[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
لم يكن من السهل على شاب قليل الخبرة وقليل المعرفة بمصر وطبيعتها أن يصل إلى ما وصل إليه محمد علي، مهما كانت قدرته أو ذكاؤه إلا إذا كان يستند إلى قوة تخطِّط له وتعينه على تحقيق أهدافه، وتسخره في نفس الوقت لتحقيق أهدافها، وبخاصة أنه كما ذكر عن نفسه (لا يصلح للولاية وليس من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة)[1]. وهذه الصفات حقيقية له مهما كان غرضه من قولها، ولهذا نجد أنفسنا أمام العديد من التساؤلات..
لماذا ثارت الفرقة الألبانية بالذات التي يحتل فيها هو الرجل الثاني دون بقية الفرق العثمانية، وأبعدت "خسرو باشا" عن الولاية تحت دعوى تأخر رواتبهم؟ ولماذا اندفع العلماء لتعيين قائد القوة الألبانية الثائرة طاهر باشا "قائمقامًا" ينوب عن الوالي المطرود ثم يُقتل بعد عشرين يومًا؟ ولماذا يطرد الوالي الجديد أحمد باشا بعد توليه بيوم واحد فقط؟ ولماذا يساعد محمد علي خورشيد باشا في تولي الولاية ثم ينقلب عليه؟ وكيف استطاع محمد علي أن يفي برواتب الجند وبخاصة بعد استيلاء المماليك في الصعيد على مخصصات الأهالي هناك؟ ولماذا..؟ ولماذا..؟ جوانب كثيرة يكتنفها الغموض!!!
وتشير كثير من الأدلة إلى أن هذه القوة -التي لم تكن ظاهرة- هي الحركة الماسونية التي انبعثت في مصر سنة 1798م على يد رجال الحملة الفرنسية حيث مهد لها نابليون، ثم أسس خلفه كليبر ومعه مجموعة من ضباط الجيش الفرنسيين الماسونيين محفلاً في القاهرة سمِّي محفل إيزيسي، وأوجدوا له طريقة خاصة به هي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة[2]. وقد تمكن هذا المحفل من أن يضم إليه بعض الأعضاء من المصريين وإنْ كانوا قلة، ثم انحلَّ هذا المحفل رسميًّا في أعقاب اغتيال كليبر سنة 1800م، وظل أعضاؤه يعملون في الخفاء وبسريَّة.
ويشير المنشور الأول الذي وزَّعه نابليون على المصريين إلى أنه قد سعى لنشر هذه الأفكار منذ بداية وصول الحملة، فيذكر فيه (قولوا لهم -أي المصريين- أن جميع الناس متساوون عند الله، وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط)[3]. ويبدو تزعم الحملة الفرنسية للفكر الماسوني واضحًا منذ بدايتهم، ولقد حاولوا فرض العادات الخبيثة التي استهجنها المسلمون في مصر كالبغاء والسفور وتشجيع النساء من الحرافيش ونساء الهوى على ارتكاب المحرمات بشكل علني واضح، حيث يعدُّ هذا الأمر من بين أساليب انتشار الماسونية[4].
وتوحي بعض الدلائل على أنهم -أي الفرنسيين- قد نجحوا في ضم المصريين من المشايخ والعلماء -من بينهم الشيخ حسن العطار- إلى المحفل الماسوني الذي أسسه كليبر سنة 1800م، فبعد أن هرب الشيخ حسن العطار إلى الصعيد في أعقاب قدوم الحملة كغيره من العلماء ثم عاد إلى القاهرة على إثر دعوة الفرنسيين للعلماء، اتصل على الفور برجال الحملة ونقل عنهم علومهم، وفي نفس الوقت تولى تعليمهم اللغة العربية[5]. وقد اندمج إلى حد كبير في علومهم، وكثيرًا ما تغزل في أشعاره بأصدقائه منهم[6]. ولقد دعت هذه الأمور أن يوصف العطار بأنه من دعاة التجديد[7]. وقد توثقت صلة الشيخ العطار بمحمد علي بعد توليه الولاية، وأصبح من الركائز التي يعتمد عليها محمد علي في خطواته التجديدية في مصر، وهو أمر يشير إلى وجود صلة بين محمد علي والمحفل الماسوني المصري الذي تأسَّس إبان الحملة الفرنسية[8].
كما أن تطور الأحداث يشير إلى تشبُّع محمد علي بالأفكار الماسونية التي كان مهيَّأ لها بحكم تكوينه الطبيعي، فيُنقل عنه قوله وهو يفاوض الفرنسيين على مسألة احتلال الجزائر: (ثقوا أن قراري... لا ينبع من عاطفة دينية، فأنتم تعرفونني وتعلمون أنني متحرِّر من هذه الاعتبارات التي يتقيد بها قومي... قد تقولون إن مواطني حمير وثيران وهذه حقيقة أعلمها)[9].
وقد شهد عصر محمد علي تأسيس أكثر من محفل ماسوني في مصر، فقد أنشأ الماسون الإيطاليون محفلاً بالإسكندرية سنة 1830م، على الطريقة الإسكتلنديَّة وغيرها كثير[10].
الماسونية واليهود
(إن الماسونية هي القنطرة التي عبرت عن طريقها الصهيونية العالمية؛ إذ أسسها تسعة من اليهود بغية الوصول إلى تحقيق الحلم الصهيوني المتمثل في إنشاء حكومة يهودية عالمية تسيطر على العالم، فأعدت خططها وبرامجها المحققة لأهدافها وأطلقت على نفسها اسم (القوة الخفيَّة)، واتخذت في ذلك السرية والعهود والمواثيق التي كانت تأخذها على العضو المنضمّ إليها وسيلة ضغط عليه، بحيث يصبح آلة توجهه كما تريد. وقد استشرى فساد الماسونية في المجتمعات الغربيَّة واستطاعت أن تجذب الكثيرين من الأعضاء عن طريق شعارها الظاهري: (الحرية، الإخاء، المساواة)[11]. (الماسونيون هم أيدي اليهود التنفيذية لمخططات البطش ومؤامرات الاضطهاد والإعدام والسحق السارية المفعول على جميع شعوب العالم)[12].
(الماسونية آلة صيد بيد اليهود، يصرعون بها كبار الساسة، ويخدعون الأمم الغافلة والشعوب الجاهلة. الماسونية خطر كامن وراء الرموز والألفاظ والطلاسم، وخنجر غمده اليهود في قلب الشعوب، وأقاموا لها عدوًّا من داخلها وعلة من وسطها. الماسونية عقرب لدغ الشعوب قرونًا، متجليًا رداء الحرية والمساواة والإخاء....)[13].
(فالماسونية ما هي إلا يهودية الأصل والمنبت، وما دامت كذلك فهي تجيد المكر والخداع، وتتقن أساليب التشكيك في العقائد، والنيل من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وتشيع الإلحاد والكفر في ربوع الأرض، وتدعو إلى الإباحية والفساد والرجس. واليهود تاريخهم معروف في تحريف الكتب السماوية، وقتل الأنبياء، وإطفاء كل باقة من نور، إنهم أتباع الشيفات، وعبدة الذهب وأصحاب الاحتكار وجمع الأموال وغير ذلك من الرذائل التي اتصفوا بها. ولم يعد اليوم خافيًا على أحد أن الماسونية منظمة يهودية يُراد منها تخريب العالم اجتماعيًّا، وأخلاقيًّا، ودينيًّا... وتمتد أذرعتها المسمومة إلى كل المبادئ والقيم بُغية تدميرها والقضاء عليها)[14].
لقد انتشرت المحافل الماسونية في مصر والشام وتركيا، وكانت تعمل ليلاً ونهارًا من أجل تفتيت وإضعاف الدولة العثمانية بمعاولها الفاسدة التي لا تكل ولا تمل، ولقد استطاعت المحافل الماسونية الفرنسية في مصر أن تجعل فرنسا تحتضن محمد علي. يقول الأستاذ محمد قطب: (واحتضنته احتضانًا كاملاً لينفذ لها كل مخططاتها؛ فأنشأت له جيشًا مدربًا على أحدث الأساليب ومجهزًا بأحدث الأسلحة المتاحة يومئذٍ بإشراف سليمان باشا الفرنساوي)[15].
لقد كانت المصالح الفرنسية ترى دعم محمد علي ليتحقق لها أطماعه المستقبلية في حفظ وتقوية محافلها الماسونية، وإضعاف الدولة العلية العثمانية، وزرع خنجرها المسموم في قلب الدولة العثمانية؛ ولذلك أنشأت لمحمد علي أسطولاً بحريًّا متقدمًا متطورًا، وترسانة بحرية في دمياط، والقناطر الخيرية لتنظيم عملية الري في مصر. هل كان هذا كله حبًّا في شخص محمد علي؟ أو حبًّا في مصر؟! إنما كان لتنفيذ المخطط الصليبي الذي فشلت الحملة الفرنسية في تنفيذه بسبب اضطرارها إلى الخروج.
لقد قام محمد علي بدور مشبوه في نقل مصر من انتمائها الإسلامي الشامل إلى شيء آخر يؤدي بها في النهاية إلى الخروج عن شريعة الله، وكانت تجربة محمد علي قدوةً لمن بعده من أمثال مصطفى كمال أتاتورك وجمال عبد الناصر... إلخ.
إن المسلم الحق لا يمكن أن يقوم بمثل هذا الدور لا واعيًا ولا مستغفلاً؛ لأن إسلامه يمنعه أن يتلقى التوجيه من أعداء الإسلام.
لقد كان أعداء الإسلام يريدون القضاء على الدولة العثمانية، والقيام بتغريب العالم الإسلامي مع الاهتمام الخاص ببلد الأزهر ليقوم بتصدير أفكارهم إلى بقية الشعوب الإسلامية. فأما القضاء على الدولة العثمانية، فقد ساهم (محمد علي) في إضعافها وإهدار طاقاتها، وإسقاط هيبتها وتَعَدَّى على حرماتها، وأما التقارب مع الأعداء والسير في فلكهم الفكري والحضاري والانسلاخ التدريجي عن الانتماء العقديّ والفكري والأخلاقي فقد قطع فيه شوطًا مدحه عليه حلفاؤه من الماسون الفرنسيين والبريطانيين، وانهزم أمام الغزو الفكري المنظّم وقام بتنفيذ سياسة الابتعاث بإرسال الطلاب الشبان إلى أوربا ليتعلموا هناك..
وكان هذا من الأمور الخطيرة والمنافذ التي دخل التوجُّه العلماني من خلالها، فدخل ساحة التعليم ومن ثَمَّ في ساحة الحياة في مصر الإسلامية، وأهمل الأزهر وشيوخه وعلماءه، واهتم بإرسال الشبان الصغار بأعداد متزايدة إلى أوربا وهم في سن المراهقة، غير محصَّنين بشيء لينغمسوا في الشهوات، ويتأثروا بالشبهات، ثم يرجعوا إلى بلادهم ليكونوا رأس الحربة المتجهة إلى الغرب. لقد أرسل مع البعثات أئمة يؤمون الطلاب في الصلاة، ولكن ماذا عمل الأئمة؟ لقد كان رفاعة رافع الطهطاوي واحدًا من أولئك الأئمة، ولكنه عاد وهو واحد من دعاة التغريب، وعندما استقبله أهله بالفرح يوم عاد من فرنسا بعد غيبة سنين، فأشاح عنهم في ازدراء ووسمهم بأنهم (فلاحون) لا يستحقون شرف استقباله[16]!!
ثم ألّف كتابه الذي تحدث فيه عن أخبار (باريس)، ودعا فيه إلى تحرير المرأة إلى السفور، وإلى الاختلاط، وأزال عن الرقص المختلط وصمةَ الدنس، فقال: إنه حركات رياضية موقعة على أنغام الموسيقى، فلا ينبغي النظر إليه على أنه عمل مذموم[17].
لقد استغرقت عملية الانتقال التدريجي ما يقرب من قرن من الزمان، ولكنها كانت عملية مستمرة لا تتوقف، بل تتوسع على الدوام[18].
لقد كان محمد علي ثعلبًا ماكرًا همُّه نفسه وأولاده من بعده؛ ولذلك قام بأعمال شنيعة، وأفعال قبيحة في إضعاف الأمة، والقضاء على شوكتها وتنفيذ مخططات فرنسا وبريطانيا، وحرص على أن يجمِّل صورته في أعين الغرب، ويقفو آثارهم في التحديث بل ويفكر كما قال عن نفسه: (بعقل أفرنجي وهو يلبس القبعة العثمانية)[19].
لقد قام محمد علي نيابة عن فرنسا وبريطانيا وروسيا والنمسا وغيرها من الدول الأوربية بتوجيه ضربات موجعة للاتجاه الإسلامي في كل من مصر والجزيرة العربية والشام والخلافة العثمانية؛ مما كان لها الأثر في تهيئة العالم الإسلامي للأطماع الغربيَّة.
دور محمد علي في ضرب الإسلام
بعد أن نجح محمد علي في توطيد نفسه في الحكم، وأحاط نفسه ببطانة ومساعدين من نصارى الأروم والأرمن وكَتَبة من الأقباط واليهود، واستجلب لنفسه مماليك جعلهم حكامًا للأقاليم، وكان في كل ذلك مستنفرًا لجموع المسلمين المصريين ومعبرًا عن عدم الاهتمام أو الاكتراث بهم، وبخاصة أن هؤلاء المساعدين قد أعانوه على سياسته الاستبدادية بين الفلاحين، وصف الجبرتي ذلك بقوله: (فتح بابه للنصارى من الأروم والأرمن، فترأسوا بذلك وعلت أسافلهم، كما أنه كان يحب السيطرة والتسلُّط ولا يأنس لمن يعارضه)[20].
وسلك محمد علي وأتباعه من غير المسلمين سياسة من أبرز علاماتها الظلم والقهر والاستعباد ضد جموع الشعب المصري؛ فجمع حجج الأرض من الفلاحين وفرض عليهم السخرة، أو دفع ضريبة بديلة، وحرَّم عليهم أن يأكلوا شيئًا من كدِّ أيديهم، وأبطل التجارة، وزاد في أسعار المعايش أضعافًا مضاعفة، وفرض الضرائب التي لا يطيقون دفعها، وجعل كل نشاط اقتصادي يئول إليه، ونقم على الناس[21]. وأرجع الجبرتي ذلك إلى ما يتسم به محمد علي من "داء الحسد والشره والطمع والتطلع لما في أيدي الناس وأرزاقهم"[22]. وقد نتج عن هذه السياسة كره الفلاحين الشديد لمحمد علي وأعوانه، وهروبهم من الأراضي الزراعية، وترك قُراهم فرارًا من السياسة الظالمة، وأعرضوا عن الاشتراك في جيشه، حتى بلغ عدد الفلاحين الفارّين في عام واحد هو عام 1831م ستة آلاف فلاح[23].
أما في المدن وبخاصة في القاهرة فيذكر الجبرتي أن محمد علي حين كلف الناس بتعميرها (اجتمع على الناس عشرة أشياء من الرذائل وهي: السخرة، والعونة، وأجرة الفعلة، والذل، والمهانة، وتقطيع الثياب، ودفع الدراهم، وشماتة الأعداء، وتعطيل معاشهم، وأجرة الحمام)[24].
لقد كان الجبرتي معاصرًا لسياسة الظلم التي مارسها محمد علي على الشعب المسلم في مصر؛ إذ امتصّ حقوقه وخيراته وفتح للتجار الأوربيين الباب على مصراعيه لدخول مصر والهيمنة على اقتصادها، وأصبحت مصر هي المزرعة التي تعتمد عليها أسواق أوربا من المنتجات الزراعية، وارتبطت مصر بأوربا ارتباطًا حضاريًّا وتجاريًّا، وأصبح اعتماد طبقة التجار الناشئة في مصر على الأسواق الأوربية من الناحية الاقتصادية وبالتالي السياسية، إلى جانب تمكين دعاة الثقافة الأوربية من السيطرة على الحياة الفكرية بعد أن شلَّ دعاة الاتجاه الإسلامي[25]، وأوقف مناهج التعليم القائمة على الدين؛ تنفيذًا لسياسية نابليون الماسونية، وهو أمر أكَّده المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي في قوله: (كان محمد علي دكتاتورًا، أمكنه تحويل الآراء النابليونية إلى حقائق فعَّالة في مصر)[26].
لقد حقق الاستعمار الأوربي هدفه في الاستفادة من المنشآت والإصلاحات المادية التي قام بها دُميتهم محمد علي، أما شعب مصر المسلم فقد سيطر عليه اليأس، ودفع ثمنًا باهظًا يفوق حجم كل إصلاح، وهو تحطيم هويته الحضارية التي صقلها الإسلام، والتي ميزت دوره خلال العصور الإسلامية[27].
وفتح باب الدعوة إلى الوطنيَّة والقوميَّة، ومارس سياسة التضييق على دعاة الفكر الإسلامي من العلماء والمشايخ، فكان هذا الاتجاه مسايرًا لمساعيه الرامية إلى الاستقلال بمصر، وبالتالي إبعادها عن الارتباط بدولة الخلافة الإسلامية[28]. وقد لقي في اتجاهه هذا عونًا من المحافل الماسونية، التي تعتبر هذا الاتجاه من صُلب أهدافها.
ومن أبرز الذين عاونوه في هذا الاتجاه الشيخ حسن العطار سنة 776هـ/ 1835م، الذي تشير الدلائل على انضمامه للمحفل الماسوني المصري، فقد كان العطار يرى أن البلاد (لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيه)، وكانت وجهته في هذا التغيير هو الاتجاه الكامل إلى الثقافة الأوربية بعد أن عجز -في رأيه- المشايخ والعلماء عن مواصلة جهود المسلمين الأوائل[29].
وتبع العطار في اتجاهه تلميذه رفاعة الطهطاوي (1801-1873م)، حيث ابتعثه محمد علي إلى فرنسا خمس سنوات (1826-1831م) عاد بعدها لنشر ما يذكي الفكرة الوطنية وغيرها من الأفكار الاجتماعية التي عايشتها فرنسا، والتي لم تكن تتلاءم مع أوضاع المجتمع المرتبط بالفكر الإسلامي، وقد بدت هذه الأفكار في العديد من القصائد التي نظمها، وكذلك الكتب التي ترجمها بعد توليه الإشراف على مدرسة الألسن[30]. لقد تأثر الطهطاوي بتيارات الفكر الأوربي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بشكل فاق تأثره بالفكر الإسلامي، حيث أبدى في عديد من جوانب فكره، وفي كل مراحل حياته، إعجابه بأفكار الحرية والمساواة وضرورة الاعتماد على العقل. لقد تبنى ما دعا إليه نابليون إبَّان حملته الشهيرة، ولقد أظهر طهطاوي تأثرًا وإعجابًا بآراء مونتسكيو، وتشبعه بالفكر الماسوني.
وتبع الطهطاوي كثيرون ممن واصلوا الدعوة إلى الوطنيَّة وإلى ضرورة الاتجاه الكامل إلى الحضارة الغربيَّة من أمثال (علي مبارك) و(إبراهيم أدهم) و(صالح مجدي) و(محمد عثمان جلال) و(عبد الله أبو السعود) و(عبد الله فكري) وغيرهم، وواصل الجميع هجومهم على التيار الإسلامي من جميع الجوانب[31].
المصدر: كتاب (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط) للدكتور علي الصلابي.