[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
انتهت أحداث معركة هليوبوليس بهزيمة مروعة للجيش العثماني الذي تشتت شمله وتمزق معسكره بالكلية، وفرار الكثير من قادته إلى داخل القاهرة، التي كانت في حالة استنفار قصوى واحتقان شعبي كبير، خاصة في أحياء القاهرة القديمة مثل بولاق والأزهر؛ ذلك أن أهلها قد شعروا بتبدد الحلم بالاستقلال، فثارت نفوسهم واجتمعوا بأعداد ضخمة في وسط القاهرة.
استغل قادة العثمانيين الفارون من معركة هليوبوليس هذا التجمع الشعبي الكبير والمحتقن، وقاموا بإثارة هذه الجموع للثورة على المحتل الفرنسي. ولم تكن الجماهير في حاجة لمن يثيرها، فلقد كانت مستوفية الالتهاب، فاندلعت الثورة العارمة بالقاهرة في 24 شوال 1214هـ/ 1800م، وتجمع أكابر ووجهاء البلد وحرَّضوا الناس على جهاد الكفار، وقامت العامة بالانقضاض على منازل الأقباط من المصريين والشوام المتعاونين مع الاحتلال، وفتكوا بهم بشدَّة، ووضعوا المتاريس على الأطراف، واشترك معهم الجنود العثمانيون، وحمل الناس السلاح ليل نهار، وقاتلوا الفرنسيين بمنتهى الشجاعة والبسالة وبأدنى سلاح، ونادى يوسف باشا في الثائرين: أن من جاء برأس فرنسي أو نصراني أو يهودي فله جائزة. ورغم التفوق الفرنسي في العدد والسلاح، إلا إن الثورة ظلت مشتعلة وقائمة.
رأى بعض العقلاء من قادة الثورة أن الأمر سيطول ولا ينتهي لشيء، في ظل محاصرة الفرنسيين لأحياء القاهرة، وقلة الأقوات، في حين توارد المؤن والإمدادات على الفرنسيين من النذل مراد بك الذي كان يحاربهم من قبل، ولكنهم استمالوه وجعلوه واليًا على الصعيد؛ ولهذه الأسباب توجَّه بعض مشايخ الأزهر مثل الشيخ السادات والصاوي وغيرهما لطلب الصلح مع الفرنسيين، فاشترط الفرنسيون خروج الجنود العثمانيين من القاهرة وإلقاء السلاح وكف القتال وشروطًا أخرى..
فلما عاد المشايخ بهذه الشروط للثوار رفضوها، واتهموا المشايخ بالردة وموالاة الكفار، وقام أحد المغاربة بإثارة الناس مرة أخرى، وقام بعض العوام ببعض الأفعال المنافية للشرع والعرف من نهب وسلب وقتل للأبرياء، وأصبحت الثورة تسير بلا هدى ولا قيادة ولا ترتيب أو نظام، يحكمها الأهواء والاستعجال. وعندما أرسل كليبر رسولاً من طرفه للاستفهام عن موافقة الناس على المصالحة، قامت العامَّة بقتل الرسول، وهذا مرفوض شرعًا وعرفًا؛ فصمم الفرنسيون على مواصلة القتال حتى قضوا على الثورة في النهاية، وبعدها بدأت مجزرة مروعة..
مذبحة بولاق
وهي المذبحة المروعة والبشعة التي قام بها جنود الاحتلال الفرنسي بحق حي بولاق والأزبكية بالقاهرة، وذلك في أعقاب فشل ثورة القاهرة الثانية، حيث أمر الجنرال كليبر المعلم "يعقوب حنا" زعيم المليشيا القبطية المتعاونة مع الاحتلال الفرنسي، وكان رجلاً لا يقل صليبية ولا بغضًا للإسلام والمسلمين من الاحتلال الفرنسي، عهد إليه كليبر باستباحة حي بولاق والأزبكية، فاقتحمه بجنده الأقباط -وكانوا مصريين- وفعلوا من الجرائم ما تقشعر له الأبدان، وهدموا الدور والمساكن على من فيها، وقتلوا الآلاف من أهل القاهرة، واستباحوا نساءهم وأموالهم..
ثم قام كليبر بفرض غرامات باهظة على علماء ومشايخ الأزهر وسائر سكان القاهرة، وصب جمَّ غضبه على الشيخ السادات والشيخ الصاوي، واعتقل الشيخ السادات وألقاه في غياهب السجون، وكذلك زوجته وأهل بيته. وقد أدت هذه الوحشية المفرطة والهمجية في التعامل مع المسلمين لقيام أحد طلبة الأزهر وهو سليمان الحلبي باغتيال كليبر الطاغية بعد هذه المذبحة بعدة أسابيع.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.