احرار الاسلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

احرار الاسلام

منتده اسلامى سياسي و اخبار عاجلة
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الأمل وسنن النصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعيدعبدالله
Admin



عدد المساهمات : 1012
تاريخ التسجيل : 24/09/2012

الأمل وسنن النصر  Empty
مُساهمةموضوع: الأمل وسنن النصر    الأمل وسنن النصر  Emptyالسبت سبتمبر 29, 2012 12:04 am

[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
إنَّ واجبَ رَفْعِ الرُّوح المعنوية, وبثِّ الأمل في القيام من جديد, لهو من أعظم الواجبات, ليس تجاه فلسطين فحسب, ولكن تجاه أمة الإسلام بأسرها, وإنه لمن أعجب العجب أن تُحبط أمةٌ تملك شرعًا مثلَ شرع الإسلام, وتاريخًا مثل تاريخ الإسلام, ورجالاً مثل رجال الإسلام!

لكنَّها حقيقةٌ مشاهَدة, وواقعٌ لا يُنكر!

فقد اجتمعت أمورٌ كثيرة على أُمَّتنا أَوْرَثَتْهَا إحباطًا في نفوس أبنائها, وعلى رأس هذه الأمور:

- توالي الهزائم والانكسارات خلال القرن العشرين؛ بدءًا من سقوط الخلافة سنة 1924م, والهزائم العربية في 1948م, و1956م, و1967م, واجتياح لبنان في 1982م.

- الاعتداء الصهيوني المتواصل على أهلنا في فلسطين منذ 1917م وحتى اليوم, والاعتداء الأمريكي على العراق, والتكالب على الصومال, والمذابح البشعة في كوسوفو, والبوسنة, وكشمير, والشيشان وغيرها.

- الانهيار القيمي والأخلاقي من ظلم, وفسادٍ, وإباحية, وانهيار للاقتصاد, واختلاسٍ بالمليارات, وديون متراكمة, وإفلاسات, وفُرقة وتناحر, وتشاحن وبغضاء.

هذا كله رسَّخَ الإحباط في نفوس كثير من أبناء أمة الإسلام.

وإنه لمن أوجب واجباتنا في هذه المرحلة أن نعيد زرع الأمل في نفوسنا؛ لأن المحبطين لا ينتصرون, ومن ثم فإن علينا جميعًا كأُمَّة أن نرسخ المعاني الآتية في نفوسنا, وأن نزرع هذه المبادئ في حياتنا, وأن نحرص على نشر هذه الثقافة التفاؤلية بكل وسيلة ممكنة:

فقه سنن الله ومنها سُنَّة التداول في الأرض :

يقول الله : {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].

فكما تعاني أمة الإسلام اليوم؛ فقد عانى آخرون في أيام سابقة, بينما كانت أمة الإسلام في سلامة وعافية, وستأتي أيام أخرى -لا محالة- ستعود فيها الدولةُ للمسلمين؛ فتلك سُنَّة ثابتة.

إن هؤلاء الذين قنطوا لم يُدْرِكوا طبيعة سنن الله في الأرض؛ فقد شاء الله I أن يجعل الأيام دُولَةً بين الناس؛ وعلى هذا فينبغي على المسلمين أن يثقوا في أن دولة الظلم والطغيان حتمًا إلى زوال, ومن ثَمَّ فلا عجب أن ترى أمة ظالمة قد ارتفعت وتكبَّرت وتجبَّرت, مثلما نرى من تجبُّرٍ أمريكي وصهيوني.. إنها الآن في دورة ارتفاع, ولكنها لن تخرج عن سُنَّة الله في أرضه وخلقه.. إن مصيرها -حتمًا- في النهاية إلى زوال, {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].

إدراك أن أمة الإسلام أمة لا تموت :

هذه الأمة.. ذات طبيعةٍ فريدة تُمَيِّزها عن بقية الأمم, فهي أمةٌ باقيةٌ لا تموت. إنها ليست كباقي الأمم, إن دراسة تاريخ الأمم الناهضة والأمم الغابرة لتعرِّفنا بقوة على سُنَّة التداول؛ حيث إن كل الأمم تسود فترة وتتبع غيرَها فترات, وكل الأمم تقود زمنًا وتنقاد لغيرها أزمانًا؛ تعيش مرة وتموت وتندثر وتختفي, إلا أمة واحدة, قد تنقاد لغيرها فترة من الفترات, وقد تتبع غيرها زمنًا, لكنها لا تموت أبدًا, وتلك مزيَّة أمة الإسلام!

فحضارة الرومان, لم يَبْقَ منها إلا أطلال وأبنية..

وحضارة الفرس, ماتت ولم تترك ميراثًا..

ولم يبقَ من التتار وجيوشهم أثر واحد..

وصارت إنجلترا الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس تابعًا ذليلاً..

وسقطت الإمبراطورية الروسية القيصرية ثم الشيوعية سقوطًا مروِّعًا..

وسيأخذ غيرهم دورات ودورات ثم يسقطون, وسيعلو نجمهم فترة ثم يهبطون, {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29].

إذًا لا بُدَّ أن تبقى أمة الإسلام؛ لأنها تحمل الكلمةَ الأخيرة من الله إلى خلقه, فمَنْ يُقيم حُجَّة الله على خلقه إذا ماتت أُمَّة الإسلام؟ ومَنْ يَشهد على أهل الأرض إذا ذهب أهل الإسلام؟ ومَنْ يُعَلِّم الناس الشرع والأخلاق إذا اندثرت هذه الأمة؟ ومَنْ يُعرِّف الناس بربهم إذا فني رجال الإسلام؟ إن بقاءها يعني خير الأرض, وذهابها يعني فناء الأرض؛ ولهذا فإنه ينبغي علينا:

أن نَعرف قَدْر أُمَّة النبي عند الله , وأن نُدرك مهمتها وحقيقة دورها في الأرض, كذلك ينبغي أن نَعِيَ حجم الخسارة التي تحيق بالعالم كله, وحجم معاناته في فترات ضعف أمة الإسلام, وهذا كله يزرع الثقة في قلوبنا, خاصة في هذا الوقت العصيب.

إدراك حقيقة المعركة :

ينبغي للمؤمنين أن يُدركوا أن المعركة ليست في أصلها بين المؤمنين والكافرين, إنما المعركة في حقيقتها بين الله ومن مَرَقَ عن دينه وشرعه. إن المعركة في الحقيقة بين الله وبين اليهود, وبين الله وكل من حارب دينه.. وتَدَبَّرُوا في آيات القرآن الكريم, يقول تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15, 16], {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: 30], ويقول كذلك: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].

فيا أيها المسلمون, هل تعلمون لحساب من تعملون؟! وإلى أي ركن تَأْوون؟!

إن المسألة مسألة يقين, والقضية قضية عقيدة, وكلما ازددت توقيرًا وتعظيمًا لله , هانت عليك جيوش العدو ولو كانت ملء الأرض جميعًا.

إدراك حقيقة البشرى بالنصر والتمكين في الكتاب والسُّنَّة :

يقول الله : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47], ويقول : {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51], وهناك ما لا يُحْصَى من الآيات والأحاديث التي تُبَشِّر المسلمين بهيمنة الإسلام وفتحه مشارق الأرض ومغاربها, ويكفي البشرى بفتح القسطنطينية ورومية[1], وها قد فُتِحَت القسطنطينية سنة 857هـ = 1453م, وغدًا ستُفتح رومية عاصمة إيطاليا ومعقل الفاتيكان.

بل إن البشارة بوجود طائفة منصورة في فلسطين خاصة لتثلج صدور المؤمنين, فقد روى أبو أُمَامة قال: قال رسول الله : "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ, لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ, لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ, حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قالوا: يا رسول الله, وأين هم؟ قال: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ"[2].

وقد بشرنا القرآن الكريم كذلك بالنصر المباشر على اليهود, وذلك بنقل ما حدث في غزوة بني النضير, ثم طلب منا أن نعتبر بهذه الأحداث, قال I: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2].

وأيضًا بَشَّرنا رسول الله أنه بعد كل الجولات المتعدِّدَة مع اليهود فإن الجولة الأخيرة ستكون لنا بإذن الله؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ, فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ, فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ, يَا عَبْدَ اللهِ, هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ"[3].

دراسة تاريخ قصص النصر والخروج من الأزمات :

مع جمال آيات البشرى في القرآن الكريم, وروعة الأمل في أحاديث رسول الله , إلا أن النفس تحب الاطمئنان برؤية أمثلة واقعية للنصر والتمكين؛ ولهذا فمن الواجبات المهمة للأمة في هذه الفترة دراسة النماذج العملية للخروج من الأزمات في تاريخ أمتنا, وهي أمثلة كثيرة جدًّا, وواقعية إلى أبعد حدٍّ..



ولا ينبغي أن يتوقَّفَ الأمر عند دراسة قصص الأنبياء, أو دراسة سيرة الرسول ؛ لأن الناس تتعلَّلُ بأن هذا رسول, وأن التأييد الرباني الذي معه غير متحقِّق بالصورة نفسها معنا, ومع أن العبرة من كون الرسول بشرًا أن نُقَلِّدَه فيما فعل, وأن نطمئن إلى حدوث النصر لنا كما حدث معه, إلا أن عموم الناس يحتاجون إلى دراسة عملية لتجارب أخرى بعيدة عن عصر النبوة.

ومن هنا فدراسة حروب الردَّة وكيف خرجنا منها, ودراسة ضياع شمال إفريقيا من المسلمين بعد فتحه, ثم عودته للإسلام بعد ذلك, ودراسة سيطرة العبيديين على العالم الإسلامي, ثم انتصارنا في النهاية, ودراسة الهجمة الصليبية الطويلة ثم التحرُّر منها, وكذلك الهجمة التترية الشرسة, ثم الانتصار في النهاية, ودراسة الاحتلال الأوربي لمعظم بلاد العالم الإسلامي, ثم التحرُّر والاستقلال, وغير ذلك من نماذج عملية واقعية..

دراسة كل هذه الأحداث تُورِث في القلب يقينًا عمليًّا أنه مهما طال الظلم والاستبداد فإن النصر في النهاية لأهل الحقِّ.

والكتب التي ذَكَرَتْ هذه الأمثلة كثيرة؛ ومنها على سبيل المثال: كتاب "أيام حاسمة في الإسلام[4]", وكتاب "الإسلام وحركات التحرر العربي[5]", وكتاب "استراتيجية الاستعمار والتحرير[6]", وكتاب "فقهاء الشام في مواجهة الغزو الصليبي[7]", وغير ذلك من كُتب سَطَرَتْ مواقف المجد والعزة في تاريخ أمتنا العظيمة.

إدراك أن النصر لا يأتي إلا بعد أشدِّ لحظات المجاهدة :

يقول الله : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ} [البقرة: 214], ففي اللحظة التي بلغ فيها الألم أقصاه, وبلغ الصبر ذروته, واستفرغ المؤمنون جهدهم, يقترب النصر, فيُعَقِّب الله على السؤال عن موعد النصر قائلاً: {أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214], وعلى هذا فاشتداد الأزمة يعني أن حَلَّها قد اقترب, وما أبلغ الأبيات التي ذكرها الشافعي وهو يُعَبِّر عن هذا المعنى إذ قال:

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ لَهَا الْفَتَى *** ذَرْعًا وَعِنْدَ اللهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ

ضَاقَت فَلَمَّا اسْتَحكَمَتْ حَلَقَاتُهَا *** فُرِجَتْ وَكُنْتُ أَظُنُّهَا لا تُفْرَجُ[8].

وهناك عدة وسائل للتثبُّت من هذه الحقيقة؛ نذكر منها على سبيل المثال:

1- قراءة قصص الأنبياء, وخاصة أولي العزم.

2- قراءة سيرة النبي .

3- دراسة فقه الابتلاء, وسير الصحابة؛ للتعرُّف على ما تعرَّض له المؤمنون في غزواتهم مع النبي , خاصة غزوة الأَحْزَاب؛ وهذا ما يصفه الله بقوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10, 11], ورغم حالتهم هذه, فإذا برسول الله يُبَشِّرهم بما يفوق الخيال, فيُصدِّقُونه ويُوقنون فيما يقول؛ لقد ضرب رسول الله الحجر, وقال: "بِسْمِ اللهِ". ثم ضرب ضربة, وقال: "اللَّهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ, وَاللهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا". ثم ضرب الثانية فقطع آخر, فقال: "اللَّهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ, وَاللهِ إِنِّي لأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ, وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا". ثم ضرب الثالثة فقال: "بِسْمِ اللهِ". فقطع بقية الحجر, فقال: "اللهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ, وَاللهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا"[9]. وبعد الأَحْزَاب سار المسلمون من نصر إلى نصر, ومن فتح إلى فتح؛ فجاءت الحديبية, ثم فتح مكة, ثم الطائف, ثم جزيرة العرب بكاملها.

4- دراسة المعارك الفاصلة في تاريخ الأمة الإسلامية بداية من غزوة بَدْرٍ, ومرورًا بفتح المدائن, ومعركة اليرموك, وفتح القسطنطينية, ومعركة حطين, وعين جالوت, وغيرها من المعارك التي خاضها المسلمون.

تجنُّب استعجال النصر :

فرُبَّ حكمة لا نُدْرِكها, كما أن الأدب مع الله يقتضي عدم استعجاله, وقد قضت حكمة الله أن يختبر عباده المؤمنين, وللنصر وقت معلوم, يعلم الله أن فيه خير المؤمنين؛ فعن خَبَّاب بن الأَرَتِّ قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسِّد بردة له في ظلِّ الكعبة, قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال رسول الله : "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ, فَيُجْعَلُ فِيهِ, فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ, فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ, وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ, وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ, وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ, وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"[10].

إنهم يُجْلَدون, ويُعَذَّبون في رمضاء مكة, ويُكْوَوْن بالنار..

والنبي يقول: "وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"!!

فتأمَّل: كيف يكون الصبر -على الألم وانتظار النصر- إذًا إن لم يكن هذا؟!

إدراك مظاهر الضعف عند الأعداء :

لا بُدَّ للأمة أن تعرف عدوَّها, خاصة إذا كان الله قد وصفه لها وصفًا دقيقًا؛ يقول الله في اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران: 112], ويقول: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14], ويقول أيضًا: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [البقرة: 96].

وعلينا في هذا ما يلي:

1- ألا نخشى من كثرة العدو؛ فقد كفانا الله عددهم, فقال لهم: {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].

2- ألا نخشى من قوَّة عتاد العدو وسلاحه؛ فقد كفانا الله عدتهم فقال : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 12].

3- ألا نخشى من كثرة أموال العدو؛ فقد كفانا الله أموالهم فقال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].

4- أن نلاحظ الآثار السلبية التي يتعرَّض لها العدو في حربنا معه؛ ففي الحرب الأخيرة قتل 14 جنديًّا وأصيب 168, حسب إحصاءات يهودية, وقد أكد المجاهدون أن العدد الحقيقي يقارب الخمسين جنديًّا فضلاً عن مئات المصابين[11], كما تحدث خبراء الاقتصاد الصهيوني عن خسائر مالية تصل إلى 10 مليارات شيكل 2.59 مليار دولار, بلغت تكاليف العمليات العسكرية 5.5 مليارات شيكل منها 1.42 مليار دولار[12], هذا كله إلى جانب الخسائر الدبلوماسية والإعلامية للكيان الصهيوني في الحرب التي لم تتجاوز الشهر.

5- تأمَّل هزائم الأعداء؛ مثل خروج أمريكا المتكبرة من فيتنام, خائبةً مندحرةً, وكذلك خروجها من الصومال, وسنراها عما قريب تخرج من العراق.

6- تأمَّل بلاءات الله للأعداء؛ ككارثة إعصار كاترينا في الولايات المتحدة عام 2005م؛ الذي ضرب منطقة مساحتها نحو 235 ألف كم2, وتسبب في مقتل 161 فردًا, وامتدَّت أضراره بطول ما بين 40 إلى 50 كم على شواطئ ولاية ميسيسيبي, في حين غمرت المياه 80% من مدينة نيو أورلينز[13], وتجاوزت قيمة الأضرار 100 مليار دولار, كما تَسَبَّب وقف العمل هناك في أكثر من 100 مليون دولار من الربح الفائت, كما أدَّى إلى إغلاق 90% من مرافق إنتاج النفط في خليج المكسيك والعديد من المصافي[14].

إدراك أن الأجر لا يرتبط بالنصر ولكن بالعمل :

قال الثوري[15]: "الأجر على قدر الصبر"[16]. فكلما حَسُن عملك عَظُم أجرُك, وكلما زاد جُهدُك كمل ثوابك, واعلم أنك إن لم تَرَ النصر بعينيك, فسيراه أبناؤك وأحباؤك.

والنصر لا يأتي إلا بيقين فيه, يقين لا يساوره شكٌّ, ولا تخالطه ريبة.. {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15].

إذا أدركنا هذه الأمور؛ زال الإحباط من قلوبنا, واستُبدِل بأملٍ في قيام, وطموحٍ في سيادة, {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

[1] عن عبد الله بن عمرو: "سئل رسول الله أيُّ المدينتين تُفْتَح أوَّلاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله : "مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً". يعني قسطنطينية, والحديث رواه أحمد 6645, والدارمي 486, والحاكم 8301 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

[2] أحمد 22374, والطبراني: المعجم الكبير 17510, وابن خزيمة 16534, وقال الهيثمي: رواه عبد الله وجادة عن خط أبيه, والطبراني ورجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7/230.

[3] البخاري: كتاب الجهاد والسير, باب قتال اليهود 2768, ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة, باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل 2922.

[4] محمد عبد الله عنان: مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام, الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1997م.

[5] شوقي أبو خليل: الإسلام وحركات التحرر العربية, دار الفكر المعاصر, 1991م.

[6] جمال حمدان: استراتيجية الاستعمار والتحرير, مؤسسة دار الهلال, مصر, 1999م.

[7] جمال محمد سالم عريكيز: فقهاء الشام في مواجهة الغزو الصليبي, عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية, القاهرة, 2006م.

[8] ديوان الإمام الشافعي ص39.

[9] أحمد 18716, وأبو يعلى 1685, وقال الهيثمي: رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وَثَّقَهُ ابن حبان وضعفه جماعة, وبقية رجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 6/117.

[10] البخاري: كتاب الإكراه, باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر 6544, وأبو داود 2649, وأحمد 21106.

[11] صحيفة الشرق الأوسط, 22 أبريل 2009م.

[12] صحيفة أخبار الخليج, 17 يناير 2009م.

[13] شبكة النبأ المعلوماتية: [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

[14] موقع هيئة الإذاعة البريطانية باللغة العربية, بتاريخ 30 أغسطس 2005م: <a >[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

[15] الثوري: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري 97- 161هـ / 716- 778م, أمير المؤمنين في الحديث, ولد ونشأ بالكوفة ومات بالبصرة, ألف الجامع الكبير والجامع الصغير في الحديث. انظر: الزركلي: الأعلام 3/104.

[16] أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء, 7/54.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://saidabdallah.yoo7.com
 
الأمل وسنن النصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النصر مع الصبر
» طريق الثورة السورية إلى النصر
» تأسيس جيل النصر .. نور الدين زنكي نموذجا
» السوريون في رمضان .. منكوبون يترقبون النصر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
احرار الاسلام :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول :: فلسطين :: واجبنا تجاه فلسطين-
انتقل الى: