[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
معركة موهاكس وقعت سنة (932هـ/1526م) بين الخلافة العثمانية بقيادة سليمان القانوني, وبين مملكة المجر بقيادة فيلاد يسلاف الثاني جاجليو, وانتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا؛ مما أدَّى إلى ضم المجر إلى الدولة العثمانية.
أسباب معركة موهاكس
كان ملك المجر فيلاد يسلاف الثاني جاجليو قد عزم على نقض أي تعهدات كانت قد أُعطيت من قِبل أسلافه لسلاطين الدولة العثمانية، وذهب إلى حدِّ قتل مبعوث السلطان سليمان إليه، وكان المبعوث يُطالب بالجزية السنوية المفروضة على المجر, ولهذا ردَّ سليمان بغزوة كبيرة ضد المجر.
التحرك لمعركة موهاكس
سار السلطان سليمان من إستانبول في (11 رجب 932هـ/23 إبريل 1526م) على رأس جيشه، الذي كان مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة، حتى بلغ بلجراد، ثم تمكَّن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر؛ بفضل الجسور الكبيرة التي تمَّ تشييدها.
وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة وصل إلى "وادي موهاكس" بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا ألف كيلومتر من السير، وهذا الوادي يقع الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست، وكان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو مائتي ألف جندي، من بينهم 38 ألفًا من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا، ويقود هذه الجموع الجرارة الملك "فيلاد يسلاف الثاني جاجليو".
اللقاء المرتقب
وفي صباح يوم اللقاء (21 ذي القعدة 932هـ/29 أغسطس 1526م) دخل السلطان سليمان بين صفوف الجند بعد صلاة الفجر، وخطب فيهم خطبة حماسيَّة بليغة، وحثَّهم على الصبر والثبات، ثم دخل بين صفوف فيلق الصاعقة، وألقى فيهم كلمة حماسية استنهضت الهمم، وشحذت العزائم، وكان مما قاله لهم: "إن روح رسول الله تنظر إليكم". فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثُّرًا مما قاله السلطان.
وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني، الذي اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه مدافعه الجبارة وجنوده من الإنكشاريين في الصف الثالث، فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام، أمر السلطان صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل، حتى إذا وصلوا قريبًا من المدافع، أمر السلطان بإطلاق نيرانها عليهم..
فحصدتهم حصدًا، واستمرَّت الحرب ساعة ونصف الساعة، في نهايتها أصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ، بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك فيلاد يسلاف الثاني جاجليو وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفًا، في حين كانت خسائر العثمانيين مائة وخمسين شهيدًا، وبضعة آلاف من الجرحى.
نتائج معركة موهاكس
كانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد أطرافها على هذا النحو من مصادمَة واحدة، وفي وقت قليلٍ لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة. وبعد اللقاء بيومين في (23 ذي القعدة 932هـ/31 أغسطس 1526م) قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته، وقام القادة بدءًا من الصدر الأعظم بتقبيل يد السلطان.
ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل الطونة الغربي، حتى بلغ بودابست عاصمة المجر، فدخلها في (3 ذي الحجة 932هـ/10 سبتمبر 1526م)، وشاءت الأقدار أن يستقبل في هذه المدينة تهاني عيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلجراد في أثناء حملته الظافرة.
مكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يومًا يُنَظِّم شئونها، وعَيَّن "جان زابولي" أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر، التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده، بعد أن دخلت المجر في سلطان الدولة العثمانية.
المصدر: كتاب (أيام لا تنسى.. صفحات مهمة من التاريخ الإسلامي) تأليف تامر بدر، تقديم: الدكتور راغب السرجاني، دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1432هـ/2011م.