[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الاسم: القس إسحاق هلال مسيحة.
المهنة: راعي كنيسة المثال المسيحي، ورئيس فخري لجمعيات خلاص النفوس المصرية بإفريقيا وغرب آسيا.
مواليد: 3/5/1953م – المنيا - جمهورية مصر العربية. ولدت في قرية البياضية مركز ملوي محافظة المنيا من والدين نصرانيين أرثوذكس، زرعا في نفوسنا -ونحن صغار- الحقد ضد الإسلام والمسلمين.
حين بدأت أدرس حياة الأنبياء بدأ الصراع الفكري في داخلي، وكانت أسئلتي تثير المشاكل في أوساط الطلبة، مما جعل البابا (شنودة) الذي تولّى بعد وفاة البابا (كيرلس) يصدر قرارًا بتعييني قسيسًا قبل موعد التنصيب بعامين كاملين -لإغرائي وإسكاتي فقد كانوا يشعرون بمناصرتي للإسلام- مع أنه كان مقررًا ألا يتم التنصيب إلا بعد مرور 9 سنوات من بداية الدراسة اللاهوتية.
ثم عيّنت رئيسًا لكنيسة المثال المسيحي بسوهاج، ورئيسًا فخريًّا لجمعيّات خلاق النفوس المصريّة (وهي جمعية تنصيرية قوية جدًّا، ولها جذور في كثير من البلدان العربية وبالأخص دول الخليج)، وكان البابا يغدق عليَّ الأموال؛ حتى لا أعود لمناقشة مثل تلك الأفكار، لكنّي مع هذا كنت حريصًا على معرفة حقيقة الإسلام، ولم يخب النور الإسلامي الذي أنار قلبي فرحًا بمنصبي الجديد بل زاد، وبدأت علاقتي مع بعض المسلمين سرًّا، وبدأت أدرس وأقرأ عن الإسلام..
وطُلب مني إعداد رسالة الماجستير حول مقارنة الأديان، وأشرف على الرسالة أسقف البحث العلمي في مصر سنة 1975م، واستغرقت في إعدادها أربع سنوات، وكان المشرف يعترض على ما جاء في الرسالة حول صدق نبوة الرسول محمد وأميته وتبشير المسيح بمجيئه.
وأخيرًا تمّت مناقشة الرّسالة في الكنيسة الإنجليكيّة بالقاهرة، واستغرقت المناقشة تسع ساعات وتركزت حول قضية النبوة والنبي ، علمًا بأن الآيات صريحة في الإشارة إلى نبوّته وختم النبوة به. وفي النهاية صدر قرار البابا بسحب الرسالة مني، وعدم الاعتراف بها. أخذت أفكر في أمر الإسلام تفكيرًا عميقًا حتى تكون هدايتي عن يقين تام، ولكن لم أكن أستطيع الحصول على الكتب الإسلامية، فقد شدّد البابا الحراسة عليَّ وعلى مكتبتي الخاصّة.
ولهدايتي قصة:
في اليوم السادس من الشهر الثامن من عام 1978م كنت ذاهبًا لإحياء مولد العذراء بالإسكندريّة، أخذت قطار الساعة الثالثة وعشر دقائق الذي يتحرك من محطة أسيوط متجهًا إلى القاهرة، وبعد وصول القطار في حوالي الساعة التاسعة والنصف تقريبًا ركبت الحافلة من محطة العتبة رقم 64 المتجهة إلى العباسية، وأثناء ركوبي في الحافلة بملابسي الكهنوتية وصليب يزن ربع كيلو من الذهب الخالص وعصاي الكرير، صعد صبيّ في الحادية عشرة من عمره يبيع كتيبات صغيرة فوزعها على كلّ الركّاب ماعدا أنا..
وهنا صار في نفسي هاجس: لمَ كل الركاب إلا أنا؟ فانتظرته حتى انتهى من التوزيع والجمع، فباع ما باع وجمع الباقي، قلت له: "يا بنيّ، لماذا أعطيت الجميع بالحافلة إلا أنا؟". فقال: "لا يا أبونا، أنت قسيس". وهنا شعرت وكأنّني لست أهلاً لحمل هذه الكتيّبات مع صغر حجمها {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]. ألححت عليه ليبيعني منهم فقال: "لا دي كتب إسلاميّة" ونزل. وبنزول هذا الصّبي من الحافلة شعرت وكأنّني جوعان وفي هذه الكتب شبعي، وكأنّني عطشان وفيها شربي.
نزلت خلفه، فجرى خائفًا منّي، فنسيت من أنا وجريت وراءه حتى حصلت على كتابين. عندما وصلت إلى الكنيسة الكبرى بالعباسية (الكاتدرائيّة المرقسيّة)، ودخلت إلى غرفة النوم المخصصة بالمدعوّين رسميًّا، كنت مرهقًا من السفر، ولكن عندما أخرجت أحد الكتابين وهو (جزء عم) وفتحته، وقع بصري على سورة (الإخلاص)، فأيقظت عقلي وهزت كياني. بدأت أرددها حتى حفظتها، وكنت أجد في قراءتها راحة نفسية واطمئنانًا قلبيًّا وسعادة روحية، وبينما أنا كذلك إذ دخل عليَّ أحد القساوسة وناداني: "أبونا إسحاق"، فخرجت وأنا أصيح في وجهه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، دون شعور منّي.
على كرسي الاعتراف:
بعد ذلك ذهبت إلى الإسكندريّة لإحياء أسبوع مولد العذراء يوم الأحد أثناء صلاة القداس المعتاد، وفي فترة الراحة ذهبت إلى كرسي الاعتراف؛ لكي أسمع اعترافات الشعب الجاهل الذي يؤمن بأن القسيس بيده غفران الخطايا. جاءتني امرأة تعض أصابع الندم، قالت: "إني انحرفت ثلاث مرات وأنا أمام قداستك الآن أعترف لك رجاء أن تغفر لي، وأعاهدك ألا أعود لذلك أبدًا".
ومن العادة المتبعة أن يقوم الكاهن برفع الصليب في وجه المعترف ويغفر له خطاياه. وما كدت أرفع الصليب لأغفر لها حتى وقع ذهني على العبارة القرآنية الجميلة (قل هو الله أحد)، فعجز لساني عن النطق وبكيت بكاءً حارًّا وقلت: "هذه جاءت لتنال غفران خطاياها منّي، فمن يغفر لي خطاياي يوم الحساب والعقاب؟!".
هنا أدركت أن هناك كبير أكبر من كل كبير، إله واحدٌ لا معبود سواه. ذهبت على الفور للقاء الأسقف وقلت له: "أنا أغفر الخطايا لعامة الناس، فمن يغفر لي خطاياي؟!". فأجاب دون اكتراث: "البابا". فسألته: "ومن يغفر للبابا؟!" فانتفض جسمه ووقف صارخًا وقال: "أنت قسيس مجنون، واللي أمر بتنصيبك مجنون، حتى وإن كان البابا؛ لأنّنا قلنا له لا تنصّبه لئلاّ يفسد الشعب بإسلامياته وفكره المنحل". بعد ذلك صدر قرار البابا بحبسي في دير (ماري مينا) بوادي النطرون.
كبير الرهبان يصلي:
أخذوني معصوب العينين، وهناك استقبلني الرهبان استقبالاً عجيبًا، كادوا لي فيه صنوف العذاب، علمًا بأنّني حتى تلك اللحظة لم أسلم، كل منهم يحمل عصا يضربني بها وهو يقول: "هذا ما يصنع ببائع دينه وكنيسته".
استعملوا معي كل أساليب التعذيب الذي لا تزال آثاره موجودةً على جسدي، وهي خير شاهدٍ على صحّة كلامي، حتى إنّه وصلت بهم أخلاقهم اللاإنسانيّة أنهم كانوا يدخلون عصا (المقشّة) في دبري يوميًّا سبع مرّات في مواقيت صلاة الرهبان لمدّة سبعة وتسعين يومًا، وأمروني بأن أرعى الخنازير.
وبعد ثلاثة أشهر أخذوني إلى كبير الرهبان لتأديبي دينيًّا وتقديم النصيحة لي، فقال: "يا بُنَيّ، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، اصبر واحتسب. ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب". قلت في نفسي: ليس هذا الكلام من الكتاب المقدس، ولا من أقوال القديسين. وما زلت في ذهولي بسبب هذا الكلام حتى رأيته يزيدني ذهولاً على ذهول بقوله: "يا بنيّ، نصيحتي لك السر والكتمان إلى أن يعلن الحق مهما طال الزمان".
تُرى ماذا يعني بهذا الكلام وهو كبير الرهبان؟! ولم يطل بي الوقت حتى فهمت تفسير هذا الكلام المحيِّر. فقد دخلت عليه ذات صباح لأوقظه، فتأخر في فتح الباب، فدفعته ودخلت وكانت المفاجأة الكبرى التي كانت نورًا لهدايتي لهذا الدين الحق، دين الوحدانيّة، عندما شاهدت رجلاً كبيرًا في السنّ ذا لحية بيضاء وكان في عامه الخامس والستين، وإذا به قائمًا يصلي صلاة المسلمين (صلاة الفجر).
تسمّرتُ في مكاني أمام هذا المشهد الذي أراه، ولكنّي انتبهت بسرعة عندما خشيت أن يراه أحد من الرهبان، فأغلقت الباب. جاءني بعد ذلك وهو يقول: "يا بنيّ، استر عليَّ ربّنا يستر عليك! أنا منذ 23 سنة على هذا الحال؛ غذائي القرآن، وأنيس وحدتي توحيد الرحمن، ومؤنس وحشتي عبادة الواحد القهّار، الحقّ أحقّ أن يتّبع".
بعد أيّام صدر أمر البابا برجوعي لكنيستي بعد نقلي من سوهاج إلى أسيوط، لكن الأشياء التي حدثت مع سورة الإخلاص وكرسي الاعتراف والراهب المتمسِّك بإسلامه جعلت في نفسي أثرًا كبيرًا، لكن ماذا أفعل وأنا محاصر من الأهل والأقارب وممنوع من الخروج من الكنيسة بأمر شنودة.
رحلة تنصيرية:
بعد مرور عام جاءني خطاب، والمودع بالملف الخاص بإشهار إسلامي بمديرية أمن الشرقية- ج.م.ع، يأمرني فيه بالذهاب كرئيس للجنة المغادرة إلى السودان في رحلة تنصيريّة، فذهبنا إلى السودان في الأول من سبتمبر 1979م، وجلسنا به ثلاثة شهور وحسب التعليمات البابويّة بأن كلّ من تقوم اللجنة بتنصيره يسلّم مبلغ 35 ألف جنيه مصري بخلاف المساعدات العينيّة، فكانت حصيلة الذين غرَّرت بهم اللجنة تحت ضغط الحاجة والحرمان خمسة وثلاثين سودانيًّا من منطقة واو في جنوب السودان.
وبعد أن سلّمتُهم أموال المنحة البابويّة اتّصلت بالبابا من مطرانيّة أم درمان فقال: "خذوهم ليروا المقدسات المسيحيّة بمصر (الأديرة)". وتم خروجهم من السودان على أساس عمّال بعقود للعمل بالأديرة لرعي الإبل والغنم والخنازير، وتم عمل عقود صوريّة حتى تتمكّن لجنة التنصير من إخراجهم إلى مصر.
بعد نهاية الرحلة وأثناء رجوعنا بالباخرة (مارينا) في النّيل، قمت أتفقّد المتنصرين الجدد، وعندما فتحت باب الكابينة (14) بالمفتاح الخاص بالطاقم العامل على الباخرة، فُوجِئت بأن المتنصر الجديد عبد المسيح -وكان اسمه محمّد آدم- يصلّي صلاة المسلمين. تحدّثت إليه، فوجدته متمسّكًا بعقيدته الإسلاميّة، فلم يغره المال، ولم يؤثّر فيه بريق الدنيا الزائل.
خرجت منه، وبعد حوالي الساعة أرسلت له أحد المنصّرين، فحضر لي بالجناح رقم 3، وبعد أن خرج المنصّر قلت له: "يا عبد المسيح، لماذا تصلّي صلاة المسلمين بعد تنصّرك؟" فقال: "بعتُ لكم جسدي بأموالكم، أمّا قلبي وروحي وعقلي فملكُ الله الواحد القهّار، لا أبيعهم بكنوز الدنيا وأنا أشهد أمامك بأن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله".
بعد هذه الأحداث التي أنارت لي طريق الإيمان وهدتني لأعتنق الدين الإسلامي، وجدت صعوبات كثيرة في إشهار إسلامي؛ نظرًا لأنّني قس كبير ورئيس لجنة التنصير في إفريقيا، وقد حاولوا منع ذلك بكل الطرق؛ لأنه فضيحة كبيرة لهم..
ذهبت لأكثر من مديريّة أمن لأشهر إسلامي؛ وخوفًا على الوحدة الوطنيّة أحضرتْ لي مديريّة الشرقيّة فريقًا من القساوسة والمطارنة للجلوس معي، وهو المتّبع بمصر لكل من يريد اعتناق الإسلام. هدّدتني اللجنة المكلّفة من 4 قساوسة و3 مطارنة بأنها ستأخذ كلّ أموالي وممتلكاتي المنقولة والمحمولة والموجودة في البنك الأهلي المصري-فرع سوهاج وأسيوط، والتي كانت تقدّر بحوالي 4 مليون جنيه مصريّ، وثلاثة محلات ذهب، وورشة لتصنيع الذهب بحارة اليهود، وعمارة مكوّنة من أحد عشر طابقًا رقم 499 شارع بور سعيد بالقاهرة، فتنازلت لهم عنها كلّها، فلا شيء يعدل لحظة الندم التي شعرت بها وأنا على كرسي الاعتراف.
بعدها كادت لي الكنيسة العداء، وأهدرت دمي، فتعرضت لثلاث محاولات اغتيال من أخي وأولاد عمّي، فقاما بإطلاق النّار عليَّ في القاهرة، وأصابوني في كليتي اليسرى والّتي تم استئصالها في 7/1/1987م في مستشفى القصر العيني، والحادث قيِّد بالمحضر رقم 1762/1986 بقسم قصر النّيل مديريّة أمن القاهرة بتاريخ 11/11/1986م. أصبحت بكلية واحدة وهي اليمنى، ويوجد بها ضيق الحالب بعد التضخم الذي حصل لها بقدرة الخالق الذي جعلها عوضًا عن كليتين.
ولكن للظروف الصعبة الّتي أمرُّ بها بعد أن جرّدتني الكنيسة من كل شيء، والتقارير الطبّيّة التي تفيد احتياجي لعملية تجميل لحوض الكلية وتوسيع للحالب؛ ولأني لا أملك تكاليفها الكبيرة، أجريت لي أكثر من خمس عشرة عملية جراحيّة من بينها البروستاتا ولم تنجح واحدة منها؛ لأنها ليست العملية المطلوب إجراؤها حسب التقارير التي أحملها. ولما علم أبواي بإسلامي، أقدما على الانتحار فأحرقا نفسيهما، والله المستعان.
المصدر: كتاب عادوا إلى الفطرة (70 قصة حقيقية مؤثرة) - إعداد: أبو إسلام أحمد بن علي.