[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
حالة التيه وانعدام الوزن التي تعانيها الدولة العراقية بكل مؤسساتها العاملة لا تقتصر فقط على الإدارات الخدمية المتعلقة بتقديم الخدمات للمواطنين كالماء والكهرباء والصحة والنقل والمواصلات وصولاً للحالة الأمنية الضائعة والمختلطة الأوراق، بل إنها أضحت حالة شمولية تتسم بالرداءة والتخلف وبما أصاب جهاز الدبلوماسية العراقية بخلل كبير ومثير للسخرية. ولعلي لا أكشف سرًّا فيما لو أكدت -ووفقًا لمعلوماتي الخاصة- من أن الكثير من موظفي الجهاز الدبلوماسي العراقي في الخارج من العاملين، قد تقدموا بطلبات اللجوء السياسي في البلدان التي يوفدون إليها.
أي أنهم بدلاً من تمثيل النظام العراقي والتعبير عن الحالة الجديدة في العراق، فإنهم يهربون من الخدمة بعد انتهاء فترة عمل مبعوثيهم وموظفيهم، وقد حصل ذلك أخيرًا في السفارة العراقية في أوسلو (مملكة النرويج) حيث طلب محاسب السفارة العراقية ودبلوماسي عراقي آخر حق اللجوء السياسي، وانتقلوا لمعسكرات طالبي اللجوء بدلاً من العودة لديوان وزارة الخارجية العراقية في بغداد!!
الأمر بطبيعة الحال يعبر عن مهزلة ومسخرة لإدارة الدولة العراقية ككل!
أخيرًا وبعد أحداث الفتنة الفارسية في مملكة البحرين والتي أثارتها جماعات فوضوية وهمجية مرتبطة بمشاريع النظام الإيرانية التبشيرية المعروفة، قامت الجامعة العربية بإصدار بيان سياسي يندد بالفتنة والفوضى في البحرين ويعرب عن التضامن مع الشرعية وتأييد الجهود الخليجية لاحتواء الموقف وحماية الشعب البحريني، وقد وقّعت جميع الدول العربية على صيغة القرار بمن فيهم مندوب العراق في الجامعة السفير الدكتور قيس جواد العزاوي، وهو الأمر الذي أثار العصابات الطائفية المتخلفة السائدة في العراق والمتضامنة قلبًا وقالبًا وولاءً مع المشروع الإيراني كجماعات الصدر و"المجلس الإيراني الأعلى" وحزب "الدعوة" العميل بفروعه المختلفة، سواء تلك التابعة للمخابرات السورية أو الأخرى التابعة للمخابرات الإيرانية، وكذلك عصابة أحمد الجلبي..
فقامت تلك الأطراف مجتمعة بالاشتباك مع وزارة الخارجية العراقية ومع الوزير هوشيار زيباري شخصيًّا في لجنة الشئون الخارجية في البرلمان العراقي المحروس، بل قامت أطراف أخرى بجمع تواقيع برلمانية ضد السفير العراقي في الجامعة الدكتور قيس العزاوي. والعجيب أن تلك التواقيع تتهم السفير العزاوي بالانحياز الطائفي والوقوف ضد مصالح العراق! وفي ذلك بهتان كبير؛ إذ إن السفير العزاوي -كما أعلم عنه- لا علاقة له بالطائفية لا من قريب أو بعيد، وهو شخص حضاري وأكاديمي صرف متخصص في التاريخ من الجامعات الفرنسية، بل إن وجوده وسط هذا الحشد من المتخلفين في العراق أشبه بوجود المسيح بين اليهود، أو أنه غريب كصالح في ثمود كما قال المتنبي..
لقد التقيت بالدكتور قيس العزاوي مرة واحدة فقط في صيف العام 1999م في العاصمة البريطانية لندن ضمن مؤتمر عقده المعماري الدكتور رءوف الأنصاري حول (مدينة النجف الأشرف ودورها العلمي والحضاري)، وكانت انطباعاتي عن العزاوي بكونه إنسانًا مثقفًا ومتحضرًا ومعارضًا وقتذاك لنظام صدام حسين، وكان وجهًا معروفًا في الفضائيات العربية، وكانت أحاديثه متسمة بالعمق والموضوعية الأكاديمية، وأدار بعض محاور جلسات ذلك المؤتمر باحترافية وعلمية. وهو بالطبع لا علاقة له بالطائفية؛ لأنها صفة متخلفة لا تليق بالمتحضرين من أمثاله الذين تفتخر الدبلوماسية العراقية بهم ولا يفخرون هم بها، واتهامه بالطائفية كما أسلفت أمر مثير للسخرية؛ لكونه ينحدر من عائلة شيعية أولاً، ولم تكن له أي علاقة بحزب البعث البائد..
كما أنه عروبي التفكير والتوجه والتصرف، ووقوفه مع الرأي العام العربي بشأن المسألة البحرينية كان هدفه الأساس -إضافة إلى قناعاته القومية- متعلقًا بتسهيل السبل لعقد مؤتمر القمة العربية في بغداد، وهي القمة التي ألغيت؛ بسبب تفاهات وممارسات الأحزاب الطائفية الإيرانية وتأثيراتها على السياسة العراقية، حتى أصبح الدبلوماسي العراقي أسيرًا لمواقف عملاء إيران من أهل الدجل وعمائم التخريب الصفوي الشعوبي.
قيس العزاوي طاقة عراقية علمية وأكاديمية يتآمر عليها الطائفيون الذين يريدون تحويل العراق والسفارات العراقية لساحات لطم وعزاء وضرب للسلاسل والسيوف، والذين هشموا الدولة العراقية وجعلوا مؤسساتها بمنزلة مزبلة حقيقية، الخاسر الوحيد في النهاية هو العراق الذي يذوي اليوم بعد أن حورب أبناؤه الحقيقيون بين كواتم الصوت والمفخخات وبين حملات التسقيط والتخوين والاتهامات الظالمة.
الطائفيون الصفويون يسرعون بالصعود بالعراق نحو الهاوية.
المصدر: موقع البينة، نقلاً عن جريدة السياسة الكويتية.