[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
طالعتنا الصحف في صباح السبت 7 أغسطس 2010م بتصريحات إيجابية أدلى بها عبد العزيز بلخادم، الممثل الشخصي للرئيس الجزائري، أن الإعلام كان السبب الرئيسي وراء الأزمة العابرة بين الجزائر ومصر في نوفمبر من العام الماضي، على خلفية أزمة كرة القدم.
وأكد بلخادم، الذي يشغل أيضًا منصب أمين عام حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي يملك الأغلبية في البرلمان والحكومة الجزائرية، أن هذه الأزمة مهما بلغت لا يمكنها التفريق بين الشعبين الشقيقين اللذين تجمعهما أواصر الأخوة، ويربط بينهما التاريخ والمصير المشترك.
وأضاف بلخادم، إن العلاقات بين البلدين تعود إلى طبيعتها بالتدريج، ودلل على ذلك بالزيارة التي قام بها الرئيس المصري محمد حسني مبارك للجزائر بداية شهر يوليو الماضي، ولقائه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة معزيًا في وفاة شقيقة.
واستثمارًا لهذه التصريحات البناءة سوف نعرض من خلال موقع قصة الإسلام -الداعم لأي بادرة ترابط ووحدة بين بلاد العالم العربي والإسلامي- لفترة خالدة مشرِّفة ليس في تاريخ الجزائر فقط، بل في تاريخ الأمة الإسلامية كلها..
فللجزائر مكانة كبيرة جدًّا في قلوب المسلمين في الأرض، فهي معقلٌ كبير ومهمٌّ من معاقل الإسلام، ويشهدُ تاريخها على مدار أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان على حميَّة أهلها للدين، ونصرتهم للعقيدة، كما يعرف كلُّ المسلمين الذين يرتبطون بعلاقات مع الجزائريين مدى حبِّ هذا الشعب الأصيل للإسلام وأهله، ومدى استعدادهم لبذل الغالي والثمين من أجل رفعةِ هذه الأمة الكريمة، كما أنهم يتميزون بحبٍّ فطري غيرِ متكلَّف لكل رموز الإسلام وعلمائه.
وللجزائر مكانة ريادية في كثير من القضايا التي تشغل الأمة الإسلامية، ولعل من أبرز الأمور التي علَّمتها الجزائرُ لبقية الأمة هي أن الأمم لا تُحرر إلا ببذل الدماء، وصرف الجهود والأعمار، ووضوح الهدف والرؤية والاستعداد الكامل للتضحية بكل شيء في سبيل تطهير الأرض الإسلامية من عدوٍّ مغتصب؛ ولهذا كانت الجزائر قدوة لكل المسلمين في قضايا التحرير، بعد أن شاهد الجميع الملاحم الرائعة للجهاد ضدَّ الفرنسيين، وتقديم أكثر من مليون شهيد، والعمل المستمر دون كلل ولا إحباط على مدار مائة وثلاثين سنة حتى كتب الله للجزائر الحرية في عام 1962م بعد هذا الجهاد المشرِّف.
كلُّ هذا يرفع الجزائر وأهله فوق قمَّة ساميةٍ، ينظر إليها كل المسلمين بكل الحب والتقدير[1].
الجزائر بين الاحتلال والتحرير
احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م، وحاولت أن تغيِّر من هوية الشعب الجزائري، ولما لم يستجبِ الجزائريون للفَرْنَسَة، وإن كان قد قبلها اليهود الجزائريون، بطشت الحكومة الفرنسية بمسلمي الجزائر، وحاربت لغتهم العربية، كما حاربت الثقافة الإسلامية، حيث قامت بإغلاق المدارس الإسلامية والكتاتيب!!
وقد جاء في تقرير رسمي رفعته لجنة التحقيق الفرنسية إلى الملك شارل العاشر سنة 1833م، ما نصه: "كيف يجوز لنا أن نشكو من مقاومة الجزائريين للاحتلال، في وقتٍ قامت فيه فرنسا بتهديم المساجد، وإلغاء القضاء الشرعي، والاستيلاء على أموال الأوقاف، وتعيين الإمام والمفتي الموالين للإدارة الفرنسية؟! لقد أهدرت السلطات الفرنسية حقوق الشعب، وداست مقدساته، وسلبت حرياته، واعتدت على الملكية الفردية، ودنَّس جنودها المساجد، ونبشوا القبور، وأعدموا شيوخًا من الصالحين؛ لأنهم تجرءوا على الشفاعة لمواطنيهم!
كما عملت فرنسا على توطين الفرنسيين في الأراضي الجزائرية ليكونوا عيونًا لها في الأراضي المحتلة، فأعطتهم أفضل الأراضي وأكثرها خصوبة؛ ليشعروا بأهمية ما قُدِّم لهم فيكونوا مخلصين لحكومتهم، كما عملوا على إفقار الجزائريين، ونشر المفاسد بينهم، وذلك إضافة إلى محاولاتهم المتكررة لإفساد المرأة المسلمة وخلعها من مجتمعها الإسلامي.
وابتكرت وسائل جديدة لقهر المسلمين، فقامت بجمع المتمردين ووضعت حولهم الأسلاك الشائكة، ثم تركتهم في الصحراء حتى قضوا جميعًا، تركتهم يعانون الموت البطيء في العراء، كما شكلت فرنسا فرقة خاصة مهمتها اغتصاب النساء وقتل الأطفال؛ لإرهاب أي قرية يشتبه في تمردها.
وأعلن قائد الغزو الفرنسي (روفيجور) عن رغبته في تحويل المساجد إلى كنائس، ثم قال: إنه يلزمه أجمل مسجد في المدينة ليجعل منه معبدًا للمسيح، واختار مسجد القشاوة وأمر على الفور بتحويله إلى كنيسة!! وفي الميعاد المحدد تقدمت إحدى فرق الجيش، وهاجمت المسجد بالفئوس والبلط، وإذا بداخل المسجد 4000 (أربعة آلاف) مسلمٍ اعتصموا جميعًا خلف الأبواب دفاعًا عن المسجد، فاندفعت نحوهم القوة العسكرية فدحرتهم بالسناكي والحراب؛ فخرُّوا صرعى وجرحى تحت أرجل الجنود، وقد استمرت هذه المعركة طوال الليل!! ولما انتهى الجنود من هذا المسجد تحولوا إلى مسجد (القصبة) الغني بالذكريات عن الإسلام، ففعلوا به ما فعلوه بالمسجد السابق..!! ثم اصطف الضباط، والجنود بعد ذلك لإقامة قداس ابتهاجًا بهذا الفوز العظيم!!
ثم قامت الثورة الجزائرية في عام 1954م، أي بعد أكثر من مائة عام على الاحتلال!! وبمطلب وحيد وهو الحصول على الاستقلال، فماذا كان ردُّ الفعل الفرنسي المتحضر؟!
لقد تمادت فرنسا في عنادها وشنت على الجزائر حرب إبادة كاملة وتدمير الشامل، وأخذت القوات الجوية الفرنسية في دك القرى الجزائرية، وأبيدت قرى بأكملها، وكان الجيش الفرنسي ينتقم من الأهالي العزل ويثأر من الشيوخ والنساء والأطفال الذين صمموا على الحياة الأبيَّة الحرة، فكم من قرية أحرقت ادَّعى الفرنسيون أنها كانت ملاذًا للمجاهدين! وكم من مسلم تعرض للتعذيب الوحشي بتهمة مساندة الثوار[2]!!
الثورة الجزائرية بأقلام المحللين
قام الباحث والصحفي مصطفى عاشور من خلال دراسته القيمة (الجزائر تضحيات ومجازر) بإلقاء الضوء على أهم الأحداث التي شهدتها فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر واندلاع الثورة الجزائرية، حتى حصول الجزائر على استقلالها في شهر يوليو 1962م..
كان الاستعمار الفرنسي يهدف إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعًا لفرنسا؛ لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيدتهم ووحدتهم، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين، الذين بلغ عددهم عند استقلال الجزائر أكثر من مليون مستوطن، ثم محاربة الشعب المسلم في عقيدته، فتم تحويل كثير من المساجد إلى كنائس أو مخافر للشرطة أو ثكنات للجيش، إضافةً إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة، أبيدت فيها قبائل بكاملها.
وقد بدأت المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال مع نزول أرض الجزائر، وكان أقوى حركاتها حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر الجزائري في 1832م، واستمرت خمسة عشر عامًا، استخدم فيها الماريشال الفرنسي "بيجو"، وقواته التي وصل عددها (120) ألف جندي، حرب إبادة ضد الجزائريين، والحيوانات، والمزارع، فوقع الذعر في قلوب الناس، واضطر الأمير عبد القادر إلى الاستسلام في 1847م.
ولقد أحدث المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر جروحًا عميقة في بناء المجتمع الجزائري، حيث عملت فرنسا على إيقاف النمو الحضاري والمجتمعي للجزائر، وحاولت طمس هوية الجزائريين الوطنية، وتصفية الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها هذا المجتمع، بضرب وحدته القبلية والأسرية، واتباع سياسة تبشيرية تهدف إلى القضاء على دينه ومعتقده الإسلامي، وإحياء كنيسة إفريقيا الرومانية التي أخذت بمقولة "إن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين".
وكان التوجه الفرنسي يعتمد على معاداة العروبة والإسلام، فعملت على محو اللغة العربية، وطمس الثقافة العربية والإسلامية، وبدأ ذلك بإغلاق المدارس والمعاهد، ثم تدرج مع بداية القرن العشرين إلى منع تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة أجنبية، وعدم السماح لأي شخص أن يمارس تعليمها إلا بعد الحصول على ترخيص خاص وفي حالات استثنائية، ومن ناحية أخرى عملت على نشر الثقافة واللغة الفرنسية، واشترطوا في كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلم اللغة الفرنسية، كذلك عملوا على الفصل بين اللغة العربية والإسلام، والترويج لفكرة أن الجزائريين مسلمون فرنسيون.
كما اهتم الفرنسيون بالترويج للهجات المحلية واللسان العامي على حساب اللغة العربية، فشجعوا اللهجة البربرية (الأمازيغية)، واتبعوا كل سبيل لمحاربة اللسان العربي، واعتبروا اللغة العربية الفصحى في الجزائر لغة ميتة.
وحارب الشعب سياسة التفرقة الطائفية برفع شعار "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا" الذي أعلنه العالِم والمجاهد الجليل عبد الحميد بن باديس، ورأى المصلحون من أبناء الجزائر في ظل فشل حركات المقاومة، أن العمل يجب أن يقوم -في البداية- على التربية الإسلامية لتكوين قاعدة صلبة يمكن أن يقوم عليها الجهاد في المستقبل، مع عدم إهمال الصراع السياسي، فتم تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931م بزعامة ابن باديس، التي افتتحت مدارس لتعليم ناشئة المسلمين، وهاجم ابن باديس الفرنسيين وظلمهم، وشنع على عملية التجنس بالفرنسية وعدها ذوبانًا للشخصية الجزائرية المسلمة، وطالب بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، وأثمرت هذه الجهود عن تكوين نواة قوية من الشباب المسلم يمكن الاعتماد عليها في تربية جيل قادم.
اتجه الجزائريون إلى العمل السري، وكان يتم اختيار أفراد هذا العمل من خيرة الشبان خلقًا وأدبًا، فلم يكن يسمح بضم الملحدين أو الفوضويين، وبدأت خلايا المجاهدين تنتشر في الجزائر طولاً وعرضًا، وأحيطت أساليب العمل بسرية تامة؛ مما كان له أكبر الأثر في نجاح الثورة، واستطاع هذا التنظيم الدعاية للثورة في صفوف الشعب وإعداده للمعركة القادمة.
وقد تشكلت لجنة مؤلفة من (22) عضوًا برئاسة محمد بوضياف عرفت باسم "اللجنة الثورية للوحدة والعمل" كان مهمتها قيادة العمل السري، وأوكل إلى بعض أفرادها مهمة العمل لإشعال الثورة، وتم تشكيل جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي حددت يوم 1 نوفمبر 1954م موعدًا لبدء الثورة الجزائرية، وهو يصادف عيد القديسين عند الفرنسيين، وأعلنت الجبهة في بيانها الأول أهدافها ووسائلها التي تصدرها الاستقلال الوطني وإقامة دولة جزائرية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، واحترام الحريات دون تمييز ديني أو عرقي، وأعلنت الجبهة أنها ستواصل الكفاح بجميع الوسائل لتحقيق ذلك الهدف، وتأسس في ذلك اليوم جيش التحرير الوطني، وفُتح للجبهة عدد من المكاتب في الخارج.
وفوجئت السلطات الاستعمارية الفرنسية بوقوع سلسلة من الهجمات المسلحة شنها المجاهدون الجزائريون على المنشآت والمراكز العسكرية الفرنسية في كامل أنحاء البلاد، وعلى الأخص في جبال الأوراس والقبائل والشمال القسطيني وتلمسان، وكان ذلك إيذانًا ببداية الحرب طويلة الأمد التي استمرت سبع سنوات ونصفًا، وكان رد الفعل الفرنسي الأول ممثلاً بموقف رئيس وزرائها "مانديس فرانس" الذي أعلن أن جواب فرنسا على هذه العمليات التمردية هو الحرب، وبادر بإرسال قوات المظليين الفرنسيين في اليوم التالي، وقامت هذه القوات ذات القبعات الحمراء بارتكاب أبشع الأعمال الإجرامية والدموية ضد الشعب الجزائري، فدمرت قرى بكاملها، ومورست الإبادة الجماعية والتعذيب البشع، وصرح وزير الداخلية الفرنسي "فرانسوا ميتران" أن الجزائر هي فرنسا.
وفي ظل ثبات الشعب الجزائري وتصميمه على المقاومة أصبحت القضية الجزائرية معضلة من أضخم المشكلات الدولية، وتعددت مناقشاتها في الأمم المتحدة، واكتسبت تعاطفًا دوليًّا متزايدًا على حساب تآكل الهيبة الفرنسية عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وقام قادة الثورة بزيارات لعدد من دول العالم، وتشكلت حكومة جزائرية مؤقتة في 19 سبتمبر 1958م برئاسة عباس فرحات، ولم يمض شهر واحد على تشكيلها حتى اعترفت بها (14) دولة.
وبعد مفاوضات طويلة مع فرنسا تم الاتفاق في 19 مارس 1962م على وقف إطلاق النار بين الجيش الفرنسي وجبهة التحرير الجزائرية، وأن تتولى شئون الجزائر هيئة مؤقتة تتألف من (12) عضوًا، ثم جرى استفتاء في 1 يونيو 1962م على استقلال الجزائر، جاءت نتيجته 97.3% لمصلحة الاستقلال[3].
إن إخراج فرنسا وتحرير الجزائر من الاحتلال إنجاز يعتزُّ به كل مسلمٍ وكل حرٍّ، وهو وسام تقدير نفخر به جميعًا عربًا ومسلمين، ولا يمكن أن ننسى تضحيات من ضحَّوا ردحًا من الزمن، لتعود بلادنا إلى انتمائها العربي الإسلامي.
[1] د. راغب السرجاني: بين التاريخ والواقع.
[2] د. راغب السرجاني: أخلاق الحروب، مؤسسة اقرأ للطباعة والنشر.
[3] مصطفى عاشور: الجزائر.. تضحيات ومجازر، موقع إسلام أون لاين.
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]