مالي .. أيعيد التاريخ نفسه ؟!

[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الخبر:
أعلن مسئول فرنسي كبير أن رئيس مالي المؤقت ديونكوندا تراوريه طلب رسميًّا تدخل قوات عسكرية للمساعدة في مواجهة الإسلاميين الذين يسيطرون على شمال البلاد.

التعليق:
نحتاج بداية أن نتذكر ما وقع في أفغانستان، حينما غزتها قوات الاحتلال الأمريكي على رأس تحالف غربي، وأسقطت حكم طالبان تحت دعاوى ومبررات شتى، منها عدم تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ورفض غلق معسكرات تدريب عناصر التنظيم على الأراضي الأفغانية.

وقد سبق ذلك شيطنة لحركة طالبان الحاكمة آنذاك، حيث بدأت الآلة الإعلامية الغربية في اصطياد عدة مواقف للحركة وبدأت في تشويه صورتها العالمية، منها تحطيم أصنام بوذا، وفرض غطاء الوجه على السيدات، ومنع الموسيقى والغناء، وفرض اللحية على الرجال.

وشيء من ذلك نراه قريبًا ويكاد السيناريو يكون مكررًا في مالي، فمنذ الانقلاب العسكري الذي وقع قبل عدة أشهر وهي تعيش على وقع سيطرة حركتي التوحيد والجهاد وأنصار الدين المسلحتين على الجزء الشمالي من البلاد، وتواصل هذه الحركات زحفها مهددة العاصمة نفسها، فيما يستعد العالم الغربي -بمساعدة إقليمية- لتدخل عسكري يُنهي سيطرة هذه الجماعات على الشمال.

ومنهج القرآن يعلّمنا أن النقد الذاتي ظاهرة إسلامية صحية، لا يرفضها إلا من كان له تصور مغلوط لطبيعة هذا الدين ومساره عبر التاريخ، فقد انتقد القرآن الكريم تصرفات لصحابة النبي الكرام، على علوّ شرفهم ومنزلتهم، يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق ويوم حنين، وفي غيرها من المشاهد والنوازل.

ومن هذا المنطلق نرى أن هذه الجماعات -على حسن نيتها- لم تتعظ من التاريخ المعاصر، ولم تفطن لفقه الأولويات، وتغافلت عن دور الآلة الإعلامية، وأهملت تربُّص الغرب الذي يمكر ليل نهار مكرًا أسود بالإسلام والمسلمين، ويتربص بهم الدوائر.

وكي ندلِّل على ما ذهبنا إليه، فإنا نقول: إن حركة من هذه الحركات أعملت معول الهدم في الأضرحة والقبور المُشْرِفة، ومن الناحية الشرعية فهذا أمر لا خلاف عليه في شريعتنا وديننا، والآثار الدالة على وجوبه كثيرة متكاثرة، ولكننا نحتاج مع حفظنا لهذه الآثار أن نفهم فقه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- في كيفية تنزيل النصوص على الواقع؛ فالسياسية الشرعية والمصلحة الكلية قد تقتضي تأخير بعض الواجبات الشرعية إلى زمن التمكين، وتفويت الفرص على المتربصين.

ونحن ندرك أن الغرب المتآمر لن يترك مشروعًا إسلاميًّا إلا وحاول إجهاضه، وستظل آلته الإعلامية تعمل على تشويه صورة الإسلاميين، ولكن الشيء الذي نريد أن نثبته هنا، أن نتبع هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بناء دولته، ومعرفة كيف كانت حكمته وسداد رأيه، حتى في زمن التمكين يوم أن ترك بناء الكعبة على الحجر؛ لظهور مصلحة في الترك تفوق مصلحة الفعل، هو النهج الأوجب في الاتّباع.

إن اتباع السنن الربانية أمر لا بد وأن يكون نُصب عين حركات التغيير والإصلاح، التي نريدها أن تراجع منهجها وطريقتها وأسلوب عملها وتضبطه بالأُطُر الشرعية، بعيدًا عن الغلو والإسراف في سفك الدماء المحرمة، متجنبة كذلك المهادنة والخذلان الذي يذهب ببريق الدين بدعوى مسايرة الواقع.. وإلاّ فلا نبكي في كل مرة على اللبن المسكوب، يوم أن نكرِّر أخطاءنا التاريخية ويُعيد التاريخ نفسه بين أيدينا.

المصدر: صحيفة لجينيات.