[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
المكان: سهل كوسوفو - ألبانيا.
الموضوع: المسلمون بقيادة السلطان مراد الثاني ينتصرون على الصليبيين بقيادة ملك المجر.
الأحداث: كان الانتصار الهائل للمسلمين بقيادة مراد الثاني على التحالف الأوربي الصليبي بقيادة بابا الفاتيكان في موقعة فارنا سنة 848هـ أكبر مؤثر على المستويين الإسلامي والصليبي, وحرك كثيرًا من السواكن وأقلق مضاجع الحاقدين والكارهين لدين الإسلام, فظل هؤلاء يتربصون بالمسلمين الدوائر؛ لعل أن تأتيهم الفرصة السانحة للوثوب مرة أخرى على المسلمين، وقبل موقعة فارنا كان قد وقع حادث للسلطان مراد الثاني جعله يعتزل الحياة العامة ويعتكف في قصره في ولاية أيدني غرب الأناضول..
هذا الحادث هو وفاة ولي عهده وأكبر أولاده الأمير علاء الدين، فاعتزل مراد الثاني السلطنة وعهد بالأمر لولده الصغير الأمير محمد الثاني "الفاتح" -وكان عمره 14 سنة- فاجتمع الصليبيين بقيادة البابا للهجوم على بلاد المسلمين, فخرج مراد من عزلته وقاد المسلمين للانتصار الهائل في فارنا ثم عاد لخلوته, ولكنه اضطر للخروج مرة أخرى لمعاقبة الجنود الانكشارية الذين استخفوا بالسلطان الصغير محمد الثاني, فأدبهم مراد وشغلهم بحرب في بلاد اليونان ثم عاد مرة أخرى لخلوته.
تيمور إسكندر بك:
في خضم هذه الأحداث المتلاحقة ظهرت شخصية مريبة استغلت خلو الساحة من أسدها وهو إسكندر بك -وهو ابن أمير ألبانيا السابق- وكانت ألبانيا قد خضعت للعثمانيين سنة 836هـ, وقد سلم أميرها أولاده الأربعة رهينة عند السلطان مراد الثاني, وكان إسكندر هذا أحد الأربعة, وقد أعلن إسلامه أو بالأحرى تظاهر بالإسلام؛ ليصل عن طريق ذلك لأغراضه الشريرة.
إن قصة النفاق والمنافقين تتكرر على مر العصور, فلا يكاد يخلو عصر منهم فهم الطابور الخامس المندس داخل الصف المسلم؛ من أجل الوثوب عليه في اللحظة المناسبة, وهذا يؤكد الحاجة لدراسة نفسية المنافقين وسلوكياتهم ودوافعهم؛ ليكون بين أيدينا ملف وتصور كامل عن هؤلاء العقارب المندسة تحت ثياب أمتنا.
استغل إسكندر بك الأحداث الجارية على الساحة فهرب إلى ألبانيا, ودعا زعماء القبائل هناك وأغراهم ووسوس إليهم بعودة الملك القديم وطرد العثمانيين فوافقوه؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بجاهلية وكفر وأمدوه بالسلاح والرجال, واستطاع إسكندر بك طرد الحامية العثمانية من ألبانيا وذلك سنة 851هـ, وأثار إسكندر هذا الخائن الفتنة الصماء في وسط أوربا..
ووقتها كان مراد الثاني قد فرغ من موقعة فارنا وحرب اليونان, فقرر قمع هذا الخائن وبشدة وبسرعة أيضًا, فتوجه لألبانيا بجيش جرار قوامه مائة ألف مقاتل, فانتصر على هذا الخائن واسترد منه على مدينتين, وقد أبدى إسكندر بك ومن معه من زعماء القبائل مقاومة باسلة أمام العثمانيين, وفي تلك الأثناء حدث ما لم يكن في الحسبان.
معركة كوسوفو الثانية:
كان الذي يقود الصليبيين في موقعة فارنا الشهيرة هو ملك المجر بدافع من بابا روما كما ذكرنا من قبل, وكان القائد العام العسكري للجيوش الصليبية هو القائد "هونياد" المجري, والذي لم يهزم من قبل في أي موقعة, حتى كانت الهزيمة المدوية في فارنا والتي قتل فيها ملك المجر نفسه, فشعر "هونياد" بالخزي والعار من هزيمته وقتل مليكه, فقرر الانتقام وظل يتربص بالمسلمين الدوائر من سنة 848هـ حتى حانت له الفرصة سنة 852هـ, عندما توجه السلطان مراد الثاني لتأديب الخائن إسكندر, فأعد جيشًا قوامه أربعة وعشرين ألفًا, وقرر الهجوم على بلاد الصرب؛ ليسترد بعض ما فقده من الشرف والكرامة في موقعة فارنا..
إن أعداء الإسلام لا يتركون فرصة تمر هكذا دون الطغي والنيل من الإسلام, فإن أعداء الإسلام لهم هدف محدد يعيشون من أجله ويخططون له ليل نهار وهم لا ينسون هزيمتهم بسهولة, وهذا يذكرنا بالصليبي الإنجليزي اللورد "اللنبي" عندما دخل القدس سنة 1917م, فقال عند دخوله: "الآن انتهت الحروب الصليبية", فما زالت أمة الإسلام ذاكرتنا ضعيفة.
تصل الأخبار للسلطان مراد الثاني بعزم هونياد على الهجوم على صربيا, تحرك بسرعة وترك محاصرة الخائن إسكندر بك واتجه نحو هونياد وفلول الصليبيين, والتقى الجيشان في سهل قوص أوه أو كوسوفو, ودارت رحى حرب طاحنة انتصر فيها المسلمون انتصارًا لا يقل روعة عن الانتصار في موقعة كوسوفو الأولى سنة 791هـ، وذلك في يوم 18 شعبان سنة 852هـ, وقتل الصليبي حتى لا يبقى له آمال يعقدها مرة أخرى على المسلمين..
ثم عاد مراد مرة أخرى للخائن إسكندر بك وضرب عليه الحصار, وعرض عليه دفع الجزية ويبقى أميرًا لألبانيا, ولكنه رفض واغتر بهذا العرض, فظنه من ضعف, فقرر السلطان مراد الثاني العودة لأدرنة عاصمة العثمانيين؛ للتجهيز لحرب الخائن مرة أخرى, ولكن السلطان وافته المنية قبل أن ينفذ هدفه بقمع الخائن إسكندر الذي استمر على خيانته وعدوانه للإسلام والمسلمين, حتى هلك سنة 871هـ.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.