[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
يظللنا رمضان هذا العام 1433هـ بفيض نوره وبركته، وقد تغيرت أحوال الأمة الإسلامية كثيرًا خلال هذا العام، بين التطور الإيجابي والتراجع في بعض البلدان؛ فلقد أهلّ هلاله ونحن نرى وتيرة القتل في سوريا قد بلغت حدًّا كبيرًا تجاوز في أحد الأيام الماضية 250 شهيدًا وقتيلاً، ونزوحًا متسارعًا للعوائل السورية في كل اتجاهات الحدود السورية مع تركيا ولبنان والأردن (ورفض العراق استقبال النازحين السوريين برغم استقبال مليون ونصف المليون على الأقل أثناء اشتداد المجازر الطائفية العراقية قبل خمسة أعوام)، وهو ما جعل سوريا تعيش أجواء أقسى بكثير من أجواء مجازر حماة أوائل ثمانينيات القرن الماضي من حيث اتساع رقعة المواجهات.
وتزامن يومه الأول مع ذروة الأخبار السيئة القادمة من أراكان بدولة ميانمار (بورما) حيث الآلاف قد ذهبوا ضحية العدوان الوثني على المسلمين، فوفقًا لحصيلة أولية عن المذابح التي يتعرض لها المسلمون في بورما على أيدي المليشيات البوذية المسلحة، فقد كشفت عن استشهاد 2250 شخصًا وخطف ثلاثة آلاف مواطن، وجرح 50 ألف آخرين، وتدمير أكثر من 20 قرية و1600 منزل، جراء العدوان الذي تقوم به مليشيات الماغ البوذية المتطرفة تحت سمع وبصر السلطات، وهو ما أدى إلى هجرة آلاف الأشخاص.
وتعيش بلدان "الربيع العربي" ردة ثورية عن أهدافها؛ إذ تقلصت كثيرًا الآمال التي عقدتها الشعوب على تلك الثورة بفعل إصرار الأنظمة "السابقة" التي ظلت متحكمة في المشهد على الإبقاء على نفوذها، وتراجعت طموحات ببناء مستقل لهذه الأوطان، وتدنت اقتصادات معظم هذه الدول للحد الذي جعل إحداها وهي اليمن تعاني من مخاطر حقيقية على بعض محافظات اليمن التي تعاني أزمة غذائية طاحنة، استصحبت معها -كالعادة- مشكلات طبية وأمنية.. وغير بعيدٍ حيث الصومال، بسطت قوى الاحتلال سيطرتها على البلاد، مع انسحابات متكررة من قوى المعارضة لنظام مقديشو.
على أن هذا كله، هو الجانب الفارغ من الكوب؛ فنحن في الحقيقة نستقبل شهر رمضان هذا العام، والمساجد تمتلئ بلا خوف في بلدان الربيع العربي التي تشهد الكثير من الإيجابيات بعد الإطاحة بزمرة من الطغاة، وإجراء انتخابات أسهمت في طرح رؤى جديدة لحكم بلدان الربيع، كما أن ما تعانيه سوريا اليوم ليس إلا "آلام مخاض" لميلاد دولتها المستقلة وذهاب الحكم العلوي الطائفي الدموي وإحلال دولة الحرية والأمان..
صحيح أن هذه هي أشد الأوقات العصيبة التي تمر على أهلنا في الشام، لكنهم بالفعل يحققون انتصارات باهرة، وقد استقبلوا رمضان لأول مرة بعد أن تحولت أسماء كان مجرد ذكرها يثير الرعب في النفوس إلى جيف حقيرة، وصارت الحرب سجالاً بينهم وبين عدوهم، وراغموا أنفه كثيرًا، وتمكنوا من تحرير الكثير من البلدات وحتى بعض المدن، وبسطوا سيطرتهم على الحدود التركية وبعض الحدود العراقية والأردنية، وارتفعت وتيرة الانشقاقات في أفراد الجيش الأسدي إلى معدلات قياسية وعلى مستويات رفيعة من الرتب العسكرية، وتمكنت المقاومة من توفير سلاح ملائم لخوض معارك حقيقية مع النظام الفاشي، وتراجعت آمال حلفاء هذا النظام في استمراره، وبدا سقوطه واضحًا أمام الجميع، ولم يعد ينقصه إلا ضربة قاضية تطيح بآخر قلاعه.
وبورما التي تعيش الرعب اليوم، تشهد الدول الإسلامية بشأنها حراكًا لم يسبق له أن كان من قبل، وحينما يرى المتابع تلك المظاهرات الحاشدة في بنغازي ضد ميانمار، وتحركات النشطاء وحتى بعض المسئولين في مصر وغيرها، يدرك أن هذه المجازر سيأتي يوم إيقافها قريبًا، وسيجد هؤلاء المستضعفون الذين لم يكونوا يسمعون إلا صدى صوت صراخهم من يتبنّى قضيتهم، ويثيرها في كل محفل ويكبح جماح المعتدين.
والصومال الذي يعاني يوشك أن يتعافى في بعض جوانب حياته المعيشية، وتنحسر بعض أزماته الغذائية الخانقة، وبرغم أننا قد لا نرى ضوءًا في نهاية نفقه السياسية إلا أننا نرى انفراجة في جوانب أخرى اجتماعية، يتوقع جزمًا أنها ستؤدي إلى تغيير سياسي مستقبلي بعد استقراره النسبي..
نحن دومًا نرى "الآلام محاضن الآمال".
المصدر: موقع المسلم.