[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
يخوض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي معركة حقيقية أطلق عليها البعض مسمى "معركة الأمعاء الخاوية"؛ وذلك من أجل تحقيق مطالبهم المتمثلة في إغلاق ملف العزل الانفرادي للمعتقلين، والذي يقضي بموجبه أسرى مضى على عزلهم أكثر من 10 سنوات متتالية في زنازين انفرادية تفتقر لمقومات الحياة البشرية والنفسية والمادية، والسماح لأهالي أسرى قطاع غزة بزيارة أبنائهم في السجون، حيث حرموا من زيارتهم 6 سنوات متتالية، وتحسين الوضع المعيشي في السجون، وغيرها من المطالب التي تكفل لهم كرامتهم الإنسانية.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من شهر على بدء اعتصام الأسرى الفلسطينيين، فيما يدخل ثمانية أسرى آخرون في مقدمتهم الأسيران بلال ذياب وثائر حلاحلة، منتصف شهرهم الثالث في إضرابهم المفتوح؛ احتجاجًا على اعتقالهما الإداري دون تهم معلنة، إلا أن عدد الأسرى المضربين يتزايد يومًا بعد يوم، بإصرار وعزيمة من جانبهم على تحقيق مطالبهم، في ظل تجاهل وتعنت من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي ترفض تلبية مطالب الأسرى، وصمت عربي ودولي رهيب تجاه معاناة آلاف الأسرى في سجون الاحتلال.
ردة فعل
يرى المراقبون أن هذا الإضراب كانت له مقدماته، وأنه جاء كردة فعل على الممارسات الصهيونية العنصرية والعدوانية ضد الأسرى في سجون الاحتلال على مختلف انتماءاتهم، سواء فيما يتعلق بسياسة العزل الانفرادي، والاعتقال الإداري بدون محكوميات، ومنع التعليم الجامعي والتوجيهي، فضلاً عن الاعتداءات والاقتحامات لغرف وأقسام الأسرى، وعدم السماح بالزيارات العائلية وخاصة لأسرى قطاع غزة، واتباع سياسة التفتيش والإذلال لأهالي الأسرى خلال الزيارات على الحواجز، وعدم السماح للأسرى بإدخال الكتب والصحف والمجالات، وتعرض الكثير من الأسرى لعقوبات فردية وجماعية بهدف إذلالهم.
إضافة إلى استخدام السلطات الإسرائيلية للأسرى كحقول تجارب لتجريب الأدوية الجديدة المنتجة في مختبرات وزارة الصحة الإسرائيلية على أجسامهم، وقياس تأثيراتها على الوظائف الحيوية لأجسامهم، وهو ما حذرت من مخاطره عدة منظمات طبية ومؤسسات صحية وإنسانية، وثبت تعرض العديد من الأسرى له كان آخرهم الأسير زهير الإسكافي (28 عامًا) من مدينة الخليل، حيث تم اعتقاله منذ فترة طويلة وهو في كامل صحته العضوية والشكلية، وقد قام المحققون بحقنه بإبرة يراها لأول مرة قبل أن يتساقط شعر رأسه ووجهه بالكامل وإلى الأبد، وغيرها من المشكلات التي تؤكد ما يعانيه الأسرى في سجون الاحتلال.
تلاعب بالوقت
وعلى الرغم من تشكيل سلطات الاحتلال لجنة عسكرية للتعامل مع إضراب الأسرى، حيث قامت بزيارات للسجون المختلفة، إلا أن الردود الإسرائيلية على المطالب تتسم بالتأجيل، وهو ما رفضته قيادة الحركة الأسيرة، حيث أبلغت إدارة السجون بأنها لم توافق على المهلة التي طلبتها مصلحة السجون؛ لأنها اعتبرتها مجرد تلاعب بالوقت، وأنه ينبغي الإسراع في الاستجابة الجدية والصادقة لمطالب الأسرى، مؤكدة أن عدم الاستجابة العملية لهذه المطالب يعني أن نطاق الإضراب سيتسع بانضمام غالبية الأسرى له.
غير أن الموقف الإسرائيلي يظل رافضًا الاستجابة لكثير من مطالب الأسرى؛ مما يعرض حياة آلاف الأسرى الفلسطينيين للخطر، ولعل هذا ما أكده النائب العربي في الكنيست الصهيوني الطبيب أحمد الطيبي، قائلاً: إنه على الرغم من إعلان الأسرى مرارًا وتكرارًا إصرارهم على المضي قدمًا في إضرابهم مهما كلفهم ذلك من معاناة، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل تعنتها وتماطل في الاستجابة لمطالب الأسرى، مضيفًا: "نحن نستشعر قرارًا صهيونيًّا بالدفع بأحد الأسرى (بلال ذياب وثائر حلاحلة) للموت، ليرسلوا رسالة لباقي الأسرى المضربين في السجون الصهيونية"، بأن أوقفوا الإضراب.
هجمة شرسة
ويشير المحللون إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تسعى جاهدة لإنهاء هذا الإضراب، ليس خوفًا على حياة الأسرى الفلسطينيين، ولكن من أجل صورتها أمام العالم، بشرط عدم تقديم أية تنازلات أو الاستجابة للمطالبة المشروعة للأسرى، مشيرين إلى أن مصلحة السجون الإسرائيلية -ومن أجل تحقيق هذا الهدف- شنت هجمة شرسة ضد الأسرى المضربين، إضافة إلى القيام بحركة تنقلات واسعة في صفوفهم، كما سعت سلطات الاحتلال إلى استمالة أسرى من الجبهة الشعبية لفك إضرابهم، وأسرى آخرين لعدم الدخول في الإضراب، مقابل تحسين ظروف سجن من دون سجن آخر؛ وذلك بهدف شق صف الحركة الأسيرة من خلال جلوسها مع قيادات في السجون لها وزن واعتبار، ولكنها ليست قيادة الإضراب.
إضافة إلى امتناع مصلحة السجون عن صرف الأدوية للأسرى الذين يعانون من بعض الأمراض، طالما أنهم مشاركون في الإضراب، أو التضييق على البعض الآخر، وذلك كما حدث مع الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، الذي تشهد حالته تدهورًا مستمرًّا؛ بسبب رفض مصلحة السجون إعطاءه الملح، في مخالفة للقوانين الدولية التي تتيح للأسير المضرب عن الطعام تناول الملح لحفظ التوازن للجسم.
ضمير مغيب
وعلى الرغم من الفعاليات التي يقوم بها الفلسطينيون في قطاع غزة تضامنًا مع إضراب الأسرى في سجون الاحتلال، حيث يستمر عشرات المتضامنين "الغزيين" في إضرابهم المفتوح عن الطعام، إضافة إلى اتفاق الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، على تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، من خلال الجامعة العربية، وطرحها على الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة أن هؤلاء الأسرى اضطروا لخوض معركة "الأمعاء الخاوية" لوقف الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم، إلا أن هذه الفعاليات لم تجد صدى لها في الدول العربية والمجتمع الدولي، اللذين يقفان عاجزين أمام سياسة التعنت الإسرائيلي..
فضلاً عن ذلك فقد انشغل الإعلام العربي بدس الوقائع والبعد عن الحياد، متجاهلاً الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال في ظل تجاهل الإعلام الغربي لهذه المعاناة.
يبقى التأكيد على أن هؤلاء الأسرى الأبطال يسطّرون بمعاناتهم تاريخ أمة أَبَى بعض أبنائها الهوان والاستسلام.. ورفضوا عيشة الذل والاستعباد، في ظل غياب الضمير العالم الذي يقع تحت تأثير الضغوط الصهيونية والأمريكية.. إلا أننا نبقى مسئولين أمام الله -عز وجل- عن حياة هؤلاء الأسرى في حال تعرضهم لأذى؛ مما يوجب علينا نصرتهم ولو بالدعاء، من أجل حصولهم على حقهم في الحرية، أو على الأقل أن ينالوا بعض حقوقهم التي تكفلها لهم المواثيق والأعراف الدولية.
المصدر: موقع الإسلام اليوم.