[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]لقد حرص المسلمون الأوائل على رعاية المقدسات الإسلامية وحمايتها، ومن هذه المقدسات "المسجد الأقصى"، قبلة المسلمين الأولى الذي ما زال يئنُّ تحت الاحتلال منذ ما يقارب نصف قرن من الزمان، وممن حرص على رعاية المقدسات الإسلامية المماليك الذين ظهروا على مسرح الحياة في أعقاب سقوط الدولة الأيوبية، حاملين راية الجهاد لمواصلة المسيرة التي بدأها الأيوبيون في حربهم للصليبيين على أيدي قادة أقوياء أمثال بيبرس وقلاوون والناصر محمد.
غير أنه قد ظلت تلازمهم عقدة كبيرة من ناحية أصلهم غير الحر، فضلاً عن اغتصابهم الحكم من أصحابه الشرعيين وهم الأيوبيون، ولمحو هذه الصورة من الأذهان سلك سلاطين المماليك طرقًا ثلاثًا، تركت كلها آثارًا مباشرة في أوضاع بيت المقدس.
ما يعنينا في مقامنا هذا هو الطريق الثالث الذي سلكه سلاطين المماليك، والذي تمثل في العناية بالمنشآت الدينية في الأماكن المقدسة، فإن إحياء الخلافة العباسية في مصر على يد المماليك، وتفويض الخليفة لسلطان المماليك بحكم البلاد والعباد، ألقى مسئوليات كبرى على كاهل سلاطين دولة المماليك؛ مما فرض عليهم أن يضاعفوا من رعايتهم لمقدسات المسلمين.
1- الظاهر بيبرس والمسجد الأقصى:
الملك الظاهر صاحب الفتوحات والأخبار والآثار، له في القدس حسنات منها بعث الصناع والآلات لعمارة قبة الصخرة بالقدس، وكانت قد وهتْ. زار بيت المقدس سنة 661هـ، وجدد كل ما كان قد تهدم من أبنية الحرم الشريف. كما أنشأ خانًا يجمع أكبر عدد ممكن من التجار، وأوقف عليه أعيانًا كثيرة يُصرف ريعها السنوي في تحضير خبز للمسافرين وتصليح نعالهم، كما يقدِّم مصروفًا للمحتاجين منهم. كما عيَّن خمسة آلاف درهم سنويًّا لتصرف على شئون الحرم الشريف.
والزيارة الأخيرة التي قام بها الملك الظاهر بيبرس للقدس تمت في عام 668هـ، وجدد خلالها الفصوص التي على الرخام في مسجد الصخرة المشرفة، كما أمر في السنة نفسها بوضع "الدرابزين" حول الصخرة المشرفة، وعمل فيها منبرًا وسقّفه بالذهب، وعمَّر "الخان" الكائن بظاهر القدس الشريف من جهة الغرب إلى الشمال، المعروف بخان الظاهر، وكان بناؤه في سنة 662هـ.
في عهده تم إنشاء دار الحديث بجوار "التربة الجالقية" على طريق باب السلسلة، وكذلك تم إنشاء المدرسة الأباصيرية تجاه الرباط المنصوري بجوار باب الناظر.
2- المنصور قلاوون والمسجد الأقصى:
السلطان الملك المنصور أول ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام، عمَّر سقف المسجد الأقصى من جهته القبلية مما يلي الغرب عند جامع الأنبياء، وله الرباط المنصوري المعروف بباب الناظر، وهو رباط في غاية الحسن، وبناؤه محكم.
3- العادل كتبغا المنصوري والمسجد الأقصى:
من ملوك المماليك البحرية في مصر والشام، في أيامه جدد فصوص الصخرة الشريفة، وجدد عمارة السور الشرقي المطل على مقبرة باب الرحمة في سنة خمس وتسعين وستمائة.
4- المنصور لاجين والمسجد الأقصى:
من ملوك دولة المماليك البحرية بمصر والشام، جدَّد عمارة محراب داود الذي بالسور القبلي عند مهد عيسى عليه السلام بالمسجد الأقصى الشريف.
5- الناصر محمد بن قلاوون والمسجد الأقصى:
من كبار الدولة القلاوونية، وولي سلطنة مصر والشام سنة 693هـ، عمَّر في أيامه السور القبلي الذي عند محراب داود عليه السلام، ورخَّم صدر المسجد الأقصى، وفتح الشباكين اللذين عن يمين المحراب وشماله، وكان فتحهما في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وجدَّد تذهيب القبتين: قبة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وعمر القناطر على الدرجتين الشماليتين بصحن الصخرة التي إحداهما مقابل باب الدويدارية، وعمَّر باب القطانين بالبناء المحكم، وعمَّر قناة السبيل الواقعة عند بركة السلطان بظاهر القدس الشريف من جهة الغرب.
6- الأشرف شعبان بن حسين والمسجد الأقصى:
من ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام، من أعماله في المسجد الأقصى أنه عمَّر المغارة التي عند باب الأسباط، كما جدَّد الأبواب الخشبية المركبة على بوابات الجامع الأقصى، كما جُددت في عهده القناطر التي على الدرجة الغربية في صحن الصخرة المقابل لباب الناظر. كذلك جُددت في عهده المغارة التي عند باب الأسباط وباب حطة في الناحية الشمالية الشرقية من الحرم، كذلك أنشأ بعض الأورقة في الحرم من جهة الشمال.
7- السلطان الظاهر برقوق العثماني والمسجد الأقصى:
أول مَن ملك مصر من الشراكسة، عُمِّرت في عهده دكة المؤذنين، تلك الدكة التي يراها الداخل أمامه إذا ما دخل المسجد الأقصى من الباب القبلي تجاه المحراب، وكذلك أنشئت في عهده المدرسة الغزية على مقربة من باب الأسباط. وكذلك تم تعمير "البركة" التي بظاهر القدس من جهة الغرب، وهي بركة السلطان، كما تم تجديد "القيسارية" الموقوفة على الحرم الشريف بالقدس.
8- الملك الأشرف برسباي والمسجد الأقصى:
من مماليك الأمير دقماق المحمدي، وأهداه إلى الظاهر برقوق، فأعتقه واستخدمه في الجيش، دام ملكه ست عشرة سنة، قام بإنشاءات عديدة في القدس، نذكر منها: سبيل شعلان، ويقع هذا السبيل أسفل الدرج الشمالي من الحد الغربي لصحن الصخرة المشرفة، وهو آخر الأسبلة التي بناها الأيوبيون في القدس.
وفي عهده عُمِّرت الأوقاف بالقدس الشريف، واشتريت جهات عدة للوقف من القرى والمسقفات برسم المسجد الأقصى والصخرة الشريفة، وتم إصلاح قبة الصخرة، كذلك تم في عهده إنشاء المدرسة الباسطية الكائنة شمالي الحرم بالقرب من "الباب العتم"، والمدرسة القادرية شمالي الحرم بين باب حطة ومئذنة إسرائيل، والمدرسة الحسنية بباب الناظر فوق رباط علاء الدين البصيري، والمدرسة العثمانية في الزقاق المؤدي إلى باب المطهرة على بُعد أمتار من الباب المذكور إلى الغرب.
9- الملك الأشرف قايتباي والمسجد الأقصى:
من ملوك الجراكسة، كان من المماليك. وضع في سنة 872هـ الأبواب النحاسية التي في مدخل الصخرة من الغرب، وقام بحركة تعمير في المسجد الأقصى، والدليل على ذلك الكتابة الموجودة على واجهة المسجد؛ ففي عهده جُدد عمل الرصاص على ظاهر الجامع الأقصى وفك الرصاص القديم.
ومن أعماله أيضًا تعمير المدرسة الأشرفية المنسوبة إليه، وذلك سنة 887هـ، وهي بالقرب من باب السلسلة، وفي الوقت نفسه أنشأ سبيل قايتباي، وهو أشهر سبل القدس وأجملها، ويقع في الساحة الكائنة بين باب السلسلة وباب القطانين، وعلى بُعد خمسين مترًا من جدار الحرم الغربي بين درج صحن الصخرة الغربي الأوسط والمدرسة العثمانية، وهو يقوم على مصطبة مكشوفة، وفيها محراب في الزاوية الشمالية الغريبة من المسطبة.
المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، العدد (537)، جمادى الأولى 1431هـ.