احرار الاسلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

احرار الاسلام

منتده اسلامى سياسي و اخبار عاجلة
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الجهاد بالمال

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعيدعبدالله
Admin



عدد المساهمات : 1012
تاريخ التسجيل : 24/09/2012

الجهاد بالمال  Empty
مُساهمةموضوع: الجهاد بالمال    الجهاد بالمال  Emptyالسبت سبتمبر 29, 2012 12:07 am

[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
ما أحوجَ أهل فلسطين للمال في هذه الأوقات؛ حصارٌ اقتصادي رهيب, طردٌ من الأعمال, إغلاقٌ للمعابر, تجريفٌ للأراضي, هدمٌ للديار, نقصٌ في الغذاء والدواء والكساء والسلاح, واستشهاد الشباب, وفقدان العائل..

فمن كان يريد جهادًا في سبيل الله ثم حيل بينه وبين الجهاد, فليُثْبِتْ صدق نِيَّتِه بالجهاد بالمال؛ يقول رسول الله : "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا"[1].

ويقول : {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

وقد تكفَّل الله أن يُخْلِفَ على المؤمن ما أنفقه في سبيله في الدنيا, فضلاً عن الآخرة {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39], وأقسم النبي على ذلك: "ثَلاَثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ, وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ..". فأول شيء قاله : "مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ"[2].

وعلينا في الجهاد بالمال مجموعة من الواجبات, منها:



نشر ثقافة إنفاق المال :
دأب الناس على اعتبار أن واجب إنفاق المال هو أحد أدوار الأغنياء فقط, ولكني حرصت على وضع هذا الدور الحيوي في واجبات عموم الأمة؛ لأنه في اعتقادي واجب كل مسلم ومسلمة, فليس العطاء سمة الأغنياء فقط, بل لعل الأمثلة الأكثر إبهارًا في السيرة النبوية والتاريخ كانت للفقراء الذين يقطعون من مالهم القليل لصالح الأمة الإسلامية وأزماتها..

ولذا فإننا نحتاج أن ننشر ثقافة العطاء هذه في عموم الأمة, فيقوم بها الغني والفقير, ويقوم بها الزوج والزوجة, والابن والابنة, والمتعلم وغير المتعلم, والعالم وطالب العلم, وغير ذلك من شرائح الأمة, فإذا أصبح أمر الإنفاق أمرًا عامًّا في الأمة فَتَوَقَّع الخير الكثير, ليس في قضية فلسطين فقط, ولكن في كل قضايا الأمة التي تحتاج إلى مال, وما أكثرها!

تطويع النفس على الإنفاق :
جُبِلَت النفس على حب المال, فقد قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20], وقال رسول الله : "لَوْ أَنَّ لابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ, وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلاَّ التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ"[3].

ولذلك فنحن نعترف أن عملية الإنفاق صعبة, مهما كان الهدف ساميًا, ومهما كانت الحجة مقنعة؛ ولذلك لزم على كل فرد أن يُدَرِّب نفسه على الإنفاق, وذلك بتحيُّن الفرص الكثيرة التي تعرض له, بل والبحث عن هذه الفرص, ولا أعني في هذه النقطة قضية فلسطين فقط, بل التدريب على الإنفاق في أي وجه من وجوه الخير, وعندي قناعة أن الذي يستطيع أن يُنفق في بناء مسجد, أو كفالة يتيم, أو تجهيز فتاة للزواج, يستطيع أن يُنفق في قضية فلسطين لو اقتنع بطريقة مناسبة بأهمية هذا الأمر, أمَّا البخلاء فلن يستطيعوا الإنفاق في أي وجه.

وينبغي أن نعرف هنا أن الشحَّ مرض مهلك؛ فقد قال : "ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ, وَهَوًى مُتَّبَعٌ, وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ.."[4].

ولذلك فالتدريب على الإنفاق أمر حتمي لا بُدَّ أن يمارسه كل أفراد الأمة, كما ينبغي أن نعرف أن الأمر ليس سهلاً, وأنه يحتاج إلى مثابرة, ويحتاج أيضًا إلى وقت, والمهم أن نَتَقَدَّم إلى الأمام, حتى لو كان هذا التقدُّم بطيئًا.

تربية الأولاد على الإنفاق :
لكي لا يمرُّ الأطفال بتجربة الآباء في التدريب على الإنفاق في وقت قد يصعب فيه التدريب, لا بُدَّ من تعويدهم على الإنفاق منذ أيام عمرهم الأولى, والطفل شديد الذكاء, ويلتقط الأمور بصورة أكبر كثيرًا من تخيلاتنا, وهو ينشأ على ما عوَّده عليه أبواه, وما أبلغ الكلام الذي قاله رسول الله وهو يصف طبيعة الطفل الوليد! يقول رسول الله : "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ, فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ, أَوْ يُنَصِّرَانِهِ, أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"[5].

ومن هنا فعلى الآباء أن يتحدَّثُوا عن إنفاقهم في قضية فلسطين -وفي غيرها من وجوه الإنفاق- أمام أولادهم الصغار, مُظْهِرين الفرح التامَّ, والسعادة البالغة لأجل هذا الإنفاق, وعليهم تشجيع الصغار على إنفاق القروش القليلة من مصروفهم, مع إظهار الامتنان الكبير لهم على هذا الإنفاق, والحديث أمام أفراد الأسرة والأصدقاء عن إنفاق الأبناء, ومدح الابن والابنة في المحافل المختلفة لهذا الشأن, كما ينبغي اصطحاب الأولاد الصغار في الفعاليات الخاصة بفلسطين, ورؤية عملية التبرع والإنفاق وجمع المال, فكل ذلك يُخَزَّن في ذاكرة الطفل, ولا يضيع بسهولة..

كما ينبغي شرح القضية ببساطة للأطفال, وتوضيح معاناة الأطفال الفلسطينيين, هذا بالإضافة إلى تعظيم قيمة فلسطين والمسجد الأقصى في عيون الأطفال, فكل هذا يدفع إلى حُبٍّ فطري للقضية, وبالتالي يصبح أمر الإنفاق في سبيل الله مترسخًا في نفس الطفل منذ صغره, ويستمرُّ معه في شبابه وبعد ذلك إن شاء الله.

قراءة كتب تحثُّ على الإنفاق في سبيل الله :
كما اتفقنا فإن عملية الإنفاق في سبيل الله صعبة, وتحتاج إلى مجاهدة وصبر, ولكن هناك وسائل مساعدة تجعل الأمر يسيرًا -بإذن الله- على مَنْ يَسَّره الله عليه, وهي وسائل عملية من القرآن والسُّنَّة, وكذلك من حياة العلماء والصالحين, وفيها الجانب العملي الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الإنفاق والعطاء؛ ولذلك فإن قراءة مثل هذه الكتب توفِّر على المسلم معاناة التجربة في طرق غير حكيمة, وتضع يده على أفضل الوسائل, وأقصر الطرق, وبمنهج سليم متكامل, وأنا أُرَشِّح للقارئ عدة كتب منها: كتاب "من يشتري الجنة؟[6]", وكتاب "الجهاد بالمال[7]", وكتاب "إنفاق المال في الإسلام[8]", وغير ذلك من الكتب المتخصصة.

قراءة قصص المنفقين والكرماء :
مع قوة الحجة وعظمة التحفيز في آيات القرآن الكريم, وفي كلمات الرسول الكريم , إلا أن الإنسان بطبيعته يحب أن يرى المثل الواقعي, والقدوة الحية؛ ولذلك حفل القرآن الكريم بالقصص الكثيرة التي تُرَسِّخ المعاني العظيمة التي أتت في الآيات المختلفة, وقد رأينا في القرآن الكريم عدة قصص بخصوص الإنفاق لا بُدَّ أن تُدْرَس بعناية فائقة؛ مثل قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف, وقصة قارون في سورة القصص, وقصة أصحاب الجنة في سورة القلم, وهي كلها قصص تُحَذِّر من إمساك المال, والتقتير على المحتاجين..

كما أشار القرآن للأمثلة الإيجابية من جهاد الصحابة بمالهم في موقعة تبوك في سورة التوبة, ومن مواقف الصِّدِّيقِ الرائعة في سورة الليل, وغير ذلك من مواقف, كما أن السُّنَّة النبوية حفلت كذلك بالعديد من قصص المنفقين في سبيل الله, بالإضافة إلى الممتنعين عن ذلك, فضلاً عن المواقف التي مرَّ بها الصحابة , وحكتها كتب السيرة المختلفة, وفوق ذلك فالتاريخ الإسلامي حافل بالمواقف المشهودة التي بذل فيها أهل الخير أموالهم بسخاء في سبيل الله, وهي كلها تدعو إلى العطاء وتُحَفِّز عليه بشكل عملي وواقعي.

وأنا في الواقع أرى أنه من الضروري جدًّا أن نبحث عن الكتب التي تتناول هذه القصص, ونتابع فيها هذه الأمثلة الواقعية للكرماء وأهل الخير, وأرشح للقارئ في هذا الصدد: كتاب "أخبار المنفقين[9]", وكتاب "من عجائب الكرماء[10]", وفصل "الجود والكرم" في كتاب خلق المسلم[11], وباب "الكرم والجود والإنفاق" في كتاب "رياض الصالحين"[12], وغيرها..

ولعله من المفيد جدًّا بالإضافة إلى ما سبق أن نتتبَّع قصص المنفقين والكرماء وأهل الخير في زماننا الآن؛ فإن نشر هذه القصص يكون له أبلغ الأثر في ترويض نفوس الناس, وحثهم على الإنفاق والبذل.

متابعة النية باستمرار :
نصيحة مخلصة إلى الذين "تعوَّدوا" على الإنفاق في سبيل الله: راجع نيتك كل ليلة قبل أن تنام, ولو استطعت أن تراجعها أكثر من مرة في اليوم فافعل؛ فإن العبادة العظيمة تنقلب إلى عادة عندما تفقد النية, ويقول رسولنا : "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.."[13].

ومع كثرة الإنفاق قد ينسى المسلم أن يُجَدِّدَ نِيَّتَه, فيفقد أجر العمل, بل قد تختلط عنده النوايا, فيصبح الأمر رياءً وسمعة, كما أن تجديد النية يُحَفِّز المسلم والمسلمة على المواصلة وعدم الفتور, وهو أمر نحتاجه لقضية فلسطين, وغيرها من قضايا الأمة المختلفة.

أخرج نسبة ثابتة من دخلك :
هذه من أبلغ الوسائل للتَّغَلُّب على الشيطان؛ فالشيطان دائم التخويف للإنسان من الإنفاق, يقول تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268], ولذلك فإن الشيطان يمنعك في البداية من الإنفاق في الخير, فإذا وجد المسلمَ مُصِرًّا على الإنفاق حاول معه أن يُقَلِّلَ ما يُنفق, وأن يُباعد بين عدد مرات الإنفاق, وحَلُّ ذلك أن يُحَدِّد المسلم أو المسلمة نسبة ثابتة من الدخل لقضية فلسطين, أو لغيرها من قضايا الخير, ويُخْرِج هذه النسبة فور قدوم المال..

فلو كان المال يأتي بشكل يومي أخرجه يوميًّا في مكان أو حصالة خاصة بهذا الأمر, وإن كان المال يأتي شهريًّا أخرجه شهريًّا, وإن كان يأتي سنويًّا أخرجه سنويًّا, وهكذا, فهو بذلك يُخْرِج مبلغًا محدودًا لأنه إذا تراكم المال عنده صعب على نفسه أن يُخْرِجَ مبلغًا كبيرًا, ثم هو يُخْرِج الأموال في أوقات محدَّدة حسب قدوم المال, فهو بذلك يُخْرِج الهوى من الحساب, ويتَغَلَّب على الشيطان, ويشعر دومًا بلذة العطاء, كما أنه يلمس بوضوح تعويضَ ربِّ العالمين له, والبركةَ في ماله, وقد قال تعالى في الحديث القدسي: "أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ"[14].

مشروع القروش :
شاهدت في أمريكا في مدينة دالاس تجربة لطيفة قام بها المسئولون عن أحد المساجد هناك, حيث أَتَوْا بصندوق زجاجي كبير, وحفَّزوا المُصَلِّينَ على وضع "الفكَّة" البسيطة التي في جيوبهم عند دخولهم المسجد للصلاة؛ وذلك لسدِّ الاحتياجات المالية للمسجد, وفي البداية كان البعض يظنُّ أن هذا لن يُقَدِّمَ كثيرًا, ولكن سبحان الله! لقد رأينا هذا المشروع يأتي بالمال الغزير -الذي بارك الله فيه- حتى سدَّ جانبًا لا بأس به من احتياجات المسجد..

وهذا مشروع لا يُكَلِّف المرء كثيرًا؛ حيث إن التنازل عن عدد من القروش لا يحتاج عادة إلى مغالبة النفس, والقرش إلى جوار القرش يأتي بالكثير, كما أن هذا القرش إن صلحت فيه النية فقد يسبق ألف جنيه, وقد قال رسول الله : "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"[15].

ونصيحتي لكل مسلم أن يُعِدَّ هذا الصندوق الزجاجي في بيته, حتى يضع فيه "الفكَّة" التي في جيبه عند دخوله البيت, والحكمة من جعله زجاجيًّا هو أن نرى تزايد المال فيه, فإن هذا يُشَجِّع على الاستمرار, ولعل أكثر المستفيدين من هذا الصندوق هم الأطفال, الذين ستعجبهم الفكرة بشدَّة, ولا تَعْجَبْ إن وضعوا مصروفهم بكامله في هذا الصندوق الزجاجي, خاصة إذا شاهدوا همَّة الأب والأم في وضع المال في هذا الصندوق, وحتمًا سيقصُّون هذه التجربة على أصدقائهم في المدرسة, وستنتشر الفكرة, ويعمُّ الخير بإذن الله.

التبرع العلني أحيانًا :
لا شكَّ أن التبرُّع في الخفاء أفضل, وهو أقرب إلى التقوى, وأدعى للإخلاص, ولكن ينبغي على المسلم أو المسلمة أن يحرص -ولو في مرات قليلة- أن يتبرع علنًا أمام الناس لصالح قضية فلسطين؛ فهذا يُشَجِّع الآخرين على العطاء, ويُعِينُ المسلمين على التغلُّب على شياطينهم, ولهذا فتح رسول الله يوم تبوك باب الجهاد العلني بالمال, ليُحَفِّز المسلمين في هذه الظروف الشاقَّة, وكذلك نرى الآيات الكثيرة في القرآن الكريم التي تذكر إنفاق المال بشكل علني, مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} [البقرة: 274], وقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271], وقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [إبراهيم: 31], وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22].

وعليه فليس هناك مانع من أن يقف الرجل في عمله فيعلن أمام أصدقائه أنه سيدفع في قضية فلسطين مائة جنيه مثلاً, ثم يطلب من الحضور أن يُشاركوه الأجر, فهنا في غالب الأمر سيتحَمَّس معه البعض, وقد يتحَمَّس الكل, وهو بذلك يأخذ أجره, ويأخذ كذلك مثل أجورهم دون أن ينقص ذلك من أجورهم شيئًا..

قال رسول الله : "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً, فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ, مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ, وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً, كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ, مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"[16].

ولكن ينبغي هنا أن نشير إلى أمرين مهمين:

أما الأمر الأول: فهو مراجعة النية بشدة قبل التبرع العلني, حتى لا تخلط النوايا, ويُصبح الأمر طلبًا للسمعة, وحبًّا للظهور بمظهر المنفق في سبيل الله, فهذا يُحْبِط العمل, ويمحق البركة.

والأمر الثاني: هو أنه كما جاهدت بمالك علنًا, لا بُدَّ أن يكون لك صدقة سِرِّيَّة, لا يعلم بها أحدٌ من الناس؛ فهذا أدعى للإخلاص, وأكثرَ تربية للنفس, وإذا واظب المرء على صدقة السرِّ هذه؛ فإنه لا يُخشى عليه -بإذن الله- من صدقة العلن.

التعرف على جهات جمع المال بشكل دقيق :
كثيرًا ما يدخل الشيطان في نفوس المنفقين, ويُوَسْوِس لهم أن الذين يجمعون المال غير موثوق فيهم, أو أنهم لا يُحسنون إنفاق هذا المال, أو لا يَصِلُون به إلى مستحقيه؛ ولذلك كان من الأدوار المهمة للمسلمين والمسلمات أن يتعرَّفوا بشكل دقيق على الجهات التي تجمع المال لفلسطين, ولا مانع -بل يُفَضَّل- أن تذهب بنفسك إلى هذه الجهات, وتتعرَّف على القائمين عليها, وتُتَابِع أخبارهم, وتستوثق عن خبرتهم وأمانتهم من الذين يعرفونهم, وتطلب التعرُّف بشكل واضح عن طرق إنفاق هذا المال, فهذا كله يُريح النفس, ويقمع الشيطان, ويُشَجِّع المسلم على دوام التعامل مع هذه الجهة, كما أنه يستطيع بعد هذا التعرُّف الدقيق أن يُدَافِعَ بصدق عن هذه الجهة, وأن يَرُدَّ على الشبهات المتناثرة بين الناس, والتي تهدف إلى التشكيك في جدوى التبرُّع بالمال لصالح فلسطين.

والحق أن هناك الكثير من الجهات الطيبة, والموثوق بها تمامًا, سواء من ناحية الكفاءة, أو من ناحية الثقة والأمانة, وهي منتشرة في كل بلاد العالم, سواء في البلاد الإسلامية, أو غير الإسلامية, وهي تعمل بجدٍّ وإخلاص لإيصال المال إلى أهلنا في فلسطين, فلنتعرَّفْ على هذه الجهات, ولنتكلم عنها أمام الناس؛ فهذا من أهمِّ الدوافع لحثِّ الناس على الإنفاق بسخاء.

تشجيع الآخرين على إنفاق المال :
لو اكتفى كل فرد بنفسه فقط لصار الجهاد بالمال قليلاً جدًّا, ولكن ينبغي أن يهتمَّ كل واحد مِنَّا بالحديث مع أقاربه ومعارفه وأصدقائه حول هذه القضية المهمة؛ فإن النفوس تملُّ وتفتر مع مرور الوقت, فإذا واظب المسلم على تحفيز من حوله؛ فإن المال -لا شكَّ- سيزيد, والجهاد سيكثر, إضافة إلى ذلك فإن هذا سيفتح الباب أمام الآخرين ليشجعوك أنت إذا فترت عن الإنفاق, وكلنا مُعَرَّض لهذا الفتور؛ ولذلك فأنا أنصح القُرَّاء أن يجعلوا من واجباتهم اليومية أن يُشَجِّعوا واحدًا من معارفهم على الإنفاق في سبيل الله, وخاصة في قضية فلسطين, وليقم كل فرد مِنَّا بعمل جدول بكل معارفه؛ من الأرحام, والجيران, والأصدقاء, وأصحاب العمل, ويتحدَّث كل يوم مع واحد من هؤلاء؛ فاليوم مع فلان, وغدًا مع غيره, وبعد غد مع ثالث, وهكذا.

ومن مزايا هذا الجدول أنه سيساعد في إحصاء عدد من الأفراد قد يغيبون عن ذهنك؛ ولذلك فإننا نبدأ في هذه النقطة بعمل إحصاء كامل لكل معارفنا, ونستخدم في ذلك أجندة التليفون, والأسماء المسجَّلَة على المحمول, والأسماء الموجودة على قائمة الأصدقاء في الإنترنت, وغير ذلك من وسائل الإحصاء, ثم نبدأ في ترتيبهم في جدول, ونَتَّصل بواحد من هذه القائمة كل يوم؛ نُكَلِّمه في شأن الجهاد بالمال لفلسطين.

ومن فوائد هذه القائمة -أيضًا- أنها تساعدك على تذكر تحفيز الآخرين؛ فأنت تراجع هذه القائمة كل ليلة قبل أن تنام, ولو نسيت في يوم أن تحفِّز غيرك, فإنك ستتدارك ذلك في اليوم التالي, فتقوم به دون تأخير كثير.

والأمر في النهاية نوع من الأمر بالمعروف, وهي السمة الرئيسة لهذه الأمة, ومن أجلها صارت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس.. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

تكوين مجموعة خير دائمة :
وأقصد في هذه النقطة أن تكون مجموعة محدودة من الأصدقاء والمعارف خمسة أو ستة أو نحو ذلك, يكون من دورها أن تجمع فيما بينها المال لفلسطين؛ فهذه المجموعة يُحَفِّز بعضها بعضًا, ويُذَكِّر أحدها الآخر, ويا حبذا لو كان لهم اجتماع صغير كل أسبوع أو كل أسبوعين؛ يجمعون فيه المال -ولو كان بسيطًا– بعضهم من بعض؛ فهذا الالتزام يُحَافِظ على تواصل العطاء ودوامه..

سُئِلَت السيدة عائشة رضي الله عنها: كيف كان عمل النبي , هل كان يخصُّ شيئًا من الأيام؟ قالت: "لا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً, وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ يَسْتَطِيعُ"[17].

أي ما كان دائمًا مستمرًّا, وفي هذا اللقاء الدوري من الممكن أن يتبادل الأصدقاء بعض الكتيبات, أو الأشرطة, أو المطويات, التي تحيي قصة فلسطين في القلوب, فيجمعون بذلك بين أنواع الخير المختلفة.

إقامة معرض خاص للعينيَّات :
من الممكن أن يشترك عدد من أهل الخير في إقامة معرض خيري تُباع فيه الأشياء المستعملة, ويذهب عائد هذه الأشياء إلى فلسطين, ويمكن أن يُقام هذا المعرض الخيري في أحد المساجد, أو في نادٍ من الأندية, أو في جمعية خيرية, أو في مركز شباب, أو في مكان يستطيع العامة أن يَصِلُوا إليه, ومن الممكن أن يكون مقصورًا على المعارف فقط.

وهذا المعرض سيوفر عدة مزايا؛ فهو أولاً: سيخدم القضية الفلسطينية بما سيوفره من مال وإن قلّ, وثانيًا: فهو سيحافظ على القضية حية في النفوس, وثالثًا: سيسهل على النفس أن تتنازل عن الأشياء المستعملة أكثر من تنازلها عن المال, ورابعًا: سيستفيد الذين يقومون بشراء هذه الأشياء من استعمالها, وخاصة إذا كانت بحالة جيدة, وخامسًا: هو عمل تجميعي للمسلمين يشعرون فيه بإيجابية الوَحدة ونتائجها العظيمة, وسادسًا: فإن هذه فرصة لتدريب الأطفال وتعويدهم على العطاء؛ فقد يعرض الطفل في هذا المعرض ألعابه القديمة لصالح فلسطين, كما أنه سيرى الأولاد الفقراء, وهم يقومون بشراء اللعب القديمة بفرح وسرور, وهذا سَيُدْخِل عليه بهجة..

بالإضافة إلى العامل التربوي المهم, وقد عاصرتُ بنفسي إحدى هذه التجارب عندما شارك أولادي في معرض من هذه المعارض, ولا أستطيع أن أصف لكم حماستهم للمعرض, وحميَّتهم في الخدمة فيه, وتسابقهم في الجهاد بلعبهم, وإحساسهم بدورهم في المجتمع, وفي قضايا الأمة.

إنها تجربة من أروع التجارب حقًّا!

كثرة الصلاة :
وقد يتعجَّب أحد القُرَّاء لوجود هذه العبارة تحت بند الجهاد بالمال, ولكن بِتَدَبُّر آيات القرآن الكريم نجد أن فوائد الصلاة أكثر من أن تُحْصَى؛ ولذلك فهي عمود الإسلام, ولننظر - مثلاً - إلى ما ذكره ربنا I في سورة المعارج بخصوص علاج مشكلة الشحِّ, الذي يُسيطر على نفوس كثير من الناس.. قال تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19- 21], فهو هنا يُشير إلى أن عموم الناس إذا امتلكوا الأموال والثروات الخير فإنه يُمْسِكه, ويمتنع عن إنفاقه, ولكنه يستثني من هؤلاء مجموعة من البشر, درَّبوا أنفسهم على بعض الصفات التي تدفعهم دومًا إلى الإنفاق والبذل, فمن هؤلاء المستثنون؟!

قال تعالى: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 22- 25].

فأول صفات هؤلاء هي أنهم من المصلين, وهم لا ينقرون الصلاة نقر الغراب, ولكنهم يُدَاومون عليها, ويُحَافِظون على أركانها, ثم تأتي الصفة الثانية مباشرة, وهي تابعة للأُولَى, فتذكر إنفاقهم للمال للسائل والمحروم, وهم لا يَرَوْنَ لأنفسهم فضلاً في ذلك, بل يُخْرِجون هذا المال كحق للفقراء والمساكين, ومن ثَمَّ فَهُمْ يُخْرِجُونه بنفس راضية, وهذه هي صفات المواظبين على الاتصال الدائم برب العالمين عن طريق الصلاة, والصلاة صلة بين العبد وربه, ومُحَالٌ على هذا الموصول بالله أن يموت قلبه, أو تضعف همَّته.

الاهتمام بمعرفة تفاصيل الأزمة في فلسطين :
قد لا يتحمَّسُ المسلم للعطاء إذا كان يعرف الأزمة على وجه الإجمال, وبدون تفاصيل, أمَّا إن عرف دقائق الأمور, وما يتعرَّض له الفلسطينيون من أزمات على مختلف الأصعدة, وما يُعَانُون منه في مجالات الطعام والشراب, والإيواء, والصحة, والتعليم, وغير ذلك من مجالات, فإنه ولا شكَّ يتفاعل بشكل أكبر وأدقَّ, خاصة إن عرف بعض الحالات المُعَيَّنَة, فهذا رجل استشهد وترك خمسة من الأيتام, وهذه أسرة دُمِّرَ منزلها الذي كان يضمُّ عشرين فردًا, وهذه مدرسة هُدِمَتْ كانت تخدم ألف طالب, وهذا مستشفى يُعَاني من نقص في الأدوية, أو الأجهزة الطبية.

إن معرفة هذه التفاصيل -خاصة إن كانت مُؤَيَّدة بالصور, ومُوَثَّقة بالأدلَّة- لتُحَرِّك الخير في نفوس الناس بشكل قد لا نتخيَّلُه, أو نحلم به, وأنا أذكر مؤتمرًا للتعريف بقضية فلسطين في مدينة فيرونا بإيطاليا, وقد قام المنظَّمُون بعرض صور تُوَضِّح أزمة غزة ومعاناة شعبها, وشُرحت القضية بشكل مُوَثَّق ودقيق؛ يجمع بين خطاب العقل وخطاب العاطفة, وتسابق الناس بعدها للعطاء والبذل, ولكن ما أذهلني حقًّا أن بعض الإيطاليين من غير المسلمين ساهم هو الآخر بدفع مبالغ كبيرة لصالح الفلسطينيين! ذلك أنهم تأثَّرُوا بما عُرض, فحرَّك ذلك الخير الموجود في الفطرة الإنسانية, حتى قاموا بالمشاركة بهذه الصورة! فما بالكم إن تابعنا نحن الأحداث بدقَّة, واطَّلعنا على دقائق الأمور؛ فإن ذلك سيعود بإذن الله بالخير العميم على أهلنا في فلسطين, بل وعلى كل قضايا المسلمين.

الارتباط بمشروع مُعَيَّن يمكن إتمامه :
يشعر المرء بحماسة شديدة إذا بدأ مشروعًا يستطيع أن يرى ثمرته, أو أن يشعر بنجاحه, أو يقيس درجة تَقَدُّمه.. والذي يُجَاهد بماله في فلسطين قد يفتر؛ لعدم رؤيته لنتائج ملموسة يعرف أثرها وقيمتها؛ ولذلك فمن الجميل جدًّا, والمفيد كذلك أن يُساهم المسلم في مشروع في فلسطين يعرف أبعاده جيدًا, ومثال ذلك ما تقوم به بعض لجان الإغاثة الإسلامية في بعض الدول بتحديد يتيم مُعَيَّن في فلسطين تقوم بكفالته, أو أسرة محدَّدة تقوم برعايتها, أو طالب علم تتولَّى الإنفاق على تعليمه, أو مريض أو جريح تقوم بعلاجه, فهذا أمر يُشَجِّع النفس جدًّا, ويُطَمْئِنها برؤية الأثر.

ومن الممكن أن يجتمع العدد الصغير أو الكبير من المسلمين في مشروع مُعَيَّن لا يستطيعه الواحد بمفرده, ولقد رأيت عِدَّة تجارِب ناجحة لهذا الأمر؛ منها ما شهدْتُه في أحد المؤتمرات بميلانو بإيطاليا؛ حيث قامت إحدى لجان الإغاثة بجمع التبرعات لشراء سيارة إسعاف مجهزة طبيًّا, وكانت تتكلَّف سبعين ألف يورو, وتم شراء السيارة, ومثل ذلك ما رأيته في باريس عندما اجتمع المسلمون كذلك لإنشاء مدرسة في غزة, وتم لهم ذلك, ومثله أيضًا ما رأيته في أحد الأحياء البسيطة في القاهرة, حيث قام أهل المنطقة بالتكاتف معًا لملْءِ شاحنة كبيرة بالدواء, وتمَّ لهم ذلك بالفعل, فأوصلوها إلى رفح, وتم عبورها بفضل الله إلى غزة.

إنها تجارِب في غاية الأهمية, تُثير رُوح التحدِّي في قلوب أهل الخير, فيُحَقِّقون ما يعجز البيان عن وصفه, وما لا تَصِلُ إليه أحلام أكثرهم!

إخراج سهم من زكاة المال لفلسطين :
بيَّن الله لنا مصارف الزكاة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

وأهل فلسطين لهم في هذه المصارف الثمانية الكثير والكثير؛ فمنهم الفقراء والمساكين, وأي فقير أكثر من هذا الذي فقد ماله وداره وأولاده؟! وأي مسكين أكثر من هذا الذي حيل بينه وبين عمل أو وظيفة, وقد حوصر بلده, وجُرِّفَتْ أرضه, وأُغلقت مصانعه, ودُمِّرت تجارته؟!

ومنهم في الرقاب, وهم الأسرى الذين تعجُّ بهم السجون الصهيونية, وقد تركوا خلفهم الأسر الكبيرة دون عائل ولا منفق.

ومنهم أبناء السبيل الذين شُرِّدُوا من ديارهم, وعاشوا في مخيمات ومعسكرات, في فلسطين ولبنان والأردن, وابن السبيل يستحقُّ الزكاة وإن كان سيعود إلى داره, فكيف بمن فقد داره, وعاش عمره ابنًا للسبيل؟!

ومنهم الغارمون, وهم المَدِينُون, الذين تراكمت عليهم الديون نتيجة البطالة, وتدمير الممتلكات.

ومنهم من ينطبق عليه بند "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" انطباقًا حرفيًّا؛ فهم مجاهدون في سبيل الله؛ لأنَّ دَفع العدو في حقِّهم مُتَعَيّنٌ عليهم من باب جهاد الدَّفع, وكلُّ ما يُعِينُهم على البقاء ومقاتلة العدوِّ وصَدِّ العُدوان هو مِن جُملة آلات الجهاد, سواء أكان مالاً أم طعامًا أم دواءً, وليست آلة الجهاد مُنحَصرة في السِّلاح فقط, بل هي شاملة لما ذُكِر أيضًا[18].

وقد قَرَّر الفقهاء أنه يُشرع دفعُ الزكاة للمجاهد في سبيل الله وإن كان غنيًّا؛ قال ابن قدامة: قال العلامة الخِرَقي الحنبلي عند كلامه على مصارف الزكاة: وسَهم في سبيل الله: وهم الغُزاة, يُعطَون ما يَشْتَرون به الدوابَّ والسلاح, وما يتقوَّون به على العدوِّ, وإن كانوا أغنياء. قال ابن قدامة: وبهذا قال مالك[19] والشافعي[20] وإسحاق وأبو ثَور[21] وأبو عبيد وابن المنذر[22][23].

بل إن منهم المؤلفة قلوبهم والعاملين عليها..

فالمؤلفة قلوبهم هم الذين انتهجوا مناهج علمانية بعيدة كل البُعْدِ عن الإسلام, وتذبذبت عقيدتهم, وهؤلاء إن لم يقف إلى جوارهم المسلمون؛ فإنهم قد يبتعدون عن الدين ابتعادًا خطيرًا.

والعاملون عليها هم أولئك الذين يَصِلُون بأموال الزكاة إلى مستحقيها, ويعملون في لجان الإغاثة على أرض فلسطين, في ظروف غاية في الخطورة, مُضَحِّين بحياتهم من أجل تحقيق غاية نبيلة, والوقوف إلى جوار شعب مظلوم.

إن مصارف الزكاة الثمانية تنطبق بكاملها على أهل فلسطين, فما أعظمها من زكاة! وما أنبله من هدف!

ولا يعني ذلك أن ننسى المحتاجين لها في بلادنا, ولكن أن نُقَسِّم الزكاة إلى أسهم, ونعطي فلسطين سهمًا من هذه الأسهم, وننشر هذا الفكر بين الأغنياء خاصة, والذين تستوعب زكاتهم أن تُقَسَّم بين الطوائف المختلفة من المحتاجين.

قراءة نماذج المنفقين من غير المسلمين :
من أكبر الوسائل المحفِّزة للمسلمين على الإنفاق أن يُطَالِعوا قصص المنفقين من غير المسلمين, فنحن نُحَفِّز المسلم بالجنة, وبالتعويض من رب العالمين, وبالاقتداء بالرسول العظيم ؛ فلذلك يتحمَّس للإنفاق بهذه الدوافع وغيرها, أما غير المسلمين فيُنفق لأنه يشعر كإنسان بعاطفة خير ناحية أمر من الأمور, أو يتبنَّى قضية من القضايا, فيُنفق فيها الأموال الغزيرة, فإذا اطَّلع المسلم على هذا الإنفاق استحى من نفسه, وقهر شيطانه, وأسرع إلى الإنفاق.

ولعلنا إذا اطَّلعنا على الأموال التي تجمعها الكنيسة كل سنة في أمريكا وأوربا لأمور التبشير لأخذتنا الدهشة والعجب, كما أن الكثير من أثرياء أوربا وأمريكا يتبرَّعُون بأجزاء ضخمة من ثرواتهم للجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية, بل إن منهم من يهب هذه الأموال لرعاية بعض الحيوانات[24], خاصة المهدَّدة بالانقراض!

وفوق كل ما سبق فإننا يجب أن ندرس النماذج اليهودية, التي تُنفق الأموال الضخمة للكيان الصهيوني المحتلِّ لفلسطين, مع أن اليهود اشتهروا بالبخل الشديد, ومع ذلك نجد سلاسل المحلات العالمية تُخرج نسبة كبيرة من دخلها لصالح الصهاينة, وتجدهم -كذلك- يقومون بحفلات التبرُّع التي يجمعون خلالها عِدَّة ملايين من الدولارات, ويُرسلونها إلى صهاينة فلسطين.

إن رؤية هذه النماذج تُهَوِّن كثيرًا على المسلمين مسألة الإنفاق, وإلا فكيف يتحمَّس هؤلاء لهذا الإنفاق, وهم لا يطمعون في جنة, ولا يخافون من نار, بينما يتباطأ المسلمون, ويتقاعسون.

ونُرَشِّح للقارئ بعض المصادر التي تحوي مثل هذا القصص؛ وذلك مثل:

موقع مؤسسة بيل وميلندا جيتس الخيرية[25], وموقع مؤسسة ديل كارنيجي[26], وغيرها..

كما يمكن متابعة المواقع الإخبارية والاجتماعية, والتقاط مثل هذه الأخبار, وتحفيز المسلمين بها.

[1] البخاري: كتاب الجهاد والسير, باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير 2688, ومسلم: كتاب الإمارة, باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله... 1895.

[2] رواه مسلم بلفظ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ...": كتاب البر والصلة والآداب, باب استحباب العفو والتواضع 2588, وأحمد واللفظ له 18060 وقال شعيب الأرناءوط: حديث حسن. وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع 5335.

[3] البخاري: كتاب الرقاق, باب ما يتقى من فتنة المال 6075, ومسلم: كتاب الزكاة, باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثًا 1050.

[4] الطبراني: المعجم الأوسط 5452, والبيهقي: شعب الإيمان 745, وأبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء 2/160, وقال الألباني: حسن. انظر: صحيح الجامع 3045.

[5] البخاري: كتاب الجنائز, باب ما قيل في أولاد المشركين 1319, وأبو داود 4714, والترمذي 2138, وأحمد 7181.

[6] راغب السرجاني: من يشترى الجنة؟, مؤسسة اقرأ, 2006م.

[7] نواف هايل تكروري: الجهاد بالمال, سلسلة البناء والترشيد 31, بيت العلم للسمعيات والبصريات, حمص – سوريا, ط3, 1426هـ= 2005م.

[8] محمد فلاح العطار: إنفاق المال في الإسلام, دار صادق للطباعة والنشر, 2002م.

[9] خالد بن أحمد الزهراني: أخبار المنفقين, دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع.

[10] عبد الحميد عبد المقصود: من عجائب الكرماء 30, المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع, 2000م.

[11] محمد الغزالي: خلق المسلم, دار القلم - دمشق, 1425هـ= 2004م.

[12] يحيى بن شرف النووي: رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين, طبعات مختلفة: منها: دار الفكر - بيروت 2001م, ودار السلام – القاهرة 2007م.

[13] البخاري: بدء الوحي, باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله 1, ومسلم: كتاب الإمارة, باب قوله : "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ"... 1907.

[14] البخاري: كتاب النفقات, باب فضل النفقة على الأهل 5037, ومسلم: كتاب الزكاة, باب الحث على النفقة وبتبشير المنفق بالخلف 993.

[15] البخاري: كتاب الزكاة, باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة 1351, ومسلم: كتاب الزكاة, باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار 1016.

[16] مسلم: كتاب الزكاة, باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة... 1017, والترمذي 2677, والنسائي 2554, وابن ماجه 207, وأحمد 10563, والدارمي 512.

[17] البخاري: كتاب الرقاق, باب القصد والمداومة على العمل 6101, ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها, باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره 783.

[18] دار الإفتاء المصرية, فتوى رقـم 6928, الموضوع: صرف الزكاة لأبناء الشعب الفلسطيني في غزة, التاريخ: 15 يناير 2009م.

[19] مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري, إمام دار الهجرة, وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة, وإليه تنسب المالكية, ولد في المدينة سنة 93هـ. كان صُلبًا في دينه بعيدًا عن الأمراء والملوك, ومن أشهر مؤلفاته: مسند الموطأ. توفي بالمدينة سنة 179هـ.

[20] الإمام الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس القرشي, ولد عام 150هـ. أحد الأئمة الأربعة, وهو أول من دوَّن علم أصول الفقه, قال أحمد بن حنبل: كان الشافعي كالشمس للنهار, وكالعافية للناس, وإني لأدعو له في إثر صلاتي: "اللهم اغفر لي ولوالدي, ولمحمد بن إدريس الشافعي". مات بمصر سنة 206هـ.

[21] أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي, الفقيه, صاحب الإمام الشافعي, قال ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلاً, صنف الكتب وفرع على السنن. وقال ابن عبد البر: له مصنفات كثيرة, وهو أكثر ميلاً إلى الشافعي في كتبه كلها. مات ببغداد سنة240هـ= 854م.

[22] ابن المنذر محمد بن إبراهيم النيسابوري 242-319 هـ: فقيه مجتهد, من الحفاظ, كان شيخ الحرم بمكة, قال الذهبي: ابن المنذر صاحب الكتب التي لم يصنف مثلها, منها المبسوط في الفقه, والأوسط في السنن. الذهبي: سير أعلام النبلاء 14/490.

[23] عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي: المغني 6/333.

[24] هناك مجموعة من الأثرياء وهبوا أجزاء من ثرواتهم لرعاية الحيوانات, ومن هؤلاء:

- ليونا هلمسليLeona Helmsley: مليونيرة أمريكية من نيويورك, تملك مجموعة فنادق, وعند وفاتها طلبت في وصيتها رصد 12 مليون دولار لكلبتها «تروبل». وقالت في وصيتها: «تروبل» ليست فقط شقيقة ورفيقة وصديقة, لكنها -أيضًا- مساهمة في شركتي!.

- دوريس ديوكDoris Duke: مليونيرة وصاحبت شركات لزراعة التبغ وصناعة السجائر, أوصت بمائة ألف دولار سنة 1993م لرعاية كلابها الأربعة!

- أوبرا وينفريOprah Winfrey: صاحبة شركات تلفزيونية وسينمائية, رصدت في وصيتها أكثر من مليون دولار لصالح كلبتها «صوفيا».

انظر: صحيفة الشرق الأوسط, 14 سبتمبر 2007م, العدد 10517.

[25] مؤسسة بيل وميلندا جيتس: هي أكبر جمعية خيرية في العالم وممولة جزئيًّا من ثروة بيل جيتس التي تقدر بـ 58 مليار دولار أمريكي, وهو واحد من أشهر المستثمرين في مجال الحواسيب الشخصية, ولد في مدينة واشنطن في 28 أكتوبر, وفقًا لقائمة مجلة فوربس لأثرى أثرياء العالم, وكان الأثرى بين عامي 1995 و2007م, وفي يونيو 2008م قرر جيتس التفرغ لمنظمته الخيرية, وموقع المؤسسة على شبكة الإنترنت: [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط] .

[26] ديل كارنيجيDale Carnegie: مؤلف ومحاضر شهير في مجال تحسين الذات ومدير معهد كارنيجي للعلاقات الإنسانية, ولد في نيويورك بالولايات المتحدة سنة 1888م, له عدة مؤلفات من أهمها: "دع القلق وابدأ الحياة" الذي ترجم إلى العربية وانتشر بشكل واسع في العالم العربي والإسلامي, أنشأ مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي عام 1910م مؤسسة خاصة غير ربحية لتعزيز التعاون بين دول العالم, وقد وقفها بعد موته لهذا الغرض, وتوفي عام 1955م, وموقع المؤسسة على شبكة الإنترنت: [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://saidabdallah.yoo7.com
 
الجهاد بالمال
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجهاد بالمال من أجل فلسطين
» حكم الجهاد في فلسطين
» رحمة النبي في الجهاد
» الجهاد في سبيل الله
» وجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
احرار الاسلام :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول :: فلسطين :: واجبنا تجاه فلسطين-
انتقل الى: