[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
1- ظهور روح الدعة والانغماس في الملذَّات والشهوات عند حُكَّام المرابطين وأمرائهم في أواخر عصر علي بن يوسف، وكان للمجتمع الأَنْدَلُسي تأثير لا ينكر في قادة وأمراء وحكام دولة المرابطين الذين استجابوا لنزوات شهواتهم، وانغمسوا في الحياة الدنيا، فتحقَّق قول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16](1).
يقول سيِّد قطب رحمه الله: "والمترفون في كلِّ أمَّة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال، ويجدون الخدم، ويجدون الراحة، فينعمون بالدعة والراحة، وبالسيادة حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأرض والحرمات، وهم إذا لم يجدوا مَنْ يَضْرِبُ على أيديهم عاثوا في الأرض فسادًا، ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها، ومن ثَمَّ تتحلل الأمة وتسترخي، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها...".
والآية تقرر سنة الله هذه في إهلاك مَن انغمس في الشهوات، وأسرف في الملذات، وتحلل مِن القيم والأخلاق، ولازم الفسق والانحلال والفساد.
2- ظهور السفور والاختلاط بين النساء والرجال، وبدأت دولة المرابطين في آخر عهد الأمير علي بن يوسف تفقد طُهرَها وصفاءَها الذي اتصف به جيلهم الأول؛ مما جعل الرعية المسلمة تتذمر من هذا الانحراف والفساد، وتستجيب لدعوة مُحَمَّد بن تومرت الذي أظهر نفسه للناس بالزاهد والنَّاسك والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
3- انحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثي الذي سبّب نزاعًا عنيفًا على منصب ولاية العهد بين أولاد علي بن يوسف، كما تطلع مجموعة مِن الأمراء إلى منصب الأمير علي ونازعوه في سلطانه مما سبب تمزقًا داخليًّا؛ ففقدت الدولة المرابطية وحدتها الأولى، وكثرت الجيوب الداخلية في كيان الدولة، وتفجرت ثورات عنيفة في قرطبة، وفي فاس وغيرهما ساهمت في إضعاف الوحدة السياسية وإسقاط هيبة الدولة المرابطية.
4- الضيق الفكرى الذي أصاب فقهاء المرابطين وحجرهم على أفكار النَّاس، ومحاولة إلزامهم بفروع مذهب الإمام مالك وحده، وعملوا على منع بقية المذاهب السنية تعصبًا لمذهبهم، وكان لفقهاء المالكية نفوذ كبير؛ مما جعلهم يوسعون تعصبهم وتحجرهم الفكري.
ويرى بعض المؤرخين أن التعصب الأعمى عند فقهاء المرابطين في زمن الأمير علي بن يوسف كان السبب الأول في سقوط دولة المرابطين(2)، لقد أسهم فقهاء المالكية في دولة المرابطين بقسط وافر في تذمر الرعايا، وإضعاف شأن الإمارة. لقد استغل بعض الفقهاء نفوذهم من أجل جمع المال، وبناء الدور، وامتلاك الأرض، وعاشوا حياة البذخ والرفاهية المفرطة، وكان ذلك سببًا في إيجاد ردة فعل عنيفة عند أفراد المجتمع المرابطي، وانبرى الشعراء في تصوير حال الفقهاء في تلك الفترة، فقال أبو جعفر أحمد بن مُحَمَّد المعروف بابن البني:
أهل الرياء لبستـم ناموسكـم *** كالذئب أدلج في الظلام العاتـم
فملكتم الدنيا بمذهـب مالـك *** وقسمتم الأمـوال بابن القاسـم
وركبتم شهب الدواب بأشهـب *** وبأصبغ صبغت لكم في العالم(3)
5- ومن أهم العوامل التي أسقطت دولة المرابطين: فقدها لكثير من قياداتها وعلمائها العظام أمثال سير بن أبي بكر، ومُحَمَّد بن مزدلي، ومُحَمَّد بن فاطمة، ومُحَمَّد بن الحاج، وأبي إسحاق بن دانية، وأبي بكر بن واسينو.. فمن لم يستشهد من كبار رجال الدولة أدركه الموت الطبيعي، ولم يستطع ذلك الجيل أن يغرس المبادئ والقيم التي حملها في الجيل الذي بعده، فاختلفت قدرات الجيل الذي بعدهم واستعداداتهم، وهذا درس مهم لأبناء الحركات الإسلامية في أهمية توريث التجارب والخبرات المتنوعة والمتعددة للأجيال المتلاحقة(4).
6- ومن أهم العوامل التي أنهكت دولة المرابطين، أنها مرَّت بأزمة اقتصادية حادة؛ نتيجة لانحباس المطر عدة سنوات، وحلول الجفاف والقحط بالأندلس والمغرب، وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية أن أسراب الجراد هاجمت ما بقي مِن الأخضر على وجه البلاد؛ مما هيأ الظروف لانتشار مختلف الأوبئة بين كثير مِن السكان، ووقعت هذه الأزمة في الفترة الواقعة ما بين أعوام 524هـ- 530هـ(5).
7- ومن أهم الأسباب الرئيسية في زوال دولة المرابطين -في نظري- صدامها المسلح مع جيوش المُوَحِّدين.
المصدر: كتاب (فقه التمكين عند دولة المرابطين).