[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
رضوان بن تتش صاحب حلب، ارتبط اسمه في تاريخ هذه الأمة بخيانة المسلمين، بتعاونه مع الباطنيين وإفساحه الطريق للصليبيين للاستيلاء على كثير من بلاد الشام وغيرها.
مولده ومراحل حياته
رضوان بن تتش بن ألب أرسلان بن جغري بك بن سلجوق بن دقاق، أبو المظفر التركي السلجوقي. ولد سنة خمس وسبعين وأربعمائة (475هـ)، ونشأ في دمشق في حجر أبيه.
وكان الملك رضوان بخيلاً شحيحًا يحب المال، ولا تسمح نفسه بإخراجه، حتى إن أمراءه وكتابه كانوا ينبزونه بأبي حبة، وذلك هو الذي أضعف أمره، وأفسد حاله مع الفرنج والباطنية، وجدد في حلب مكوسًا وضرائب لم تكن.
ويقول عنه الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات: "قَتَل خواص أبيه واحدًا بعد واحد، وكان ظالمًا بخيلاً قبيح السيرة، ليس في قلبه رحمة ولا شفقة على المسلمين، وكان الفرنج يغارون ويسبون من باب حلب ولا يخرج إليهم"[1].
قتاله ضد أخيه
كان رضوان بدمشق عند توجه أبيه إلى ناحية الري، فكتب إليه يستدعيه فخرج إليه، فلما كان بالأنبار، بلغه قتله فرجع إلى حلب مسرعًا، وكان نائب حلب في ذلك الحين أبو القاسم الخوارزمي وكان ذو سلطة وقوة، ولكن رضوان استطاع دخول حلب عن طريق الحيلة أثناء الليل، وخطب لرضوان على منابر حلب وأعمالها، وقام بتدبير أمور دولته الأمير جناح الدولة الحسين بن أفتكين زوج والدته.
وأما أخوه دقَّاق بن تتش، فتوجه إلى دمشق وملكها حيث سلمها إلى نائب أبيه الأمير ساوتكين وخطب له على منابرها، ولكن رضوان لم يقنع بذلك، بل أقدم على التخلص من أخويه الصغيرين أبي طالب وبهرام؛ إذ ظن رضوان أنه بقتله إخوته الصغار سيتخلص من منافستهم له في المستقبل، وبذلك يفسح له المجال في السيطرة على بلاد الشام كلها.
ومن ناحية أخرى، فإنه قد راودت رضوان فكرة، وهي أنه وحده هو حاكم الشام، وليس لأحد من أخوته الحق في مشاركته حكم الشام، وذلك نتيجة ما أوصى به والده تاج الدولة تتش أصحابه قبل دخوله معركة الري، فقد أوصى أمراءه بضـرورة طاعة رضوان. ويبدو أن رضوان قد فسر تلك الوصية على أنها مبايعة له بحكم الشام كله، أي كل ممتلكات أبيه.
ومن ناحية ثالثة فإن رضوان كما يشير ابن القلانسي في ذيل تاريخ دمشق أنه "كان يميل إلى دمشق، محبًّا لها، مؤثرًا العود إليها؛ لمعرفته بمحاسنها وترعرعه فيها"[2]. وقد دفعه هذا الحنين إلى دمشق لخوض معارك طاحنة ضد أخيه دقاق.
وكان أن بدأ رضوان صراعه بمحاولة الاستيلاء على بلدان الشام الخارجة عن يده، وذلك قبل أن يستولي عليها أخوه دقاق، فتوجه بجيشه وبصحبته الأمير ياغي سيان بن محمد التركماني صاحب أنطاكية إلى ديار بكر للاستيلاء عليها، ومنها إلى الرها ثم إلى سروج ثم عاد إلى حلب.
وكانت الجولة الثانية من الصراع موجهة ضد دمشق، حيث جهز رضوان جيشه واتجه صوب دمشق، وبصحبته الأمير ياغي سيان والأمير جناح الدولة وكان ذلك عام 489هـ، وفرضوا عليها الحصار مدة، غير أن حصانة ومناعة دمشق أجبرتهم على رفع الحصار والعودة إلى حلب دون حرب.
تعاونه مع الباطنيين والصليبيين
ولم يقف صراعه مع أخيه في بلاد الشام عند هذا الحد، وإنما دفعه الحقد والتنافس إلى الارتماء في أحضان الباطنيين، والاعتماد عليهم في سبيل تحقيق أطماعه.
فوجد بغيته في شخص الدولة الفاطمية الشيعية، التي كانت تسعى إلى فرض نفوذها على أملاك العباسيين ببلاد الشام. وبالفعل تم الاتفاق على أن يسقط رضوان خطبة العباسيين من على منابر الشام ويقيمها للخليفة الفاطمي المستعلي، في مقابل أن يمده الفاطميون بالمال والعسكر.
وانحاز رضوان إلى جانبهم، وأظهر مذهبهم -أي الباطنية- في حلب، وصار لهم الجاه العظيم والقدرة الزائدة، وصارت لهم دار الدعوة بحلب في أيامه، بل إنه كان أول من أنشأ للباطنية دار دعوة ببلاد الشام.
وكانت النتيجة الطبيعية لتغلب هؤلاء الباطنيين هو كثرة عدد الضحايا الذين اغتالوهم الباطنية ببلاد الشام في تلك الفترة؛ ففي عام 596هـ قُتل جناح الدولة بن الحسين صاحب حمص وهو بجامع حلب أثناء تأدية الصلاة، وكان جناح الدولة من أشد المجاهدين ضد الصليبيين حيث وقف حائلاً بين ريموند التولوزي وبين تحقيق أطماعه في طرابلس؛ لذلك جاء مقتله في صالح الصليبيين وريموند خاصة، وأصبح في مقدوره تحقيق مطامعه في ديار المسلمين.
وكذلك ما قام به هؤلاء الباطنيون من اغتيال لخلف بن ملاعب صاحب أفامية، فما كان من الصليبي تانكرد إلا أن انتهز هذه الفرصة وهاجم أفامية واستولى عليها، وأصبح الطريق أمامه ممهدًا للاستيلاء على كفر طاب وغيرها من أعمال حلب نفسها.
وكان مشهورًا بموالاته للصليبيين، حتى إنه كان في آخر أمره يدفع أكثر من عشرين ألف دينار من الذهب كجزية للصليبيين دون أن يتحد أو يتعاون مع أي إمارة من الإمارات الإسلامية، أو مع إخوانه السلاطين الآخرين لجهاد الصليبيين، وقد كانوا قادرين على ذلك.
حصار حلب
ونتيجة لتعاونه مع الباطنيين وما أداه ذلك إلى إفساح المجال أمام الصليبيين، وضاق الأمر بأهل حلب، ومضى بعضهم إلى بغداد واستغاثوا في أيام الجُمَع، ومنعوا الخطباء من الخطبة مستصرخين بالعساكر الإسلامية على الفرنج، وكسروا بعض المنابر، فجهز السلطان محمد بن ملكشاه مودود صاحب الموصل وأحمديل الكردي، وسكمان القطبي في عساكر عظيمة ضخمة، ومات سكمان قبل وصوله إلى حلب.
ووصلت العساكر إلى حلب، فأغلق رضوان أبواب حلب في وجوههم، وأخذ إلى القلعة رهائن عنده من أهلها لئلا يسلموها، ورتب قومًا من الجند والباطنية الذين في خدمته لحفظ السور، ومنع الحلبيين من الصعود إليه، وصفَّر إنسان من السور فأمر به فضُربت عنقه، ونزع رجل ثوبه ورماه إلى آخر، فأمر به فألقي من السور إلى أسفل.
وبقيت أبواب حلب مغلقة سبع عشرة ليلة، وأقام الناس ثلاث ليال لا يجدون ما يقتاتونه، وكثرت اللصوص، وخاف الأعيان على أنفسهم، وساء تدبير الملك رضوان، فأطلق العوام ألسنتهم بسبه وتعييبه وتحدثوا بذلك فيما بينهم، فاشتد خوفه من الرعية أن يسلموا البلد، وترك الركوب بينهم، وبث اللصوص تتخطف من ينفرد من العساكر فيأخذونه، وعاث العسكر فيما بقي سالمًا ببلد حلب بعد نهب الصليبيين له.
وبعدها قام الباطنيون من أعوان رضوان صاحب حلب بقتل القائد التركي مودود، الذي تزعم حركة الجهاد ضد الصليبيين بدمشق، فاغتالوه عام 507هـ في جامع دمشق أثناء تأدية صلاة الجمعة، فقدموا بذلك خدمات جليلة للصليبيين.
وفاته
مرض رضوان بحلب مرضًا حادًّا، توفي في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وخمسمائة (507هـ)، وعمره اثنان وثلاثون سنة، ودفن بمشهد الملك. فاضطرب أمر حلب لوفاته، وقيل إنه خلف في خزانته من العين، والآلات، والعروض، والأواني ما يبلغ مقداره ستمائة ألف دينار، أو خلف ألف ألف دينار.
أهم المراجع:
1- بغية الطلب في تاريخ حلب، ابن العديم.
2- الوافي بالوفيات، الصفدي.
3- ذيل تاريخ دمشق، ابن القلانسي.
4- زبدة الحلب في تاريخ حلب، ابن العديم.
5- تاريخ دمشق، ابن عساكر.
6- الكامل في التاريخ، ابن الأثير.
7- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي.
8- البداية والنهاية، ابن كثير.
9- دراسات في تاريخ العالم الإسلامي في العصور الوسطى، د. حامد زيان غانم.
المصدر: موقع لواء الشريعة.