[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
وهو ضبط النفس، وكظم الغيظ، والبعد عن الغضب، ومقابلة السيئة بالحسنة. وهو لا يعني أن يرضي الإنسان بالذل أو يقبل الهوان، وإنما هو الترفع عن شتم الناس، وتنزيه النفس عن سبهم وعيبهم.
والحلم صفة من صفات فهو الحليم، يرى معصية العاصين ومخالفتهم لأوامره فيمهلهم، ولا يسارع بالانتقام منهم, قال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }[البقرة:235]
حلم الأنبياء
الحلم خلق من أخلاق الأنبياء، قال تعالى عن إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة:114]، وقال عن إسماعيل: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }[الصافات:101].
حلم النبي صلى الله عليه وسلم
كان أحلم الناس، فلا يضيق صدره بما يصدر عن بعض المسلمين من أخطاء، بل يكظم غيظه ويعفو ويصفح ويغفر لمن يزلّ، ويتنازل عن حقوقه الخاصة ما لم تكن حقوقا لله, وذلك لأن خلقه القرآن, وليس ذلك فحسب بل وكان يعلم أصحابه ضبط النفس.
فقد بلغ بحلمه إطفاء نار العداوات ممتثلاً قول ربه {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[المؤمنون:96]، والآن انظر معي لمواقفه في الحلم.
1 - كان يبلغه الكلام السيئ فيه، فلا يبحث عمن قاله ولا يعاتبه ولا يعاقبه
لما كان يوم حنين، آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته فأخبرته، فقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر "
2- خبت وخسرت إن لم أكن أعدل
فمن حديث أبو سعيد الخدري قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال صلى الله عليه وسلم: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل".
3- حليماً يدعو للناس ولا يدعو عليهم
قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه، على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن دوسا عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: " اللهم اهد دوسا وأت بهم".
4- حلمه على الأعداء (إسلام فضالة)
قال ابن هشام: وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح؛ فلما دنا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أفضالة ؟"قال: نعم فضالة يا رسول الله؛ قال: "ماذا كنت تحدث به نفسك ؟" قال: لا شيء، كنت أذكر الله؛ قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "استغفر الله"، ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه؛ فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه قال فضالة: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلم إلي الحديث، فقلت: لا، وانبعث فضالة يقول:
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا *** يأبى عليك الله والإسلام
لوما رأيت محمداً وقبيلة *** بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بينا *** والشرك يغشى وجهه الإظلام
- لا يغضب إلا إذا انْتُهِكَتْ حرمة من حرمات الله
فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده. ولا امرأة. ولا خادما. إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قط. فينتقم من صاحبه. إلا أن ينتهك شيء من محارم الله. فينتقم لله عز وجل).
فضل الحلم
1- الحلم صفة يحبها الله عز وجل، فلقد قال صلى الله عليه وسلم للأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة".
2- الحلم وسيلة للفوز برضا الله وجنته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه؛ دعاه الله سبحانه على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب، ولك الجنة".
3- الحلم دليل على قوة إرادة صاحبه، وتحكمه في انفعالاته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرْعَة -أي مغالبة الناس وضربهم-، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
4- الحلم وسيلة لكسب الخصوم والتغلب على شياطينهم وتحويلهم إلى أصدقاء، قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }[فصلت:34].
5- الحلم وسيلة لنيل محبة الناس واحترامهم، ويُجنِّب صاحبه الوقوع في الأخطاء.
أما عن الغضب
الغضب هو إنفاذ الغيظ وعدم السيطرة على النفس، وهو خلق ذميم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أوصني، قال: "لا تغضب". فردد مرارا، قال: " لا تغضب".
أنواع الغضب
1- الغضب المحمود: هو الذي يحدث بسبب انتهاك حرمة من حرمات الله، ويكون هدفه الدفاع عن العرض أو النفس أو المال أو لرد حق اغتصبه ظالم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة والأسوة الحسنة لا يغضب أبدًا إلا أن يُنْتَهك من حرمات الله شيء.
2- الغضب المذموم: وهو الذي يكون لغير الله، أو يكون سببه شيئًا هينًا، فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على نفسه، وقد ينتهي أمره إلى ما لا يحمد عقباه، ومن الغضب المذموم أن يغضب المرء في موقف كان يستطيع أن يقابل الإساءة بالحلم وضبط النفس.
علاج الغضب
وذلك كما بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم:
1- السكوت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم فليسكت".
2- الجلوس على الأرض: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن الغضب جمرة -أي مثل النار الملتهبة- في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حُمْرة عينيه وانتفاخ أوداجه -أي ما أحاط بالحلق من العروق- فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض.. إلى نهاية الحديث "
3- تغيير الوضع الذي عليه: قال الله صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع -أي ينام على جنبه أو يتكئ".
4- تدريب النفس على الحلم: وهو أهم وسائل العلاج، وقد أمر الله به، فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }[الأعراف:199]، ووصف به عباده فقال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}[الفرقان:63].
المصدر: موقع الدعوة الإسلامية.