[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
"سقوط بشار قد أصبح وشيكًا"، "رحيل بشار في غضون أيام قليلة"، "نظام بشار الأسد في حكم المنهار فعليًّا"..
هذه العبارات وما كان على نسقها قد أصبحت السمة الرسمية لتصريحات كبار المسئولين الإقليميين والدوليين لتوصيف الأوضاع السورية، وذلك بعد الهجوم الجريء والمباغت لقوات الجيش الحر على دمشق في 17 يوليو، والضربة المدوية التي وجَّهها الجيش الحر ضد أكثر الأماكن حيوية وإستراتيجية في نظام بشار بتفجير مقر عمل خلية الأزمة في دمشق، وهو التفجير الذي أطاح برموز نظام بشار وأكبر مساعديه، وربما ببعض الشخصيات الأخرى إن صحَّت أنباء وجود المصري عمر سليمان والصهيوني مائير في نفس مكان الهجوم؛ وذلك في عملية نوعية فريدة تمت على الأرجح بالتنسيق مع مخابرات إحدى الدول المجاورة.
ومع تطور الهجوم وانتقاله من دمشق إلى حلب أهم المدن السورية من الناحية الاقتصادية والإستراتيجية، دخل النظام السوري في مراحله الأخيرة فعليًّا، وأصبح الجميع داخل سوريا وخارجها يتهيأ لاستقبال نبأ فرار الأسد إلى روسيا أو إلى اللاذقية، حيث مناطق جبال العلويين مسقط رأسه ومعدن العلويين النصيريين في شمال غرب سوريا.
أنظار العالم كله تتجه هذه الأيام إلى مدينة حلب التاريخية انتظارًا لما ستسفر عنه معركة النظام الأخيرة هناك؛ فحلب مفتاح سوريا الإستراتيجي، مثلما هي بوابة تركيا، ومن يسيطر عليها يمكن أن يحقق إنجازًا إستراتيجيًّا من الحجم الثقيل، يسهِّل الوصول إلى دمشق العاصمة، والنظام السوري قد يستخدم كل ما في جعبته من أسلحة بما فيها الكيميائية لمنع سقوط المدينة في يد الجيش السوري الحر؛ لأن هذا السقوط يعني عمليًّا إعلانها -والمدن الأخرى المجاورة لها، مثل إدلب- منطقة آمنة ونواة لسوريا الجديدة، ومقرًّا لحكومة الوحدة الوطنية التي تتشاور بعض فصائل المعارضة السورية لتشكيلها فعليًّا.
لكن على ما يبدو أن بشار الأسد قد أدرك منذ فترة أن نظامه سينهار عاجلاً أو آجلاً، فبدأ ومنذ فترة كما قلنا في التخطيط لآخر وأقذر مهامه كطاغية ابن طاغية، لتكون نهاية أعماله ومهامه الإجرامية والشيطانية بحق بلاده وأمته ولا أقول دينه؛ لأنه لا ينتمي لهذا الدين أصلاً.. هذه المهمة هي تفجير سوريا وتفكيكها لعدة دويلات على نفس المخطط الاستعماري القديم الذي حاولت فرنسا تمريره سنة 1934م، وتصدى له أحرار سوريا وشرفاؤها وقتها وأحبطوه، وها هو صنيعة الصهاينة وحارس بوابتهم الشمالية يشرف على تنفيذه بعد قرن من الزمان، لتكون خاتمة أعماله وأعمال أسرته المشئومة في سوريا.
بشار الأسد يعلم أن تنامي قوة الجيش الحر وارتفاع قدراته القتالية والتسليحية يرجع إلى المساعدة التركية القوية بعد إنشاء قاعدة تسليح وتدريب الثوار في مدينة أضنة التركية القريبة من الحدود التركية - السورية، كما يعلم بشار أن أي هجوم دولي على بلاده سيكون انطلاقًا من البر التركي، فسواحله البحرية شبه آمنة بسبب القطع البحرية الروسية الرابضة في طرسوس وغيرها والتي ستعيق أي تدخل خارجي من ناحية البحر؛ لذلك قام بشار في الأسبوع الماضي بالخطوة الأخيرة في مسلسل تمزيق سوريا بتسليمه شمال شرق سوريا لحزب العمال الكردستاني؛ الخصم اللدود والعدو التاريخي للدولة التركية، فقد انسحب الجيش السوري بطول الحدود السورية التركية، وأوجد فراغًا متعمدًا للمتمردين الأكراد، إيذانًا بقرب انفجار الأوضاع على الجانبيين التركي والسوري على حد سواء.
وموقف الأكراد من الثورة السورية اتسم بكثير من الانقسام والتناقض أيضًا، فبينما أيَّد تحالف من عشرات الأحزاب الكردية مبدئيًّا الانتفاضة الشعبية ضد الأسد، اصطف حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) (فرع حزب العمل الكردستاني في سوريا) مع النظام السوري، وزاد على ذلك أن عمل على ترهيب المعارضين وسحق الاحتجاجات الشعبية. في حين اختار آخرون البقاء على الهامش، حذرين من توحيد الصفوف مع المعارضة التي يهيمن عليها العرب السُّنَّة، بعد أن صموا آذانهم عن الحقوق الكردية لفترة ما بعد الأسد، ولعل الاشتباك اللفظي والعراك الذي وقع في مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة أواخر الشهر الماضي بين الأكراد وباقي المعارضين كشف عن حجم المأساة، كما كشف عن مدى استعداد الأكراد لقبول فكرة تقسيم الوطن السوري، وقيام وطن خاص للأكراد السوريين، أو حتى على الأقل إقليم ذاتي الحكم كما هو الحال مع أكراد العراق.
لذلك قام الأكراد عقب مؤتمر القاهرة بالمسارعة بعقد مؤتمر آخر، حيث اجتمعت مختلف الأطراف السورية الكردية تحت العباءة الكردية العراقية بزعامة مسعود البرزاني، في عاصمة الحكم الذاتي الكردي في كردستان العراق أربيل، ووقَّعوا على اتفاق الوحدة التي تتيح لهم السيطرة على البلدات الشمالية الشرقية السورية التي انسحبت منها معظم قوات الأسد من دون قتال؛ لتنفجر بذلك المنطقة ومعها أسوأ كوابيس الدولة التركية.
بشار يخطِّط لذلك منذ فترة، وبعدما تبين له أن سقوطه مسألة وقت، فثمة ترتيبات وإجراءات إدارية وتنظيمية واقتصادية وجغرافية يقوم بها النظام الأسدي منذ مطلع العام، تقوم على أساس التقسيم الجغرافي الطائفي، فقد تم إجلاء العلويين النصيريين في حمص ودرعا ودير الزور وغيرها من المناطق ذات الكثافة السنية العالية، وتوجيه هذه الأعداد ناحية اللاذقية وما حولها من جبال العلويين، كما تم إطلاق سلسلة من المذابح الطائفية المرعبة بحق أهل السنة على يد الشبيحة النصيريين، وتم توثيق هذه المذابح بصبغة طائفية كريهة، جعلت من مسألة التعايش بين أهل السنة والنصيريين المرتدين شبه مستحيلة..
كما أن الخطاب الإعلامي للطائفة العلوية أخذ منحنى آخر في الشهور الأخيرة، فبعد التعاطف الظاهري مع الثورة وضحاياها والنأي بالطائفة عن جرائم الأسد، أصبح الخطاب أكثر وضوحًا في انحيازه للأسد وأكثر تبريرًا لجرائمه، كما تم إعادة تقسيم بعض المناطق الجغرافية في حمص وحلب وريف دمشق، وتغيير حدودها وحواجزها بنفس المعيار الطائفي المتبع في لبنان؛ دولة الفشل الطائفي الأولى في المنطقة.
وعلينا ألاّ ننسى أن أي تقسيم لسوريا سيصب في النهاية لصالح الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين؛ لأن السقوط الحتمي لبشار كان سيتبعه قيام نظام سني لا تُؤمن عواقبه، خاصة وأن الصبغة الإسلامية الواضحة للثوار السوريين قد أعلنت بجلاء عن الخط الأيدلوجي المتوقع لهم، حال وصولهم للحكم، أضف لذلك أن الثورة قد أعلنت منذ البداية أنها ستحرر كامل التراب السوري من الاحتلال الأسدي والصهيوني، ويقصدون منطقة الجولان المحتلة منذ سنة 67 حتى الآن.
فبشار الأسد اليوم يقوم بآخر مهامه القذرة ويضع اللمسات الأخيرة لتمزيقه الوطن السوري الكبير، وتقطيع أرض الشام التي هي أرض الجهاد ومهبط الأنبياء ومعدن الرسالات.. بشار يمزق سوريا لكيانات ودويلات طائفية وعرقية في أسوأ مُكوّن وأساس تقوم عليه أي دولة، فدويلة للأكراد وأخرى للعلويين وثالثة للعرب ورابعة للنصارى، في خدمة منه لأعداء الأمة الذين ينتظرون مثل هذا اليوم الذي يأتي على أمة الإسلام ليفجر فيها القلب؛ فالشام هي القلب والعراق هي الظهر ومصر هي العقل والسعودية هي الروح، وإن كان الظهر قد انقصم، والقلب على وشك الانفجار، مَن الذي يضمن ألاّ يطيش العقل، وعندها تزهق الروح.
ولكن كل ما يخطط له بشار ويريد تنفيذه لن يتم بمشيئة الله الغالب على أمره، حتى لو أقام الأسد دويلته الحقيرة الذليلة في اللاذقية وجبال العلويين ليأمن فيها على نفسه وطائفته ويتولى حراسة الشمال الصهيوني، حتى لو فعل ذلك فإن أحرار وأبطال سوريا والأسود الحقيقيين للجيش الحر سيتعقبون البطة ابن النعجة في حصونه ويدكونها عليه دكًّا.
والذي يجب أن تعيه إن كان فيك وعي أو عقل أصلاً؛ أنك يا بشار مقتول شر قتلة -قطعًا لا ظنًّا- بمشيئة الله لا محالة، وإنْ طال بك الزمان.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.