[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
خلفيات الحدث
قام الرئيس البوليفي إيفو موراليس في 11 سبتمبر 2008م بخطوة قد يراها البعض – خاصة في عالمنا العربي- خطوة جنونية؛ فقد قام موراليس بطرد السفير الأمريكي لدى بوليفيا!!
وسرعان ما آزره الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز وقام بطرد السفير الأمريكي لدى فنزويلا، وسحب السفير الفنزويلي لدى الولايات المتحدة الأمريكية وقال "سنرسل سفيرًا عندما تكون هناك حكومة جديدة في الولايات المتحدة، حكومة تحترم شعب أمريكا اللاتينية"!!
وبالطبع لم تُتخذ هذه القرارات من فراغ وبدون داع وبدون دراسة للعواقب والآثار التي سوف تترتب على مثل هذه القرارات؛ فبوادر التمرد في هذا الجزء من العالم تعود إلى سنوات طويلة وظواهر التمرد على الهيمنة الأمريكية قد مرت بمراحل عدة قبل أن تصل إلى هذه المرحلة الخطيرة!
ولعل فاتحة الجهر بضرورة الهروب من السجن الأمريكي والتفكير بصورة أساسية وفي المقام الأول في ما يحقق المصلحة للشعوب الفقيرة في دول هذه المنطقة من العالم - كانت بانتخاب الضابط السابق هوجو تشافيز رئيسًا لجمهورية فنزويلا في انتخابات ديمقراطية تعددية جرت في عام 1998م.
وبعد تشافيز، نجح وطنيون آخرون استقلاليون مناهضون لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسات الاقتصادية الدولية التي تسيطر عليها (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي) في انتخابات ديمقراطية في بلدان أخرى من المنطقة، مثل انتخابات تشيلي في عام 2000م، وفي البرازيل عام 2002م؛ حيث أتى إلى الحكم (لولا دا سيلفا) الذي كان في الأصل مجرد عامل بسيط والذي أطلق عليه فيما بعد نصير الفقراء.
وأيضًا في انتخابات الأرجنتين عام 2003م، وفي أوروجواي عام 2005م، وغيرها من دول أمريكا اللاتينية بحيث بات أكثر من 80 % من سكان أمريكا الجنوبية يعيشون في ظل حكام أو أنظمة تضع مصلحة شعوبها نصب أعينها وتحاول جاهدة ألا تخضع لسيطرة أو نفوذ قوى خارجية.
وقد قامت العديد من دول أمريكا اللاتينية في الفترة الأخيرة بتوقيع اتفاقيات للتعاون فيما بينها ومحاولة تحقيق التكامل الاقتصادي.
وعلى سبيل المثال وقعت البرازيل وفنزويلا 26 اتفاقًا ثنائيًا لتعزيز ما سمياه التحالف الاستراتيجي بينهما، وتغطي الاتفاقيات مجالات الدفاع والتعدين والطاقة.
كما وقَّعت بوليفيا وكوبا وفنزويلا في أبريل 2006م اتفاقية تجارية تهدف إلى التخفيف من نفوذ الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، وتُعَدُّ الاتفاقية المسماة (البا) كبديل "لمنطقة التجارة الحرة في الأمريكتين" التي تحظى بدعم واشنطن.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى إزالة الرسوم الجمركية بين الدول الثلاث، وفضلاً عن ذلك فهي تختلف عن الاتفاقيات التجارية التقليدية، وستكتسب هذه الاتفاقية التي تضم فنزويلا الغنية بالنفط وبوليفيا الغنية بالغاز أهمية إضافية، والسؤال الآن إن كانت دول أخرى ستنضم للاتفاقية.
وفي عام 2008م شكَّل زعماء 12 دولة من أمريكا الجنوبية هيئة إقليمية تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ووقع رؤساء هذه الدول اتفاق لتشكيل اتحاد دول أمريكا الجنوبية، والدول الأعضاء في الاتحاد هي الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والإكوادور وجيانا وباراجواي وبيرو وسورينام وأوروجواي وفنزويلا.
احتذاء نموذج شافيز البوليفاري.. تحدٍّ لأمريكا
هارولد أ. ترينكناس
شكلت الانعطافة نحو اليسار التي سادت بعض دول أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة مركزًا لاهتمام الكثير من مراكز الأبحاث العالمية. وفي دراسة نشرتها مجلة (نظرات استراتيجية) الإلكترونية عدد فبراير 2006م والصادرة عن مركز الصراعات المعاصرة بالولايات المتحدة، يتناول كاتبها "هارولد ترينكناس" السياسة الخارجية لفنزويلا في عهدها اليساري منذ تولي هوجو شافيز رئاسة البلاد عام 1998م، ويطرح في نهاية بحثه سؤالاً مركزيًّا عما إذا كان يمكن لدول أمريكا اللاتينية أن تحذو حذو النموذج الفنزويلي، والذي يطلق عليه شافيز نفسه الثورة البوليفارية نسبة للثوري المعروف سيمون بوليفار (1783 - 1830م)، والذي اختير رئيسًا لجمهورية فنزويلا عام 1819م، ثم صار رئيسًا لجمهورية كولومبيا العظمى (كولومبيا، فنزويلا، إكوادور، بنما)، حيث كرّس السنوات الأخيرة من نضاله للدعوة لاتحاد دول أمريكا اللاتينية.
يستهل الكاتب دراسته بالإشارة إلى القمة الأخيرة لدول الأمريكتين التي عقدت بالأرجنتين في نوفمبر 2005م، حيث كانت مناسبة لأنْ يطرح شافيز مشروعه البديل لأمريكا اللاتينية؛ حيث نجح في تحويل حدث القمة إلى استفتاء على منطقة التجارة الحرة للأمريكتين المعروفة باسم (FTAA)؛ إذ يعتبرها محاولة من الدول الغنية بنصف الكرة الغربي لاستغلال الفقراء، واقترح بدلاً منها كيانًا جديدًا هو البديل البوليفاري لأمريكا اللاتينية والكاريبي (ALBA)، مستثنيًا منه الولايات المتحدة.
وقد رفضت أربع دول لاتينية أخرى منطقة (FTAA)؛ لتكشف القمة عن تصاعد الانقسامات داخل الأمريكتين.
فنزويلا.. الداخل والخارج
ويرى الكاتب أنه على الرغم من أن شافيز هو واحد من رؤساء دول أمريكا اللاتينية المنتخبين وذلك عام 1998م، فيما اعتبر دلالة على اتجاه واضح متصاعد في المنطقة نحو اليسار أو الحكومات التقدمية، إلا أنه على العكس من هؤلاء الرؤساء، كان ضابطًا بالجيش بل وزعيمًا لانقلاب سابق؛ وهو ما جعل من التحاقه بآليات العملية الديمقراطية مسألة غير جديرة بالثقة في أفضل الأحوال. بَيْدَ أن ذلك لا يمنع أنه يشرع في استكمال التحول الديمقراطي الذي بدأته فنزويلا مع وضع دستورها الجديد عام 1958م، وأنه يتبنى سياسة شعبية اجتماعية داخليًّا.
وخارجيًّا يعمل شافيز على إحداث تغيير نوعي في السياسة الخارجية؛ فقد أعاد الحيوية لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، والتي بدا أنها تحتضر خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، كما سعى لبناء روابط مباشرة مع الدول الأخرى المصدرة للبترول خارج أوبك مثل روسيا، والوصول لأسواق جديدة مثل الصين؛ للتقليل من أهمية السوق الأمريكية كأكبر مشترٍ للنفط الفنزويلي.
وتنظر فنزويلا إلى الولايات المتحدة في الوقت الراهن باعتبارها التهديد الرئيسي لأجندتها الخارجية ولثورتها الداخلية ورؤيتها البديلة للديمقراطية التشاركية التي تؤكد على التعبئة الجماهيرية مقابل الديمقراطية التمثيلية النيابية التي تدعمها واشنطن.
والأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي: إلى أي مدى تشكل السياسة الخارجية البوليفارية لفنزويلا قطيعة تاريخية مع الماضي؟ وما مدى أهمية هذا التحول؟ وهل يمثل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة؟
التحول في سياسة فنزويلا الخارجية
يقول الكاتب: إن الأهمية الاستراتيجية لفنزويلا ظهرت فقط وبشكل حقيقي بعد اكتشاف النفط في عام 1914م. ومنذ الحرب العالمية الثانية راهنت فنزويلا على دورها كمزود بارز للنفط للأسواق العالمية، وعلى حضورها الدبلوماسي لمتابعة مصالحها القومية.
وقد ساعد النفط فنزويلا على لعب سياسة خارجية قوية؛ فعند ارتفاع أسعاره في السبعينيات شاركت في مجموعة عدم الانحياز وانتقدت السياسة الأمريكية بالقارة، ودعمت علاقتها مع كوبا، وأيدت - على غير رغبة - الولايات المتحدة ديكتاتور نيكاراجوا "أناستاسيو سموزا"، ولعبت دورًا نشطًا في إجراءات الأمن الإقليمي بالقارة. ورغم أنها لم تعترض في كثير من الأحيان على ما تبغيه الولايات المتحدة من دمقرطة في الكاريبي وأمريكا اللاتينية، فإنها كانت تقتنع بأن استقرار المنطقة له الأولوية على الأجندة الأمريكية.
السياسة الخارجية الفنزويلية أخذت منحًى آخر منذ وصول شافيز للحكم، واستخدامه لمصطلح "البوليفارية"؛ حيث يسعى شافيز إلى الدفاع عن الثورة في فنزويلا، وتشجيع دور قيادي مستقل لبلاده في أمريكا اللاتينية ومعارضة العولمة والسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، وأخيرًا العمل على نشوء عالم متعدد الأقطاب يمكن من خلاله مواجهة الهيمنة الأمريكية.
لذا شهدت فنزويلا نمطًا متغيرًا يقوم على التقارب المتزايد مع أعداء الولايات المتحدة التقليديين مثل كوبا وإيران، ومتحديها المحتملين مثل روسيا والصين، وهذا يزعج الكثيرين داخل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة بعد تشكك فنزويلا في الحرب العالمية على الإرهاب ومعارضتها الرسمية للحرب في العراق.
وقد كان الهدف الأول لسياسة شافيز الخارجية هو ضخ حياة جديدة في شرايين أوبك، وقد نجح تمامًا في ذلك، رغم أنه لم يستفد كثيرًا بالطلب المتزايد على الطاقة في الصين والهند والدول الغربية، كما مد شافيز يديه للأعضاء الآخرين في أوبك حتى أولئك الذين تعاديهم واشنطن مثل ليبيا وإيران والعراق قبل إطاحة صدام حسين.
شافيز أنفق قدرًا كبيرًا من الوقت في بناء علاقات مع روسيا والصين، الأولى بسبب طاقتها الإنتاجية البترولية المهمة، والثانية بسبب كونها مستهلكًا كبيرًا محتملاً لصادرات فنزويلا من الطاقة. وبعيدًا عن الطاقة، فإن الدولتين شريكتان أساسيتان لفنزويلا في سياستها الخارجية البوليفارية؛ لأنهما يمثلان مصادر بديلة للتكنولوجيا والعتاد العسكري، وفي ذات الوقت فإن قراراتهما بالتعاون مع فنزويلا من غير المحتمل أن تخضع أو تتأثر بالاعتراضات الأمريكية.
ويرى الكاتب أن الهدف المنطقي من هذه السياسة هو تقليل اعتماد فنزويلا السياسي والاقتصادي والعسكري على الولايات المتحدة. وهنا يقول: "علينا أن نتذكر أن فنزويلا من الصعب عليها الهروب من صلاتها بالولايات المتحدة، لماذا؟ لأن المصافي القادرة على معالجة الخام المنتج في فنزويلا توجد كلها تقريبًا في الولايات المتحدة".
وداخل القارة اللاتينية، سعت فنزويلا لحشد الدعم من أجل سياسات ومؤسسات إقليمية تستثني الولايات المتحدة. وتمثل منطقة التجارة الحرة للأمريكتين التي ترعاها الولايات المتحدة إحدى نقاط الاحتكاك والخلاف. كما عمل شافيز على إقامة تحالف لشركات البترول المملوكة للدولة في دول أمريكا اللاتينية (Petrosur)؛ لتشجيع تكامل إقليمي أقوى في قطاع الطاقة.
وبشكل مشابه اقترحت حكومة شافيز خلال اجتماع وزراء دفاع دول نصف الكرة الغربي عام 2000م تكامل جيوش أمريكا اللاتينية، وإقامة حلف دفاعي إقليمي بدون مشاركة الولايات المتحدة، وكذا علقت فنزويلا كل ارتباطاتها العسكرية مع الولايات المتحدة وبحثت عن مصادر بديلة للخبرات والمعدات العسكرية من البرازيل والصين وروسيا.
كذلك نبذ حكم شافيز الاتجاه السياسي الإقليمي نحو المؤسسات التي تدافع عن الديمقراطية التمثيلية في المنطقة مثل (منظمة الدول الأمريكية oas) لصالح خيار الديمقراطية التشاركية كبديل أرقى.
وبعد نجاحه في تحقيق الاستقرار الداخلي في أعقاب فوزه في استفتاء 2004م على قيادته واكتساح الانتخابات المحلية والتشريعية، يركز شافيز الآن على توصيل رسالته للمجتمع الدولي، فقد أطلقت الحكومة الفنزويلية قمرًا صناعيًّا بديلاً باسم (Telesur)؛ ليحل محل وسائل الإعلام الأمريكية من قبيل CNN. كما تنظر الحكومة الفنزويلية لمشروعها الإعلامي البديل باعتباره آلية مهمة لتطويق دور الشركات الإعلامية الفنزويلية الخاصة التي تنظر إليها الحكومة باعتبارها معادية للثورة.
وسعت فنزويلا لاستخدام ثروتها النفطية في جلب التأثير عن طريق شراء الديون الدولية لدول في جوارها الإقليمي، مثل الأرجنتين والإكوادور، واستخدمت هذه الثروة أيضًا في تنشيط سياستها في إمداد دول الكاريبي وأمريكا الوسطى بالبترول المدعم.
وقد أثارت هذه السياسة النزاع مع عدد من الدول المجاورة بسبب الاشتباه بأن حكومة شافيز تمول جماعات سياسية إما مشكوك بولائها (بوليفيا وبيرو)، أو غير موالية على الإطلاق (كولومبيا) للأنظمة الديمقراطية المحلية.
وخلال الفترة ذاتها دخلت فنزويلا من الناحية الفعلية في تحالف مع كولومبيا التي اتسمت علاقتهما خلال العقدين الأخيرين بالتوتر، وأقامت تحالفًا آخر مع كوبا؛ حيث تشكل الأخيرة لفنزويلا مصدرًا للخبرة التكنولوجية المطلوبة لدعم الثورة البوليفارية، كما يساعد تدفُّق الأطباء والمعلمين والمدربين الرياضيين وخبراء الأمن الكوبيين إلى فنزويلا شافيزَ في الوفاء بمتطلبات جماهيره وناخبيه، وعلى وجه الخصوص تمد كوبا فنزويلا بكادر يمكن التعويل عليه في البرامج الحكومية الجديدة للحد من الفقر. وفي المقابل تحصل كوبا على حوالي 60 ألف برميل من البترول يوميًّا، إما بشروط دفع تفضيلية وإما مقابل سلع.
استخلاص أمريكي
ما هو الاستخلاص الأخير لدى الولايات المتحدة عن ثورة فنزويلا البوليفارية؟ يرى "هارولد ترينكناس" أنه من المهم لدى مناقشة سياسة فنزويلا الخارجية أن نتذكر أن المصالح الوطنية الفنزويلية لا يمكن أن تتطابق مع مصالح الدول المتقدمة، وعلينا أن نتوقع الاختلاف حتى في علاقة (يقصد العلاقة بين فنزويلا والولايات المتحدة) اتسمت تاريخيًّا بالاعتماد المتبادل الذي تمخض عن وجود البترول؛ إذ يبدو واضحًا بشكل متزايد أنه عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية البوليفارية فإن الأفضلية تكون للسياسة على حساب الاقتصاد.
وإذا أخذنا في اعتبارنا أن شافيز من المرجح أن يفوز في انتخابات 2006م، فإنه يبدو أنه سيظل مصدر إزعاج لواشنطن لفترة كبيرة من الوقت. وهذا يضع واشنطن في موقف صعب عند تعاملها مع الثورة البوليفارية، وخاصة أن هناك تعاطفًا - ولو قليلاً - داخل أمريكا اللاتينية أو دوليًّا مع سياسة المواجهة مع الحكومة الفنزويلية كما يشير الباحث.
ولا يعني هذا المأزق الأمريكي أن السياسة الخارجية البوليفارية من المرجح أن تحقق نجاحًا معقولاً أو مرضيًّا؛ ففنزويلا لم تنجز حتى الآن سوى الحد الأدنى من أهداف سياستها الخارجية وهو حماية الثورة، ودورها القيادي في أمريكا اللاتينية لا يزال محدودًا في أحسن الأحوال، وجهودها لبناء مؤسسات إقليمية بديلة تواجه الإخفاق. كما أن نجاح فنزويلا في ضخِّ حيوية جديدة في أوبك كان سيتم حتى في غياب شافيز؛ لعوامل تعود للطلب العالمي على الطاقة منذ عام 2000م.
أما فيما يتعلق بالتحالف مع كوبا، فإن من شأنه - كما يرى تقييم الباحث - أن يقوي على الأغلب حكومة شافيز بالداخل وليس على المسرح العالمي. وعلى الجانب الكولومبي، فقد ضعف سريعًا النفوذ الفنزويلي؛ لأن الدولة الكولومبية أصبحت أقوى وأفضل استعدادًا للتعامل مع العنف داخل حدودها، فيما فقد معارضوها الداعون للعنف قاعدتهم منذ وصول شافيز للحكم.
أما فيما يختص بأحلاف فنزويلا الجديدة مع روسيا والصين، فليس من المرجح أن تعود بالكثير بالنسبة لتحقيق تفوق عسكري مقابل جيرانها، خاصة لو أخذنا بالاعتبار قوة كولومبيا المتنامية، وحتى التطور الخاص بإيجاد أسواق بديلة لصادرات البترول الفنزويلي، فإنه يبدو من الصعب أن تسوغ أو تبرر على أي أسس غير سياسية.
ومن جانب آخر، يستبعد الكاتب أن ينتشر هذا النموذج البوليفاري بالمنطقة لسببين؛ الأول: هو أن الثورة البوليفارية لا تمثل نموذجًا لأيديولوجية متماسكة يمكن أن تتكرر في الدول الأخرى؛ لأنها تعتمد على شخصية كاريزمية مثل شافيز. والسبب الثاني: هو أن هذه الثورة تعتمد بشكل متزايد على توزيع كميات كبيرة من دخل البترول على الناخبين الأساسيين في فنزويلا، فيما تفتقد دول أمريكا اللاتينية الأخرى هذا المستوى من الموارد، كما أنها لم تظهر في الماضي نجاحًا كبيرًا في إعادة توزيع الثروة.
لكن يقر الكاتب، وإن استبعد أثر المتغير الخارجي، بأن ذلك لا يعني أن المنابع الأساسية لإثارة الغضب السياسي في أمريكا اللاتينية - مثل الفقر وعدم المساواة الحاد في توزيع الدخل، والسياسات الاقتصادية العقيمة - سوف تختفي أو تتوارى قريبًا، وهو ما قد يدفع إلى احتمال ظهور حكومات بالمنطقة تتعاطف أو تتجانس مع بعض عناصر سياسة فنزويلا الخارجية؛ وهو الأمر الذي من شأنه أن يثير ذعر واشنطن.
أمريكا اللاتينية .. صداع في رأس واشنطن
غسان الخوري
ما زالت القارة الأمريكية تسلك طريقها باتجاه اليسار. إنها تواصل عملية القضاء على الديكتاتوريات التي بدأت في الأوروجواي عام 1980م بلعبة ديمقراطية مثالية. آنذاك، خسر العسكر الاستفتاء الدستوري الذي كانوا يحاولون من خلاله تشريع النظام القائم منذ العام 1973م. ومنذ ذلك التاريخ تغيرت الأمور بشكل جذري في تلك المنطقة من العالم التي تكمن أهميتها بثرواتها البشرية والطبيعية ونطقها بلغات أوروبية (الإسبانية والبرتغالية)، ووجودها في القارة الأمريكية إلى جانب الولايات المتحدة
موراليس ليس الأول أو الأخير
وعلى رغم أن الإدارة الأمريكية دعمت أحيانًا الأنظمة الديكتاتورية وأحيانًا أخرى الانقلابيين الذين استعملتهم ونبذت بعضهم فيما بعد، إلا أن أرجنتين "فيديلا" وشيلي "بينوشيه" وحزب "PRI" الذي حكم المكسيك نحو 70 سنة وديكتاتوريات أخرى بالمعنى الحقيقي أو المجازي للتعبير في كولومبيا وفنزويلا والإكوادور وكوستاريكا سقطت أمام إرادة الشعب، كما سقط الذين راهنوا في البرازيل قبل العام 1985م على استمرارية نظامهم. لكن الدستور الذي وضع عام 1988م وما زال قائمًا حتى اليوم أقر نظامًا ديمقراطيًا حديثًا.
اليوم جاء دور التغيير في بوليفيا التي رغم أن حكمها منذ نحو عشرين سنة لم يعد ديكتاتوريًّا، لكنها ما زالت تراوح مكانها بين ديمقراطية شعبها، غير المهيأ بأكثريته، وديكتاتورية السياسيين التقليديين المرتبطين بالعولمة والسياسة الأمريكية أو الأوربية والشركات الخاصة. فهذا البلد الصغير (نحو 9 ملايين نسمة) الذي يعتبر من أفقر دول العالم يملك ثاني أكبر احتياط للغاز الطبيعي في أمريكا اللاتينية بعد فنزويلا. أي أنه غني تحت الأرض وفقير فوق الأرض، وعندما ترى ثرواته النور تختفي وتتبعثر بيد نحو 100 عائلة تمسك أكثر من نصف خيرات البلاد.
ظاهرة جديدة، بعد "لولا" البرازيل، جاء فوز الزعيم النقابي الهندي من السكان الأصليين إيفو موراليس برئاسة بوليفيا. نائب منذ ثماني سنوات، رغم محاولات الأمريكيين طرده من البرلمان بتهمة دعم زراعة الكوكا، عرف الرئيس الجديد خلال طفولته مرارة السير حافي القدمين ورعاية حيوانات لاما مع والده في برد منطقته القارس لأسابيع لم يأكل خلالها سوى قشور البرتقال التي يرميها المارة.
دخل المدرسة لكنه اضطر لمغادرتها في الخامسة عشرة من عمره. لعب كرة القدم فاشتهر بين مزارعي نبات الكوكا وعمل معهم، ثم انخرط في العمل النقابي. حرك الشارع والسكان الأصليين (62% من المواطنين)، فأسقط الحكومات التي كان يعتبرها بعيدة عن مصالح شعوبها، ليصبح في الشهر المقبل رابع رئيس للبلاد بعد أول احتجاجات قام بها خلال خريف 2003م.
استياء أمريكى وأوربى
الأكيد أن الولايات المتحدة لم تكن مرتاحة إلى خيار البوليفيين مثل معظم دول الاتحاد الأوربي التي لم تنظر إليه بعين الرضا بشكل كامل، بل قبلت بإرادة الشعب.
فما الأسباب التي تدفعهم إلى هذا الشعور؟ وهل أن مصيره سيكون مثل مصير زعماء "شعبويين" آخرين: السجن أو المنفى أو "من دون سلطة" رغم بقائهم على رأسها؟ فالأمثال كثيرة في تلك المنطقة من العالم من نورييغا مرورًا بعبد الله أبو كرم وجميل معوض واليخاندرو توليدو وحتى "لولا" الذي يهزون عرشه قبل نهاية ولايته عام 2007م من خلال ملفات الفساد. ترى هل يحكم موراليس بمساعدة نائب الرئيس الماركسي المعتدل، أستاذ الرياضيات وعلم الاجتماع، والعقل المدبر لمسار التغيير في ظل ضغط العولمة.
أهم الأسباب تكمن في الإعجاب الذي عبر عنه الرئيس الجديد برؤساء لا يكنّ لهم الأمريكيون الارتياح مثل الكوبي كاسترو والفنزويلي شافيز، وبمعيار آخر البرازيلي "لولا" والأرجنتيني كيرشنر.
ورغم مطالبة بوليفيا "الشيلي" بمخرج على المحيط الهادئ فإن تفاهم الرئيس لاغوس مع نظيره الجديد سيكون ضمن الإرث الذي سيخلفه لليسارية ميشال باشيلي التي ستفوز بلا شك برئاسة البلاد في الدورة الثانية منتصف الشهر المقبل. وربما سيحل الوفاق بين البلدين بدل الأزمة أو الحرب التي يتكهن بها البعض، ويراهن عليها البعض الآخر.
ففقدان أمريكا الشمالية وزنها السياسي ونفوذها الاقتصادي في القارة الأمريكية برز واضحًا عندما نظم الرئيس بوش أخيرًا قمة الدول الأمريكية في الأرجنتين التي أفشلتها أجواء مشاكل دول "ميركوسور" ورفض اتفاقية "التجارة الحرة بين الدول الأمريكية". إنها تتخوف الآن من إمكان تعايش موراليس مع الشركات العالمية، كما يفعل شافيز، من دون التخلي عن أفكاره "اليسارية الثورية".
خصوصًا أن الأجواء السياسية (فوزه في الانتخابات بالأكثرية الساحقة) والاقتصادية (مخزون الغاز) والاجتماعية (الدعم الشعبي)، تسهل مهمته التي ستكمنه من "إعادة صهر بوليفيا".
ومن بين هذه الأسباب أيضًا الرفض الغربي لزراعة نبات الكوكا الذي تعتبر بوليفيا ثالث منتج له في العالم. لكن موراليس يكرر ما يقوله المسنون والعلماء بأن خصائص هذه الورقة تختلف عن الكوكايين، وأن فوائدها طبية وصحية وغذائية.
إنها تكسر العطش والجوع وتقضي على التعب بسبب الضغط الجوي في بلد يرتفع نحو 3 آلاف متر عن سطح البحر وبالتالي ينتقص الأوكسيجين، في حين يؤكد استعداده للتعاون في مكافحة المخدرات وتوقيع جميع الاتفاقات والتعهدات اللازمة.
فبعد فرز نتائج الانتخابات تبين أن أول هندي سيحكم البلاد حصل على أكثرية الأصوات حتى في مدن "البيض" الغنية، في حين يشكل الهنود الأصليون نحو 64% من السكان. ما يشير إلى رغبة في الانتقام من الجيران الشماليين والضجر والإحباط والتعب الذي يلف الناخبين الذين آثروا اختيار من يقوم بالإضرابات كي تتوقف. لكن إيفو موراليس استعجل تأكيد أنه سيكون صوتًا للمنبوذين والمحتقرين الذين لا صوت لهم: "لن يتكلموا بعد اليوم بصوت خفيف وكأنهم يطلبون المعذرة".
والمعروف أن ما يقوله "المرشح" خلال الحملة الانتخابية لا يطبقه "الرئيس" حين يحكم، لكن أفكار تأميم الثروات الطبيعية ما زالت تقلق دول الغرب.
وقد باتت هذه الدول تخاف أن يصبح اختيار الشعوب "غير المهيأة" رؤساء من خارج نادي"المحاورين والطائعين" تقليدًا وقاعدة في منطقة نفوذ الولايات المتحدة واليابان وأوربا. هذا، في حين تتطلع الصين، رابع قوة اقتصادية في العالم، في نفس الاتجاه فتجد حلفاء محتملين، فقراء، تتفاهم معهم عقائديًّا وينامون على ثروات مهمة.
إضافة إلى ذلك فإن عدم وجود أي جنرال في الجيش البوليفي اليوم أصله غير هندي، وارتياح رئيس اتحاد رجال الأعمال "روبرتو مصطفى" لخيار شعب بلاده، ونيّة شركة النفط الإسبانية ريبسول YPF بالاستمرار على رأس الشركات الكبرى في بوليفيا، لم تساهم في تبديد هواجس الإدارة الأمريكية بل زادت مخاوفها.
سيف أميركي وتمنع لاتيني
فالجار الشمالي يفضل "علاقات استراتيجية" تضمن إمساكه بقادة هذه الدول الذين يعرفون كيفية التحكم بمجتمعاتهم "على الطراز العربي" لحمايتها من "هجمة الديمقراطية الإمبريالية السيئة النتائج والمجحفة بحق شعوب غير مؤهله...". ويعتقد أن الشعوب "تخطئ فتختار حكومات يسارية وتطالب بتغييرات في هيكلية الدول وبليبرالية جديدة فشلت برأيه في الشيلي والبرازيل والأوروجواي وفنزويلا..."، لكنه خفي عليه أن ما تريده هذه الشعوب هو العمالة والعدالة والغذاء والضمان الصحي والتعليم وخفض نسبة الأمية، لا تحالف قادتها "الاستراتيجي" مع الغرب.
إن أنظمة دول أمريكا الوسطى والجنوبية الحالية معظمها يسارية. لكن سيف العولمة والعدالة الأمريكية" مسلّط على الجميع لئلاّ تقوم تحالفات قوية بين البرازيلي والأرجنتيني ومحور كاسترو - شافيز وصولاً إلى رؤساء الأوروجواي والشيلي وبوليفيا وغيرهم. أي يجب أن يفهموا أن "الشعبية" هي غير "التقدمية"، وإلا فإن ملفات الفساد أو التجويع تنتظرهم. والمتشدد الذي عمل في مناهضة الشيوعية أيام ريغان "دان فيسك" أصبح اليوم مساعدًا لوزيرة الخارجية لمنطقة أمريكا اللاتينية وهو بانتظار "زلات القدم".
لا شك أن شعوب أمريكا اللاتينية لن ترجع إلى الوراء في مسيرة التغيير والإصلاح التي بدأتها رغم عدم النضج السياسي لأكثريتها واعتماد اقتصاد معظمها على أمريكا الشمالية وأوربا واليابان، وحملة اليمين الأمريكي والأوربي الذي وصف هذا التحول بغير الديمقراطي وأطلق شعارات مثل: "من بوليفيا إلى كوكاليفيا".
ففي الوقت الذي أصبح فيه موراليس خائفًا من استمرار هرب الرساميل أكثر من قلق الأمريكيين من خلق سوق مشترك للنفط الفنزويلي والغاز البوليفي والأرجنتيني يتحكم بطاقتها، إنه لم يتردد في تأكيد نيته مكافحة الفساد، وأنه سيمارس "حق إدارة ملكية الدولة لثرواتها" وسيبحث عن "شركاء لا مالكين لغاز بلاده"، مطمئنًا بضمان الاستثمارات الأجنبية وعدم التأميم، وأنه مستعد للحوار وإعطاء الشركات العالمية الخاصة حقها، لا أكثر من حقها. كما أوضح أنه لن يعتمد على بقايا يسار الخمسينيات والستينيات الماركسي المتحجر بل على يسار الهنود، وأن إبعاد علاقته بكاسترو وشافيز تختلف عن إبعادها مع بوش.
في مطلق الأحوال بدأ اجتياح السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية مع اليخاندرو توليدو في البيرو، لكن هذا المحامي دِين بالفساد، وسيستمر هذا الاجتياح مع موراليس شبه الأميّ. أما تقدم اليسار في هذه المنطقة لا يمكن كبحه بتعيين متشددين مناهضين للشيوعية بل بمساعدة المجتمعات المدنية على النهوض وتطويرها والسير وراءها في ديمقراطيتها، التي يلزمها تشذيب لا فرض ديمقراطية مستوردة بديلاً عنها، واحترام تكويناتها الاجتماعية وتقاليدها وهويتها الوطنية لإبعاد شبح الخوف من الشعبوية الذي يقابله شعور بالعنصرية يتحكم برأي ومشاعر هذه المجتمعات. لذلك يمكننا الاستمرار في تساؤلنا: هل بدأ يتحقق حُلم هذه الشعوب أم شارف على نهايته؟
د. وحيد عبد المجيد
عززت الانتخابات الرئاسية في بيرو، التي أجريت مرحلتها الثانية في 4 يونيو 2006م، مواقع اليسار الديمقراطي في أمريكا اللاتينية. كان اليسار القومي قد خطف الأضواء في تلك المنطقة في الشهور الأخيرة، وخصوصًا بعد قرار الرئيس البوليفي إيفو موراليس تأميم قطاع الغاز الطبيعي في شهر مايو 2006م.
ففي بيرو اختارت الأغلبية إعادة الرئيس الأسبق آلان جارسيا، رغم سوء أدائه عندما حكم البلاد بين عامي 1985 و1990؛ لأن منافسه الأهم كان الشعبوي الصاخب أولانتا هومالا الذي يشبه كلاًّ من موراليس والرئيس الفنزويلي عالي الصوت هوجو شافيز.
وتُقدم نتائج انتخابات بيرو، من هذه الزاوية، مؤشرًا مهمًّا يمكن أن يفيد في الإجابة على سؤال جوهري ليس فقط بالنسبة إلى أمريكا اللاتينية، ولكن أيضًا إلى العالم، وهو إلى أين يتجه اليسار الذي يحكم معظم هذه المنطقة الآن؟ وهذا السؤال يشغل ليس المعنيين بأمريكا اللاتينية فقط، ولكن أيضًا المهتمين بانعكاسات ما يحدث فيها على سوق السياسات والأفكار في العالم، بما في ذلك منطقتنا العربية، فمن هذه المنطقة عادت سياسة التأميم تطل برأسها من جديد بعد أن شاع اعتقاد واسع بأنها باتت في ذمة التاريخ.
فقد حقق اقتصاد السوق انتصارًا كاسحًا في العالم منذ انهيار النظم الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق، والدول التي دارت في فلكه لفترة طويلة. ورغم أن هذا التحول التاريخي لم يضع نهاية لدور الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية، فقد تضاءل عدد ووزن أنصار من يرون أن هذا الدور يشمل التدخل لتأميم شركات خاصة أو موارد طبيعية.
ولكن ما يحدث في بوليفيا وفنزويلا أعاد الروح إليهم، ومن بينهم بعض اليساريين العرب الذين شرعوا في التنظير لما يرونه تغييرًا بدأ في الاقتصاد العالمي انطلاقًا من أمريكا اللاتينية. ولماذا لا، حسب هذا الرأي، وقد أصبحت هذه المنطقة قلعة لليسار الذي تواتر فوز أحزابه وحركاته في الانتخابات ووصوله إلى السلطة في دولها بعد أن مضى وقت كان اليسار فيه معزولاً في كوبا الصامد زعيمها التاريخي فيديل كاسترو.
غير أن الخطأ الجوهري في هذا التكييف لما يحدث في أمريكا اللاتينية، يبدأ من خلط غير جائز بين نوعين من اليسار، ينبغي التمييز بينهما، وهما اليسار الشعبوي Populist المتشدد الذي يغلب عليه الطابع القومي، واليسار الديمقراطي.
فلا يكفي اتخاذ موقف قوي ضد الولايات المتحدة وسياساتها، أو تبني سياسة نقدية حادة ضد العولمة، لوضع موراليس والرئيس البرازيلي دا سيلفا مثلاً في سلة واحدة. فالفرق كبير بين من يحكمون في بوليفيا وفنزويلا والأكوادور، وكذلك كوبا، من ناحية، وفي البرازيل وتشيلي والأرجنتين وأوروجواي وبيرو من ناحية أخرى.
ويظهر هذا الفرق في مضمون السياسات التي تتبعها حكومات هذه الدول وتلك، وفي طريقة التعبير عنها، فكل من الفريقين يعتمد سياسة تعبوية، ولكن شتان بينهما. الحكومات اليسارية الديمقراطية تعنى قبل كل شيء، بتعبئة قدرات وطاقات شعوبها الكامنة، وبالتالي رفع مستوى التعليم وخلق نخبة متميزة علميًّا ومعرفيًّا وتشجيع المبادرات الخاصة وجذب الاستثمارات الأجنبية. أما الحكومات الشعبوية فتسعى في المقام الأول إلى تعبئة شعوبها، أو القطاعات المؤيدة لها في هذه الشعوب، ضد قوى الإمبريالية والعولمة وشحنها بالسخط والغضب على هذه القوى.
لقد حدث التغيير باتجاه اليسار في معظم أمريكا اللاتينية بسبب الركود الاقتصادي والاضطرابات المالية وتراجع مستوى المعيشة، وغيرها من الاختلالات التي ضربت هذه المنطقة في أواخر العقد الماضي، وتحديدًا منذ عام 1977.
ولكن الذين جاء بهم هذا التغيير اختلفوا كثيرًا في سياساتهم، بسبب تباين خلفياتهم وتعارض مرجعياتهم، وبالتالي اختلاف تعاملهم مع الأوضاع في بلادهم وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي. فالاشتراكيون الديمقراطيون لم يعنوا بمفاقمة الغضب الشعبي الذي جاء بهم إلى السلطة؛ لأنهم يعرفون أن دورهم هو العمل لإزالة أسباب هذا الغضب وليس الحفاظ عليه وتوجيهه ضد الخارج، رغم أن هذه وسيلة سهلة للبقاء في السلطة دون تحقيق إنجاز حقيقي.
ومن هنا كان الفرق الملموس في سياسات حكومات الاشتراكيين وحكومات الشعبويين، وانعكاسه على العلاقات بينهما، وربما يكون آخر مثال ذو مغزى في هذا الصدد هو انزعاج البرازيل والأرجنتين من قرار بوليفيا بتأميم قطاع الغاز الطبيعي. وهذا خلاف بالغ الأهمية لم يلحظه من يتحدثون عن الحكومات اليسارية في هذه المنطقة وكأنها كتلة واحدة ويخلطون بين الاشتراكيين والشعبويين.
ويعود انزعاج البرازيل والأرجنتين إلى أن كلاًّ منهما تعتمد على الغاز الطبيعي المستورد من بوليفيا، وتخشى الآثار السلبية المحتملة لقرار التأميم على كفاءة هذا القطاع. فالحكومة التي تعمل لتحسين وتطوير اقتصادها تريد استقرارًا في علاقاتها مع الدول الأخرى، ولا تستسيغ تحولات غير مدروسة في إحدى هذه الدول قد تؤثر على خططها التنموية.
كما ينعكس الفرق في السياسات على نوع الخطاب السياسي هنا وهناك، فالحكومات الاشتراكية الديمقراطية تؤكد في خطابها على البناء الداخلي، بينما يركز خطاب الحكومات الشعبوية على المواجهة ضد القوى الخارجية المعادية؛ ولذلك يتسم خطاب الأولى بالعقلانية حتى عندما يتطرق إلى رفض سياسات أمريكية أو أوربية، إذ يعنى بالوقائع والأرقام ويعتمد على الحجة والمنطق. أما خطاب الثانية فتغلب عليه الشعارات، ويبدو أقرب إلى الخطب العصماء أو الهتافات الصارخة.
ولأن الفعل أبلغ من الكلام، نجد أن سياسات برازيل دا سيلفا تسبب للولايات المتحدة إزعاجًا يفوق بكثير ما يترتب على خطب موراليس وشافيز. كان دا سيلفا، وقرينه الأرجنتيني نيستور كيرشنر، هما اللذان أحبطا خطة إدارة بوش لإقامة سوق أمريكية مشتركة بشروط تحقق مصالح الولايات المتحدة في المقام الأول. تصدى الزعيمان الاشتراكيان للموقف الأمريكي، وأصرَّا على أن سوقًا مشتركة لا تشمل تحرير قطاع الزراعة لا تلزم دول أمريكا اللاتينية.
وكانت صلابتهما في الدفاع عن مصالح شعبيهما، وغيرهما من الشعوب اللاتينية، سببًا في دفع الولايات المتحدة إلى تعديل استراتيجيتها في هذه المنطقة والتوجه إلى توقيع اتفاقات ثنائية للتجارة الحرة مع الدول التي تقبل ذلك بدلاً من إقامة منطقة تجارة حرة بأفق سوق مشتركة.
كما أن نضالهما، ومعهما رئيس أوروجواي تاباري فاسكيز والرئيسة التشيلية الجديدة ميشال باشليه، كان له أثر ملموس في مفاوضات التجارة العالمية لمصلحة الدول النامية. وما زالت البرازيل والهند، اللتان يحكمهما الآن حزبان اشتراكيان ديمقراطيان، تقودان هذه الدول وتعبران عن مصالحها في مختلف الاتصالات الخاصة بالتجارة العالمية. وليس هذا إلا جانبًا من جوانب دور البرازيل في السعي إلى تحسين شروط العولمة، وبسبب هذا الدور، اختارت آلاف المنظمات الرافضة للعولمة بصيغتها الراهنة البرازيل وليس فنزويلا مقرًّا للمنتدى الاجتماعي العالمي (منتدى بورتو أليغري) الذي يقابل المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس). وحتى المنظمات التي تعتبر شعبوية بشكل أو بآخر، لم تفكر في فنزويلا الأعلى صوتًا على الإطلاق ضد العولمة، وإنما توجهت إلى البرازيل الأكثر فعلاً وفاعلية.
ولذلك كله، يجوز النظر إلى تأميم قطاع الغاز الطبيعي في بوليفيا باعتباره حالة خاصة لا تمثل اتجاهًا عامًّا للحكومات اليسارية في أمريكا اللاتينية، ولا تصلح بالتالي لإعادة سياسة التأميم إلى قلب الجدل حول مستقبل الاقتصاد الدولي والنظام العالمي في أي مدى منظور.
فما زالت المقومات الموضوعية للتقدم الاقتصادي تتعارض مع هذه السياسة، ولدى الحكومات الاشتراكية الديمقراطية التي تريد التدخل لحماية الفئات الاجتماعية الأدنى، أو لتحقيق قدر من العدل الاجتماعي والحد من الفقر، مجال واسع لهذا التدخل بعيدًا عن التأميم الذي يحرم شعوبها من استثمارات محلية وأجنبية لا بديل عنها لنمو الاقتصاد وتحسين مستويات المعيشة.
كما أن الاشتراكيين، الذين يعرفون أن المجتمع ينقسم إلى طبقات مختلفة، يجدون أنفسهم في تناقض مبدئي مع الشعبويين الذين يزعمون الحديث باسم الشعب كله، وقد تم تجريده من تبايناته الاجتماعية وتناقضاته الطبقية.
ولذلك، فرغم الصخب الذي يحدثه زعماء شعبويون مثل شافيز وموراليس، فلن يكون لهم أثر يذكر في تحديد مستقبل أمريكا اللاتينية. وهذا هو ما يصح أن يدركه اليساريون العرب، وخصوصًا المؤمنين بينهم بالاشتراكية كفكرة ومنهج ورؤية، وليس كشعارات وهتافات.
معالم الثورة البولفارية
في سياق حديثة عن "ثورته" يقول هوجو شافيز إن إصلاحاته التي قام بها ليست رأسمالية ولا شيوعية ولا اشتراكية ولكنها بولفارية. والبولفارية نسبة إلى سيمون بولفار محرر أمريكا الجنوبية من الاستعمار الإسباني في القرن التاسع عشر. هذه الإصلاحات تنبع -حسب شافيز- من ثورة ديمقراطية تتبنى التعددية سياسيا وتسعى إلى الإصلاح اجتماعيا وتقوم على السوق اقتصاديا.
وقد عانت فنزويلا من فساد مزمن خلال عقود عديدة من حكم الأحزاب اليمينية (الحركة الديمقراطية والحزب الديموقراطي المسيحي)، وقد أعلن حزب حركة الجمهورية الخامسة برئاسة هوجو شافيز عن برنامج إصلاحي يحاول أن يغير من مظاهر الفساد العامة.
مؤشرات الفساد في فنزويلا
تعتبر فنزويلا من أغنى دول العالم في النفط، إذ تقدر احتياطياتها النفطية بـ78 مليار برميل من النفط الخام، فهي بذلك تحتل المرتبة الخامسة من حيث امتلاك أكبر احتياطي نفطي في العالم. ونسبة الغاز من هذا الاحتياطي هي 30%، ولذلك تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي للغاز على مستوى أمريكا. وقد بلغت عائدات الشركة عام 2001 مبلغ 6.2 مليارات دولار. ويضمن النفط أكثر من 75% من عائدات فنزويلا. إلا أن هذه الأرقام الكبيرة لم تعط نتيجة تذكر، ففنزويلا كغيرها من دول العالم الثالث ظلت تتميز بالفساد الاقتصادي والإداري وظل انعدام العدالة في توزيع ثروات البلاد بارزا. وتظهر مؤشرات الفساد في فنزويلا في كون:
تملك نسبة 10% من السكان 40% من ثروات البلاد بينما لا تملك الـ10% الأكثر فقرا من السكان سوى 1.6% من هذه الثروة.
تقع نسبة 80% من السكان تحت حد الفقر.
توجد نسبة 60 % من الأراضي الصالحة للزراعة في فنزويلا تحت سيطرة 10% من السكان.
يتقاضى كبار المسؤولين السابقين في شركة نفط فنزويلا "بتروليوس دي فنزويلا" من 20 إلى 50 ألف دولار شهريا تضاف إليها تكاليف مأموريات السفر وغيرها من العلاوات.
تهيمن الطبقة الأوليجاركية (Oligarchy) على مصادر البلاد الاقتصادية، والطبقة الأوليجاركية هي القلة المسيطرة على الثروات، التي تتصف بالفساد واتباع طرق غير مشروعة لإحكام سيطرتها على ثروات الدولة.
تم تهريب 90 مليار دولار (ثلاثة أضعاف دين فنزويلا الخارجي) إلى الخارج، وخاصة إلى ولاية فلوريدا الأميركية حيث يوجد كبار الأثرياء الذين لجؤوا إليها على مدار السنين.
ترتبط وسائل الإعلام المستقلة والواسعة الانتشار بالطبقة السياسية التقليدية والمجموعات الاقتصادية والمالية.
أبرز عناصر إصلاحات شافيز
على المستوى التشريعي
المصادقة على دستور للبلاد، حيث قام الرئيس شافيز نفسه بتفويض من قبل المجلس الوطني التشريعي بإعداده. ويصف مناصرو شافيز هذا الدستور بالثوري بينما يسميه هو "الدستور البوليفاري". ويسمح هذا الدستور بتطبيق جملة الإصلاحات التي أعلن عنها شافيز في برنامجه الانتخابي، وقد أقر في ديسمبر 1999.
القيام بسن تشريعات إصلاحية تناهز 49 قانونا تتلاءم مع هذا الدستور الجديد وتمس جميع القطاعات الحيوية اقتصادية كانت أم اجتماعية.
على المستوى الاقتصادي
القيام بتوقيف خصخصة قطاع البترول الفنزويلي باعتباره -حسب الرئيس- شريان الأمة.
فرض نظام ضريبي صارم، خاصة على المؤسسات النفطية.
القيام بتحديد ملكية الأرض المزروعة بألف هكتار للمزارع وإلزام ملاك الأراضي باستغلال أراضيهم، وإلا فإنها ستعطى لغيرهم من الطبقات المحرومة.
تخصيص جزء من الشاطئ الفنزويلي يبلغ 80 كلم للصيادين التقليديين فقط، ما وضع حدا أمام الاستغلال الاستنزافي الذي كان يمارسه أصحاب سفن الصيد الصناعي.
إنشاء مؤسسات للقرض الشعبي (بنك النساء، بنك الشعب...).
على المستوى السياسي والاجتماعي
تنظيم المجتمع الفنزويلي في ما يسمى "الدوائر البوليفارية" التابعة لحزب "حركة الجمهورية الخامسة" حزب الرئيس شافيز المؤسس عام 1998. والدوائر البوليفارية عبارة عن تجمعات تنظيمية تشمل جميع أحياء المدن والقرى الفنزويلية وتضم كل دائرة على الأقل 11 شخصا، وتقوم الدوائر بتشخيص حاجات كل حي والسهر على تطبيق إصلاحات الرئيس شافيز واقتراح الحلول للمشاكل المطروحة. ورغم أن "الدوائر البوليفارية" لا تتمتع في الوقت الراهن بصلاحيات تنفيذية فإن ممثليها يلتقون أسبوعيا في اجتماع عام يعلنون فيه حصيلة عملهم ويطرحون جملة من الاقتراحات. وتمتاز الدوائر البوليفارية بقدرات تنظيمية فائقة حيث يمكنها أن تجند الآلاف من الجماهير في سرعة عند الحاجة إلى ذلك. وتتهم معارضة شافيز "الدوائر البوليفارية" بأنها تنظيمات مسلحة تهدد مستقبل البلاد الأمني وتجعله على حافة حرب أهلية.
إزالة أحياء الصفيح بالمدن واستبدال مساكن حديثة بها تزيد على 92 ألف مسكن اجتماعي.
على المستوى التربوي والصحي
مجانية التعليم، وإنشاء مدارس خاصة تعرف بالمدارس البوليفارية تدرس إلى جانب المقررات الأكاديمية مادة "الإيديولوجيا البوليفارية" التي تركز على أفكار محرر أمريكا من الاستعمار الإسباني خلال عهد الاستقلال سيمون بوليفار. وقد انتسب إلى "المدارس البوليفارية" أكثر من مليون طفل كلهم من الطبقات الفقيرة التي لم يحظ أبناؤها قط بقسط من التعليم. وتقوم "المدراس البوليفارية" بتطبيق نظام رعاية للتلاميذ وخاصة في المساء، مما يسمح لأمهاتهم بممارسة أعمال إنتاجية في الأوقات التي تتولي فيها المدارس البوليفارية حفظ أولادهن. وتتكفل الدولة بتوفير وجبتين غذائيتين كل يوم لهؤلاء التلاميذ. وتتهم المعارضة حكومة شافيز باستقدام هيئة تدريس من كوبا للعمل في مؤسسات فنزويلا التربوية، وهو أمر سيؤدي -حسب المعارضة- إلى نشر الفكر الشيوعي بين صفوف أبناء فنزويلا.
مضاعفة ميزانية التعليم.
تعميم نظام صحي وزيادة ميزانية الصحة بنسبة 8%.
على المستوى الإعلامي
يقوم شافيز كل يوم أحد بتقديم برنامج أسبوعي في الراديو الفنزويلي بعنوان "آلو يا رئيس = Hello Presidente”. فيجد بعض المستمعين المختارين الفرصة للتحدث مباشرة إلى رئيس الدولة فيطلبون منه بعض الخدمات لحيهم أو مدارسهم أو مستشفياتهم.
مستقبل إصلاحات شافيز
تتسم إصلاحات شافيز الاقتصادية والاجتماعية بكونها تجمع بين صفتين متناقضتين، فهي مقبولة جدا ومرفوضة جدا. فأنصار شافيز، وأغلبهم من الجيش والفقراء والطبقات المسحوقة من المجتمع الفنزويلي، يرغبون في الإصلاحات ويدافعون عنها في حين ترفضها المعارضة وعلى رأسها أرباب العمل والإعلام المستقل والنقابات وتسعى إلى محاربتها بكل الوسائل. فالإصلاحات الشافيزية إذن هي جوهر الأزمة الفنزويلية، ومستقبلها مرهون بتغلب أحد الطرفين على الآخر، طرف تكمن قوته في الجيش والجماهير وطرف آخر تكمن قوته في المال والإعلام.
أمريكا اللاتينية.. خروج عن النمط الأمريكي
شيرين حامد فهمي
شهدت العلاقات الأمريكية اللاتينية في الآونة الأخيرة ركودًا واضحًا، نشأ عن عدة عوامل تضافرت مع بعضها البعض لتفرز في النهاية ذلك الوضع الراهن. وقد نبعت تلك العوامل من الطرفين على السواء؛ بمعنى أن الاثنين كان لهما دور أساسي في تعكير العلاقات؛ فواشنطن نظرت بتجاهل إلى القارة اللاتينية، غاضّة الطرف عن مشوارها الديمقراطي الطويل، والحكومات اللاتينية نظرت بريبة وتوجس إلى الدور الأمريكي في قيادة العالم، متشككة في ذلك الدور "الأحادي" الذي استفحل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
بمعنى آخر: لقد تضافرت نظرة "التجاهل" (من جانب واشنطن) مع نظرة "الريبة" (من جانب القارة اللاتينية)، لتنتج تلك العلاقة الراكدة التي لم تكن متواجدة في أوائل التسعينيات.
إلا أن واشنطن لا تدرك مدى خطورة ذلك "الركود" على الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد بشكل مكثف على القارة اللاتينية - وهو ما أبرزته منذ فترة مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية في يناير/فبراير 2004، تحت عنوان "الشريك المتردد" أو Reluctant Partner - مُلقيةً الضوء على أهمية القارة للاقتصاد الأمريكي، ولا سيما البرازيل التي تعتبر أكبر وأكثر الدول تأثيرا في القارة.
تجاهل القارة اللاتينية
بعد نهاية الحرب الباردة في عام 1989 - كما أشار "بيتر حكيم" في مقاله في الـ"فورين آفيرز" في يناير/فبراير 2006 بعنوان "هل خسرت واشنطن أمريكا اللاتينية" - كان هناك اعتقاد أمريكي بأن توجه القارة اللاتينية نحو الديمقراطية واقتصاد السوق سيكون له تأثير عميق في توطيد العلاقة بين القارتين. وقد كان هناك من الممارسات الفعلية ما دعم ذلك التوجه:
- تقديم "مقترح برادي" لتخفيف الديون طويلة الأمد عن كاهل القارة اللاتينية.
- توقيع "اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة" بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
- تهدئة وتيرة الحروب البينية في أنحاء القارة اللاتينية.
- إنقاذ واشنطن للاقتصاد المكسيكي في عام 1995.
أما ما بعد عام 1995، فقد باتت السياسة الأمريكية تجاه القارة متسمة بالتركيز فقط على القضايا الملحة، دون وضع استراتيجية واضحة الملامح والأهداف. ومن تلك القضايا المُلحة التي ذكرها "حكيم" في الـ"فورين آفيرز" تحت عنوان "هل تخسر واشنطن أمريكا اللاتينية؟" تنامي الدور الصيني في القارة اللاتينية، وتنامي قوة الرئيس الفنزويلي "هوجو شافيز". وجاءت أحداث سبتمبر 2001 لتُزيد واشنطن بعدًا عن القارة، جاعلةً العلاقة معتمدة أكثر على "المُلحّ" دون "الاستراتيجي"؛ الأمر الذي ولَّد الريبة والتوجس لدى حكومات أمريكا اللاتينية.
الريبة تجاه واشنطن
إن تركيز واشنطن على "المُلح" فقط أدى إلى تدني التأييد "اللاتيني" للسياسات الأمريكية. فالغالبية العظمى للاتينيين، سواءٌ كانت حكومات أو شعوبًا، باتت لا تؤمن بالاعتماد على واشنطن كشريك موثوق فيه. وزاد من ذلك التوجس فشل واشنطن في قيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1989، ثم بعد تفجيرات سبتمبر 2001.
هذا بالإضافة إلى المواقف الضعيفة والمخزية للإدا