[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الإباضية هي إحدى فرق الخوارج الكبرى, وقد رأينا تقديمها بشكل مستقل؛ كون هذه الفرقة ما زالت منتشرة بنفس هذا الاسم، ولها تواجد في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، وخاصة في سلطنة عُمان.
والحديث عن الإباضية يدفعنا للحديث قليلاً عن الفرقة الأم وهي الخوارج, والتي تفرَّعت منها الإباضية؛ فالخوارج هم الذين يكفّرون بالمعاصي, ويخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم, ويشمل ذلك الخوارج الأولين, ومن تفرّع عنهم من الأزارقة والصفرية والنجدات (وهذه الثلاث قد انقرضت)، والإباضية (وهم باقون إلى اليوم).
كما يشمل اسم الخوارج كل من أخذ بأصولهم وسلك سبيلهم, كجماعات التكفير والهجرة في هذا العصر ونحوهم, وتعتبر الخوارج أول الفرق ظهورًا في التاريخ الإسلامي.
الإباضية.. التسمية والنشأة
وعودة إلى الإباضية التي هي إحدى فرق الخوارج، رغم أن أصحابها والمنتسبين إليها ينفون عن أنفسهم هذه النسبة؛ إذ يعدون مذهبهم مذهبًا اجتهاديًّا فقهيًّا سنيًّا، يقف جنبًا إلى جنب مع الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية.
وسميت هذه الفرقة بالإباضية نسبة إلى عبد الله بن إباض, أحد بني مرة بن عبيد من بني تميم, ويُعدُّ عبد الله بن إباض من طبقة التابعين, ولم تذكر المصادر الموثوقة تاريخ ولادته ووفاته, لكنها تجمع على أنه عاصر عبد الملك بن مروان المتوفَّى سنة 86هـ, وأنه أحد رءوس الخوارج, وقد أجمعت الإباضية قديمًا وحديثًا على إمامته فيهم وانتسابهم إليه.
الإباضية.. الأفكار وأبرز الشخصيات
نشأت الإباضية على أصول الخوارج, وتلتقي معها على أغلب الأصول.
ومما يؤمن ويعتقد به الإباضيون ويخالف منهج أهل السنة والجماعة، قولهم بأن مرتكب الكبيرة كافر, ويفسرون بأن معناها كفر النعمة, هذا في الدنيا.. أما في الآخرة فيرونه مخلدًا في النار, وينكرون رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم, ويقولون: إن صفات الله هي عين ذاته, وأن الاسم والصفة بمعنى واحد, كما أنهم يؤولون صفات الله الخبرية كالاستواء والنزول والمجيء, وكاليد والوجه والعين والنفس.
ووقعت الإباضية في صحابة النبي , وطعنت في عدد من أجلاّء الصحابة كعثمان وعلي وعمرو بن العاص ومعاوية وطلحة والزبير وأصحاب الجمل رضي الله عنهم جميعًا.
ومن أبرز شخصياتهم جابر بن زيد (21-96هـ), وأبو عبيدة مسلمة بن أبي كريمة, والربيع بن حبيب الفراهيدي صاحب (مسند الربيع) الذي جمع فيه الأحاديث, ويعتبره الإباضية أصح كتاب بعد كتاب الله. ومن أبرز شخصياتهم كذلك الإمام الحارث بن تليد، وأبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح, وأبو حاتم يعقوب بن حبيب، وحاتم الملزوزي, ومنهم سلمة بن سعد الذي قام بنشر مذهبهم في إفريقيا أوائل القرن الثاني الهجري.
وفارق الإباضية جماعة المسلمين كغيرهم من الخوارج, ورأوا أن الإمام إذا ارتكب كبيرة حل دمه, ولا يقرون لأئمة المسلمين -من غيرهم- بإمامة شرعية، عدا أبا بكر وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.
وتعتبر مسائل مرتكب الكبيرة, والنظرة إلى الصحابة، والخروج على الأئمة، ومفارقة جماعة المسلمين من الفوارق الرئيسية بينهم وبين أهل السنة, ومن الأصول الكبرى التي أخرجتهم عن منهج السلف وجعلتهم في عداد الفرق والأهواء.
تاريخ الإباضية
بما أن تاريخ الإباضية لا يتجزأ من تاريخ الخوارج, فإنه يمكن تقسيمه إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل تمييز الإباضية عن بقية الخوارج, أي المرحلة التي بدأت فيها حركات الخوارج الغلاة الذين قاتلوا عليًّا وواجهوا الصحابة, ثم واجهوا الدولة الأموية في عهد معاوية ومن بعده, وانضموا إلى ابن الزبير وكان منهم عبد الله بن إباض مؤسس الإباضية مع رءوس الخوارج كنافع بن الأزرق وابن الصفار وأبي بيهس ونجدة الحنفي.
المرحلة الثانية: المرحلة التي صاحبت ظهورها ثم تلت بعد ذلك, وفيها استقل ابن إباض عن بقية الخوارج حين خالفهم في مسألة حكم المخالفين لهم في عهد عبد الملك, وفي هذه الحقبة (القرن الأول للهجرة) لم يكن للإباضية دولة ولا مواقف مشهورة إلا أنهم كانوا يشكلون جبهة معارضة عقدية وسياسية إمامة لإمامة بني أمية.
وكما نشأ مذهب الإباضية في القرن الأول في البصرة وخراسان ثم عُمان وحضرموت في جزيرة العرب, فقد امتد مع بداية القرن الثاني إلى الشمال الإفريقي.
1- تاريخ الإباضية في عمان:
أول نشأة للإباضية بدأت في البصرة وما حولها ثم في عُمان وخراسان، تبعًا لفلول الخوارج في عهد الدولة الأموية, ولكنها تركزت فيما بعد في عُمان.
وفي أول الدولة العباسية وأيام المنصور عقد الإباضية البيعة لأول إمام لهم بعُمان عام (134هـ) اسمه "الجلندى بن مسعود" وهم يعدون ذلك -الخروج على أئمة المسلمين وجماعتهم- من مفاخرهم ومواقفهم الدينية والسياسية والتاريخية التي يبنون عليها أصولهم وأمجادهم.
وظلت الإباضية في صراع طويل مع أئمة المسلمين, وكانوا في أثناء ذلك ينصبون إمامًا تلو آخر, وفي سنة 1161هـ بايع الإباضية "أحمد بن سعيد"، حيث انتقلت الإمامة إلى آل سعيد, ولا تزال دولتهم قائمة حتى اليوم في عُمان.
2- تاريخ الإباضية في الشمال الإفريقي:
أول حركة للإباضية عُرفت في التاريخ بجهة المغرب العربي ظهور "الحارث وعبد الجبار" الإباضيين ومواجهتهما للدولة الأموية أيام آخر خلفائها مروان بن محمد, وانتزعا طرابلس وسيطرا على تلك الناحية حينًا من الدهر، وقتلا سنة 121هـ.
وفي سنة 140هـ, بايع الإباضيون هناك "عبد الأعلى بن السمح" في ليبيا, ودانت له طرابلس ثم القيروان وبرقة وفزان, وأعلن الخروج على الدولة العباسية, وبعده التف فريق منهم حول "عبد الرحمن بن رستم" من سلالة كسرى ملك الفرس, الذي تمكن في النهاية من إقامة دولة "بني رستم الإباضية" وعاصمتها تاهرت، وتولى بعده ابنه عبد الوهاب الإمامة سنة 171هـ, ثم توالت إمامتهم في عقبه.
وفي سنة 269هـ تقريبًا انتهت الدولة الإباضية الرستمية بالمغرب العربي على يد الفاطميين, وبعدها صاروا يقيمون إمارات صغيرة ومشيخات طائفية إقليمية تنزع إلى الاستقلالية خاصة في (جبل نفوسة)، وقد تتوسع أحيانًا إلا أنه لم تقم لهم دولة ذات سلطان نافذ أو مدة طويلة في المغرب العربي بعد الدولة الرستمية.
وما يزال لهم في الوقت الحاضر وجود في عُمان وحضرموت واليمن وليبيا وتونس والجزائر، وفي واحات الصحراء الغربية.
للاستزادة:
1- الفرق بين الفرق - الإمام عبد القاهر البغدادي - ص103.
2- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي - ص15.
3- الخوارج - الدكتور ناصر عبد الكريم العقل - ص45.
4- الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة – عبد القادر شيبة الحمد - ص138.
5- دراسات في الأديان والفرق - د. سعيد البيشاوي وآخرون - ص103.
المصدر: موقع الراصد نت.