[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
سقوطجزيرة ميورقة الأندلسية كان في 13صفر 627هـ، حيث استولى الصليبيون على المدينة فيمناظر مروعة من السفك, وقد ارتكبوا مجزرة بشعة أزهقوا فيها أرواح ثلاثين ألف مسلم,وتم القبض على الوالي أبي يحيى وأمر بسجنه وتعذيبه حتى الموت, ولكن ما هي الأسبابالتي أدت لسقوط جزيرة ميورقة؟ وماذا كان دور المسلمين في الأندلس من ذلك؟
المكان: جزيرة ميورقةالأندلسية - شرق الأندلس.
الموضوع:الصليبيون في الأندلس يشنون حملة صليبية للاستيلاء على جزر الأندلس الشرقية.
الأحداث:
الملوك الثلاثة:
عندمااشتعل ميزان الفتنة في ربوع الأندلس في مطلع القرن السابع الهجري وجد صليبيو إسبانيافي ذلك فرصة هائلة لا تفوت من أجل استرداد حكم الصليب مرة أخرى على الأندلس, وكانتإسبانيا النصرانية في هذه الفترة تخضع لحكم ملوك ثلاثة وهم "خايمي الأول"ملك أراجون ويسيطر على ناحية الشرق, و "فرناندو الثالث" ملك قشتالةويسيطر على وسط الأندلس, و "ألفونسو التاسع" ملك ليون ويسيطر على ناحيةالغرب, وكل واحد من هؤلاء الملوك الثلاثة يتربص بالمسلمين من جهته ويترقب الفرصالمواتية للانقضاض عليهم وساعدهم على ذلك الحالة المزرية من التفرق والتشرذم التيأصابت المسلمين وانهيار السلطة المركزية المتمثلة في دولة الموحدين.
خايمي الأول وجزيرة ميورقة:
كانتجزيرة ميورقة واقعة في دائرة الأطماع الصليبية من ناحية الشرق أي ملك أراجون "خايميالأول" وميورقة واحدة من جزائر الأندلس الشرقية المعروفة باسم جزر البليار,وهي ثلاثة جزر: ميورقة ومنورقة ويابسة, وتعتبر ميورقة أكبر هذه الجزر وعاصمتها,وكان الوالي عليها هو أبو يحيى الموحدي وكان خايمي الأول يحلم بضم هذه الجزرلمملكته أراجون, على أساس أنها الامتداد الطبيعي للناحية الشرقية التي يفترض أنهالموكل من قبل الصليبيين في أوربا كلها وليس إسبانيا وحدها بفتحها والسيطرة عليها.
وكانأمراء إيطاليا وفرنسا وبابا روما كبير الصليبيين وقتها كلهم يتوقون دائمًا ومنذزمن بعيد لاحتلال تلك الجزائر الأندلسية وذلك منذ أيام أمير البحار الكبير "مجاهدالعامري" والذي دوخ تلك الممالك إغارة وحربًا في مطلع القرن الخامس الهجريحتى إنه استطاع أن يحتل جزيرة سردينية ويهدد قلب أوربا نفسه, وكان بابا روما يشجعويبارك كل مشروع لافتتاحها وقد افتتحها النصارى بالفعل مرة سنة 508هـ في أوائلالعهد المرابطي ولكن استعادها المرابطون سريعًا وظلت هذه الجزر مصدر تهديد دائملأوربا, حتى إن أمراء أوربا كانوا حريصين على مهادنة حكام تلك الجزر الهامة لشدةبأسهم وتحكمهم في الممرات المائية إلى شرق الأندلس, ولما هاجت الفتنة بالأندلسوتفرق صف المسلمين وذهب ريحهم وجد الصليبيون في ذلك فرصة سانحة لاجتثاث تلك الجزرالطيبة.
الطابع الصليبي للحملة:
أخذخايمي الأول في التفكير في كيفية الإعداد لتلك الحملة خاصة أن تكلفتها ستكون باهظةوهداه تفكيره الشيطاني لاستدعاء مجلس الرهبان الإسباني المعروف باسم "الكوريتس"وعرض عليهم مشروعه لغزو جزيرة ميورقة وطلب منهم سن ضريبة جديدة على المؤمنين!!لتمويل الحملة ولاقت الفكرة قبولاً كبيرًا عند الرهبان والقساوسة وسنوا له ضريبة وعرضأكابر الأحبار والرهبان الاشتراك بأنفسهم في القتال نصرة للصليب!! وعرض أيضًاأكابر الأشراف الاشتراك في القتال فوافق خايمي على ذلك كله وتعهد أمامهم بتقسيمالغنائم المكتسبة بالعدل والقسطاس وأقسم الجميع على الوفاء بالعهد.
وفي14شوال سنة 626هـ خرجت الحملة الصليبية مكونة من 155 سفينة حربية وحوالي 16500مقاتل بين فارس وراجل هذا عدا حشود المتطوعين النصارى الذين جاءوا من جندة "بإيطالياالآن".
اتحاد الصليبيين وتفرق المسلمين:
فيهذا الوقت الحرج كان يفترض على المسلمين أن يكونوا يدًا واحدة وعلى قلب رجل واحدلمواجهة اتحاد الصليبيين وعدوانهم المقبل على البلاد المسلمة ولكن هيهات أن تتفقالدنيا مع الآخرة ومن يطلبون متاع الأولى مع خطاب الثانية, ففي الوقت الذي وصلتفيه أخبار الحملة الصليبية إلى مسامع والي ميورقة أبي يحيى وأثناء استعداده للدفاععن المدينة والجزيرة وتجهيزه للجيش المسلم, إذ بمجموعة من أعيان الجزيرة يدبرون فيالخفاء محاولة للانقلاب عليه والإطاحة بحكمه, وعلم الوالي بخبر المحاولةالانقلابية فقبض على المتآمرين وأعدمهم فورًا مما أسخط أهلهم وعشائرهم عليه, وكانمن الأفضل عدم إعدامهم حتى لا يضطرب الناس وتثور العصبيات, وهذا من فقه التشريع الحكيمألا يقام حد أثناء الحروب, وقبض الوالي على خمسين من الثائرين وأغلبهم من العشائرالكبيرة فاضطرب صف المسلمين جدًّا وكثر الإرجاف ولم يمض على ذلك يومان أو ثلاثةحتى أقبلت سفن النصارى وظهرت, فبادر أبو يحيى برأب الصدع بالعفو عن خصومه, ولكنبعدما امتلأت القلوب إحنًا وضغائن.
الانتصار المؤقت:
دخلتالسفن الصليبية مياه الخليج بسرعة كبيرة ولم تستطع القوة المسلمة المكلفة بحمايةالخليج بمنعها, وكان أول من نزل إلى البر قوة صليبية مكونة من سبعمائة فارس وتحصنتبإحدى التلال ثم تبعتها قوة من فرسان "دي مونكادا" وهو من كبار أشراف إسبانياوقد اشترك بمجموعة كبيرة من الفرسان وقد تكفل هو بتمويلهم خدمة ونصرة للصليب!!
وقعتأول معركة بين المسلمين والنصارى عند التلال بعد أن استجمع المسلمون قواهمالمرابطة على الشاطئ وانقضوا على الصليبيين فهزموهم هزيمة شديدة وقتل منهم عدد منالأشراف والفرسان وفي مقدمتهم الصليبي المشهور "جلين دي مونكادا" وأخوهرامون وهرعت أمداد من الصليبيين لإنجاد المهزومين وكان مقتل دي مونكادا سببًالمجزرة مروعة سيقوم بها الصليبيون عند الاستيلاء على الجزيرة.
سقوط المدينة:
بعدهذه الهزيمة المؤقتة للصليبيين اشتعلت قلوبهم نارًا وحقدًا على أهل الجزيرةالمسلمين وضربوا حصارًا مرهقًا على المدينة, ورد المسلمون على ذلك بأن دفعوا قوةمسلمة حاولت أن تقطع إمدادات المياه عن المعسكر الصليبي ولكن الهجوم فشل وقتل معظمأفراد القوة, وقام الصليبيون بقطع رءوسهم وألقوها داخل المدينة ليدب الرعب في قلوبأهلها.
رغممحاولات الوالي أبي يحيى من رأب الصدع كما قلنا بالعفو عن خصومه إلا أن كثيرًا منالمدافعين كان ساخطًا عليه وفر كثير منهم من المدينة وتخلوا عن مواقعهم نكاية فيالوالي, وهذا يدل على الجهل والضلال المبين إذ أنهم بذلك ينكون دينهم وأمتهمبتسهيل السبيل أمام الأعداء لأن يحتلوا بلاد الإسلام وينتهكوا حرماته.
شجعهذا الانسحاب الصليبيين لأن يضغطوا على المدينة أكثر فأكثر وشعر الوالي بخطورةالموقف وخاف من استباحة المدينة فأرسل إلى خايمي الأول يعرض عليه أموالاً طائلةليرجع عن المدينة ولكن خايمي رفض, مما يوضح مدى البعد الديني لتلك الحملة وأنالهدف هو أخذ بلاد الإسلام وسفك دماء المسلمين.
بعدذلك الرفض عرض الوالي أبو يحيى على خايمي الأول تسليم المدينة على أن يسمح لأهلهابالخروج سالمين بأموالهم وأهليهم ولكن خايمي رفض أيضاً تحت ضغط الأشراف؛ لأنهمكانوا يريدون الانتقام لآل مونكادا والاستيلاء على غنائم المدينة وثرواتها.
بعدأن تأكد المسلمون من نية الصليبيين في الاستيلاء على المدينة بحد السيف استعدواللقتال حتى الموت ومن جانبهم عول النصارى على مهاجمة المدينة واقتحامها وفي يوم12صفر 627هـ الموافق 20 / 12 / 1229م استعد الجيش الصليبي للهجوم واستمع الجندللقداس الذي أقامه الرهبان والقساوسة, وعند الفجر بدأ الهجوم وأحدثوا ثلمة فيالسور واقتحموا المدينة فلقيهم المسلمون في داخلها ودارت حرب شوارع مريرة من شارعلآخر, وكان الوالي أبو يحيى على رأس المدافعين عن المدينة وهو يحثهم على الثبات,ودخل الملك خايمي نفسه أمام الجنود وهو شاهر سيفه.
المذبحة المروعة:
ولمالم يكن المسلمون على قلب رجل واحد بل أهواء شتى ومشارب ومطامع وضغائن وإحن ومثلهؤلاء لا ينتصرون ولا لعدوهم يقفون أو يثبتون فلم يمض سوى قليل حتى ظهر التفكيك فيصفوف المسلمين وأخذوا في الفرار بعشوائية, والصليبيون قد ركبوا أقفيتهم يمعنونفيهم قتلاً, واستولى الصليبيون على المدينة في 13صفر 627هـ في مناظر مروعة منالسفك, وقد ارتكبوا مجزرة بشعة أزهقوا فيها أرواح ثلاثين ألف مسلم, وتم القبض علىالوالي أبي يحيى وأمر خايمي بسجنه وتعذيبه حتى الموت, واستمر أبو يحيى تحت التعذيبالبشع طيلة خمسة وأربعين يومًا حتى مات رحمه الله, وأخذ ولده الصبي الصغير ونصرقسرًا وأصبح اسمه "دون خايمي".
وهكذافقد المسلمون جزيرة ميورقة الغنية الزاهرة كبرى الجزائر الشرقية بعد أن حكموهاأكثر من خمسة قرون وكان لافتتاحها رنة شديدة وفرحة كبيرة عند نصارى أوربا وأقامبابا روما قداسًا خاصًّا احتفالاً بسقوطها وعاد خايمي إلى مملكته أراجون مكللاًبغار الظفر بعد أن قضى في غزوته زهاء خمسة عشر شهرًا ولقب من ذلك التاريخ "بالفاتح".
كلذلك حدث وباقي المسلمين في الأندلس أو ما بقي من الأندلس مشغولين بالخلافاتالجانبية والصراعات الداخلية على الملك والرياسة وهكذا تضيع الأمم.
المصدر:موقع مفكرة الإسلام.