[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
أفهم أن يكون لدى طاغية دمشق حساسية مفرطة تجاه المسجدين "العمري" بدرعا، و"الأموي" بدمشق، وأتصور كم يثير اسميهما ضيقًا شديدًا لديه لتذكيره بتاريخ يتبرأ منه هو وزمرته، وأن ينسحب هذا الضيق على كل المساجد، فينعش ذاكرتنا بالدعاية الثورية الإيرانية في العراق في الأعوام 2003م وما بعدها، والتي كانت تعبِّد الطريق لنسف المساجد لاعتبارها مخازن لأسلحة المقاومين، وأتصور ألا يبتعد كثيرًا عن ممارسات الصهاينة في تحويل سيارات الإسعاف إلى عربات تغص بالقناصة الذين يحملون الموت لا الشفاء للجرحى..
لكن ما لا أفهمه هو اطمئنانه الكبير إلى قدرته على الإفلات من الملاحقات القضائية بعد أيام قليلة من التلويح بتقديم ملف القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإقدامه اليوم على إكمال ما بدأه قبل أيام على ارتكاب فظائع إجرامية جرى تسجيلها بالصوت والصورة وباتت مشاعًا على صفحات اليوتيوب، والتي تستقيم لتوفر ملفًّا متكاملاً جاهزًا لأي منظمة حقوقية أو محامٍ من ذوي الضمير الإنساني لتقديمها للمحكمة الدولية في لاهاي، لا لكي تجري تحقيقًا مستقلاًّ، وإنما لحشرها كما الأنظمة التي تفرض هيمنتها على المنظمة الدولية الرئيسية وتوابعها في زاوية التحقيق، أو التواطؤ العلني مع النظام السوري، مثلما ماطلت من قبل في قضية الحريري وغيَّبت نتائجها.
في ظاهر الأمر، يبدو الأمر مثيرًا للاستغراب عن هذا الاطمئنان الذي يبديه النظام السوري لردَّات الفعل الدولية على المذابح التي ارتكبت اليوم وقبله في درعا والصنمين والقامشلي ودمشق وغيرها من المحافظات والمدن السورية؛ حيث لا وجل لدى النظام من الملاحقة التي وفر لها ما تستحقه من أدلة تثبت قتل المئات بدم بارد وبرصاص حي بلا أدنى مبالاة، لكن عند الاقتراب من الواقع يجد أن النظام السوري (الوريث) لا يفعل سوى إنتاج ما فعله نظام الأب قبل نحو ثلاثين عامًا على نحو مصغَّر، مرتاحًا إلى أن ما قد مرر تحت تعتيم الإعلام وتواطؤ القوى الدولية دون عقاب في مجزرة حماة يمكن أن يطمر الآن، برغم تسلل الفضائيات بخجل إلى أحداثه بعد إحراج النشطاء لها عبر الميديا الجماهيرية الجديدة.
أركان "الجريمة" ضد الإنسانية متكاملة ومطابقة لهذا النص الخاص بتعريف الجريمة ضد الإنسانية لدى محكمة العدل الدولية، والذي يوضح أن "أي فعل من الأفعال التالية يشكل جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي موجَّه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم..
1- القتل العمد. 2- الإبادة. 3- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي. 4- التعذيب. 5- ... أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة. 6- اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية. 7- الاختفاء القسري للأشخاص. 8- الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدًا في معاناة شديدة، وفي أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية" (اقتصرت على نقل البنود المتعلقة بالأحداث من النص).
وهي أمور تمكن النظام من توفيرها دفعة واحدة في عدة أيام دون الحاجة إلى النبش في صفحات تاريخه السوداء، يقول الخبير شريف بسيوني مدير مركز العدالة الجنائية الدولية ورئيس مفوضية خبراء الأمم المتحدة حول يوغسلافيا السابقة، ومؤلف "الجرائم ضد الإنسانية في القانون الجنائي الدولي": إن "أي شخص متهم بتلك الجريمة لا يستطيع طلب (استثناء) من التسليم لأن (الجرم سياسي)، وأن من واجب الدول مساعدة بعضها بعضًا في تقديم الدليل الضروري للمحاكمة. ولكن ما له أهمية كبرى أن أي منفذ لجريمة لا يستطيع الدفاع عن نفسه بالزعم أنه كان (يطيع أوامر أعلى)، وأن أي نظام أساسي يقيد ذلك موجود في قوانين أية دولة لا يمكن تطبيقه. وأخيرًا، لا أحد محصن من المقاضاة على مثل تلك الجرائم، حتى وإن كان رئيس دولة".
وهذا بالطبع ليس بعيدًا عن مخيلة النظام السوري الذي لم يبتعد كثيرًا عن معمعة محاكمة الحريري، وذاكرته ليست صدأة بما لا يمكنه من تذكر تلك النصوص، كما أنه يعرف أن نظام القذافي الذي أرسل رفيقه السوري طائراته لقصف الثائرين وأعيد أحد طياريها قتيلاً ليدفن في منطقة الأقلية التي ينتمي إليها الرئيس قبل أيام قلائل، هو أيضًا قد أشهرت بطاقة المحاكمة الدولية مؤخرًا، وهو يعلم بيقين أن طاغية تونس قد طلب "مواطنوه" جلبه لأجل محاكمته، كما تتضافر الإجراءات في مصر شيئًا فشيئًا، ويتنادى الثائرون من أجل محاكمة طاغيتها السابق.
فإلام يطمئن الأسد؟! وهل يلقى النظام السوري ضمانات ما بعدم الملاحقة في ظل محاولات ربما يُعِدُّ لها الآن من أجل تهريب النظام إلى الأمام عبر البوابة الفلسطينية التي يجري تسخينها تزامنًا مع تنامي الغضب الشعبي السوري على النظام الذي بَطَل سحرُه "المقاوم"؟! أم هل أدرك النظام أن معركته اليوم لا تقبل أنصاف الحلول؟ وأن المضي قدمًا في طريق المذابح لا مناص منه في ظل تآكل شعبيته وتزايد النقمة الجماهيرية من "نظام" فارق العدالة فاستحق أن يجلب لها (...).
المصدر: موقع المسلم.