[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]تعريف الدواوين
الديوان لفظ فارسي معرب، ومعناه في العربية "مُجْتَمَع الصحف" أي الكتاب أو السجل[1]، أما تعريفه الاصطلاحي فهو -كما يقول الماوردي-: "موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال"[2].
نشأة الدواوين
كثير من المؤرخين يذكرون أن الدواوين قد نشأت في عهد عمر بن الخطاب ؛ وكان ذلك نتيجة لاتساع رقعة الدولة الإسلامية، وهذا الأمر صحيح من ناحية تخصيص الدواوين، وتعيين رؤساء لها، لكن النظرة التأسيسية للدواوين بدأت منذ عصر النبي ؛ حيث اتخذ كُتَّابًا، يكتبون له الرسائل: رسائل الدعوة إلى الملوك والأمراء وزعماء القبائل، وغيرها من الرسائل إلى العمال أو الولاة، ومن ثَمَّ فإن نشأة الدواوين في الدولة الإسلامية بدأت منذ عهد النبي ، وإن لم يتخذ المسلمون وقتئذ مسمى الدواوين، إلا أن وظيفة كاتب الرسائل كانت موجودة ومعروفة فيما بينهم.
أهمية الكتابة في النظام الإسلامي
تكمن مهمة هذا الديوان بالكتابة، فالكتابة على مرِّ العصور قد اعْتُبِرَتْ من أشرف مناصب الدنيا بعد الخلافة؛ إذ إليها ينتهي الفضل، وعندها تقف الرغبة، وقد زادت أهمية الكتابة منذ مجيء الإسلام؛ فقد اتخذ النبي عددًا من الكتاب قَدَّرتهم بعض المصادر بما يزيد على الثلاثين كاتبًا[3].
وقد كان الخلفاء والأمراء من أشد الناس حاجة للكُتَّاب؛ لذلك كثر المديح في كاتب الإنشاء، فقال الزبير بن بكار: "الكُتَّاب ملوك وسائر الناس سوقة"[4]. وقال ابن المقفع: "الملوك أحوج إلى الكُتَّاب من الكتاب إلى الملوك"[5].
هذا، وقد عَرَّف القلقشندي (ت 821هـ) كتابة الإنشاء بأنها "كل ما رجع من صناعة الكتابة إلى تأليف الكلام، وترتيب المعاني من المكاتَبَات، والولايات، والمسامَحَات، والإطلاقات، ومناشير الإقطاعات، والهُدَن، والأمانات، والأيمان، وما في معنى ذلك ككتابة الحكم ونحوها"[6].
وهذا النصُّ يدلنا على أن ديوان الكتابة والإنشاء لم يكن مُعَيَّنًا بمجرَّد كتابة ما يمليه الخليفة أو الأمير فقط، إنما كان يهدف أيضًا إلى صياغة العبارات المناسبة، والخطابات الدبلوماسية، ويمكن أن يُعْتَبَر كالمتحدِّث الرسمي باسم الخليفة أو الأمير، كما أنه يؤتمن على أخطر أسرار الدولة، وأدق التفاصيل في علاقة الخليفة بالأمراء والوزراء، وكذلك علاقته بالدول المحيطة.
ولا شكَّ أن تعريف القلقشندي السابق يُدلل على أن ديوان الإنشاء وصل إلى مرحلة النضج والاكتمال في معناه ومبناه في القرنين الثامن والتاسع الهجريين.
الكتابة في عهد النبي والخلفاء الراشدين
ولأهمية أمر الكتابة في الحضارة الإسلامية وجدنا رسول الله أول من اتخذ كُتَّابًا له في ظلِّ الدولة الإسلامية؛ فقد "كان يُكاتِب أمراءه، وأصحاب سراياه من الصحابة، ويكاتبونه، وكتب إلى من قرب من ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، وبعث إليهم رسله بكتبه، وكتب لعمرو بن حزم عهدًا حين وجَّهه إلى اليمن، وكتب لتميم الداري وإخوته بإقطاع بالشام، وكتب كتاب القضية بعقد الهدنة بينه وبين قريش عام الحديبية..."[7].
وبالمثل؛ فقد اتخذ الخلفاء الراشدون كُتَّابًا لهم؛ إذ كتب لأبي بكر الصديق عثمانُ بن عفان ، وزيد بن ثابت ،كما كتب للفاروق زيد بن ثابت وعبد الله بن خلف ، وكتب مروان بن الحكم لعثمان بن عفان ، وكتب لعلي بن أبي طالب عبد الله بن رافع وسعيد بن نجران الهمداني ، وكتب للحسن بن علي كاتب أبيه [8].
د. راغب السرجاني