[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]قضية الفن بمفرداتها ووسائلها وأدواتها المتنوعة قضية من أخطر القضايا التي يواجهها العقل العربي والمسلم في عالمنا المعاصر، فالجدل حول هذه القضية مازال يدور بين الحِلِّ والحُرمة وبين المكروه والمباح وبين الجائز وغير الجائز من دون أن يكون هناك رأي قاطع يركن إليه المسلم ويسترشد به ليرضي ربه وضميره·
إن منتجات الفن اليوم تنتشر بسرعة هائلة بسبب ثورة الاتصالات المتسارعة التي بلغ حجم الاستثمار الدولي فيها إنتاجاً وتسويقاً مايزيد عن (3) تريليون دولار حسب أحصاء العام 2003م بينما لا يتجاوز الرقم في العالم الإسلامي حاجز الـ >800< مليون دولار، وهذا مؤشر على أن المسلمين لا يهمهم هذا الأمر كثيراً ولا يعنيهم الاستثمار فيه مع أَنهم يدركون تماماً تأثيره في عالم اليوم، فهو يصل الى الجميع برغبتهم ودون رغبتهم عبر وسائل الفن المختلفة·
إن المشكلة القائمة اليوم تكمن في فلسفة الحضارة الغربية التي يتركز الفن فيها حول إشباع الغرائز والشهوات والفصل بين الأخلاق والجمال بعيداً عن أي نظر في العواقب والمآلات مع أن الجمال والفن كما يقول >ابن الأثير< هو البهاء والحسن والزينة التي تقع على الصور والمعاني، وإن خروج المهارات، أي الفنون عن المقاصد الرشيدة يجردها من شرف الاتصال بالجمال، و>ابن سينا< الفيلسوف المسلم كان يرى قبل عشرة قرون أن جمال المقاصد والغايات شرط في وصف المهارات بصفة الجمال·
إن الفن هو التطبيق العملي لمهارة التأمل في كون اللّه فإنتاجه لا ينفصل عن عملية الوسائل التي يستعملها الإنسان لتوجيه العواطف وبخاصة عاطفة الجمال في فنون كالتصوير والإيقاع والشعر، وهو بالتالي تعبير خارجي عما يحدث في النفس من بواعث وتأثيرات يستخدم فيها الفنان الخطوط والحركات والأصوات والكلمات· والفن في النهاية مهارة، وهي في الأصل نتاج موهبة الخالق، والفنان ليس مطلق المهارة يهيم بها في كل واد وإنما المهارة المطلوبة هي التي يملكها الذوق الجميل والمواهب الرشيدة··
إن المسلمين اليوم بما يملكون من مخزون فكري وثقافي غاية في الثراء والتنوع، مطالبون بالاستفادة منه لتشكيل معالم الفن الإسلامي الأصيل القائم على ضوابط وأخلاقيات ديننا الإسلامي الحنيف وصياغة عقل إسلامي قادر على التغيير والبناء الإيجابي وإيجاد إنسان مسلم ينظر إلى قضية الفن والجمال نظرة واعية متوزانة وغير متأثرة بالفلسفات الأخرى·
وفي هذا السياق تنظيماً وتنسيقاً للأمور ووصولاً إلى مرجعية واحدة تبت في كل قضايا الفن فإننا نرى أنَّ من الأفضل تشكيل هيئة مستقلة على مستوى كل قطر إسلامي أو على مستوى العالم الإسلامي ويمكن أن تنبثق هذه الهيئة عن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) تضم متخصصين بالفن والإعلام والتاريخ والشريعة مهمتها وضع الأسس والمعايير والبرامج التي من شأنها الرقي بالذوق العام والفن لدى جمهور المسلمين والارتقاء به وتطويره وتحسينه وفق الثوابت الإسلامية وبعيداً عن أي اجتهادات وآراء شخصية أحادية تحرف الفن عن أهدافه وتشوه مشروعنا الحضاري المعاصر·
{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان اللّه وما أنا من المشركين} >يوسف 108<
بقلم الكاتب: الوعي الإسلامي