[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
جاءت النتائج التي حصل عليها الإسلاميون في تونس بانتخابات المجلس التأسيسي لتكشف عن مدى الثقة التي يوليها الشعب للاتجاه الإسلامي، رغم أن التيار الإسلامي في تونس كان غائبًا عن الساحة بشكل قسري لمدة طويلة؛ نظرا للاضطهاد الأمني وحملة التغريب الشديدة التي مارسها نظام زين العابدين بن علي, حيث غيَّر القوانين لتتلاءم مع الفكر الغربي العلماني، حتى قوانين الأحوال الشخصية التي حاولت العديد من الأنظمة العربية الاستبدادية وضعها في الإطار الإسلامي وعدم الاقتراب منها؛ لتهدئة المشاعر الدينية وخداع شعوبها والادعاء بأنها "تحافظ على الإسلام وأحكامه"..
لقد كان النظام التونسي عظيم العداوة لكل ما هو إسلامي حتى اقترب من النهج الأتاتوركي الفج في علمانيته، والذي سعى لسلخ تركيا من هويتها وثقافتها وربطها بالغرب في حالة تمزج بين العمالة وكراهية الدين، ومع كل هذا ظل الشعب التونسي محافظًا على تدينه وعاطفته الجياشة تجاه دينه حتى جاءت الفرصة المناسبة ليعبر عن ذلك وبقوَّة. ورغم أن الاتجاه العلماني بمعتدليه ومتطرفيه كانت الساحة خالية أمامه وتوجهات الدولة تدعمه إلا أنه فشل طوال أكثر من عقدين في اختراق المجتمع ونشر ثقافته..
وعندما حدثت الثورة وسُمح للإسلاميين بالتواجد ظهر المخزون العاطفي تجاههم وأيَّد الشعب بأغلبية كبيرة توليهم لمهمة صناعة الدستور الذي سيحدد مستقبل البلاد خلال السنوات القادمة، وهي مسئولية عظيمة، ويدل الاختيار الشعبي على ثقة كبيرة في الاتجاه الإسلامي كما يدل في نفس الوقت على غياب الثقة في الاتجاهات الأخرى التي كان الكثير منها يزايد على النظام في تغييب الوعي الديني..
هزيمة العلمانيين في تونس أصابت إخوانهم في مصر بالرعب، خصوصًا أن الإسلاميين في مصر أكثر تواجدًا ولم يتم إقصاؤهم بشكل تام خلال العقود الماضية؛ حيث حرص النظام على منحهم بعض فتحات التهوية ليناور بها في الداخل والخارج، وبالتالي إمكانية تحقيقهم لنتائج قريبة من النتائج التونسية أو أكثر أصبح واقعًا مفزعًا للعلمانيين، خصوصًا المتطرفين منهم والذين أبدوا انزعاجهم من نتائج تونس، وزادوا من جرعة الهجوم على الإسلاميين وتشويه صورتهم واتهامهم بتلقي أموال من الخارج وتقديم رشاوى للناخبين، وهي اتهامات ظل إعلام مبارك يرددها لسنوات طويلة، فما أشبه الليلة بالبارحة!..
ونسي هؤلاء أن أكثر من 50 مليون دولار دخلت في جيوبهم بعد الثورة عن طريق الجمعيات الحقوقية التي شكلوها، وأكدت جهات حكومية هذا الرقم في حين لم يقدموا أي دليل على تلقي الإسلاميين لأي أموال. ثم هم يدركون جيدًا أن جماعة مثل جماعة الإخوان عندها استثمارات ضخمة وأنشطة اقتصادية وخدمية كبيرة من قبل الانتخابات؛ مما ينفي احتياجها لأموال من الخارج أو تقديمها لرشاوى في الانتخابات كالتي كان يقدمها الحزب الوطني السابق عن طريق الحكومة وبأموال الشعب. ثم هل لا ينفق الملياردير النصراني نجيب ساويرس على حزبه العلماني المعادي صراحة لتطبيق الشريعة؟! وهل لا ينفق أيضًا الملياردير الليبرالي ممدوح حمزة على عدد من المرشحين والأحزاب العلمانية؟!
المشكلة أن بعض العلمانيين بدءوا يشعرون بفشل الحرب التي أشعلوا نارها بعد الثورة بقليل، وأصبحوا الآن يفكرون في إفشال الانتخابات بأي طريقة، وأصبح أبناء مبارك وفلول الحزب الوطني المنحل ليسوا وحدهم في الساحة حيث انضمَّ إليهم عدد من العلمانيين "الثوريين" الذين يرون أن في انتخاب الإسلاميين رجوعًا للوراء ولما هو أسوأ من عهد مبارك، فهل سيتحد هؤلاء جميعًا لإفشال الانتخابات؟..
لقد صرح أحد كبار منظري التيار العلماني بأن الانتخابات القادمة ستكون دموية.. فهل هذا توقع بريء أم تمني أم علم يقيني بما يجري التخطيط له؟ ومن يا تُرى من مصلحته إفشالها؟
الانتخابات القادمة لن تكون كاشفة لنوايا العلمانيين ورغبتهم الحقيقية في مصلحة الوطن حتى ولو لم تكن متطابقة مع مصلحتهم الخاصة، بل ستكون كاشفة أيضًا لمدى رغبة المجلس العسكري في تسليم السلطة والرجوع لثكناته، وسيتضح ذلك في كيفية تأمين الانتخابات والإجراءات التي سيتبعها.
المصدر: موقع المسلم.