[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
شبهات حول الإسلام
ليسوا قليلين أولئك الذين طُمِس على قلوبهم فلم يعودوا يبصرون النور، ولم يعودوا يرون الشمس.. فلا تراهم إلا وقد قَلَبوا الحقائق أباطيل، وبدَّلوا المحامد مثالب؛ يريدون بذلك الوصول إلى مأربهم في تشويه صورة الإسلام وتزييف حقائقه، والنيل من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم..
وقد قال الشاعر[1] يومًا:
قد تُنْكِرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رَمَدٍ وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سقمِ[2]
فأعداء الإسلام - كعادتهم - شنوا الحملات الضارية التي تهدف إلى التشكيك في نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم والنَّيْل منه؛ يريدون بذلك الإسلام نفسه، منتحلين في هذا الصدد سبيل الأكاذيب والأباطيل وقلب الحقائق.. فتناولوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالثَّلْب والتجريح تارة، والكذب والتدليس تارة أخرى!!
ولا شك أن هذا هو من قبيل الجهل بنبي الإسلام خاصة، وبالدين الإسلامي بصفة عامة، أو هو من قبيل دافع الحقد والكراهية للإسلام والمسلمين بدون وجه حق..
اهتمام الرسول بالدنيا وجمع الغنائم
فمن الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام والمستشرقون، وروَّجوا لها بهدف تشويه شخصية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم للوصول إلى الطعن في دعوته، وإبعاد الناس عنها، ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع دنيوية، لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة، ولكنه بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الأموال والغنائم من خلال الحروب التي خاضها هو وأصحابه؛ ابتغاءَ تحصيل مكاسب مادية وفوائد معنوية.
وقد حاول المدَّعون إيهامَ الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لجأ إلى السطو على قوافل قريش التي كانت محمَّلة بأثمن البضائع؛ رغبةً منه في التوسُّع المالي وتكديس الثروات!!
وصرح المستشرق الإنجليزي اليهودي "دافيد صمويل مرجليوث" بالقول: "عاش محمد هذه السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على التلصُّص والسلب والنهب.. وهذا يفسر لنا تلك الشهوة التي أثَّرت على نفس محمد، والتي دفعته إلى شن غارات متتابعة، كما سيطرت على نفس الإسكندر من قبلُ ونابليون من بعدُ"[3].
والحقيقة أن المتأمل في تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم لَيَدْحض هذه الافتراءات من الوهلة الأولى..
رد على شبهة تعرض الرسول لقوافل قريش
فبالنسبة إلى تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين لقوافل قريش قبل غزوة بدر؛ فإنها إنما كانت أموال المسلمين أنفسهم، تركوها في مكة بعد طول تعذيب وتنكيل، وتركوا معها الأهل والولد والوطن، وهاجروا إلى المدينة عُزْلاً لا يملكون من قوت يومهم شيئًا؛ وذلك فرارًا بدينهم، وطلبًا لمكان يعبدون فيه ربَّهم دون أن يتعرَّض لهم أحد.. وقد قامت قريش بالاستيلاء على جميع ممتلكات المهاجرين هؤلاء، واستباحت ديارهم وأموالهم، وليس أدل على ذلك من تجريدهم لأموال صهيب الرومي[4] رضي الله عنه.
ولما تم استقرار المسلمين في المدينة واستتبَّ لهم الأمر، أَذِن الله تعالى لهم بقتال مَن ظلمهم وبغى عليهم، فأُعلِنت الحربُ على قُريشٍ ورجالاتها منذ تلك اللحظة، ومعلوم أن الحروب تأخذ أشكالاً عديدة، ويأتي في مقدِّمتها ما يُسمى بلغة عصرنا: "الحرب الاقتصادية"، فتعرَّضَ المسلمون لقوافل قريش، كنوع من الحرب الاقتصادية عليها، وكسرًا لشوكتها، ورغبةً في استرداد بعضٍ من حقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة.
رد على شبهة حرص النبي على الدنيا
وإن الناظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والمتأمل في تاريخ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لَيَعلم علم اليقين أنه لم يكن يسعى إلى تحقيق أي مكسب دنيوي يسعى إليه طلاب الدنيا واللاهثون وراءها.. ولو كان كما قيل لعاش صلى الله عليه وسلم عيش الملوك في القصور والبيوت الفارهة، بينما الواقع يشهد بخلاف ذلك، إِذْ كان في شظف من العيش، مكتفياً بما يقيم أَوْدَ الحياة، وكانت هذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.
ويشهد لهذا أنَّ بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت عبارة عن غرف بسيطة لا تكاد تتسع له ولزوجاته، وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه، فقد كان يمر عليه الشهر والشهران لا توقد نارٌ في بيته، ولم يكن له من الطعام إلا الأسودان (التمر والماء).. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة[5]: " ابْنَ أُخْتِي.. إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ؛ فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ[6]، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا"[7].
ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي عُرِفَ به النبي صلى الله عليه وسلم، وحَثَّ عليه أصحابه، وقد أتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ بِظَهْرِهِ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كِسْرَى يَشْرَبُونَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْتَ هَكَذَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُمْ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ الدُّنْيَا"[8].
بل إن أهل مكة كانوا قد عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والمُلك والجاه[9] من أجل أن يتخلَّى عن دعوته، فرفض ذلك كله، وفضَّل أن يبقى على شظف العيش مع الاستمرار في دعوته، ولو كان من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء.
وقد شهد بهذه الحقيقة الغربي توماس كارليل حين قال: "لقد كان محمد زاهدًا متقشفًا في مسكنه، ومأكله، ومشربه، وملبسه، وسائر أموره وأحواله.. فحبَّذا محمدٌ من رجل خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الله، قائم النهار، ساهر الليل، دائبٍ في نشر دين الله، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال، من رتبة، أو دولة، أو سلطان، غير متطلع إلى ذِكْرٍ أو شهوة"[10].
[1] هو محمد بن سعيد بن حماد البوصيري، شرف الدين أبو عبد الله (608 - 696هـ)، نسبته إلى بوصير من أعمال بني سويف بمصر. شاعر حسن الديباجة، مليح المعاني. له ديوان شعر، وأشهر شعره البردة، والهمزية. توفي بالإسكندرية. الأعلام 6/ 139.
[2] قصيدة البردة للبوصيري.
[3] مرجليوث: محمد وظهور الإسلام ص368..
[4] أبو نعيم: حلية الأولياء1/151، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/228.
[5] عروة بن الزبير بن العوام: (22 - 93 هـ) أحد الفقهاء السبعة بالمدينة،كان عالمًا بالدين، صالحًا كريمًا، لم يدخل في شيءٍ من الفتن، وانتقل إلى البصرة، ثم إلى مصر فتزوج وأقام بها سبع سنين، وعاد إلى المدينة فتوفي فيها.. انظر الأعلام للزركلي4/226.
[6] منائح: جمع منيحة وهي الشاة أو الناقة التي تُعطَى للغير ليحلبها وينتفع بلبنها، ثم يردها على صاحبها، وقد تكون عطيةً مؤبدة بعينها ومنافعها كالهبة.
[7] البخاري: كتاب الهبة، باب فضلها والتحريض عليها (2428)، ومسلم في الزهد والرقائق (2972)، وابن حبان (6348).
[8] أحمد (7950)، والنسائي في سننه الكبرى(9157)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.
[9] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/195، وابن هشام: السيرة النبوية2/130.
[10] الرسالة المحمدية نقلاً عن موقع صحيفة صوت الحق والحرية، مقال: شبهات المستشرقين حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، بقلم الشيخ/ مشهور فواز محجانة.