن لا يُترَك موردٌ عامٌّ وضروري لحياة كل الناس، تحت تصرف فردي يخضع لرغبات أحد من الناس إن شاء أمسك وإن شاء أرسل.
وللملكية الفردية ضوابط أخرى تقع جُلُّها في دائرة ما أمر به الله وما نهى عنه أي أن لا يخرج المسلم عن هذه الدائرة، وضابط آخر بعد ذلك هو الالتزام بقاعدة: "لاَضَرر ولا ضِرار" أي ألا تسبب الملكية الفردية ضررًا للملكيات الأخرى، وإذا أصابها ضرر من الملكيات الأخرى ألا ترد الضرر بضرر مثله بل ترده إلى ولي الأمر، وتخضع الملكية الفردية لضوابط الإنفاق الإسلامية لكي لا يكون هناك ضرر أو ضِرار.
الملكية العامة
المالك فيها هو الأمة بصفتها الاستخلافية {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد: 7] والأمة تملك الرقبة والعين، قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا وارزقوهم فيها واكسوهم} [النساء: 5] فجعل الضمير في المال يعود للجماعة (الأمة) وليس للسفهاء، والذي يتولى أمر هذه الملكية هو الحاكم بصفته الاعتبارية، أي باعتباره حاكمًا وليس بصفته الشخصية كفرد من أفراد المجتمع، وتتمثل الملكية العامة في المعادن والوقود، وهذه أيضًا تخضع للملكية العامة إلا إذا عجزت الدولة عن استخراج المعادن أو الوقود، فإنها حينئذ تكلف القطاع الخاص (الملكية الخاصة) باستخراج المعادن أو الوقود بالشروط التي يتفقان عليها.
وكذلك الغابات جزء أساسي من الملكية العامة، ويجوز للدولة أن تستقطع منها شيئًا للملكية الخاصة بنفس شروط انتقال الملكية في الأراضي الزراعية على أن تكون ملك وظيفة فقط؛ فالملكية العامة على هذا تشمل القطاعات الأساسية في الاقتصاد القومي، والقاعدة العامة: كل ما لا يستغني عنه المسلمون فهو عام، هذا بالإضافة إلى القطاع الحديث الذي يسمى القطاع الخدمي الذي يُعنى بالخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطنين، وهذا القطاع يقع تحت الإشراف المباشر للدولة، وللملكية العامة -وهي ملك الأمة- أن تساعد في ترقية وتحسين أدائه.
أما وظائف الملكية العامة فهي:
1- إيجاد مصدر عام لتمويل النفقات العامة، والدليل على ذلك أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جعل الأراضي المفتوحة (أراضي السَّواد) ملكية عامة، وفرض على استغلالها الخراج الذي تُمَوَّل به الخزانة العامة وتُغطَّى به النفقات العامة.
2- التوازن الاجتماعي؛ وهو إجراء توزيعي يهدف إلى إشباع حاجات الفئات الفقيرة، وهذا له مصدر معروف وهو الزكاة التي تقوم الدولة بتوزيعها لإغناء الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وطبيعة الملكية العامة أنها ملك عام لكل فرد فيه حق كما قال عمر بن الخطاب: "ما من أحد إلا وله في هذا المال حق، أُعْطِيَهُ أو مُنِعَهُ" لكن المالك الحقيقي فيه هو الأمة مجتمعة، أي أنها تملك الرقبة والعين ويملك الفرد فيها الوظيفة والمنفعة دون الرقبة والعين، أما الدولة فهي التي تقوم بتنمية هذه الملكية وتثميرها بالوكالة عن الأمة.
الملكية المزدوجة، أوالاقتصاد المختلط
هي في الأصل مزيج من الملكية الخاصة والعامة، تعمل جنبًا إلى جنب في استثمار الأموال العامة بحيث تُقسَّم الأرباح بينهما بنسبة إسهام كلٍ منهما في الاستثمار، وتسمّى هذه بالشركات، وقد أجازها الإسلام وجعل لها شروطًا تتحقق بها المصلحة الخاصة والعامة وينتفع بها المجتمع وتحفظ حقوق الشركاء في ذات الوقت.
ويمكن أن تأخذ الملكية المختلطة شكلاً آخر هو اشتراك القطاع العام أو الدولة مع القطاع الخاص (الملكية الفردية) في نشاط اقتصادي بالمشاركة مع احتفاظ كل منهما بنسبة أرباحه حسب الاتفاق، ويعرف هذا في كثير من دول العالم اليوم بالاقتصاد المختلط، وهو الذي يميز الاقتصاد الحر عن الاقتصاد المركزي الذي يعتمد على التخطيط الحكومي أولاً وأخيرًا.
ملكية الدولة
المالك الفعلي فيها هو الدولة بشخصيتها الاعتبارية، وسلطة الدولة في هذه الملكية هي أن ترعى هذه الملكية وتُنميها وتطورها لمصلحة الأمة، باعتبار أن الدولة موظفة لدى الأمة وخادمة لها ووكيلة عنها في إدارة الاقتصاد القومي ورعاية الملكيات الخاصة، وتشجيعها على الاستثمار والاتجار والمشاركة الفعلية في النشاط الاقتصادي، وتسمّى هذه الوظيفة ملكية الدولة، والدولة تقوم بدور الإشراف الكلي على الاقتصاد نيابة عن الأمة، والفرق بين ملكية الدولة والملكية العامة هو أن المالك في ملكية الدولة هو الحاكم بصفته الاعت