[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
لعل بداية خيبة الأمل من أعمال لجنة المراقبين العرب, وهي تبدأ أعمالها في سورية تحت مراقبة وتوجيه وأسر النظام السوري المجرم - هو ذلك التصريح المائع الذي أطلقه أحد المراقبين، وهو الصحافي المغربي طالع السعود الأطلسي، والذي قال فيه بما معناه: إنه يعتقد بأن العنف يأتي ليس من النظام فقط بل من أطراف أخرى، وهي الحجة نفسها للنظام السوري.
والرفيق طالع السعود الأطلسي هو أحد كتاب صحيفة الاتحاد الاشتراكي التابعة لذلك الحزب اليساري المغربي، الذي له تاريخ حافل في التعامل مع النظام البعثي السوري, وفي تدبير المؤامرات ضد النظام الملكي المغربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي, بما فيه من سبل التعاون العسكري والتسليحي والتدريبي؛ من أجل إنجاح المؤامرات تحت خيمة ما كان يُسمَّى دول الصمود والتصدي.
ويبدو أن المراقب المغربي وهو يردد أكاذيب النظام السوري ودعاياته المتهاوية لا يزال متأثرًا بتحالفات الماضي القريب التي انتهت أيامها. والحقيقة إنني لا أعرف المعايير التي تحكم اختيار المراقبين العرب لتلك المهمة الإنسانية الحساسة والصعبة! ولا كيفية اختيار العناصر التي تتحمل تلك المسئولية التاريخية. ويبدو أن الجامعة العربية قد ضيعت الخيط والمخيط! ولا تدري بالضبط كيف تتصرف إزاء ثورة شعبية عارمة، وعنف دموي غير مسبوق تتفرج عليه طلائع المراقبين العرب، ويفتي بعضهم -كما فعل ذلك الصحافي اليساري المغربي- بوجود عصابات مسلحة تقاتل النظام!! رغم أن العنف الدموي السلطوي قد ازداد شراسة وعدوانية خلال وجود المراقبين العرب في فنادق الشام, وتحت عيون مخابرات النظام التي توجههم وتضبط سير عملهم بالكامل.
لقد تصاعدت نداءات الاستغاثة الشعبية السورية، وسمعها كل العالم إلا أولئك المراقبون الذين لا فائدة عملية حقيقية من مهمتهم التي بدأت بفشل قيمي واضح المعاني، وستنتهي بفشل ذريع أيضًا؛ لأن مهمة المراقبة هي التجربة الأولى لجامعة الدول العربية، وهي سابقة لم تحدث أصلاً، ولا ينتظر أن تحقق نتائجها أي انفراج حقيقي؛ فالنظام السوري خبيث واستخباري ومخادع من الطراز الأول، ومجاميع السذج وأهل اليسار والتنظير الفارغ لا يمكن لهم أبدًا مجاراة آلة النظام السوري الإعلامية والاستخبارية وأساليبهم الأفعوانية المتغيرة، وخطابات العاطفة القومية المزيفة!
ليس هناك عذر للعالم الحر بعدم التدخل الفوري لإيقاف وتدمير آلة النظام العدوانية الجبانة، التي تمعن في سحق الشعب السوري، ومحاولة تكسير إرادة الثوار، وخداع العالم. لقد خُدعت جامعة الدول العربية بسذاجة منقطعة النظير، وأثبتت عمليًّا وميدانيًّا بأنها غير مؤهلة بالمرة للتعامل مع الملف السوري، وقد ثبت بالدليل الميداني القاطع بأن الجامعة العربية تقتل السوريين ولا تساهم في حمايتهم، كما أن وفود المراقبين ليست جدية بالمرة، بل إن مهماتها -على ما يبدو- بروتوكولية محضة، وتدخل ضمن إطار العلاقات العامة ليس إلاّ..
الكرة الآن أضحت في الملعب الدولي بغض النظر عن طبيعة التقرير النهائي لفريق المراقبين، والذي أتوقع أن يكون تقريرًا بائسًا كبؤس مهمة الوفد، وعدم صلاحية أفراده لتلك المهمة الحساسة والصعبة، والتي تتطلب ضمائر إنسانية حية تشعر بنبض الشعب السوري الثوري وبالآم السوريين المتضخمة، وبطبيعة وتاريخ معركتهم النضالية والجهادية من أجل الحرية. كما تتطلب من وفد المراقبين المعرفة التفصيلية بوضعية وطبيعة النظام السوري الإجرامية والقمعية، وهي مهمة لا يبدو أن الوفد العربي أهلاً لها أو ملمًّا بأبجدياتها وإرهاصاتها.
إن العالم الحر والقوى المحبة للسلام في العالم مطالبة اليوم بالإسراع الفوري في لجم آلة العدوان العسكري والقمعي للنظام السوري المجرم وتفعيل القرارات الدولية، ونقل المسئولية الإنسانية والسياسية من الجانب العربي العاجز للآفاق الدولية، وإجبار النظام على الركوع لإرادة شعبه بعد منعه من ممارسة الإرهاب والتقتيل، وهي مهمة خارج نطاق القدرة العربية.
وفد المراقبين العرب قد أثبت فشله من الوهلة الأولى، ولا فائدة ترتجى منه، والشعب السوري يعيش اليوم منعطفه التاريخي الحاد؛ فانتصار الثورة الشامل هو وحده الذي سيحقق التوازن الإستراتيجي المطلوب. لا بديل عن نصرة الأحرار، أما عبيد الطغاة فدعهم في غيِّهم يعمهون.
المصدر: جريدة السياسة.