[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
بكل أمانة ويقين ومسئولية تفرضها على ضميري تلك اللحظة التاريخية التي يمر بها الوطن أقول: إن أي دعوة للانسحاب من الميدان ووقف الاحتجاجات السلمية المشروعة هي خيانة لهذا الوطن ولمستقبل أجياله المقبلة، ما لم تتحقق إنجازات وضمانات عملية تقطع الطريق بشكل نهائي على النظام القديم، نظام "المافيا" الذي حكم مصر طوال ثلاثين عامًا أو يزيد؛ لأن مفاصل الدولة السياسية والأمنية والقانونية والتشريعية والإعلامية بالكامل ما زالت في قبضة هذا النظام، وبالتالي يكون الدعوة إلى ترك الميدان والشارع هو تآمر لنزع السلاح الوحيد في يد الشعب، والضمانة الوحيدة لفرض إرادة الأمة، وتحقيق شوقها الذي طال إلى الحرية والكرامة.
كل ما يقدمه اللواء عمر سليمان لا يساوي الحبر الذي يكتب به، وكما قلت من قبل مرارًا: عصافير على الشجر، وعود ولجان، والخبرة المصرية الراسخة تقول: إذا أردت إماتة أمر شكّل له لجنة. ويستطيع مبارك أن يمحو كل هذا الكلام الفضفاض في دقيقة واحدة، طالما بقي في منصبه الدستوري كرئيس للجمهورية، بل إن وجود عمر سليمان نفسه في منصبه يمكن أن يلغيه مبارك بشرطة قلم لا تتجاوز اثنين سنتيمتر في نصف دقيقة، ويذهب سليمان ليرتدي البيجامة في بلكونة منزله في نفس اليوم.
حتى الآن لم يقدم النظام السياسي أي شيء يمكن أن تمسكه بيدك أو تقول إنه إنجاز تحقق، كما أنه لا يوجد أي ضمان جدي لهذا الذي يقدم، ومن هنا كان الإصرار على تخلي مبارك رسميًّا عن السلطة أو تفويضه بكافة صلاحياته كرئيس للجمهورية لنائبه مطلب جوهري وأصيل ولا بديل عنه، هو الضمان الوحيد الذي يمكن تقديمه للجماهير، رحيل مبارك ليس هو الإصلاح، ولكنه فتح الباب أمام الإصلاح، والحال الآن أنك تتحدث عن ما يمكنك فعله في بيت أنت لا تملك مفتاحه، بل مفتاحه مع عدوك، وهذا ما يعني أن كل هذه الحوارات التي تحدث هراء ومضيعة للوقت واستنزاف للثورة، أو محاولة للفتّ في عضدها.
كما أن الجيش نفسه، وهو ورقة الحسم الأكيدة في هذه اللحظة التاريخية، لم يقل كلمته، ولا أحد يعرف موقف الجيش الآن، سوى إعلانه الامتناع بشكل نهائي عن استخدام سلاحه في صدور المتظاهرين، وهذا موقف أخلاقي يشكر عليه القادة العسكريون، غير أنه موقف يرتبط أيضًا بعوامل دولية ترى وتسمع وتشاهد، كما يرتبط بمخاطرة رهيبة لا يملك أحد تحمل مسئولياتها إنْ حدث انقسام داخل المؤسسة العسكرية -لا سمح الله- إن كان أحدهم قد تهور وأمر بإطلاق النار على المتظاهرين، والحمد لله أن هذا لم يحدث، وتمسكت القيادة العسكرية بالحكمة.
ولكن المؤسسة العسكرية لم تقل كلمتها في الأحداث الجوهرية، قالت إن المطالب مشروعة، لكنها لم تقدم أي ضمانات لتحقيق هذه الإصلاحات، بل إن الموقف الظاهري الآن أنها ما زالت تدعم مبارك، لماذا لم تخرج القيادة العسكرية أمام الناس لتقول لهم إنها ضامنة لما يتفق عليه من إجراءات تصحيحية وتعديلات دستورية وحزمة الإصلاح التي يجمع عليها المصريون الآن؟ لماذا لم تتكلم المؤسسة العسكرية؟
اللواء عمر سليمان لا ينظر الآن إلا إلى الإجراءات التي تتيح له الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة؛ لأن النص الدستوري الحالي لا يسمح له بالترشح، وبالتالي تعديل المادتين 76، 77، هي قضيته هو الشخصية قبل أن تكون مطالب الجماهير، وهو يعطل أي إنجاز حقيقي على الأرض مثل حل البرلمان أو استقالة مبارك أو حتى تفويضه من أجل ضمان تلك "الجراحة الدستورية" التي تضمن له المنصب في سبتمبر المقبل، غير أن هذا التسويف والرهان على الوقت وتعليق أي إنجاز حقيقي يمثل مخاطرة، وقد يخسر سليمان "الفرصة التاريخية" كلها؛ لأن المعادلة الآن ليست في يده وحده، بل في أيادٍ أخرى أيضًا، منها الجيش ومنها الشعب الذي في الميدان.
إلغاء حالة الطوارئ علقه على تحسُّن الأمن، وهو نفس الخدعة التي استخدمها مبارك طوال ثلاثين عامًا؛ فالأمن دائمًا مهدد والطوارئ دائمًا باقية، وبالتالي "من أجل الوطن وأمنه" ستستمر الطوارئ!! والبرلمان لن يحل لأن الدستور لا بد من تعديله رغم الإقرار بأنه مزوَّر، وحكومة الوحدة الوطنية لن تتشكل لأن هناك أعمالاً يجب استكمالها والإصلاحات المطلوبة سنشكل لها لجانًا، و(ابقَ قابلني)!! فماذا حصل عليه المصريون الآن، أن تشرفوا بمقابلة كريمة من نائب رئيس الجمهورية؟!!
المصدر: موقع طريق الإسلام نقلاً عن صحيفة المصريون.