[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
تعيش مالي منذ شهرين على وقع انقلاب عسكري أطاح بنظام الرئيس آمادو توماني توري، حيث غياب الأمن وانعدام الأمان، وسط زيادة مطردة في أعداد اللاجئين والمشردين، فيما يسمع دويّ إطلاق النار من حين لآخر بين القوات الموالية للرئيس المخلوع التي تحاول استعادة السيطرة على مقاليد الأمور من جانب والقوات القائدة للانقلاب من جانب آخر.
فضلاً عن ذلك فقد جاء اقتحام المئات من المحتجين القصر الرئاسي في العاصمة المالية باماكو، والاعتداء على الرئيس المالي المؤقت ديونكوندا تراوري بالضرب، وذلك للمطالبة باستقالته، واستمرار الصراع بين الأطراف الفاعلة المختلفة بالبلاد، فضلاً عن استقلال إقليم أزواد، ليثير الكثير من التساؤلات حول ما إذا كان الانقلاب العسكري الأخير بمنزلة بداية لتصحيح الأوضاع؟ أم أنه جاء ليضفي المزيد من التعقيد على المشهد المالي ويذهب بالأوضاع من سيِّئ إلى أسوأ في هذا البلد الذي يمثل المسلمون90 % من سكانه؟!!
تداعيات خطيرة
بداية يرى المراقبون أن الانقلاب الذي قاده مجموعة من ضباط الجيش بقيادة النقيب أمادو سانوجو كانت له تداعياته الخطيرة على هذا البلد الذي يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر، أي أقل من 1.25 دولار في اليوم:
فعلى الصعيد العسكري: بالرغم من أن الهدف المعلن للانقلاب تمثل في عدم استجابة الحكومة لمطالب الجيش -الذي طالب بتسليح الجنود الذين يعانون هزائم متكررة في شمال البلاد في حربهم ضد الطوارق وأنشطة مجموعات مسلحة، إضافة إلى "فشل الرئيس المالي السابق في حل هذه الأزمة وعدم دعم الجيش وتزويده بالمساعدات الضرورية؛ مما تسبب في مقتل مئات الجنود وتشريد آلاف العائلات من منازلها في مناطق النزاع مع المتمردين الطوارق- إلا أن هذا الانقلاب تسبب في تفكك أركان الدولة المالية، حيث أعلنت حركة تحرير أزواد في الشمال في السادس من إبريل الماضي تأسيس دولة "الأزواد المستقلة"، وذلك بعد أن نجحت قوات الطوارق تساندها بعض الجماعات الأخرى في السيطرة على شمال البلاد بالكامل من كيدال إلى جاو مرورًا بعاصمة الأزواد، وذلك بعد أن انسحبت القوات الحكومية منها في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها البلاد على خلفية الانقلاب.
معاناة إنسانية
وعلى الصعيد الإنساني، فقد تسبب هذا الانقلاب في تفاقم المعاناة الإنسانية في مالي، حيث أطلقت المنظمة الدولية للهجرة نداءً عاجلاً لجمع 3.5 ملايين دولار للمساعدة من أجل إنقاذ حياة الماليين المشردين داخليًّا الذين فروا من القتال وانعدام الأمن في شمال مالي؛ بحثًا عن مأوى في العاصمة "باماكو" وشمال مدينة "موبتي" وغرب مدينة "كايس".
وتؤكد المنظمة أن أزمة الغذاء في مالي تؤثر الآن على نحو 3.5 مليون شخص بينهم 1.84 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، فيما تشير التقديرات الحالية إلى نزوح ما لا يقل عن 147 ألف شخص قسرًا بسبب النزاع، محذرة من أن النقص الحالي في تمويل استقرار أوضاع النازحين في مالي سيدفع بالمزيد من الفارين إلى الدول المجاورة، بما في ذلك موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر، التي تكافح بالفعل لمواجهة انعدام الأمن الغذائي، خاصة مع وصول أكثر من 160 ألف لاجئ من مالي.
فوضى أمنية
أما على الصعيد الأمني، فإنه على الرغم من تسليم قادة الانقلاب السلطة إلى رئيس الجمعية الوطنية دايوكوندا تراوري -والذي من المقرر أن يشرف على انتخابات ديمقراطية ومعالجة الأزمة في شمال البلاد، وذلك بموجب اتفاق برعاية الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)- إلا أن المراقبين يرون أن انتشار الفوضى الأمنية في مالي يمثل تحديًا كبيرًا أمام الحكومة الانتقالية، والتي كان أحد تداعياتها الهجوم على القصر الرئاسي والاعتداء بالضرب على الرئيس الانتقالي.
فضلاً عن ذلك، فإن الشارع المالي يعاني من تدهور الأوضاع الأمنية، وانتشار حالات السلب والنهب، والاعتداء على المواطنين والممتلكات؛ مما دفع الكثيرين إلى مغادرة مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى آمنة، كما أن الشطر الشمالي من مالي لا ينعم هو الآخر بالأمن والاستقرار؛ نظرًا للصراع بين حركة تحرير أزواد العلمانية من جانب، وحركة أنصار الدين المحسوبة على تنظيم القاعدة، وإن كان يجمعهما معاداة النظام في باماكو.
أوضاع متوترة
ويشير المراقبون إلى أن استمرار توتر الأوضاع في مالي يرجع إلى وجود صراع خفي بين قادة الانقلاب والحكومة الانتقالية الحالية، حيث إنه على الرغم من تسليم قادة الانقلاب السلطة إلى الرئيس الانتقالي، إلا أن السلطة الفعلية ما زالت في يد الانقلابيين الذين أرغموا على توقيع اتفاق تسليم السلطة تحت وطأة فرض عقوبات اقتصادية عليهم وربما ملاحقتهم، فيما ضمن لهم هذا الاتفاق الحصول على عفو عام من أي ملاحقة فيما بعد. ولعل هذا ما دفع البعض إلى اتهام قادة الانقلاب في التورط في واقعة الاعتداء على الرئيس الانتقالي الأخيرة واقتحام قصر الرئاسة.
فضلاً عن ذلك، فإن هناك خلافًا حادًّا بين الطرفين بشأن الفترة الانتقالية، وذلك بعد انتهاء 40 يومًا ينص عليها الدستور، يشرف فيها رئيس البرلمان على تنظيم انتخابات شفافة، فيما ترى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وجناحًا مدنيًّا قويًّا في باماكو ضرورة أن يواصل الرئيس تراوري تسيير الفترة الانتقالية القادمة، وذلك ما يرفضه الانقلابيون السابقون، مصرّين على تولي زعيمهم زمام الأمور.
فيما يدور صراع من نوع آخر بين أنصار الرئيس المخلوع من جانب وأنصار قادة الانقلاب من جانب آخر، والذي كان أبرز حلقاته هو محاولة السيطرة على القصر الرئاسي مطلع شهر مايو الجاري، التي قادتها مجموعة من الجنود المظليين الموالين للرئيس المخلوع آمادو توماني توري، والتي تم إفشالها بعد ساعتين من المواجهات الدامية مع القوات الموالية للانقلابيين بشوارع باماكو.
نتائج كارثية
وفي النهاية، فإنه يمكن القول بأن الانقلاب العسكري الأخير في مالي أسفر عن نتائج كارثية، سواء لدولة مالي التي تعرضت للتقسيم وتواجه احتمالات نشوب حرب أهلية وتنتظر تدخلاً عسكريًّا من الإيكواس؛ لاستعادة الاستقرار ومنع انفصال شمال مالي، أو على مستوى إقليم غرب إفريقيا الذي أصبحت دُوَله تترقب صعود جماعات جديدة مطالبة بالانفصال على غرار حالة الطوارق، أو تترقب تدخلاً عسكريًّا دوليًّا لمطاردة عناصر القاعدة في الإقليم.
فهل تعي السلطة الحاكمة في مالي الآن مدى عمق الأزمة التي نتجت عن الانقلاب الأخير وتسعى جاهدة لتصحيح الأوضاع ومحاولة لمّ الشمل؟ أم تذهب الصراعات الحالية بهذا البلد المسلم إلى دوّامة عنف تقضي على الأخضر واليابس، وربما تسمح بتدخل خارجي يعيد البلاد إلى نقطة الصفر؟!!
المصدر: موقع الإسلام اليوم.