[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
في كل أزمة تتعرض لها الأمة لا نجد حلولاً عربية لتلك الأزمات، الحل يأتينا دائمًا من الغرب على طريقته ووفق أجندته ومصالحه ولكن بضوء أخضر عربي، وعبر مناشدات عربية بتحرك دولي لحل أزماتنا. لم نر يومًا أزمة عربية تم حلها في إطار عربي دون تدخل دولي، وحجة البعض أننا كمنطقة عربية جزء من المنظومة الدولية تتفاعل مع قضايانا ونتفاعل مع قضاياها؛ فأزمة غزو العراق للكويت عام 1990م عجزت جامعة الدول العربية عن حل تلك الأزمة؛ بحجة عجز الجيوش العربية مجتمعة عن التصدي لجيش العراق أو إقناع صدام بالتراجع عن غزوه لدولة جارة له.
وكانت النتيجة قيام الجامعة العربية بتشريع التدخل الدولي العسكري بقرار من مجلس الأمن الدولي مصحوبًا ببند الفصل السابع الذي يتيح لهذا المجتمع باستخدام القوة لردع صدام، والحصيلة كانت تدمير قوة الجيش العراقي وإبادته وإرغامه على الانسحاب من الكويت، ليس هذا فحسب بل فرض الحصار على العراق وشعبه، وانتهى هذا الحصار بقتل مليون طفل عراقي ثم غزو قوات التحالف للعراق وتدميره واحتلاله عام 2003م وتقسيمه.
ناهيك عن إثارة النعرات الطائفية وتحويل العراق إلى ساحة مفتوحة للتدخل الإيراني وبسط هيمنته ونفوذه، ودفع الشعب العراقي الثمن فقتل منه أكثر من مليوني عراقي وتم تشريد الملايين، إضافة إلى ملايين أخرى من الأرامل والأطفال اليتامى، والأخطر من كل هذا محاولات انفصال شمال العراق (كردستان العراق) عن جنوبه، في تجاهل تام من قبل العرب للتغلغل الصهيوني في تلك المنطقة.
وفي أزمة انفصال جنوب السودان وقف العرب موقف المتفرج وتركوا الأمر لأمريكا وإسرائيل يقرران مصير وحدة السودان، وكأن السودان دولة خارج المنظومة العربية، فكانت النتيجة انفصال جنوب السودان عن شماله، مع أن في هذا الانفصال تهديد لمصر، ولكن لأن الجنوب مدعومًا من أمريكا وإسرائيل نجد العرب يقرُّون الانفصال بل ويعترفون به، وتتراجع خطواتهم "للخلف در" أمام تقدم نفوذ أمريكا وإسرائيل، وضاع جنوب السودان ليضع الصهاينة أيديهم عليه كليًّا؛ تهديدًا لمصر في حال تنصلت من اتفاقية كامب ديفيد أو عارضت ممارسات الصهاينة تجاه الشعب الفلسطيني.
ليس هذا فحسب بل انفصال السودان يعتبر حصار صهيوني خانق لمصر والسودان من الجنوب، وبداية صهيونية لتنفيذ مشاريع اقتصادية تهدد أمن المنطقة العربية وشعوبها، وبداية لتنفيذ مخطط تفتيت السودان على الأقل إلى خمس مناطق، ولا ننسى أزمة دارفور كيف تم تدويلها في غياب دور عربى فاعل.
في أزمة ليبيا تكرر نفس الشيء، واكتفى العرب أمام حرب الإبادة التي شنها القذافي على شعبه وتدميره المدن الليبية (الزاوية ورأس لانوف) وقتل الشعب الليبي بدم بارد بالاستعانة بالمرتزقة واستخدام الأسلحة الثقيلة، بينما وقف العرب يتفرجون على مدى 3 أسابيع على شعب يُذبح من الوريد إلى الوريد، وفي النهاية خرج وزراء الخارجية العرب من اجتماعهم أمس 12 مارس بمطالبتهم إصدار قرار من مجلس الأمن لفرض حظر جوي على ليبيا، قرار قد يبدو في ظاهره دعم العرب للثوار الليبيين وإنقاذ للشعب الليبي من هجمات القذافي له بالصواريخ، وتأكيد على عدم شرعية القذافي، ولكن نتساءل: من هي الجهة المخولة بتنفيذ هذا الحظر في حال صدور قرار مجلس الأمن العرب أنفسهم أم قوات الناتو؟
دائمًا حجة العرب سواء في أزمة العراق- الكويت عام 1990م، وفي أزمة دارفور، وأزمة انفصال السودان وأخيرًا أزمة ليبيا نسمع من الأصوات ما تبرر العجز العربي بأن الدول العربية لا تستطيع التدخل في الشئون الداخلية لبلد عضو في جامعة الدول العربية، وتعتبر أي تدخل انتهاك لسيادة الدولة المعنية بالأزمة، بينما نراهم يرحبون بأي تدخل دولي أوربي كان أو أمريكي، حتى لو أدى هذا التدخل إلى حصار شعب وتجويعه أو غزوه واحتلاله (كما حدث للعراق)، ويرحبون بقرارات الشرعية الدولية حتى لو أدت تلك القرارات إلى تقسيم البلدان العربية، التي هي جزء من الجامعة العربية (كما حدث في السودان وما سيحدث في دارفور)، ويقفون عاجزين أمام الصلف الأمريكى والصهيوني وتعنتهما في عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة كقرار 194 الخاص بضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، أليس هذا تناقضًا واضحًا في موقف جامعة الدول العربية؟!!
اليوم تحركت قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي لنجدة البحرين وفرض الأمن فيها، وهي خطوة جيدة خاصة أن البحرين لها وضع خاص ومعروف أطماع إيران في تلك الدولة الصغيرة، ومعروف أيضًا أن إيران تستغل طائفة الشيعة البحرانيين لفرض هيمنتها على الدولة مستفيدة من تدهور الأوضاع في المنطقة؛ نتيجة الثورات التي اندلعت في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، ولا أحد يتخوف من تدخل قوات درع الجزيرة لحماية البحرين من تلك الأطماع الإيرانية، كما أن لا أحد يستطيع وصف تدخل درع الجزيرة بأنه تدخل في الشئون الداخلية أو انتهاك لسيادة البحرين؛ لأن دول التعاون الخليجي بينها اتفاقيات أمنية وعسكرية، كما أيضًا بين الدول العربية اتفاقيات أمنية وعسكرية (اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي لم يتم تفعيلها منذ عقود).
والسؤال: لماذا لم يتم التدخل العربي في ليبيا لحماية الشعب الليبي من جنون القذافي، الذي أباد شعبه بكل ما أوتي من قوة على غرار التدخل الخليجي في البحرين؟
كنا نتمنى على العرب جميعهم أن يتخذوا نفس الموقف الذي اتخذوه لحماية البحرين، بالوقوف إلى جانب الثوار الليبيين إنقاذًا لليبيا وشعبها من طاغية ترسخ في ذهنه أنه ورث الأرض ومن عليها، بدلاً من ترك الأمور بيد الناتو الذي عُرف عنه أنه لا يتدخل في أمرٍ إلا وأفسده، وكان نكبة على البلاد والشعوب.. وتجربته في أفغانستان خير شاهد على ذلك.
المصدر: صحيفة المصريون الإلكترونية.