[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
المسلمون في تايلاند
ومن هذه الدول "تايلاند" التي تقع في جنوب شرق آسيا، ويحدُّها من الشرق لاوس وكمبوديا، ومن الجنوب خليج تايلاند وماليزيا، ومن الغرب بحر أندمان وميانمار "بورما"، وكانت "تايلاند" تُعرف في الماضي باسم "سيام" وتبلغ نسبة المسلمين في تايلاند 25%.
وقد طرق الإسلام الأرض التايلاندية منذ فترة مبكرة، مثلها مثل بقية دول شرق وجنوب شرق آسيا، فأثَّر تأثيرًا لا بأس به بين أهالي سيام "تايلاند" من البوذيين، وأُطلق على الذين اعْتَنَقوا منهم الإسلام اسم "السمسم - Samsams"، وأقبلت بعض القبائل أيضًا التي تعيش في هذه المنطقة على اعتناق الإسلام، ويُذْكر أيضًا أن التجار العرب والفرس المسلمين هم الذين أدخلوا الإسلام إلى تلك المناطق منذ القرن الرابع الهجري – العاشر الميلادي، ولكن يُعزى أهمُّ توسُّع لهذا الدين إلى هجرات أهل الملايو (ماليزيا الآن) التي بدأت في القرن الثامن الهجري – الرابع عشر الميلادي[1].
وتُعتبر تايلاند في حكم الدولة المحتلة المستعمرة لأرض فطاني التي كانت بلدًا مسلمًا لفترة طويلة؛ لذلك فإن أساليب تايلاند في محاربة المسلمين لا تختلف كثيرًا عن أساليب الاستعمار الصليبي في أفريقيا وآسيا والدول المسلمة[2].
فطاني
(فطاني) هي بلد إسلامي يقع في جنوب شرقي آسيا، يجاور في الجنوب ماليزيا، وفي الشمال تايلاند، ويطلُّ في الشرق على بحر الصين الجنوبي، وفي الغرب على المحيط الهندي، ومساحته صغيرة، ولكنه غني بالمحصولات الزراعية والمعادن، وتبلغ نسبة المسلمين 80%.
وقد دخل الإسلام إلى فطاني عن طريق التجارة في فترة النشاط التجاري الإسلامي، مثله مثل غيره من مناطق جنوب شرق آسيا[3].
وبدأ الإسلام يتوسَّع في منطقة "فطاني" منذ النصف الثاني من القرن الثامن الهجري عن طريق مالاقا، التي أخضع سلطانها "فطاني" إلى حكمه عام 865هـ[4].
ولما وصل البرتغاليون إلى المنطقة واحتلوا مالاقا عام (917هـ= 1511م) احتلوا أيضًا المناطق الشمالية منها، وكانت فطاني من بينها، ثم جاء الهولنديون وكانت لهم علاقات تِجاريَّة مع فطاني منذ عام (1018هـ= 1609م)، ثم مع الإنكليز عام (1021هـ= 1615م)، وقد أقاموا مراكز تِجاريَّة لهم.
ثم استطاع التايلانديون الاستيلاء على فطاني عام (1201هـ 1786م) بعد محاولات كثيرة استمرَّت أكثر من قرنين؛ إذ قاموا بهجومهم عليها عام 1012هـ، و 1042هـ، و 1043هـ ولكنهم باءوا بالخسران في كل محاولة، ونقلوا منها 4000 أسير إلى منطقة بانكوك، كما قسموا المنطقة إلى سبع ولايات لإضعاف المقاومة، إلا أن الفطانيين قاموا بثورة بعد عام من الاحتلال التايلاندي، وقادهم (تنكولميدين)، غير أن هذه الثورة قد فشلت، وقُتل قائدهم، وقامت ثورة أخرى عام (1223هـ= 1808م)، لقيت الفشل أيضًا، وهذا ما جعل التايلانديين يعملون على تقسيم المنطقة إلى ولايات صغيرة، ويُشرِّدون الزعماء، ويضعون بجانب كلِّ أمير فطاني أحدَ التايلانديين إضافة إلى فرض ضريبة.
وفي عام (1247هـ= 1841م) قام ولي عهد ملك (قدح[5]) بثورة، فاشترك معه الفطانيون، ولكن فشلت هذه الثورة ودخل التايلانديون الأرض الفطانية فنهبوها، وعاثوا فيها الفساد، ونقلوا أربعين ألفًا حملوهم إلى منطقة بانكوك.
وفي عام (1320هـ= 1902م) ربط التايلانديون الفطانيين ببانكوك، وجعلوا عليهم حاكمًا تايلانديًّا، فقام عبد القادر قمر الدين بثورة، ولكنه هُزم وأُسر، وحُمل إلى بانكوك، وطُلِب منه توقيع وثيقة يتنازل فيها عن حقِّه في الإمارة، ولكنه رفض ذلك، وأصرَّ على موقفه، وفي عام (1321هـ= 1903م) عمَّت البلاد الفوضى، ونُفِيَ الأمير عبد القادر، وتولَّى الإمارة مكانة ابنه محيي الدين، وأُرسل إلى لندن للدراسة.
وفي عام (1327هـ= 1909م) اتَّفقت إنجلترا وتايلاند، فأخذت إنجلترا بعض الولايات الملاوية، وأخذت تايلاند المقاطعات الفطانية.
وفي عام (1351هـ= 1932م) حصل انقلاب في تايلاند دعمه الفطانيون فكُتِبَ له النجاح، وتغيَّر نظام الحكم من ملكي مطلق إلى ملكي دستوري، واختار الفطانيون محمود محيي الدين أصغر أبناء السلطان عبد القادر قمر الدين، الذي يعيش في المنفى؛ ليكون حاكمًا لهم.
وقد جرَّ مجيء العسكريين إلى حكم تايلاند وبالاً كبيرًا على الشعب الفطاني؛ لأنهم حملوا فكرة القومية السياميَّة، والتي حاربها الفطانيون؛ لأنهم يَدِينون بالإسلام، ويتكلَّمون لغة ملايوية تُكتب بالحرف العربي.
وكان هدف تايلاند منذ عام (1351هـ= 1932م) تحويل الملايونيين في فطاني إلى تايلانديين بإجبارهم على الزيِّ التايلاندي، واستعمال اللغة التايلاندية، وقَبُول الثقافة التايلاندية، واتِّخاذ أسماء تايلاندية، وترك العقيدة الإسلامية.
وزاد الضغط على الفطانيين منذ عام (1357هـ= 1938م) إذ حُرِم المسلمون خاصة من وظائف الدولة، وأُجْبر الطلاب، ومَن يعمل بالمؤسسات الثقافية أن يتسمَّى بأسماء تايلاندية، وأُغلقت المدارس الدينية والمساجد، كما أُجبر المسلمون على دخول المعابد البوذية.
وقد قامت الحرب العالمية الثانية ودخل اليابانيون البلاد، وعمل الإنجليز على تنظيم المقاومة، وقد اعتمدوا على السلطان محمود محيي الدين، ووعدوه بالحصول على الاستقلال بعد انتصار الحلفاء، وعندما انتهت الحرب أخلفوا الوعد، حتى وُضِعَ اقتصاد البلاد تحت تصرف إنجلترا.
وفي عام (1367هـ= 1948م) قام الحاج محمد سولونغ رئيس الهيئة التنفيذية لأحكام الشريعة الإسلامية بتقديم مطالب الشعب الفطاني، وتقدَّمت المطالب إلى الأمم المتحدة فكانت النتيجة أن قُبِضَ على محمد سولونغ ورفاقه، وأُودِعوا السجن، وحُكِم عليهم بالسجن ثلاث سنوات، ثمَّ أُفْرِج عنهم، ثم اعتُقِلوا ثانية، وقُتِلوا سرًّا عام (1374هـ= 1954م).
ووقع انقلاب عسكري في تايلاندا عام (1366هـ= 1947م)، وفي عام (1357هـ= 1955م) وقع انقلاب آخر، وكان كلُّ انقلاب يعمل على إذابة الشخصية الفطانية، ووقفت الدول الكبرى بجانب تايلاند، وظنَّ المستعمرون أن أمر فطاني قد انتهى.
وفي عام (1378هـ= 1958م) تشكَّلت عدَّة منظَّمات وأحزاب لمواصلة الكفاح، ولكن تعدُّد القيادات كان له الأثر السيئ، ثم توحَّدت المنظمات وتغيَّرت فكرة المقاومة السلمية إلى فكرة الجهاد؛ لإعادة الحقوق المسلوبة[6].
[1] توماس آرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص415، وانظر أيضًا: محمود قمر: الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا ص123.
[2] موقع مفكرة الإسلام على الرابط:
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
[3] مصطفى رمضان: الإسلام والمسلمون في جنوب شرقي آسيا ص86.
[4] إسماعيل أحمد ياغي ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر 1/351.
[5] جزيرة تابعة لماليزيا.
[6] إسماعيل أحمد ياغي ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر 1/351 – 355.