[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
لطالما تشدق العلمانيون في عالمنا الإسلامي بضرورة فصل الدين عن الحياة كلها، واعتبروا ذلك الفصل إكسير الحياة لكي نلحق بالعالم الغربي الذي تقدَّم حينما جعل الدين جانبًا، وجعلوا من تلك القضية الركن المفصليّ في طرحهم لمفهوم العلمانية الغربي الذي يدّعون به أنه السبيل الوحيد للنجاة، والطريق الوحيد للازدهار المجتمعي.
وكان أهم نقاط ارتكازهم هو فصل الدين عن السياسة، واعتبار السياسة ركنًا لا تدخُّل فيه إطلاقًا للدين، بل ويعتبرون أن خلط الدين بالسياسة خطيئة كبرى لا بُدَّ وأن تقاوم، وجعلوا من تلك القضية لبَّ اهتمامهم وجوهر صراعهم مع العالم الإسلامي في الجانب الفكري.
ولم يعتبروا أن هناك فارقًا جوهريًّا بين الإسلام وغيره من العقائد الأخرى التي نقلوا عنها العلمانية، فالنصرانية -كما فهموا منها بعد تحريفها- لا تتدخل في حياة الناس من الناحية التشريعية، فتدع ما لله لله وما لقيصر لقيصر كما يزعمون، وحينما تدخل القساوسة وحكموا أوربا باسم الدين ففسدوا وأفسدوا؛ إذ حكموا بلادهم بأهوائهم وطوّعوا الدين لرغباتهم ومصالحهم، وهذا ما لا يتفق مع الفكر الإسلامي لا جملة ولا تفصيلاً؛ فالإسلام جاء ليصلح حال العباد في كل شأن من شئونهم سياسيًّا واقتصاديًّا وتشريعيًّا واجتماعيًّا، وغير ذلك من النواحي التي يتقلب بينها المسلم.
ولكن العلمانيين لا يزالون يتلقون الطعنات التي يحاولون ألاّ يظهروها للناس؛ لكي لا يواجههم أقوامهم بأنهم نقلوا العلمانية الغربية التي صُدِّرت لنا معشر المسلمين، بينما أهلها لا يقبلونها بل ويناهضونها في كل موقف.
فلا تزال الضربات تتوالى عليهم من سادتهم من قادة الدول التي ينقلون عنها العلمانية، ويعتبرونها مهد تلك الدعوة القميئة..!
وكان من آخر الضربات الموجعة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد -إن كانوا لا يزالون يمتلكون عقولاً تعي أو قلوبًا تبصر- ذلك التصريح الذي أدلى به ديفيد كاميرون رئيس وزراء المملكة المتحدة (بريطانيا)، التي يعتبرونها من أهم الدول التي صدَّرت العلمانية للعالم.
فرئيس الوزراء عندهم يدخل الكنيسة ويخطب فيها، في رسالة واضحة لمن تهكموا على رئيس مسلم يصلي الفجر، أو على رئيس يستفتح كلماته بالصلاة والسلام على رسول الله والترضِّي على الصحابة الأطهار! وادّعوا أن ذلك الخطاب خطاب ديني لا محل له في عالم السياسة، بل سمّاه بعضهم "مراهقة سياسية"! ونحن نأمل أن يتحدث أحد منهم عن خطاب كاميرون في كنيسة وإدلائه بهذا التصريح الصحفي المهم، ليقولوا لنا رأيهم فيه.
ففي الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء البريطاني في كنيسة "كرايست تشرش" في مدينة "أكسفورد" إحياءً لذكري دينية مسيحية عندهم، وهي بمناسبة مرور 400 عام على إطلاق نسخة الملك جيمس من الإنجيل، قال كاميرون نصًّا -وهو لا يحتاج لتعليق عليه فتكفي قراءته فقط-: "إن بلادنا دولة مسيحية، وعلى ساكنيها ألاّ يخجلوا من أن يقولوا ذلك"!! ويقول: "على الشعب البريطاني إحياء القيم المسيحية؛ لمقاومة انهيار القيم البريطانية"!!
ويدافع عن قيمة الإنجيل في الحياة البريطانية فيقول: "أريد فقط أن أوضح أن الإنجيل ساعد بريطانيا في ترسيخ عدد من القيم والأخلاق التي جعلت بريطانيا على ما هي الآن".
ثم يتحدث عن تدينه الشخصي الذي لم يبلغ حد الاعتدال، فضلاً عن أن يتهم بالتطرف الديني فيقول: "على الرغم من كوني ملتزمًا بالقيم المسيحية إلا أنني لست مسيحيًّا ممارسًا لما يطلبه مني ديني، فلديّ العديد من الشكوك بعددٍ من القضايا اللاهوتية"! فإذا كان هذا قول النصراني غير المتعمق في دينه ولديه شكوك، فكيف بقول السياسي النصراني المتعمق والملتزم بتعاليمه؟!!
ولنا أن نسائل العلمانيين في دولنا العربية والإسلامية: كيف جوابكم عن أقوال ديفيد كاميرون؟ وهل هذا القول يقدح في علمانيته وعلمانية دولته أم في علمانيتكم المخربة التي أتيتم بها إلينا وتريدون إقناعنا بها وفرضها علينا؟
وأريد أن أفترض جدلاً، ما هو ردكم إذا قيل نفس التصريح على لسان رئيس مسلم، مع استبدال مكان خطبته بمسجد في احتفال بمناسبة إسلامية، ويقول عن القرآن ما قاله كاميرون عن الإنجيل؟!!!
المصدر: موقع مركز التأصيل للدراسات والبحوث.