[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
موقعةالعقاب من المعارك التاريخية في مصير دولة الإسلام في الأندلس, وكانت في 15 صفرسنة 609هـ بين الموحدين حكام الأندلس والمغرب بقيادة الناصر لدين الله والصليبيينبقيادة ألفونسو الثامن, وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للموحدين قتل فيها عشراتالآلاف, فما أسباب معركة العقاب ونتائجها؟ وما أسباب الهزيمة؟
لقد شهدتبلاد الأندلس العديد من المعارك الحاسمة والتاريخية في مصير دولة الإسلام فيالأندلس، والتي كانت بمثابة النقاط الفاصلة في حياة الأمة، وإن كانت معارك مثلوادي لكة وبلاط الشهداء وبرشلونة وفتح جليقية والزلاقة والأرك سببًا لتدعيم مكانةالدولة وزيادة قوتها، فإن معركة العقاب كانت فاتحة الانهيار الشامل لقواعد الأندلسالكبرى.
فبعدالانتصار الباهر الذي حققه الموحدون حكام الأندلس والمغرب على صليـبي الأندلس فيمعركة الأرك سنة 591هـ، ركن الصليبيون للمهادنة انتظارًا للفرصة السانحة للوثوبمرة أخرى، وكان ألفونسو الثامن منذ هزيمة الأرك الساحقة يتوق إلى الانتقام لهزيمتهوغسل عارها الذي جلل سيرته وفترة حكمه، فلما اشتعلت ثورة بني غانية وهم من أولياءدولة المرابطين التي كانت تحكم الأندلس والمغرب قبل الموحدين، في شرق الأندلسوشمال إفريقيا انشغل زعيم الموحدين الناصر لدين الله بقمع هذه الثورة، وذلك منذسنة 595هـ حتى سنة 607هـ، وهي السنة التي قرر فيها ألفونسو الثامن الهجوم علىالأندلس مرة أخرى.
بدأألفونسو الثامن حملته الصليبية على الأندلس بإزالة الخلافات العميقة بين ممالكإسبانيا النصرانية الثلاثة (قشتالة - ليون - أراجون) والتي كانت سببًا مباشرًالهزيمة الصليبيين المدوية في معركة الأرك سنة 591هـ، ثم قام ألفونسو الثامن بطلبالمعونة والمباركة من بابا روما، وهو البابا إنوصان الثالث وكان يضطرم بروح صليبيةعميقة ويجيش بأحقاد عظيمة تجاه المسلمين الذين أفشلوا الحملات الصليبية على الشاموحرروا القدس، فوافق البابا على ذلك الطلب وأعلن شن حرب صليبية ضد مسلمي الأندلس،بعدها بدأت التحرشات الإسبانية.
كانلاستئناف نصارى إسبانيا لغزواتهم المخربة في أراضي الأندلس أثر بالغ في الدولةالموحدية قرر معه الخليفة الموحدي الناصر لدين الله العبور إلى بلاد الأندلس،فأرسل كتبه إلى سائر أنحاء المغرب وإفريقية وبلاد القبلة كلها بالنفير للجهاد ضدالصليبيين وإعداد العدة اللازمة لذلك، في شعبان سنة 607هـ خرج الناصر بجحافل جرارةتقدر بمئات الآلاف وهذه الضخامة كانت في النهاية سببًا مباشرًا للهزيمة.
وصلتالجيوش الموحدية لإشبيلية في آخر ذي الحجة سنة 607هـ، وهناك انضم إليه أعداد كبيرةمن جنود الأندلس وأصبحت الجيوش في حالة تعبئة كاملة، وحدد الناصر هدف الهجوم. وهوقلعة شلبطرة في جبال الشارات سييرامورنيا الآن، وكانت هذه القلعة بيد فرسان المعبدالصليبي، وكانت نقطة إغارة دائمة للصليبيين على المدن الإسلامية بالأندلس، فطوقالموحدون القلعة وضربوها بالمجانيق حتى فتحوها بعد 51 يومًا من الحصار.
كانلفتح هذه القلعة أثر شديد في قلوب الصليبيين خصوصًا ألفونسو الثامن للأهميةالكبيرة لهذه القلعة، فقرر الهجوم على قلعة رباح وكانت نظيرة قلعة شلبطرة فيالأهمية والمكانة عند المسلمين، وقد انضم لألفونسو آلاف المتطوعين من فرنساوألمانيا وهولندا وإنجلترا ومجموعة كبيرة من الأساقفة والرهبان، إضافة للفرسانالأسبتارية والداوية الذين انتقلوا من الشام إلى الأندلس لحرب المسلمين، وأمر الباباإنوصان الثالث في روما بالصوم ثلاثة أيام التماسًا لانتصار الجيوش الصليبية علىمسلمي الأندلس، وأقيمت الصلوات العامة وعمد الرهبان والراهبات إلى ارتداء السوادوالسير حفاة في مواكب دينية بخضوع وتمهل ومن كنيسة إلى أخرى، وجاشت نفوس الأوربيينكافة بروح صليبية عارمة.
هجمالصليبيون بشدة على قلعة رباح وشددوا عليها الحصار حتى أجبروا حاميتها الصغيرة علىالاستسلام نظير الأمان، وقد أدى هذا الأمان لغضب الصليبيين الفرنجة الذين جاءوا منأوربا الذين أرادوا ذبح الحامية الإسلامية ورفض أي تسوية سلمية تحقن دم المسلمين،وتنامى هذا الغضب حتى انشق كثير منهم وتركوا ألفونسو الثامن وعادوا إلى بلادهم.
وقعتحادثة كان لها أسوأ الأثر على معنويات الجيوش الإسلامية، ذلك أن الناصر لدين اللهقام بإعدام ابن قادس قائد حامية قلعة رباح ومن معه من الفرسان، لاعتقاده أنهم قدفرطوا في الدفاع عنها، فتأثر الكثيرون بهذا الأمر وأصابهم الغضب وأضمر الأندلسيونالغدر عند اللقاء وبيتوا الفرار عند الحرب والذي أدى في النهاية لكارثة العقاب.
استعدالفريقان للصدام المرعب وكان الناصر الموحدي مزهوًّا بنفسه واثقًا من النصر لحدالغرور المهلك نظرًا لضخامة الجيوش الموحدية قرابة النصف مليون، وكانت ثنية العقابعند سفح جبال الشارات بالقرب من مدريد حاليًا هي موضع القتال الذي اندلع في 15 صفرسنة 609هـ، وهجم الموحدون بكل قوتهم على صفوف الصليبيين الذين صمدوا بروعة لهجومالموحدين، ثم أخذوا في التراجع والانهزام أمام الموحدين، وبدا النصر قريبًا، ولكنكان الهجوم الخاطف الذي قاده ألفونسو الثامن بنفسه على ميمنة الموحدين ثم تلاههجوم مماثل على ميسرة الموحدين قام به ملك أراجون، فاضطرب جناحا الجيش الإسلاميواختلطت صفوفهم، وعندها قام الأندلسيون بتنفيذ خطتهم في الفرار من أرض المعركة، وحاولالناصر الموحدي عبثًا تنظيم صفوف جيشه ولكنه فشل وكاد أن يقتل هو نفسه، وانتهتالمعركة بهزيمة ساحقة للموحدين قتل فيها عشرات الآلاف، منهم معظم المتطوعين منالمغاربة وقبائل العرب.
وكانتهذه الهزيمة الساحقة أول مسمار في عرش دولة الموحدين الكبيرة وإيذانًا بانهيارمملكتهم الواسعة وحول ميزان القوى بالأندلس لصالح الإسبان، وقد عم الابتهاج والفرحفي أنحاء أوربا وأقيمت صلوات شكر مخصوصة قام بها إنوصان الثالث بنفسه.
المصدر:موقع مفكرة الإسلام.