[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
تشهد الجزائر انتخابات برلمانية في العاشر من شهر مايو الجاري في وقت يزيد فيه الحديث عن احتمال تزوير الانتخابات منعًا لوصول الإسلاميين للسلطة، كما حدث في عدة دول مجاورة. وما زاد من هذه المخاوف ما نقل من تصريحات لمسئولين بارزين يستبعدون وصول التيار الإسلامي للسلطة، ويؤكدون على الفارق بين الوضع في الجزائر وبعض الدول المجاورة، وهي تصريحات لا تشير إلى توقعات بقدر ما تشير إلى إرادة سياسية عند السلطة..
كما أنها تشبه -إلى حد كبير- تصريحات المسئولين المصريين واليمنيين والليبيين والسوريين بعد ثورة تونس، ثم ما لبثت الأيام أن أثبتت الأوهام التي يعيشها عدد كبير من الحكام العرب الذين لا يشعرون بشعوبهم إلا إذا انتفضوا وهبوا مدافعين عن حقوقهم.
الغريب في هذه التصريحات أنها تتجاهل حالة لم يمر عليها سوى أعوام قليلة عندما اختار الشعب الجزائري بمحض إرادته الإسلاميين في انتخابات نزيهة، أدى الانقلاب العسكري عليها إلى حمام دم ما زالت البلاد حتى الآن تعيش تداعياته.. فلماذا يُستبعد أن يختار الشعب الجزائري المتدين بطبيعته، والذي كان في طليعة الشعوب العربية التي اختارت بملء إرادتها الحكم الإسلامي أن يعيد الكَرَّة مرة أخرى إذا كانت ستجري انتخابات نزيهة في الواقع؟
ثم إن الأوضاع في الجزائر تشهد تدهورًا ملحوظًا على أيدي الحكومات المتعاقبة، والتي أثبتت فشلها على جميع الأصعدة، وتمكنت أجهزة القمع بصعوبة من السيطرة على الاحتجاجات التي شهدتها البلاد مؤخرًا مطالبة بتحسين الأحوال المعيشية وتوفير فرص عمل، وقام بعض الأشخاص بالانتحار حرقًا على طريق البوعزيزي في تونس، محاولين تفجير ثورة مشابهة..
الحكومة تحاول إبعاد شبهة التزوير عن نفسها بوجود مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات، حيث سمحت الحكومة بقدوم 120 من الاتحاد الأوربي من أجل هذا الغرض، ولكن هناك العديد من الإشكاليات حول هذا الأمر، أولها: أن عدد المراقبين غير كافٍ مقارنة بعدد مراكز الاقتراع في البلاد، وهو ما حذر منه عدد من الأحزاب السياسية. كما أن دول الاتحاد الأوربي ترتبط بعلاقات اقتصادية وطيدة مع النظام الجزائري القائم، وهناك عقود وصفقات كبيرة تربط الحكومة القائمة مع شركات أوربية عملاقة في مجالات الطاقة وغيرها، وهو أمر يشكك في نزاهة المراقبين وحيدتهم.
كما أن موقف أوربا من الصعود الإسلامي في المنطقة ومن المسلمين الذين يعيشون على أراضيها شديد السلبية في الفترة الأخيرة، وهو ما يؤكد مخاوف عدم الحيدة. أضف إلى ذلك أن بعض المراقبين أثار شكوكًا في طبيعة مهمته عندما وصل إلى البلاد، وبدأ جولاته في بعض المناطق ووجّه أسئلة للناس بعيدة كل البعد عن العملية الانتخابية، بل تتعلق بالظروف المعيشية والثروة البترولية وكيفية توزيعها بين الشمال والجنوب، وكذا الأوضاع التي يعيشها سكان الجنوب مقارنة بسكان الشمال، وأسئلة أخرى عن المؤسسة العسكرية ودورها، ووضع الطوارق في الجزائر، وكذا الموقف بعد الإعلان عن قيام دولة الأزواد شمال مالي والوضع بهذا البلد وليبيا، وهو ما جعل بعض الحركات الإسلامية تتهم المراقبين بالتجسس.
وما يقوي أيضًا من المخاوف بشأن التزوير هو التهديدات التي أطلقها النظام بشأن المخاطر التي تتهدد البلاد إذا ما تم مقاطعة الانتخابات وتلميحات عن تدخل الناتو, وقد أثارت هذه التهديدات حفيظة عدد من القوى السياسية كالجبهة الإسلامية للإنقاذ التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات؛ خوفًا من تزويرها وإقرار الأمر الواقع واستخدام المراقبين الأوربيين للخروج بشهادة دولية على نزاهتها. في حين ترى الأحزاب الإسلامية الأخرى -والتي توحدت معًا في تجمع ضد أحزاب الحكومة- أن الخروج للانتخابات بقوة سيؤدي إلى فوزها إذا أجريت العملية بنزاهة، أما إذا تم تزويرها فستكون القشة التي ستقصم النظام، وتؤدي إلى ثورة عارمة كما حدث في مصر.
ما يزيد من المخاوف كذلك هو أن الحكومة كان عندها فرصة كبيرة عند تفجر الربيع العربي والاحتجاجات التي شهدتها البلاد لإجراء إصلاحات واسعة, ومع ذلك كانت الإصلاحات شكلية في أغلبها ولم تغير المنظومة الفاسدة التي تحكم البلاد منذ سنوات، وهو ما أثار سخط الناس وزاد من يقينهم بأن الرغبة في الإصلاح الحقيقي ليست في أجندة النظام، الذي يبدو أنه لم يتعلم الدرس من دول الجوار، ويصرّ على السير في نفس الخطوات المتباطئة في الاستجابة لنبض الشارع، وهو ما يُبعِد احتمال انصياعه لرغبة الصناديق في تغيير حقيقي.
المصدر: موقع المسلم.