[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
مولد يحيى عياش ونشأته
في قرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، ولد يحيى عبد اللطيف عياش المعروف بـ يحيى عياش وذلك في السادس من شهر مارس عام 1966م.
عاش يحيى عياش طفولة هادئة، ويؤكد شبان رافات وشيوخها اليوم أن يحيى عياش كان مثالاً للطفل المؤدب الهادئ، حتى إن أحد أعمامه كان يقول: كان يحيى عياش هادئًا أكثر من اللزوم، ولا يحب الاختلاط كثيرًا بغيره من أطفال الحي، حتى إنني كنت أعده انطوائيًا بعض الشيء". وتضيف والدته: "كان يحيى عياش طفلاً هادئًا جدًّا وخجولاً، ولم يكن يبكي كالأطفال الذين في مثل سنه، وهو في الرابعة من عمره ذهب مع الرجال يوم الجمعة إلى المسجد يصلي معهم ومن يومها بدأ يرتاد المسجد، وهو في هذه السن المبكرة، حفظ يحيى الكثير من سور القرآن القصيرة والآيات القرآنية التي كان يستمع إليها من المقرئ في المسجد".
ويتابع والده الحديث: "كان يحيى عياش طفلاً صغيرًا لم يتجاوز أربعة أعوام حين توجه إلي مرارًا طالبًا مني السماح له بمصاحبتي إلى المسجد لأداء الصلاة.. كان يلح بالطلب ويشدني من ملابسي لكي آخذه معي. ونظرًا لإلحاحه، ورغبة مني في تلبية طلبه، وهو الابن البكر، فقد بدأت باصطحابه إلى المسجد القديم في القرية، وهو قريب من بيتنا. وكثيرًا ما دهش الحضور وأبدوا استغرابهم من الطفل الصغير. وكانوا يقولون لي: هذا صبي صغير، ولا يتقن الوضوء، فكيف يتقن فرائض الصلاة وسننها؟".
ويؤكد أحد المصلين في مسجد القرية الصغير ما ذكره والدا يحيى عياش فيقول: "يحيى عياش كان من الشباب الذين داوموا على صلاة المسجد، وكان يحب أن يصلي في الصف الأول. وأذكره عندما كان يجلس في الجهة الغربية للمسجد ليقرأ القرآن".
وكان يحيى عياش من المتفوقين في دراسته خاصة مادة الرياضيات ويشهد بتفوقه هذا أبوه الشيخ عبد اللطيف ومعلموه في المدرسة، فيقول الشيخ عبد اللطيف عن ذكاء يحيى: "أيام المدرسة كان معروفًا بتفوقه في دراسته وخصوصًا في مادة الرياضيات لدرجة أنه كان متقدمًا على صفه سنة، وأحيانًا سنتين في مادة الرياضيات".
ويروي الشيخ عبد اللطيف قصة أخرى تعبر عن تفوق يحيى عياش الصغير، فيقول: "كتب معلم الرياضيات بالصف الأول الثانوي في مدرسة الزاوية الإعدادية مسألة على السبورة، وقال للتلاميذ: من يستطيع أن يحل هذه المسألة؟ فلم يجبه أحد، وجلس طلاب الصف عاجزين عن حل المسألة… جن جنون المعلم من ضعف التلاميذ في هذا الصف، فذهب يشتكي إلى مدير المدرسة. وبالصدفة، كان هناك المعلم الذي يدرس الصف الأول الإعدادي الذي كان فيه يحيى، فقال: أنا مستعد أن أحضر لكما طالبًا من الصف الأول الإعدادي ليحل المسألة. وفعلاً، ذهب وأحضر يحيى ثم توجه الجميع إلى الصف الأول الثانوي. وبالفعل، قام يحيى بحل المسألة وسط دهشة المدير والمعلمين والتلاميذ".
وعلى أثر هذه الحادثة، بعث مدير مدرسة الزاوية الإعدادية في ذلك الوقت رسالة تقدير واحترام إلى والد الطالب يحيى عياش، يهنئه فيها على ذلك الشاب الذكي، صاحب الأخلاق الرفيعة. وقال المدير في نهاية رسالته: "إنني أتوقع أن يكون لهذا الفتى شأن عظيم في حياته المستقبلية".
ورافق التفوق يحيى عياش منذ الصف الأول وحتى إنهائه المرحلة الثانوية وحصوله على شهادة (التوجيهي)، فقد نال المرتبة الأولى دائمًا خلال دراسته لاثنتي عشرة سنة في رافات والزاوية وبديا. وكان يحيى قد انتقل إلى مدرسة الزاوية الإعدادية بعد إنهائه الصف السادس الابتدائي في مدرسة رافات، نظرًا لكون مدرسة قريته لا تستوعب أكثر من هذه المرحلة. ودرس يحيى المرحلة الإعدادية والأول ثانوي في مدرسة الزاوية، ثم انتقل بعد ذلك إلى قرية بديا حيث درس الثاني والثالث ثانوي (الفرع العلمي) في مدرسة بديا الثانوية، وحصل على شهادة الدراسة الثانوية بمعدل (92.8%)[1].
ونشط المهندس يحيى عياش في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام منذ مطلع العام 1992م، وتركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية، وطور لاحقًا أسلوب الهجمات الاستشهادية عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي في فبراير 1994م، اعتبر مسئولاً عن سلسلة الهجمات الاستشهادية؛ مما جعله هدفًا مركزيًّا للعدو الصهيوني[2].
أخلاق يحيى عياش
تتحدث أم البطل يحيى عياش عن تصرفات يحيى في البيت وعلاقته بوالديه وشقيقاه، فتقول: "إن الله قد حرمني من إنجاب البنات، وكان -الله يرضى عليه- لا يفارقني عندما أصاب بمرض، ويتمتم فوق رأسي داعيًا الله أن يمن علي بالشفاء. وكان يطبخ الطبيخ، ويذبح الدجاج، ويحضر الطعام، وينظف البيت.. قلبي وربي راضيان عنك يا يحيى.. الله والسماء تحرسك يا يحيى". وتتنهد الأم وتنهمر الدموع من عينيها، ثم تضيف: "كان هادئًا ومؤدبًا، ولم يحاول مرة أن يغضبني أو يغضب والده. ولم يكن يضرب أخوته أو يزعلهم". ولأن يحيى كان دائمًا يداعبها قائلاً: "أنا لا أحب إلا طعامك، وليس هناك امرأة في العالم تطبخ طعامًا لذيذًا مثلك"، فإنه نادرًا ما تناول طعامًا من عند أحد - ولا حتى أقاربه - وَفق ما أشارت والدته.
أما الأستاذ إبراهيم، الذي شارك الشهيد بإذن الله الغرفة في قرية أبو قش القريبة من الجامعة عند بداية العام الدراسي الأول (1984/ 1985م)، فيقول عن طبيعة يحيى وأخلاقه وعلاقاته:
"كنت أسكن مع أخي في قرية أبو قش قرب الحرم الجديد لجامعة بيرزيت. وعندما تخرج أخي، تقدم الشهيد يحيى عياش عارضًا عليَّ أن يسكن معي في البيت حيث كنت وحيدًا، وكنت أدفع 25 دينارًا كأجرة للبيت وهو مبلغ بسيط في حينه. لذلك، لم أرغب في استقدام طالبًا آخر ليشاركني السكن في نفس الغرفة حتى تقدم يحيى عياش، عندها غيّرت موقفي، ووافقت على طلب ذلك الشاب السمح ذي الأدب الرفيع والذي عرفته من خلال نشاطات الكتلة الإسلامية داخل الحرم الجامعي. فقد كان متميزًا بحسن سلوكه وتسامحه وتواضعه إلى جانب حيائه الشديد".
ويضيف زميل الشهيد: "كان يحيى عياش لطيف المعشر، حسن السلوك، لين الجانب إلا في الحق، متسامحًا، صادق الكلام أبدًا، ومحقًا في المعاملات المالية، وفي الحقيقة، إن أكثر ما يميز سيرة الشهيد، أنه كان مسلمًا غيورًا على إسلامه بالفطرة الربانية، حتى أنه كثيرًا ما كان ينتهز أي عطلة أسبوعية أو إضراب داخل الجامعة ليعود إلى قريته، ليكون بعيدًا عن جو الفساد. وكثيرًا ما كان يبدي لي اشمئزازه من التبرج السافر والانحلال الخلقي لبعض طلاب وطالبات الجامعة. وكنت أحس من خلال مناقشاتنا الليلية قبل النوم أن هذا الشخص لا يمكن أن تنفع معه كل إغراءات الدنيا. فتمسكه بالدين كان بالفطرة الربانية الشديدة الصفاء، القوية الثبات. وقد أيقنت مع مرور الأيام معه في السكن أن هذا الشخص يعيش ويحيى لدينه فقط.. إن قناعتي هذه مبنية على استنتاجات أكيدة من خلال نقاشاتنا المتبادلة يوميًا حول كل الأمور الأكاديمية والسياسية المحلية والخارجية".
ويلخص الأستاذ إبراهيم تحليله لشخصية يحيى عياش، بالقول: "عرفت يحيى بالابتسامة التي لا تفارقه وصمته الطويل وطبعه الهادئ. وعلى الرغم أنه كان رقيق الصوت، ولا يتحدث في الجلسات العامة إلا أنه لم يكن ليبقي ساكتًا عندما يكون الأمر يخص الإسلام والمسلمين. فتراه يهب بفطرته السليمة وحبه للدين منافحًا عن الحق. ولهذا لم يكره أحد عدا أعداء الفطرة الإسلامية، ولم يكن له أعداء من الطلاب أو أصحاب السكن أو الأهالي عمومًا".
أما فيما يتعلق بالطالب يحيى عياش داخل أسوار الجامعة، فإن زميل الشهيد يعرج على هذه النقطة باختصار معبرًا عن واقع تلك الفترة؛ إذ إن يحيى كان دائمًا يغض الطرف داخل أسوار الجامعة، وبقي بعيدًا عن أجواء الصخب والعبث. وكثيرًا ما شاهدته منشغلاً بتلاوة القرآن، وطاعة الرحمن بالذكر والمأثورات.
فكر يحيى عياش العسكري
يتلخص فكر المجاهد القائد يحيى عياش في ثلاثة أمور:
1- قاعدة عقائدية وإيمانية
البيئة العقائدية والإيمان الراسخ في أعماق النفس البشرية هي التي تبدع وتفرز ظاهرة الرجال المستعدين للموت في سبيل الله مثل القائد يحيى عياش. ومن خلال تجذر هذه الأصول وصلابة حاملها، تتفجر مدخرات الطاقة في خلايا الجسم، ويتألق كل ما أودعه الخالق I في هذه النفس من خلق وتجرد وإخلاص وصدق وتوكل وغيرها من خصائص الشهادة ومعاني البقاء والاقتداء.
ولئن غادرنا المهندس بعد نجاحه في الوصول إلى قمة هرم الصاعدين في زمن الهبوط وانتصاره في مسيرته الحياتية نحو الخلود، فإننا ما زلنا نمتلك التمسك بمبادئه وثوابته وتجربته التاريخية الزاخرة بمدلولات تبشر بدروس من السهل الاقتداء بها وتقليد العملاق الخالد على أرض فلسطين وتكرار مسيرته والتبشير بقدرات الأمة على إنجاب العظماء وصنع المستقبل المشرق. ونستطيع في تفصيل أن نورد إضاءات من القاعدة العقائدية والإيمانية التي حملت أعمدة العملاق الخالد:
2- الكتمان والسرية في حياة يحيى عياش
استهداءً بأمر رسول الله : "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، تعمل كتائب الشهيد عز الدين القسام بطريقة سرية منظمة، جعلت من مخططات أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية لاختراق بنية الجهاز العسكري لحركة حماس ومحاولات رصد عملياته قبل وقوعها أمرًا في غاية الصعوبة.
وليس سرًّا أن كتائب الشهيد عز الدين القسام تفتخر بطريقة عملها ومنهجها في تكوين الخلايا وتنظيم عملها، فالجهاد مرصود وإجهاضه استراتيجية صهيونية وعالمية، خاصة بعد أن أصبح الإسلام هو العدو الأول لمعسكر النظام العالمي الجديد وأدواته. وفي حالة الشهيد القائد، تتجاوز طبيعة (الكتمان والسرية) الحدث الطارئ أو الحاجة الآنية، لتصبح خلقًا راسخًا وعادة متمكنة، إذ يقول أصدقاء المهندس ورفقاء دربه بأن حساسية يحيى تجاه السرية لا مثيل لها. ويضيف أحد الذين عملوا في الخلايا التابعة لقيادته: "مضت عدة شهور قبل أن اكتشف أن المرأة التي كانت تجلس في أحد الحقول في منطقتنا هي في الحقيقة المهندس يحيى عياش".
3- يحيى عياش والتخلص من أعين الأعداء
لم يتأثر أحد بحساسية مفرطة تجاه القائد الشهيد يحيى عياش بقدر ما تأثر رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين الذي كان يضطلع بالمسئولية المباشرة عن أنشطة الموساد والشاباك بحكم توليه منصب وزير الدفاع أيضًا. فقد شكلت أسطورة المهندس شبحًا متعبًا وثقلاً كبيرًا جثم على صدر إسحاق رابين الذي خصص جيشًا برمته لإطلاق النار على يحيى عياش دون إنذار بمجرد وقوع أنظارهم عليه، لما كان يسببه من الهلع والفزع في أوساط قادة الصهاينة وجمهورهم.
ولكن براعة المهندس الفائقة في مواجهة مطارديه وعبقريته في التخفي والمراوغة والإفلات من الكمائن التي كانت تنصب له من قبل عدة آلاف من جنود الوحدات المختارة من الجيش الإسرائيلي وقوات حرس الحدود والشرطة بالإضافة إلى عدة مئات من أفراد جهاز المخابرات العامة (الشاباك) ووحدات استخبارية عسكرية خاصة كلفت بالمشاركة في أوسع وأكبر حملة مطاردة تنظمها الدولة العبرية في تاريخها، جعلت ملاحقيه يطلقون عليه لقب (العبقري) و(كارلوس الثعلب) و(الرجل ذو ألف وجه)، وينسبون إليه صفات الرجل المقدس، والإنسان الذي يمتلك سبعة أرواح، ومن يرى ولا يُرى، وهي أمور حاولت أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية إخفاء عجزها وراءها.
فقد بحثت سلطات الاحتلال عن المهندس طوال أربع سنوات، وخلال تلك المدة، استمر القائد في عملياته بدون توقف أو هدوء؛ فجند الخلية تلو الأخرى، وبعث فيها روح المبادرة والنشاط بعد كل ضربة كان الصهاينة يوجهونها للمجموعات الجهادية. وبعد كل عملية، تعترف سلطات الاحتلال بأن - حتى أخباره - تختفي اختفاءً متقنًا؛ مما أصاب قيادة الشاباك في حيرة إزاء لغز المهندس[3].
أهم المعارك التي خاضها يحيى عياش
مع انطلاقِ شرارة الانتفاضة أرسل أبو البراء رسالةً إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام يُوضِّح لهم فيها خطةً لمجاهدة اليهود عبر العمليات الاستشهادية، وأصبحت مُهمَّة يحيى عياش إعداد السيارات المفخَّخة والعبوات شديدة الانفجار[4].
وكانت بدايات المهندس مع العمل العسكري ترجع إلى أيام الانتفاضة الأولى، وعلى وجه التحديد عامي 1990، 1991م. فقد استقر لدى يحيى رأي ما لبث أن ترسخ لديه كقناعة وهدف، حيث بدأ يسعى لتحويل الحجر إلى قنبلة تنفجر في صدور المحتلين وتقض مضاجعهم. وبإلهام من الله I وعون منه، توصل صاحب الحق إلى مخرج لمشكلة شح الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة، وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية. فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في "رامات إفعال" بتل أبيب، وبدأت أثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش ودولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية والعسكرية.
قدر الله I أن يكتشف العدو السيارة المفخخة في رامات إفعال بطريق الصدفة، ويومها عرف خبراء المتفجرات الصهاينة أن عبقرية فذة في عمليات التفجير ستكون في مواجهتهم. وبعد تحقيق شديد وقاس مع المجاهدين اللذين اعتقلا أثر العثور على السيارة المفخخة، طبعت الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى. ولأن المجاهدين المعتقلين، لم يكونا على اطلاع بدور المهندس في تجهيز العملية والتخطيط لها، فإن ضباط الشاباك وضعوا اسم يحيى في المرتبة الخامسة من حيث الخطورة؛ ولذلك داهمت قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود يرافقها ضباط ومحققون من الشاباك سلفيت وقراوة بني حسان؛ بحثًا عن زاهر جبارين وعلي عاصي اعتقادًا بأن أحدهما قد نجح في التوصل إلى المعادلات الكيميائية المفزعة لهم[5].
أهم العمليات التي تنسب لـ يحيى عياش
عبقرية القائد "يحيى عياش" نقلت المعركة إلى قلب المناطق الآمنة التي يدّعي الإسرائيليون أن أجهزتهم الأمنية تسيطر فيها على الوضع تمامًا؛ فبعد العمليات المتعددة التي نُفذت ضد مراكز الاحتلال والدوريات العسكرية نفذ مقاتلو حماس بتخطيط من قائدهم عياش عددًا من العمليات أهمها:
- 6 إبريل 1994م: الشهيد "رائد زكارنة" يفجر سيارة مفخخة قرب حافلة صهيونية في مدينة العفولة؛ مما أدى إلى مقتل ثمانية صهاينة، وجرح ما لا يقل عن ثلاثين. وقالت حماس: إن الهجوم هو ردها الأول على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
- 13 إبريل 1994م: مقاتل آخر من حركة "حماس" هو الشهيد عمار عمارنة يفجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة صهيونية في مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر؛ مما أدى إلى مقتل 5 صهاينة وجرح العشرات.
- 19 أكتوبر 1994م: الشهيد صالح نزال -وهو مقاتل في كتائب الشهيد عز الدين القسام- يفجر نفسه داخل حافلة ركاب صهيونية في شارع "ديزنجوف" في مدينة تل أبيب؛ مما أدى إلى مقتل 22 صهيونيًّا، وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين.
- 25 ديسمبر 1994م: الشهيد أسامة راضي -وهو شرطي فلسطيني وعضو سري في مجموعات القسام- يفجر نفسه قرب حافلة تقل جنودًا في سلاح الجو الصهيوني في القدس، ويجرح 13 جنديًّا.
- 22 يناير 1995م: مقاتلان فلسطينيان يفجران نفسيهما في محطة للعسكريين الصهاينة في منطقة بيت ليد قرب نتانيا؛ مما أدى إلى مقتل 23 جنديًا صهيونيًّا، وجرح أربعين آخرين في هجوم وُصف أنه الأقوى من نوعه، وقالت المصادر العسكرية الصهيونية: إن التحقيقات تشير إلى وجود بصمات المهندس في تركيب العبوات الناسفة.
- 9 إبريل 1995م: حركتا حماس والجهاد الإسلامي تنفذان هجومين استشهاديين ضد مواطنين يهود في قطاع غزة؛ مما أدى إلى مقتل 7 مستوطنين ردًّا على جريمة الاستخبارات الصهيونية في تفجير منزل في حي الشيخ رضوان في غزة، أدى إلى استشهاد نحو خمسة فلسطينيين، وبينهم الشهيد "كمال كحيل" أحد قادة مجموعات القسام ومساعد له.
- 24 يوليو 1995م: مقاتل استشهادي من مجموعات تلاميذ المهندس "يحيى عياش" التابعة لكتائب الشهيد "عز الدين القسام" يفجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة ركاب صهيونية في "رامات غان" بالقرب من تل أبيب؛ مما أدى إلى مصرع 6 صهاينة وجرح 33 آخرين.
- 21 أغسطس 1995م: هجوم استشهادي آخر استهدف حافلة صهيونية للركاب في حي رامات أشكول في مدينة القدس المحتلة؛ مما أسفر عن مقتل 5 صهاينة، وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح. وقد أعلن تلاميذ المهندس يحيى عياش مسئوليتهم عن الهجوم.
مجموع ما قُتل بيد "المهندس" وتلاميذه ستة وسبعون إسرائيليًّا، وجرح ما يزيد على أربعمائة آخرين[6].
قرية قراوة بني حسان
اتخذ المهندس وأركان عملياته ومساعديه من قرية قراوة بني حسان والمنطقة المحيطة بها مأوى وقاعدة لتخطيط العمليات وتوجيه المجموعات الفدائية المقاتلة، ورفع القائد أبو جهاد من حالة التأهب في صفوف المجموعات العاملة بإمرته وزاد من إجراءات الأمن في المنطقة لحماية غرفة العمليات المركزية لكتائب عز الدين القسام وصديقه الحميم، يحيى عياش. ومعًا عمل القائدان على تنظيم عناصر جديدة وتدريبها وتوزيعها على المجموعات، وباشرا بالتخطيط لتنفيذ العمليات النوعية الثلاث المتبقية من برنامج المراحل الخمس.
ولكن هذا الانشغال بتأمين الحماية وتعزيز المجموعات لم يحل دون استمرار برنامج التصعيد الجهادي بكافة الوسائل القتالية المتاحة ومشاغلة قوات الاحتلال وإرباك خططها. ويمكن القول بأن هذه الاستمرارية قد ساهمت، بشكل كبير وفعال، في تدريب العناصر الجديدة ميدانيًا وبالذخيرة الحية. فعلى سبيل المثال، أرسل القائدان القساميان المجاهد حسن مصطفى حسن الزاغة (18 عامًا) وهو من سكان حي رفيديا بمدينة نابلس لمهاجمة جندي الحراسة الذي يتولى أمن مركز شرطة نابلس، ليئور مزراحي، وهو من لواء جولاني بعد أن تولت مجموعة الاستطلاع رصد الهدف وتحديد طريقة الانسحاب.
وقد تم الهجوم باستخدام المسدس في صبيحة يوم السبت الموافق 23 إبريل 1994م وأسفر الهجوم عن إصابة الجندي بجروح خطيرة. ونجح المجاهد بالانسحاب، رغم إصابته بجروح في ساقه اثر إطلاق جنود إسرائيليين آخرين تصادف مرورهم بالقرب من المكان.
وفي تقدم تقني عبر عن مهارة المهندس وإبداعاته، جهز أبو البراء عبوة ناسفة تنفجر بالتحكم عن بعد بواسطة الهاتف اللاسلكي حيث قامت إحدى المجموعات الجديدة بزرع تلك العبوة على الطريق العام القريب من المقبرة الغربية بمدينة نابلس. وعند مرور سيارة عسكرية في حوالي الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الخميس الموافق 30 يونيو 1994م فجر المهندس عبوته الناسفة لتتطاير السيارة في الهواء ثم ترتطم بالأرض محترقة. وقد اعترفت السلطات العسكرية بالعملية، ولكنها زعمت بأن التفجير قد أسفر عن جرح جنديين فقط. كما وضع المهندس عبوتين ناسفتين موقوتتين داخل محطة وقود خاصة بمستوطنة (جينوت شومرون) أعدتا للانفجار في صباح يوم الجمعة الموافق 1 يوليو 1994م إلا أن العدو عثر على العبوتين وقام خبراء المتفجرات بتفكيكهما. وعلى الرغم من عدم وقوع إصابات أو أضرار، إلا أن المستوطنين أصيبوا بحالة من الهلع والخوف واعتبروا أن وضع العبوتين يشكل تصعيدًا في العمليات التي تستهدفهم.
الوحدات العسكرية المحمولة والراجلة التي دفعتها قيادة جيش الاحتلال إلى المنطقة فشلت في تعقب أثار المهندس وأخيه أبو جهاد اللذين انسحبا بسلام مع مجموعاتهما باتجاه القاعدة الآمنة في منطقة قراوة بني حسان. ولم يكن القائدان القساميان يضعا رحالهما، حتى جوبها بإلحاح شديد من قبل المجاهد منصور عاطف ريان[7] بأن يشركاه في العملية التالية، وهي مهاجمة مستوطنة (تنعيم) التي تقع شمال طريق (حوكسية شومرون) القريبة من قرية قراوة بني حسان. وأمام هذا الإلحاح، استجاب القائدان لطلبه وأكرماه بالدور الأكبر في العملية.
ففي ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة الموافق 1/7/،1994 اقتحمت المجموعة الفدائية مستوطنة (تنعيم) وتوزع أعضاءها على شكل قتالي حول منزل الضابط في الاحتياط، يورام سكاوري (30 عامًا). وخلال ثواني معدودة، قفز المجاهد منصور إلى المنزل عبر النافذة، ودون أن يحدث صوتًا أو جلبة، طعن الضابط عدة طعنات في البطن والعنق والظهر ثم غادر المنزل تاركًا الضابط جثة هامدة بينما زوجته تتخبط بدمائها من جروح أصابتها اثر محاولتها الدفاع عن زوجها.
وبناء على الخطة التي وضعها القائدان القساميان، سارت المجموعة الفدائية بعد مغادرتها للمستوطنة على الطريق الترابي المؤدي إلى قرية قراوة بني حسان دون أن تزيل الآثار وذلك للتمويه على قوات الاحتلال وقصاصي الأثر؛ إذ إن المجموعة لم تستقر بالقرية، بل غادرتها على الفور عن طريق آخر حيث تولى أحد المجاهدين إزالة آثار الأقدام الجديدة. وقد انطلت الحيلة على السلطات العسكرية الإسرائيلية، خاصة أنها اكتشفت العبوة الناسفة التي جهزها المهندس وتركتها المجموعة الفدائية عند مدخل المستوطنة، وهذا ما أغرى ضباط الشاباك الذين تحمسوا لتتبع الآثار اعتقادًا منهم بأن ذلك سيقودهم للمطلوب الأول على قائمتهم وصديقه.
ومما يدل على الأهمية التي كانت توليها سلطات الاحتلال لعملية اقتحام قرية قراوة بني حسان، مشاركة الميجر جنرال إيلان بيران (قائد المنطقة العسكرية الوسطى) والجنرال شاءول موفاز (قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية) على رأس القوة المهاجمة والتي قدرت بنحو (1000) جندي من الجيش والوحدات الخاصة وقوات حرس الحدود ترافقهم (100) سيارة عسكرية إضافة إلى طائرتين مروحيتين لسلاح الجو وعدة مجموعات سرية من قوات المستعربين تنكرت بزي نساء عربيات. في البداية حاصرت القوة الإسرائيلية القرية من جميع الجهات، وحمل ضباط من الشباك مكبرات الصوت ليعلنوا فرض حظر التجول والطلب من السكان التزام منازلهم وعدم الخروج.
وبعد ذلك، أخذت الوحدات الإسرائيلية تطبق على القرية وتمشطها بيتًا إثر بيت إلى أن وصلت إلى خمس منازل متجاورة تعود لعائلة عاصي، ومن بينها منزل القائد أبو جهاد وشقيقه. ومع حلول الساعة الحادية عشر مساءً، أصدر الجنرال بيران أوامره بإطلاق الصواريخ على منزل أبو جهاد رغم أنه لم تطلق من داخله أي رصاصة. وبعد أن اطمأن قادة الجيش الصهيوني، اقتحم الجنود المنازل الخمس وقاموا بتحطيم أثاثها والعبث بمحتوياتها إمعانًا بالتخريب تغطية على فشلهم في النيل من المجاهدين.
وعلى الرغم من نجاح الخديعة، إلا أن المقام في منطقة قراوة بني حسان لم يطل، فقد اعتقل المجاهد منصور ريان يوم الأربعاء الموافق 6يونيو (تموز) 1994م إثر كمين نصبته الوحدات الخاصة الإسرائيلية للمجاهد أثناء زيارته لمنزل العائلة في قراوة بني حسان. وعليه، غادر القائدان القساميان المنطقة نحو مدينة نابلس حيث كان المجاهد علي حجة وهو أحد القائمين على خدمة الكتائب القسامية قد استأجر شقة في منطقة المخفية لسكن القائدين قبل عشرة أيام.
وبعد استقرار المجموعات العسكرية في مدينة نابلس، تدارس القائدان الوضع العام لغرفة العمليات المركزية والظروف التي تمر بها منطقة شمال الضفة الغربية، ووجدا أنه من الأنسب في تلك الظروف أن يتم نقل غرفة العمليات المركزية إلى منطقة جنوب الضفة الغربية، وبالتحديد إلى مدينة الخليل. ولكن عملية الانتقال لم تتم، فقد تسارعت الأحداث ابتداء من اعتقال المجاهد علي حجة ومغادرة المهندس وأبو جهاد إلى حارة الياسمينة إثر ذلك، وانتهاء بالمعركة العنيفة التي دارت بين الأبطال علي عاصي ويحيى عياش وبشار العامودي وقوات كبيرة من جيش الاحتلال حاصرتهم في المنزل الذي كانوا يتحصنون فيه.
كان بشار يعلم أن المنزل الذي انتقل إليه مع أخويه أبو البراء وأبو مجاهد غير آمن، ولكن المجاهدين الثلاثة اعتبروا انتقالهم إليه مؤقتًا ريثما تزول حالة الارتباك التي سادت في جهاز الأمن ومجموعات الدعم اللوجستي إثر اعتقال المجاهد علي حجة. ولأن قدر الله نافذ، والجنة بإبلاغ ثمنًا، فقد شاهد أحد المجرمين المرتبطين بجهاز الشاباك المطاردين الثلاثة يدخلون إلى منزل مهجور يعود إلى عائلة جاد الله في حارة الياسمينة بالبلدة القديمة من مدينة نابلس.
وما أن وصلت معلومات العميل إلى الضابط المسئول عنه، ومن ثم إلى الجنرال يعقوب بيرى (رئيس الشاباك) والذي كان يولي حملات البحث والمطاردة لقتل المهندس اهتمامًا شخصيًا ومباشرًا حتى بدأت الحرارة بالارتفاع وانشغلت أجهزة الهاتف داخل مقر الشاباك، وفي مقر رئاسة الأركان وقيادة المنطقة الوسطى بالاتصالات المتبادلة لحشد قوات منتخبة من الجيش والمظليين لهذه المهمة الخاصة. وفي نحو الساعة الثانية من فجر يوم الاثنين الموافق 11يوليو 1994م فرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول على مدينة نابلس وقطعت خطوط الهاتف إيذانًا بانتشار نحو ألف جندي من قوات المظليين والوحدة السرية الخاصة (دفدفان) بالتعاون مع أفراد من جهاز الشاباك؛ ولأن الهدف من العملية كان واضحًا ومحددًا، فقد أخذت الوحدات العسكرية الإسرائيلية تضيق الحصار حول حي الياسمينة من كافة الاتجاهات، وإن كانت طبيعة المنطقة التي يقع فيها الحي فد شكلت عائقًا أمام القوات المهاجمة؛ إذ إن البيوت المتلاصقة في البلدة القديمة من مدينة نابلس قد عطلت أحكام الحصار على المنزل الذي كان يتواجد فيه المجاهدون الثلاثة.
في البداية، طالب قائد الوحدات الإسرائيلية عبر مكبرات الصوت المجاهدين الثلاثة بالاستسلام وتسليم أنفسهم. فرد الأبطال بوابل من نيران الأسلحة الأوتوماتيكية، واشتبكوا مع القوات المهاجمة التي حاولت اقتحام المنزل في معركة ضارية استمرت حتى الساعة الرابعة صباحًا. وطبقًا لما أفاد به شهود عيان من سكان الحي، فقد قُتل ضابط إسرائيلي على الأقل وأصيب آخرون بجروح متفاوتة. وبعد توقف تبادل إطلاق النار، أوفد قائد القوة الإسرائيلية مواطن من سكان الحي لإقناع المجاهدين بتسليم أنفسهم، إلا أن القساميين رفضوا هذا العرض واستأنفوا إطلاق النار باتجاه الجنود لفترة محدودة عاد بعدها الهدوء يخيم على المنطقة.
واستغل المجاهدون فترة الهدوء وإعادة تجميع قوات الاحتلال بالتغطية على مغادرة المهندس للمنزل. فانسحب يحيى دامع العين على فراق أخويه اللذين أصرا بشدة عليه بتنفيذ هذا الأمر لما يعرفانه من حاجة القساميين لهذه الكفاءة العلمية المبدعة. ولكن الأمر لم ينته عن هذا الحد، فقد طاردت قوات الاحتلال المهندس، وقامت بحملة تمشيط واسعة في مدينة نابلس بحثًا عنه، غير أنه -بحمد الله وتوفيقه- نجح في الوصول إلى إحدى القواعد السرية لحركة حماس بسلام.
أما في الطابق الثاني من المنزل المحاصر حيث تحصن علي وبشار، فقد استؤنف تبادل إطلاق النار واستمر دوي الرصاص وانفجارات القنابل اليدوية حتى الساعة السادسة والنصف صباحًا. وعندئذ، اجبر جنود الاحتلال أحد المواطنين على اقتحام المنزل بعد أن زودته بمهدة وشاكوش، ويبدو أن العدو أراد استغلال هذا الشاب لتحطيم الباب. وبعد فشل هذا الأسلوب الجبان أخرج قائد القوات المهاجمة
من جعبة إجراءاته الإرشادات سلاح التدمير لكسر شوكة المجاهدين. وبدون سابق إنذار قصفت قوات العدو الطابق الثاني بالصواريخ المضادة للدبابات، ثم قامت وحدات (دفدفان) الخاصة والتي رابطت على أسطح المنازل المجاورة بإمطار الطابق الثاني بوابل من الرصاص مستخدمة الأسلحة الأوتوماتيكية. وفوجئ العدو ببقاء المجاهدين على قيد الحياة بعد القصف الصاروخي، إذ استمر تبادل إطلاق النار بين الطرفين نحو ربع ساعة.
وعلى الرغم من استشهاد البطلين علي وبشار، إلا أن قوات الاحتلال تجنبت الاقتراب من المنزل، إذ طلب الجنود من ثلاثة أشخاص ممن تم احتجازهم بعيدًا عن المكان بربط أرجل الشهيدين بالحبل وسحب الجثتين إلى الخارج ووضعهما على الأرض أمام المدخل. وهناك، أطلق الجنود النار بشكل وحشي على الجثتين. كما شوهد أفراد الجيش والوحدات الخاصة يطلقون النار بالهواء ابتهاجًا ويرقصون ويتصافحون مهنئين أنفسهم على هذا الإنجاز الذي علق عليه خبير الشؤون الأمنية والاستخبارية، روني شيكد حين كتب في يديعوت أحرونوت عن المعركة يقول: "عامان كاملان حاولت أجهزة الأمن الإسرائيلية فيهما اعتقال علي عاصي وجندت خلال هذه الفترة قوات عديدة من أفراد الاستخبارات والجنود وحرس الحدود وفرق المستعربين، ولكنه أفلح في كل مرة في الإفلات من الطوق الذي فرضوه على كل مكان اختبأ فيه. ولكن عندما دنت الساعة التي كتب عليه الموت فيها، فعل ذلك بكل جرأة مع رفيق دربه وكفاحه بشار العامودي".
يحيى عياش وعملية عيد رأس السنة العبرية
تقاطعت عملية الإعداد والتخطيط والتجهيز لأسر الجندي الإسرائيلي التي أنشغل فيها الثنائي يحيى عياش ومحمد الضيف بشكل أساسي، مع المخطط الذي اعتمد لتنفيذ العملية الثالثة من برنامج المراحل الخمس للثأر لشهداء الحرم الإبراهيمي الشريف. ولكون هذه العملية قد قطعت شوطًا كبيرًا سواء بالنسبة لرصد الهدف ووضع الخطة وتفاصيل التنفيذ، فقد استقطع المهندس من جهده ووقته لوضع اللمسات النهائية لتلك العملية والتي كان من المقرر أن تكون عملية استشهادية داخل المناطق المحتلة عام 1948. واختارت غرفة العمليات المركزية في كتائب عز الدين القسام توقيت العملية بحيث تتزامن مع احتفالات العدو الصهيوني بعيد رأس السنة العبرية والذي يبدأ عادة في يوم الاثنين الموافق 5 سبتمبر 1994م.
وبناء على الخطة المعدة ركب المهندس عبوات ناسفة تزن حوالي مئة كيلو جرام من المتفجرات المصنعة في سيارة من نوع سوبارو تحمل لوحات تسجيل إسرائيلية، قام أحد المجاهدين بالاستيلاء عليها يوم الأحد الموافق 28 أغسطس 1994م من حي النبي يعقوب في القدس. وسلم المهندس السيارة المفخخة للمجاهدين أمجد أكميل وأحمد أبو الرب لنقلها إلى المنطقة الشمالية من الضفة الغربية كمرحلة أولى في عملية إدخال السيارة إلى المنطقة المحتلة منذ عام 1948م.
تمكن المجاهدان القساميان من تجاوز الانطلاقة الأمنية المشددة وحواجز التفتيش الفجائية التي أقامها العدو على المداخل ومفترقات الطرق والشوارع الرئيسية. ووصل أمجد وأحمد بالسيارة إلى منطقة نابلس مساء يوم الخميس الموافق 1 أيلول (سبتمبر)،1994 غير أنهما لم يستطيعا نقلها إلى فلسطين المحتلة عام 1948. فقد قدّر الله I لهم الفوز بالشهادة ومجاورة النبيين والصديقين والشهداء، إذ انفجرت العبوات الناسفة -لسبب غير معروف- أثناء قيادتهما للسيارة في مكان ناءٍ بمنتصف الطريق بين قريتي عقربة ومجدل بني فاضل الواقعتين جنوب شرقي مدينة نابلس[8].
من أقوال يحيى عياش
- "على الكريم أن يختار الميتة التي يجب أن يلقى الله بها؛ فنهاية الإنسان لا بُدَّ أن تأتي ما دام قدر الله قد نفذ".
- "مستحيل أن أغادر فلسطين، فقد نذرت نفسي لله ثم لهذا الدين، إما نصر أو استشهاد. إن الحرب ضد الكيان الصهيوني يجب أن تستمر إلى أن يخرج اليهود من كل أرض فلسطين".
- "بإمكان اليهود اقتلاع جسدي من فلسطين، غير أنني أريد أن أزرع في الشعب شيئًا لا يستطيعون اقتلاعه".
- "لا تنزعجوا فلست وحدي مهندس التفجيرات، فهناك عدد كبير قد أصبح كذلك، وسيقضون مضاجع اليهود وأعوانهم بعون الله".
- "بالنسبة للمبلغ الذي أرسلتموه، فهل هو أجر لما أقوم به؟ إنْ أجري إلا على الله، وأسأله أن يتقبل منا. وأهلي ليسوا بحاجة، وأسأل الله وحده أن يكفيهم وأن لا يجعلهم يحتاجون أحدًا من خلقه. ولتعلموا بأن هدفي ليس ماديًّا، ولو كان كذلك لما اخترت هذا الطريق. فلا تهتموا بي كثيرًا، واهتموا بأسر الشهداء والمعتقلين، فهم أولى مني ومن أهلي".
- "لا شك بأن العائلة تعاني، ولكن هذا ابتلاء من الله I وهو القائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]. أسأل الله أن يكتبنا في الصابرين".
- "إنهم -أي السلطة- يحاولون بكل جدية اعتقالي أو قتلي فهم بالنسبة لي لا يختلفون عن اليهود سوى أننا لا نحاربهم؛ لأننا نعتبرهم من بني جلدتنا وهم يحاربوننا بالنيابة عن اليهود".
- "لسه الحبل على الجرار، والله -إن شاء الله- ما أخليهم يناموا الليل ولا يعرفوا الأرض من السماء"[9].
استشهاد يحيى عياش
رسالة يحيى عياش الأخيرة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وقائد المجاهدين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلي الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أبعث لكم رسالتي سائلاً المولى أن تصلكم وأنتم في خير حال، وقد كتبتُ لكم هذه الرسالة كي أطمئنكم، و(ما دام) لم تسمعوا في الإذاعة (شيء) عني، فإني بخير.
كم سررت عندما عرفتُ أنَّ معنوياتكم كانت عالية بعد استشهادِ الأخوين بشار وعلي؛ لأن ما (أصابهم) لا بدَّ (منه) أن يُصيبنا، والله (كتب) لهم الشهادة كي يستريحوا من عناءِ الدنيا، وأسأل الله ألا يحرمنا أجرهم، وألا يفتننا بعدهم، وأن يغفرَ لنا ولهم.
أبي العزيز.. أمي الحنونة.. كيف حالكم؟ لا تنسونا من دعائكم، وأن ترضوا عني وعن (إخوتي) مرعي ويونس، و(أبلغوهم) سلامي الحار لهم.. وأسأل الله أن يُفرِّج عنهم وأن يفك أسرهم.
وأنتما يا أم البراء، ويا أم راشد، أيتها الصابرات المحتسبات، اصبرن واحتسبن أجركن عند الله تعالى، وأحسنَّ تربية الأولاد: براء وراشد وآلاء، وأحسنَّ معاملة أبي وأمي، ولا تتشاجرنَّ، وكُنَّ مثالاً للأخوات.
أهلي الأعزاء جميعًا قد تطول الفُرقة؛ فعليكم بالصبرِ والاحتساب، وأسأل الله أن أراكم قريبًا، وأنتم تعلمون صعوبة الظروف، ولن أدخر جهدًا كي أراكم.. اعذروني؛ فأنا لم أتعوَّد كتابة الرسائل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ابنكم يحيى.
ثارت الكثير من التساؤلات حول جريمة اغتيال المهندس، والمتآمرون المشتركون في تنفيذ الجريمة الغادرة، فقد نشرت وسائل الإعلام تفاصيل غامضة وتقارير متضاربة في بعض الأحيان، ولكن ما تزال قضية اغتيال مهندس الأجيال تتفاعل وتثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا حول الشخصية التي تقف حقيقةً خلفَ عملية الاغتيال وكيف استطاعت الوصول إلى المهندس واختراق الجدار الأمني الذي أحاط به؛ إذ إنَّ الجريمة، وبشهادة خبراء الاستخبارات كانت مُعقدة فنيًّا واحتملت وفق الشواهد الكثيرة التي أحاطت بها نسبة عالية من المجازفة والمخاطرة، ولكن جهاز الشاباك والسلطة السياسية الصهيونية التي أعطت الضوء الأخضر بالتنفيذ لم يجدا مفرًّا من قبولِ هذه النسبة، فالهدف ثمين ولم يتم الاقتراب منه بهذه الدرجةِ من قبل.
عمليات البحث والمقارنة التي أجريناها بعد جمعِ كافةِ ما نُشِرَ حول الجريمة، وبخاصة القصة التي رواها أسامة حماد، صاحب المنزل الذي استشهد فيه المهندس وآخر شخص شاهده على قيدِ الحياة، إلى جانب تقارير وسائل الإعلام الصهيونية من صحفٍ وتلفاز وإذاعة، ومن خلال التفاصيل التي أمكن التحقق من صحتها، فإننا نقدم السيناريو التالي الذي نتوقع بأنه يمكن الاعتماد عليه:
1- أسامة حماد عضو حركة حماس الذي يُقيم مع عائلته في منزل من طابقين على بعد مائة متر من المفوضية العامة للشرطة الفلسطينية في بيت لاهيا يعرف المهندس منذ عام 1987م، فقد كان أسامة طالبًا في جامعة بيرزيت وسكن مع الطالب يحيى عياش في قرية أبو قش القريبة من الجامعة، وبعد أن تخرَّج أسامة من الجامعة في صيف العام 1995م وعاد إلى قطاع غزة في شهر أغسطس، اتصل به المهندس للمساهمةِ في تقديم المساعدة والخدمات له، وبخاصة في مجال الاتصالاتِ مع الضفة الغربية بعد أن انكشف أمر الهاتف الذي كان يستخدمه يحيى في مخيمِ النصيرات.
2- الاستخبارات العسكرية الفلسطينية التي يتزعمها العميد موسى عرفات هي التي اكتشفت علاقة أسامة بالمهندس في شهر (سبتمبر)، وقيام الأخير بإجراءِ الاتصالاتِ من منزل والدةِ الأول، وحتى تلك اللحظة، لم تكن أجهزة الأمن الصهيونية على علمٍ بهذه التفاصيل، ولكن مصدرًا مطلعًا في جهاز الأمن العام الفلسطيني يؤكد أنَّ العميد موسى عرفات المعروف بقربه من الشاباك، أبلغ عميلاً مزدوجًا قيل إنه كمال حماد (خال أسامة).
3- وعلى وجهِ السرعة، نقل العميد المعلومات القيمة إلى قيادةِ الشاباك، وبعد أن اطمأنَّ الجنرال كارمي جيلون لصحةِ المعلومات الواردة عبر شبكة العملاء الواسعة التي يحتفظ فيها بمدينة غزة، أبلغ شمعون بيريز بصفته رئيسًا للوزراء ووزيرًا للدفاع، وفي الاجتماعِ العاجل والطارئ الذي دعا له بيريز، أعاد رئيس الوزراء الجديد تأكيد الأوامر والتعليماتِ التي أعطاها سلفه بالقيام بكل ما هو ممكن للقضاء على المهندس، واتفق قادة الموساد وآمان والشاباك على وضعِ خُطة محكمة لاغتيال المهندس تشترك الأجهزة الثلاث في عملياتِ التنسيق وتبادل المعلومات والتنفيذ؛ حيث أسندت القيادة الميدانية للجنرال كارمي جيلون نفسه.
4- بعد تحديد الوسيلة المقرر استخدامها، وجد الجنرال جيلون أنَّ نقطةَ الضعف التي يُمكن النفاذ من خلالها تكمن في سكنِ أسامة مع والدته في بيت لاهيا، وهي أولاً، منطقة قريبة من مغتصبة نتساريم، وثانيًا، خال أسامة المدعو كمال حماد، ومن المعروف أنَّ كمال حماد (45 عامًا) هذا يتعامل مع سلطاتِ الاحتلال منذ عام 1970م؛ حيث كان له ضلع في الوشايةِ بعددٍ من الفدائيين في ذلك الوقت، وهو يمتلك شركة مقاولاتٍ كبيرةٍ قامت بأعمال عديدة لصالح الإدارة المدنية الصهيونية، ونفذت مشاريع إسكانية كثيرة بعد أن سلَّمته سلطات الاحتلال أراضي حكومية وأملاك غائبين.
وقد سافر هذا العميل قُبيل انسحاب القوات الصهيونية من قطاع غزة إلى تونس حيث التقى مع ياسر عرفات وموسى عرفات وأبو علي شاهين ومحمد دحلان ورشيد أبو شباك، وعرض عليهم تقديم بعض الأراضي ومشروع إسكان على سبيلِ الهدية مقابل غض الطرف عن عمالته وحمايته من أيدي حماس والجهاد الإسلامي؛ إذْ تبرع العميل بشقة سكنية في الطابقِ الثالث من بناية (برج النصر) إلى العميد موسى عرفات، وفي مقابل ذلك، زوَّده قائد الاستخبارات العسكرية باثنينِ من العناصر المزودين برشاش كلاشنكوف لحراسته، تولَّى حماد دفع رواتبهما.
5- طلب الشاباك من كمال حماد التقرُّب من ابن أخته وإغرائه بالعمل لديه، ولأنَّ أسامةَ الذي أنهي تعليمه مؤخرًا وحصل على شهادةِ بكالوريوس لغة عربية ودبلوم تربية بدون عمل، فقد قِبل دون تردد الوظيفةَ التي عرضها خاله، وهي الإشراف على تعليم أطفاله الأربعة عشر، ويومًا بعد يوم، تقرَّب كمال من أسامة محاولاً توثيق العلاقة معه حيث قام بإهدائه تليفون خلوي، وطبقًا لتعليماتِ الجنرال جيون، عاد كمال إلى ابن أخته طالبًا الجهاز ليوم أو ليومين، وتكررت هذه الطلبات ما بين أربع وست مرات، وفي كل مرةٍ كان يتذرع بأعذار مختلفة، ومن البديهي أن نستنتج أن الهدف من ذلك هو أن يعتاد أسامة على طلباتِ خاله، ولا تساوره الشكوك إذا ما عاد واستعار التليفون أثناء وجود المهندس، ورغم ذلك، يؤكد أسامة، بأنَّ المهندسَ كان حذرًا؛ إذ إنه كان يخشى استخدام هذا النوع من الأجهزةِ في اتصالاته لمعرفته بسهولةِ التنصت على المكالماتِ التي تجري من خلالها وإمكانية التحكم فيها من قِبل العدو الصهيوني، وإذا ما اضطر إلى استخدام إحداها، كان يحيى عياش يفحص الجهاز ويطلب من غيره التأكد أيضًا.
6- تمكنت الشاباك من تتبع مكالمة تليفونية أجراها الشيخ عبد اللطيف مع ابنه، ومن خلال تلك المكالمة، اتضح للجنرال جيلون بأن والد المهندس سيتصل بابنه على الهاتف العادي بمنزل أسامة حماد في الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة الموافق 5/1/1996م.
7- وضع الجنرال جيلون ومساعدوه خطة تفصيلية لاغتيال المهندس، بعد أن انتقل إلى موقع متقدم في مغتصبة نيسانيت القريبة من بيت لاهيا للإشراف بشكلٍ مباشرٍ على عمليةِ التنفيذ؛ حيث أُقيمت غرفة قيادة أمنية ذات تجهيزات فنية عالية، وفي ذلك الموقع، استعان رئيس جهاز الشاباك بخبراء وفنيين قاموا بتركيب بطارية خاصة صنعها القسم الفني بالموساد في جهاز التليفون الخلوي الذي استعاده كمال حماد من ابن أخته في أواخر ديسمبر 1995م، والبطارية الجديدة كانت في الحقيقة بنصف حجمها العادي حيث وُضعت المتفجرات التي يتراوح وزنها بين 40 و50 جرامًا في النصف الآخر، وكان كمال حماد قد دأب على التوجهِ إلى المغتصبة.
8- حاولت زوجة المهندس أن تستذكر الساعات الأخيرة للشهيد القائد، فتقول: "اشتاقَ كثيرًا لقريته وأهله وعائلته، وكان يقول دائمًا بأنه يريد العودة إلى هناك، وحدد وقتًا لذلك، قُبيل عيد الفطر"، وتُضيف أم البراء، بأنه ودَّعها وطفليه صباح يوم الخميس، أي قبل يوم من استشهاده، وخرج من المنزل الذي يختبئ فيه بجنوب قطاع غزة للقيام بمهمة ليلية مهمة جدًّا، وكان من المفترض عودته يوم السبت؛ ولذلك، طلب المهندس من زوجته أخذ ابنه عبد اللطيف صباح يوم الجمعة لختانه؛ حيث فعلت، ولم تعلم أم البراء عن استشهاد زوجها إلا في ساعاتِ المساء عندما حضر أصدقاؤه.
9- انتقل المهندس إلى منزل أسامة حماد في نحو الساعة (4.30) من فجر يوم الجمعة الموافق 5/1/1996 وقام بتأدية صلاة الفجر ثم ذهب للنوم، وحسب القصة التي يرويها أسامة حماد بعد ذلك، فإنه كان من المفترض أن يتصل والد المهندس على تليفون المنزل في نحو الساعة الثامنة غير أن اتصالاً غريبًا جرى في ذلك الوقت حين اتصل كمال حماد في الساعة الثامنة طالبًا من ابن أخته فتح جهاز التليفون الخلوي لأن شخصًا يريد الاتصال به ثم قطع الخط الهاتفي، ولم يكن في خط الهاتف البيت حرارة بعد هذا الاتصال.
وفي نحو الساعة التاسعة، اتصل والد المهندس مستخدمًا الهاتف الخلوي حيث رفعت زوجة أسامة السماعة وسلمتها لزوجها الذي كان نائمًا مع يحيى في نفس الغرفة. فأيقظ أسامة المهندس ثم أعطاه السماعة، وبعد (15) ثانية تقريبًا، وفيما كان أسامة يهم بالخروج من باب الغرفة تاركًا المهندس ليحدث والده، سمع دوي انفجار، فالتفت على الفور فرأي يد الشهيد القائد تهوي إلى أسفل، وغطى الغرفة دخان كثيف، ليتبين بعد ذلك أن المهندس قد استشهد.
10- طائرة مروحية تابعة لسلاح الجو الصهيوني حامت فوق المنزل في ذلك الوقت، يُعتقد أنها كانت تقل ضابط الشاباك المسئول عن تفجير الشحنة الناسفة التي زرعت داخل جهاز الهاتف النقال. فما أن تأكد الضابط من تشخيص صوت المهندس عبر أجهزة الرصد حين قال لوالده: "كيف حالك يا أبي، دير بالك على صحتك ولا تظل تتصل على الهاتف"، حتى ضغط على زر جهاز الإرسال لإرسال ذبذبة معينة لانفجار العبوة الناسفة لاسلكيًا، فوقع الانفجار.
11- اتصل كمال حماد بعد ذلك بوالدة أسامة وسألها عن حالة ابنها، وإن كان بخير وفي صحة جيدة ولم يمسه سوء، فأخبرته أنه بخير، فقال لها: "معلش أمر الله نافذ".
12- لم يعرف أسامة من هول الصدمة ما يفعله، إلا أنه تدارك نفسه سريعًا ومنع أيًّا من أفراد عائلته من الاقتراب من الغرفة التي كان فيها جثة الشهيد، واتصل أسامة ببعض أصدقاء المهندس من كتائب عز الدين القسام، وروى لهم كل شيء بالتفصيل، فأخذ المجاهدون جثةَ المهندس في ساعات الظهر وانطلقوا بها، وبعد ذلك قرروا وضع الجثة في مستشفى الشفاء.
13- عدد من قادة حركة حماس توافدوا على المستشفى لمعاينة جثة الشهيد، ومنهم الصحفي فايد أبو شمالة الذي يعرف المهندس منذ أيام الدراسة الجامعية، وقال فايد بأن الجهة اليمنى من وجه المهندس (من أذنه وحتى منتصف وجهه) كان مهشمًا تمامًا، وكذلك يده اليمنى، بينما لم يتأثر بقية جسمه إطلاقًا بالانفجار.
14- أكد أسامة أن الشهيد كان يتمنى الشهادة وكان دائمًا يردد "بأن على كل فلسطيني أن يتدرب على السلاح وأن يجاهد"، ويضيف أسامة بأنه صباح يوم الجمعة وقبل صلاة الفجر بقليل عبَّر المهندس لصديقه بأنه يشعر بدنو أجله.
15- بيان الكتائب أكد ضلوع أطراف من السلطة الفلسطينية في التمهيدِ والتعاون وتسهيل مهمة منفذي الجريمة الغادرة بحق المهندس، وأشار بيان الكتائب أيضًا، أنه وحسب التقارير المرفوعة إلى قيادة الجهاز العسكري لحركة حماس، فقد أكد مسئول الوحدة المكلفة بحمايةِ الشهيد أنَّ مجموعته نجحت قبل أسبوعين من الجريمة في ترتيب مغادرة الشهيد لموقع كان يتواجد فيه قبل مداهمة أجهزة استخبارات وشرطة السلطة بنحو نصف ساعة.
16- هرب كمال حماد إلى المناطق المحتلة منذ عام 1948 فور وقوع الجريمة؛ حيث وصل عند المسئولين عنه في جهاز الشاباك بمغتصبة نيسانيت، ثم نُقل بعد ذلك إلى مدينة يافا حيث ما يزال يقيم هناك[10].
لقد سماه والده يحيى وهو لا يعلم أن ابنه سيظل حيًّا وإن غاب عنا، فالاسم الذي أطلق عليه لقب حقيقي له، فحياة يحيى عياش لم تنته بعد، فهو الآن يحيا في الجنة مع الحور العين بعد طول عناء ومطاردات، ليكون رفيق النبيين والصديق