[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
يأخذ البعض على المكتبة العربية الحديثة والمعاصرة قلة أعداد الكتب التي تعنى بالتربية كعلم متخصص له سماته الخاصة، وتلبي حاجة المربي وولي الأمر، وتواجه النظريات التربوية الحديثة في الغرب، والتي حمل معظمها معاول الهدم -عن قصد وسوء نية- لتهدم القيم والمثل التي جاء بها الإسلام، وبنى حضارة زاهرة صمدت قرونًا عديدة..
وقد ساهمت الحركات المشبوهة في طرح أفكار تربوية تصل بالشباب إلى مهاوي الردى؛ لتسهل السيطرة على الأمة واستنزاف طاقاتها وقدراتها وخيراتها وتسخيرها لخدمة أغراضهم، إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت كتب عربية تصدت لهذه الموجة الهدامة، واستعانت بتلك الكنوز التي يزخر بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كأتم نظريات تربوية تلبي حاجات الإنسان الجسمية،والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، والانفعالية.
والواقع أنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن التربية الإسلامية هي الأساس المتين الذي قامت عليه حضارة المسلمين، والتي استمرت في تفوقها ثمانية قرون لا منافس لها، فقد قدس الإسلام العلم والعلماء، وسما بالعلم إلى درجة العبادة، وعني بالتربية الروحية والدينية والخلقية.
أصالة التربية الإسلامية :
وما التربية الغربية الحديثة التي نادى بها الغرب في أوائل هذا القرن إلا بعض مما نفذته التربية الإسلامية، وطبقته بكل مثالياتها كالتربية الاستقلالية، والاعتماد على النفس في التعلم، ونظام التعلم الفردي، ومراعاة الفروق الفردية، وملاحظة الميول والاستعدادات الفطرية، وتشجيع الرحلات العلمية وغيرها.
وقد أدرك المسلمون الأوائل أن التربية هي أداة الحضارة ووسيلتها في تخليد ذاتها وضمان انسيابها وتناقلها عبر الأجيال، ويكون فعل التربية في الحضارة هو رسم هذا الفعل وتحديد مداه والتأثير في سلوك الفرد الإنساني حتى ينسجم مع الأنماط الاجتماعية السائدة، وهذا ما أدركه أيضًا الصينيون القدماء والاسبرطيون والأثينيونفي أهمية التربية في تحديد سلوك حضارتهم.
التربية في الإسلام :
بنظرة سريعة للتربية في صدر الإسلام نجد أن تربية الطفل كانت تبدأ في الوسط العائلي بالممارسة وأهم ما تسعى إليه الأسرة هو تعليم الطفل أن "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ثم تعليمه الصلاة في سن السابعة، وبعد وفاة الرسول بوقت قصير ظهرت المدارس بمفهومها الحالي، وتزايدت مع انتشار الإسلام، وكانت البداية إما المسجد نفسه أو مكانًا مجاورًا له، وكان القرآن هو الكتاب التربوي الأساسي عند المسلمين في كل الأزمان.
وقد كان للمساجد فيما بعد دورها الهام في الحفاظ على التراث الإسلامي، وكانت بمنزلة الجامعات في الوقت الحاضر، كما اقتبست جامعات أوربا الحديثة والعريقة أكسفورد – كمبردج - السوربون بعض أنظمتها وطرق التدريس فيها من الجامع الأزهر وجامع الزيتونة في تونس.
في عهد الأمويين والعباسيين :
وفي عصر الدولتين الأموية والعباسية حين بدأ التمايز الطبقي (الاقتصادي - الاجتماعي) يظهر في المجتمع الإسلامي اختلفت أغراض التربية وأهدافها باختلاف الطبقة الاجتماعية، وقد تميزت في ذلك العصر ثلاث طبقات اجتماعية:
1- الطبقة الوسطى وسواد الشعب:
يقوم بتعليمهم معلمو الكتاتيب، وأساس التربية عندهم القرآن الكريم وبعض العلوم الدنيوية كالشعر والحساب والأحكام الشرعية.
2- طبقة الأمراء والوزراء والأغنياء:
يقوم بتعليم أبنائهم المؤدبون، ومنهج التربية عندهم القرآن الكريم، الآداب، الحكمة، التفسير، علم الكلام، الشعر، المنطق، الفلسفة.
3- أبناء الخلفاء:
وهؤلاء يعدون إعدادًا خاصًّا يتناسب وأهمية وعظم المكانة التي سيحتلونها، ويقوم على تربيتهم كبار المؤدبين.
ولعل في الوصية التي بعث بها الخليفة هارون الرشيد إلى الكسائي مؤدب ابنه ما يلقي الضوء على طبيعة المنهج الذي يسعى الخلفاء إلى تربية أولادهم عليه:
"أقرئه القرآن، وعرفه الآثار، وروه الأشعار، وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم منها فائدة تفيده إياها من غير أن تخرق به فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أبى فعليك بالشدة والغلظة".
إنه منهج متكامل للتربية الأرستقراطية في أوج الحضارة الإسلامية يؤكد على العلوم الدينية بالدرجة الأولى، ثم التاريخ، الأدب، الأحكام الشرعية واللغة، احترام الرابطة العائلية، احترام رصيده العسكري من القادة، كما يؤكد على أهمية الزمن وعدم إضاعته، وعدم الكبت والتشدد مع الأبناء، وأخيرًا مبدأ الثواب والعقاب.
إذن فالحقبة الممتدة بين الهجرة النبوية وتدوين الحديث في القرن الثالث الهجري تميزت تربويًّا بالوضوح والاستقرار والبعد عن التنظير، وظلت كذلك حتى بدء المرحلة الثانية من مراحل تطور الفكر التربوي الإسلامي نتيجة للفتوحات شرقًا وغربًا، واتساع العمران وارتفاع شأن الحضارة؛ مما أدى إلى تنظيم أمر التربية التي خرجت من نطاق البيت والمسجد إلى مجال المدرسة، حيث يقوم على أمر التربية معلمون احترفوا هذه الحرفة، واختصوا بهذه الصناعة، ونشأت بذلك ثلاثة أنواع من المؤسسات التربوية: الكتاب – المسجد - المدرسة، يقوم بالتعليم فيها معلمون على درجات متباينة، منهم كبار المؤدبين لأبناء الخلفاء والأمراء، ثم المؤدبون في المساجد الكبيرة، ثم معلمو الكتاتيب.
في العصور الوسطى :
ولما كان العلماء في العصور الوسطى يحرصون على الإلمام بجميع فروع المعرفة -في ذلك الوقت- ليتميزوا عن غيرهم وهو ما يعرف بـ: "العالم الشامل" أو ما يسمى اليوم العالم الموسوعة، فقد كانت التربية آخر العلوم التي كتبوا فيها، ولعل ذلك يرجع إلى المكانة الاجتماعية المتدنية التي كان يحتلها معلمو الكتاتيب في ذلك الزمان.
فالشيخ الرئيس ابن سينا الذي اشتهر أمره في الطب كان يضرب في كل فروع المعرفة, فهو الحكيم النطاسي، العالم النفسي، اللغوي الناجح والمربي الكبير، بل لم تخل مؤلفاته من الخوض في الموسيقى وفنونها.
أعلام التربية :
عند المسلمين الأوائل بدأ الاهتمام بالتربية الإسلامية كعلم له خصوصياته منذ فترة مبكرة في عهد الدولة الإسلامية، واحتلت نظريات التربية جانبًا مهمًا من كتب ومصنفات كبار العلماء المسلمين، بالإضافة إلى اهتماماتهم ببقية فروع المعرفة من علوم دينية وتاريخ وفلك وكيمياء ورياضيات وغيرها.
ومن هؤلاء الأعلام:
1- أسد بن الفرات بن سنان (ت 213 هـ) هو الأمير القاضي السمح تلميذ مالك بن أنس.
2- ابن مسكويه (ت 241هـ/ 855م) الشيخ أبو علي أحمد بن محمد.
3- ابن سحنون (ت 256هـ/ 869م) محمد بن سحنون بن سعيد التنوخي.
4- القابسي (ت 324هـ/ 935م) أبو الحسن علي بن محمد المعافري وهو تلميذ ابن سحنون.
5- ابن جماعة (ت 373هـ/ 983م) عاش معظم عمره في الأندلس.
6- ابن سينا (ت 370هـ/ 980م) الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا.
7- الغزالي (ت 505هـ/ 1111م) الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الفيلسوف المتصوف.
8- ابن خلدون (ت 809هـ/ 1406م) الوزير، السفير، القاضي عبد الرحمن بن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة ومؤسس علم الاجتماع الحديث.
محمد بن سحنون :
صاحب كتاب "آداب المعلمين" هو محمد بن عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، لقب بسحنون لشدة ذكائه، ولد ابن سحنون سنة 203هـ بمدينة القيروان التونسية، كان أبوه سحنون تلميذًا لأسد بن الفرات، تفقه محمد على يدي أبيه وحفظ القرآن الكريم وكعادة علماء عصره كان ابن سحنون كثير الوضع للكتب غزير التأليف، ألف في جميع فنون العلوم كتبًا تنتهي إلى المائتي كتاب، ولعل أشهرها مخطوطاته آداب المعلمين، والتي قام بتحقيقها أكثر من باحث، منهم الدكتور محمد عبد المولى في كتابه آداب المعلمين، تونس 1969م.
وهذه أهم آراء ابن سحنون في تربية المتعلمين :
- الأولوية لتعليم القرآن الكريم وحث المعلمين على العمل بما جاء فيه.
- العدل بين الصبيان وعدم التمييز بينهم (الفقير والغني) وهذا ما فطنت إليه النظريات التربوية الحديثة.
- جواز تأديب الصبية إذا ما خالفوا وفق شروط محددة (مبدأ الثواب والعقاب).
- لا يشغل المعلم وقته بغير تعليم الصبية الوقت المحدد للتعليم ولا يعمل عملاً آخر.
- لا يجوز الجمع بين الذكور والإناث في التعليم في مكان واحد.
القابسي (ت 324هـ / 935م) :
صاحب الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين والمعلمين، ولد في القيروان بتونس، وأخذ الكثير عن ابن سحنون وترك الكثير من المؤلفات والمخطوطات أشهرها الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين، ومما نادى به القابسي في الميدان التربوي:
- الغرض من تعليم الصبيان هو معرفة الدين علمًا وعملاً وتعليم الدين لا يتيسر إلا بمعرفة المبادئ التي تكتسب بالتعليم كالقرآن والكتابة، ومن هنا اتصل التعليم عند القابسي بالدين اتصال الوسيلة بالغرض.
- نادى بإلزامية التعليم أخذًا بالحديث النبوي "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري. وساعده في ذلك تطوع الأمراء والأغنياء في زمانه بالإنفاق على الكتاتيب وإجراء الأموال عليها لتستمر في الحياة.
- وجوب التعليم للجميع (أولاد وبنات) لأن المؤمنين والمؤمنات مكلفون جميعًا بنص القرآن.
- عدم الجمع بين البنين والبنات في فصل واحد "من صلاحهم ومن حسن النظر لهم لا يخلط بين الذكور والإناث" وهو بذلك متأثر بأستاذه سحنون الذي قال: "أكره للمعلم أن يعلم الجواري ويخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فساد لهن".
- التعطيل يوم الجمعة والأعياد: إن إجازة الأولاد يوم الجمعة أمر مستحب؛ لأن ذلك سنة المعلمين منذ كانوا، أما بطالة الأولاد يوم الخميس فهذا بعيد، وكذلك بطالة الأعياد على العرف المشتهر المتواطأ عليه ثلاثة أيام في الفطر وخمسة أيام في الأضحى.
- عقاب التلميذ: يرى القابسي أن الضرب إنما يكون من المعلم الجافي الجاهل، وهو ينهى عن الضرب والمعلم غضبان، والضرب على التعليم إنما هو عن كثرة الخطأ من الصبيان.
وهكذا نرى أن القابسي حصر الغرض من التعليم في معرفة الدين علمًا وعملاً دون النظر إلى نواحي المعيشة، وهذا ما يتعذر قبوله في الوقت الحاضر، حيث هذا الكم الهائل من المعرفة التي تتضاعف كل فترة وهذه الأدوات والآلات التي تشاركنا حياتنا ومعاشنا، بل تشاركنا أجسادنا أحيانًا، مما يتوجب معه الإلمام بكل الوسائل والتقنيات التي نحيا بفضلها، كما أصبح ينظر للتربية على أنها عملية استثمارية ذات مردود، فمع ارتفاع تكاليف التعليم ينظر أولو الأمر إلى استرداد هذه الأموال من عائدات ونتائج هذا التعليم.
ابن سينا (ت 370هـ/ 980م) :
ولد أبو علي الحسين عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا في إحدى مدن خراسان، حيث كان والده عاملاً على بعض جهاتها، وكان يعقد في بيتهم ندوات لصفوة العلماء المفكرين، فكان يستمع إليهم وهم يتذاكرون ويتنافسون ويتنقلون من الدين إلى الفلسفة، ومن الفلسفة إلى الحكمة، ومن الحكمة إلى المنطق، وكان أبوه من الإسماعيلية له تعلق بالفلسفة.
درس الطب في سن مبكرة ونبغ فيه ولا يطلب عليه أجرًا، كما تفوق في الفلسفة والمنطق والهندسة والجغرافيا، تنقل ابن سينا من بخارى إلى خوارزم إلى الري ثم إلى همذان ومنها إلى أصفهان، وتولى عدة مناصب مهمة كوزير لشمس الدولة صاحب همذان وعمل مستشارًا للأمير جعفر أمير أصفهان ونديمًا له.
ألف ابن سينا مائتين وستة وسبعين كتابًا أشهرها على الإطلاق كتاب القانون في الطب، وكتاب الشفاء في المنطق والطبيعيات والفلسفة، وتراجم آراء أرسطو وأفلاطون، وكتاب السياسة في التربية.
اتصل ابن سينا بكثير من علماء عصره ابن نسكويه "البيروني"، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني، يقولون الحكماء أربعة: اثنان قبل الإسلام وهما أفلاطون وأرسطو واثنان في الإسلام أبو نصر الفارابي وأبو علي بن سينا.
آراؤه في التربية :
- أن يكون التعليم جميعًا في المدارس لا فرديًّا؛ لأن انفراد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب لضجرهما، ولأن الصبي عن الصبي ألقن وهو منه آخذ وبه آنس، ولأن التعليم الجمعي من أسباب المباراة والمساجلة والمحاكاة.
- تبدأ تربية الصبي منذ نعومة أظفاره؛ إذا فطم من الرضاع بدئ بتأديبه ورياضة أخلاقه، قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة.
- أول ما يتعلم الصبي، إذا اشتدت مفاصله واستوى لسانه وتهيأ للتلقين: القرآن الكريم لما فيه من صور الحروف، معالم الدين، القصص الخلقية والأحكام.
- مسايرة ميول الصبي وتوجيهه إلى الصناعة والمهنة التي تتفق مع ميوله، "ينبغي لمدبر الصبي إذا رام اختيار الصناعة أن يزن أولاً طبع الصبي ويسبر قريحته ويختبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب ذلك".
وهذا ما يعمل في الدول المتقدمة في الوقت الحاضر، حيث تجرى للأولاد اختبارات الذكاء واختبارات الميول والقدرات وحسب احتياجات الدولة من مهنيين وفنيين وفق خطط مرسومة مدروسة.
- مبدأ الثواب والعقاب: ويكون ذلك بالترغيب والترهيب، والإيناس والإيحاش، والحمد مرة والتوبيخ مرة أخرى، والضرب بعد الترهيب.
صفات المعلم عند ابن سينا :
ينبغي أن يكون مؤدب الصبي عاقلاً ذا دين، بصيرًا برياضة الأخلاق، صادقًا بتخريج الصبيان، وقورًا رزينًا بعيدًا عن الخفة والسخف، لبيبًا قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي، ذا مروءة ونظافة ونزاهة، فالمؤدب قدوة يقتدى به.
هذا ما رآه الشيخ الرئيس ابن سينا أحد أئمة الفكر والتربية في الإسلام وعلم من أعلام المجتمع الإسلامي في القرن الرابع الهجري.
التربية عند ابن خلدون :
ولد عبد الرحمن بن خلدون في تونس في غرة رمضان سنة 732 هـ الموافق 27 مايو 1322م وتوفي سنة 1406م عن 74 سنة، نشأ بين أسرة عريقة في الشرف والرياسة والعلم والسياسة، أجاد أصول الفقه على مذهب مالك وتعمق في الفلسفة والمنطق، ونبغ في كل ما تعلمه وهولم يبلغ العشرين، حتى أقر له أساتذته بالعبقرية.
تولى عدة مناصب سياسية في تونس ثم رحل إلى تلمسان ومنها إلى المغرب والأندلس عند بني الأحمر ملوك غرناطة، وضع مقدمته الشهيرة أثناء إقامته في المغرب وله مؤلفات أخرى كثيرة، قام بالتدريس في الأزهر أثناء إقامته في مصر وكان قاضيًا للمالكيين في مصر.
وصفه معاصره الأديب الوزير لسان الدين بن الخطيب فيقول: كان ابن خلدون رجلاً فاضلاً، حسن الخلق، جم الفضائل، ظاهرالحياء، عزوفًا عن الضيم، صعب المقادة، سديد البحث، كثير التحفظ وبارع الخط.
- التربية تستهدف غرضين: غرض ديني ويقصد به العمل للآخرة حتى يلقى العبد ربه، وغرض دنيوي والهدف منه نفعي من الدنيا.
- العلوم عنده قسمان: علوم دنيوية تتخذ آلة للمهارة في العلوم السابقة كالمنطق والحساب، بالإضافة إلى العلوم العقلية كالطب والكيمياء والفلك.
- ينبغي أن يراعى في التدريس التدرج والتكرار والإجمال في البدء ثم التفصيل.
- الانتفاع بوسائل الإيضاح والرحلات في تبسيط الدروس.
- تجنب المختصرات في التعليم لأن في ذلك إفسادًا وإخلالاً وتضييعًا للمتعلم وهي ترهق العقل وتشوش نظامه، كما أن هذه الطريقة تنفر المتعلمين من البحث والتنقيب وتبعدهم عن الرغبة في القراءة والاطلاع.
- عدم الخلط بين علمين في وقت واحد.
- ضرورة الاتصال بمجالس العلم.
- استعمال الشفقة في معاملة الأطفال أثناء تهذيبهم.
- تقوية الصلة بين الأساتذة والتلاميذ: كصلة الآباء بأبنائهم ولا يكون ذلك إلا إذا أحب تلاميذه ودرس غرائزهم وميولهم.
- أن يكون المربي قدوة حسنة: لا يستحق لقب "معلم" إلا الرجل الكامل الذي يترفع عن الدنايا ويربأ بنفسه عن فعل القبيح لأن عليه النهوض برجال الغد.
- تدريس العلوم باللغة الأصلية: وقد كثرت مراكز الترجمة في عهد ابن خلدون التي ترجمت الكثير من اللغات الهندية والفارسية والرومانية إلى العربية، وقد ساعد على ذلك أن اللغة العربية لغة مرنة غنية بالمفردات تستطيع أن تستوعب كل مصادر الثقافة من طب وصيدلة وكيمياء واقتصاد وفلسفة.
دار الحكمة :
ولو قارنا هذه المبادئ بالنظريات التربوية الحديثة لوجدنا تطابقًا في كثير من الآراء.
ونحن نصل إلى نهاية القرن الرابع الهجري، فلن ننسى الدور الكبير الذي قامت به "دار الحكمة" التي أسسها الخليفة العباسي المأمون (217هـ/ 832م) وأثرها على الفكر التربوي عند المسلمين بما جلبته من علماء ومترجمين من "اديسا" و"نصيبين" و"جنديسابور" في مجالات الطب والرياضيات والفلسفة وغيرها، وكانت مكتبة دار الحكمة تحوي آلاف المخطوطات، حركة الترجمة هذه قد بدأت منذ عهد الخليفة خالد بن يزيد بن معاوية المعروف بحكيم آل مروان.
ثم حلت محلها المدرسة النظامية في مراحل لاحقة 1067م وهي تمثل ظاهرة جديدة في العلاقة بين الدولة والتعليم، فقد كانت المدرسة النظامية نموذجًا للمؤسسة التربوية الموضوعة في خدمة الدولة والموجهة أصلاً لخدمة أغراضها السياسية، وكان من أشهر أساتذة المدرسة النظامية الإمام أبو حامد الغزالي.
وقد قسم علماء التربية المحدثون الفكر التربوي الإسلامي من هجرة الرسول حتى القرن الرابع الهجري إلى ثلاثة تيارات هي:
1- التيار المحافظ: وهو يقوم العلوم تقويمًا دينيًّا محضًا وقد مثل هذا التيار الإمام الغزالي، والشيخ الطوسي، وابن جماعة الأندلسي.
2- التيار المنفتح على الفكر الإغريقي: ومثل هذا التيار جماعة إخوان الصفا وابن مسكويه.
3- التيار الذرائعي: وهو الهدف الذي يتوسل به إلى بلوغ شيء آخر وتزعم هذا التيار المفكر المسلم ابن خلدون.
علينا أن ننظر إلى أفكار هؤلاء العلماء جميعًا بمنظار العصر الذي عاشوا فيه، وأنهم بذلك الطلائع التربوية التي تقتحم مجاهل الطريق وأنهم اتفقوا جميعًا على أن الأسس النفسية للتعلم في التربية الإسلامية تتشعب إلى ثلاثة اتجاهات منفصلة هي:
أولاً: أركان عملية التعلم:
ومنها التهيؤ النفسي للتحصيل، والإدراك، والخبرة، ومرحلة النمو والقدرة على التعلم, أي مراعاة سن المتعلم، ثم اللغة ودورها كوسيلة تربوية.
ثانيًا: طريقة التعليم:
(أول من تنبه لها ابن خلدون) تقريب المعرفة إلى إدراك المتعلم مع الأخذ بعين الاعتبار علم المتعلم ونضجه اللغوي والعقلي، واستعمال أسلوب المطارحة والمناظرة والمحاورة لأنها تهيئ للمتعلم فرص الجرأة والثقة بالنفس.
ثالثًا: المهنة التعليمية:
نادوا بمعرفة طبيعة الطفل وإمكاناته للتعلم، كما حددوا مسئولية المعلم وفرقوا بين التربية والتعليم وعرفوا أن التربية أكبر من التعليم وأشمل منه، لذلك لا بد أن يضاف للعلم فن التربية، وقرروا أن السن المناسبة لبدء التعليم هي سن السادسة، وأدركوا أهمية اللعب والترويح عن النفس بين المعلم والتلميذ، وهذه المبادئ هي التي تنادي بها التربية الحديثة.
مسئوليات تربية الأبناء في القرن العشرين :
في أكثر من مؤتمر وفي أكثر من لقاء أجمع كثير من المربين وعلماء المسلمين على مسئوليات تربية الأبناء وتعليمهم لمواجهة تحديات العصر ومطالب الحياة والتقدم العلمي والتكنولوجيا ومواجهة الاتهامات التي يبثها أعداء الإسلام الذين يتربصون بنا.
ولقد تم ترتيب هذه المسئوليات كالتالي:
1- مسئولية التربية الإيمانية ومطالبها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، البعث، الحساب، الجنة والنار، وأركان الإسلام، ومبادئ الشريعة الإسلامية، وتقع مسئوليتها على دروس التربية الإسلامية في المدارس والمساجد.
2- مسئولية التربية الخلقية ومطالبها: تخليق الأولاد منذ الصغر على الصدق، الأمانة، الاستقامة، الإيثار، احترام الكبير، احترام الجار، وغيرها من القيم الإسلامية السامية، وتنزيه الألسن عن السباب ومحاربة ظواهر الكذب، السرقة، الميوعة والانحلال.
3- مسئولية التربية الجسمية ومطالبها: أن ينفق الآباء على أولادهم وأن يتبعوا القواعد الصحية في المأكل والمشرب والنوم، ومعالجة المرض بالتداوي، وألعاب الفروسية، وممارسة الرياضة، تعويدهم على حيادة الجد والرجولة، ومحاربة ظواهر التدخين والمسكرات، المخدرات، الزنا واللواط، وتقع مسئوليتها على الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام من صحف ومجلات وتلفزيون.
4- مسئولية التربية العقلية ومطالبها: تعليم العلوم الدينية والشرعية والحياتية، والعلوم العقلية كالحساب والتاريخ والكيمياء والفيزياء، تحديث المدارس لتشمل مرافق تخدم هذه العلوم.
5- مسئولية التربية النفسية ومطالبها: تنمية القيم الإيجابية التي تساعد على خلق المواطن الصالح مثل الجرأة، الصراحة، الشجاعة، حب الخير للآخرين، الانضباط عند الغضب، تحرير الأولاد من مظاهر الخجل، الخوف، الشعور بالنقص وظاهرة الحسد.. إلخ.
6- مسئولية التربية المهنية ومطالبها: التوسع في إنشاء المدارس المهنية مثل الزراعية، التجارية، الصناعية والتكنولوجية لمواجهة تحديات العصر وحاجات المجتمع، كذلك إجراء اختبارات القدرات والمهارات والاستعدادات والميول، وقد أصبح للتوجيه الفني والمهني أسسه وقواعده كعلم مستقل يلبي مطالب الفرد وحاجات المجتمع ويوجهها الوجهة الصحيحة.
كلمة أخيرة :
مهما يكن من أمر، ومهما يكن من اختلاف بين المذاهب التربوية فهناك حقيقة أن الإسلام وحده هو القوة المنسقة والمقربة بين أفكار المربين الإسلاميين، وأن الإسلام وحده هو المسئول عن التشابه العظيم الذي كاد أن يكون تطابقًا في الأهداف التي توخوها وفي طرق التعلم التي مارسوها.
وعلينا أن نكون حذرين من أولئك الذين يحملون معاول الهدم، ويضربون بها أسس حضارتنا تحت شعارات مكافحة الأصولية والعنصرية، بل وما يدعون إنه إرهابًا، ويمارسون أبشع ألوان العنصرية والاضطهاد باسم الديمقراطية والعولمة وحقوق المرأة التي أعطاها الإسلام أكثر بكثير مما يدعون أنهم أعطوه لها.
الخوف كل الخوف من أولئك المتنطعين الذين يتغنون بالحضارة الغربية ورموزها، ولا يرون إلا حضارة البعد عن القيم والمشاعر.
وإن سألت من هؤلاء؟ نقول: قال رسول الله : "هم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها", فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا", رواه البخاري.
فالتربية الإسلامية عملية إعداد للإنسان بتثقيفه ورعايته وإصلاح شأنه وتعهده.
من أقوالهم :
- قال الرسول : "لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع", رواه الترمذي.
- "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة", رواه مسلم عن أبي هريرة.
- يجب مراعاة التدرج والتكرار في التدريس, لا بد من دراسة نفسية الأطفال ومعرفة درجة استعدادهم. "ابن خلدون"
- يجب مراعاة الفروق الفردية بين الأفراد في التعليم ومسايرة ميول الصبي وتوجيهه إلى الصناعة أو المهنة التي تتفق مع ميوله. "الشيخ الرئيس ابن سينا"
- التعليم للجميع البنين والبنات، لأن المؤمنين والمؤمنات مكلفون جميعًا حسب نص القرآن. "القابسي"
- العدل بين الصبيان وعدم التمييز بينهم الفقير والغني، الأمير والأجير في قاعات الدروس. "ابن سحنون"
- لا يكتسب المتعلم شيئًا لا يفهمه، مطالعة ساعة خير من تكرار شهر. "الطوسي"
- لقد كان دين محمد موضع تقدير سام، لما ينطوي عليه من حيوية مدهشة، وأنه الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لأطوار الحياة المختلفة، أرى واجبًا أن يُدعى محمد منقذ الإنسانية، وأن رجلاً على شاكلته لو تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشاكله.
المصدر: مجلة الوعي - العدد 519.
المصدر: موقع التاريخ.