[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في تركيا صباح اليوم الأحد 12-6-2011م، أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية، والتي من المرجح أن يفوز فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان، ليشكل الحكومة منفردًا للمرة الثالثة في تاريخه، والأولى في تاريخ تركيا التي ينفرد فيها حزب واحد بتشكيل الحكومة ثلاث مرات متتالية.
ومن المتوقع أن يدلي نحو 51 مليون ناخب تركي من حوالي 73 مليون نسمة، بأصواتهم في انتخابات برلمانية حاسمة في 199 ألفًا و207 صناديق اقتراع، في 85 دائرة، من أجل تجديد البرلمان الذي يتألف من 550 مقعدًا، ويشارك فيها 15 حزبًا سياسيًّا بـ7492 مرشحًا، بجانب 203 مرشحين مستقلين.
وتنطلق الانتخابات في 32 محافظة تركية اعتبارًا من الساعة السابعة من صباح اليوم بتوقيت أنقرة، وتستمر حتى الخامسة عصرًا، وفي بقية المدن التركية الأخرى ستبدأ الانتخابات من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وسيتم فرض حظر على وسائل الإعلام في تناول أخبار الانتخابات من التاسعة من مساء اليوم وحتى التاسعة من مساء يوم غد الاثنين.
ظواهر جديدة
وتشهد الانتخابات التركية هذا العام العديد من الظواهر الجديدة، فللمرة الأولى يتم السماح للأكراد باستخدام اللغة الكردية في الحملات الانتخابية، كما تم تخفيض أعمار المرشحين إلى 25 عامًا بدلاً من 30 عامًا، إضافة إلى استخدام الصناديق الشفافة بدلاً عن الصناديق الخشبية في التصويت.
وسيتم في هذه الانتخابات تجديد كل مقاعد البرلمان وعددها 550 مقعدًا يتنافس عليها مرشحون من 15 حزبًا، وإضافة إلى حزب العدالة والتنمية سيتمكن حزبان فقط، هما حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي)، وهو أكبر الأحزاب العلمانية، والمعارض التقليدي لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، وحزب العمل القومي (تيار قومي)، من الحصول على نسبة أصوات تفوق عتبة الـ 10% على المستوى الوطني المؤهلة لدخول البرلمان.
والأحزاب التي تخوض الانتخابات هي العدالة والتنمية "الحاكم"، الحزب الديمقراطي، حزب الشعب الجمهوري، حزب العمل، الحزب الوطني، الحزب الليبرالي الديمقراطي، حزب السعادة، حزب الحقوق والمساواة، حزب صوت الشعب، حزب الحركة القومية، حزب الطريق القويم، الحزب الشيوعي، حزب القوميين المحافظين، حزب الوحدة الكبرى، وحزب اليسار الديمقراطي.
ويحتاج أردوجان للفوز بأكثر من أغلبية بسيطة حتى يكون متأكدًا من إجازة خطط لوضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور الذي أعد في عام 1982م بعد عامين من وقوع انقلاب عسكري، ويقول أردوجان: إن الدستور الجديد سيقوم على أساس المبادئ الديمقراطية والتعددية؛ مما يقرب تركيا من معايير الاتحاد الأوربي.
وتصدر حزب العدالة والتنمية الحاكم جميع استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات بتوقعات بأن يحصل على نسبة تتراوح ما بين 45 و50% من مجموع أصوات الناخبين، ليفوز بالانتخابات ويشكل الحكومة منفردًا للمرة الثالثة في تاريخه، والأولى في تاريخ تركيا التي ينفرد فيها حزب واحد بتشكيل الحكومة ثلاث مرات متتالية.
شعبية جارفة
وبنى حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوجان (57 عامًا) شعبيته الجارفة، بالدرجة الأولى، على الازدهار الاقتصادي الذي شهدته البلاد في عهده، وإنهاء عقود من الائتلافات الحكومية التي سادتها الفوضى والانقلابات العسكرية وخطط الإنقاذ المالي الدولية الفاشلة؛ فالاقتصاد التركي في عهد أردوجان أصبح في المرتبة 17 عالميًّا، والبلاد تشهد نموًّا "على الطريقة الصينية" وصلت نسبته في العام 2010م إلى 8.9%.
وخلال ترؤسه الحكومة على مدى العقد المنصرم تمكن أردوجان من تغيير وجه تركيا، البلد المسلم العضو في حلف شمال الأطلسي، فقد رفع المكانة الدبلوماسية لهذه الدولة الواقعة في منطقة امتلأت بالنزاعات، وعزز نموها الاقتصادي ووسع المجال الديمقراطي بإخراجه البلاد من قبضة الجيش، وأصبحت تركيا الدولة الطامحة للانضمام إلى الاتحاد الأوربي قوة اقتصادية وطرفًا مؤثرًا على الصعيد الدولي منذ فوز حزب العدالة والتنمية بالسلطة لأول مرة في نوفمبر عام 2002م.
رهان العدالة والتنمية
وبحسب المراقبين، فإن الرهان بالنسبة لحزب العدالة والتنمية هو تحقيق أغلبية نيابية كاسحة تسمح له بإرساء نظام جمهوري وصياغة دستور جديد للبلاد، حيث تشير التوقعات إلى فوز "حزب العدالة والتنمية"، الحاكم بـ367 مقعدًا، أي غالبية الثلثين، حتى يستطيع تعديل الدستور دون استفتاء، وفي حال حصوله على أقل من 330 مقعدًا، سيضطر الحزب إلى إجراء استفتاء أو الاستعانة بأحزاب أخرى أو التخلي عن مشروعه.
وكان حزب "العدالة والتنمية" قد حصل على 341 مقعدًا من مقاعد البرلمان بفوزه بـ 46.5% من الأصوات في انتخابات 22 يوليو من عام 2007م، خلفه "حزب الشعب الجمهوري" الذي فاز بـ20.8%.
وقد أجمع العديد من المحللين الأتراك على أن الشحن الإعلامي والسجال الاتهامي بين الأحزاب المتنافسة على هذه الانتخابات، كان أقل حدة من أي مرة سابقة استنادًا إلى ما أسماها كثيرون حالة القناعة شبه المؤكدة بأن أردوجان سيفوز بالانتخابات، والدليل على ذلك أن أردوجان بدا واثقًا إلى حدّ تقديم برنامج انتخابي حمل شعار "الهدف جاهز.. تركيا 2023"، وهو العام الذي سيترافق مع الذكرى المائة لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك.
أحزاب المعارضة
أما بالنسبة للحزب الرئيسي المعارض (حزب الشعب الجمهوري) فهو يدخل الانتخابات بقيادة زعيمه الجديد كمال كيلجدار أوغلو الذي استطاع -رغم شعبيته البسيطة- أن يغير المسار السياسي للحزب، لكن المراقبين أكدوا أن هذا التغيير لن يشكل تحولاً ملموسًا في مسار الانتخابات.
يشار إلى أن القيادة السابقة للحزب دأبت على استغلال عنصر التخويف من سياسة حزب العدالة والتنمية وجذوره الإسلامية وسياساته الرامية "إلى تقويض الأركان العلمانية للجمهورية التركية"، بيد أن هذه الحملة لم تجد نفعًا في الانتخابات الماضية، وهو ما دفع بالقيادة الجديدة إلى التخلي عن هذا الأسلوب والتركيز على نقد سياسات حكومة أردوجان في قضايا ذات صدى شعبي، مثل الفساد وعدم تكافؤ الفرص والفقر.
وعلى الخط الثاني من صف المعارضة، يقف حزب الحركة القومية الذي يتوقع له المراقبون أن يتعرض لدرس قاسٍ في هذه الانتخابات لكونه دخل منذ فترة ليست طويلة في حالة أزمة وجودية تتعلق بموقفه المتصلب من المشكلة الكردية وكأنها المشكلة الوحيدة على الساحة السياسية، يضاف إلى ذلك أن حزب الحركة القومية يدخل وسط فضائح جنسية طالت مسئولين كبارًا في صفوفه، حتى إن بعض المراقبين بات يشكك في إمكانية تخطي الحزب حد الـ10%.
الأكراد
غير أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن العدالة والتنمية سيواجه مشكلة كبيرة في الولايات الجنوبية ذات الأغلبية الكردية التي يتوقع لها أن تصوت لحزب السلام والديمقراطية، الذي يصفه الأتراك بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني.
يُضاف إلى ذلك أيضًا أصوات النواب المستقلين الذين يُعتبرون -رغم استقلاليتهم- معارضين لسياسة العدالة والتنمية في ما يخص وعوده بحل المشكلة الكردية.
وكعادة الأحزاب الكردية، طرح حزب السلام والديمقراطية الكردي 60 مرشحًا مستقلاًّ يطمح لأن يحصل من خلالهم على 20 مقعدًا تمكنه بعد ذلك من تكوين مجموعة برلمانية تحت مظلته في البرلمان، وتشير التوقعات إلى أن هذه الأحزاب الأربعة هي التي ستدخل البرلمان مجددًا، وأن تركيبة البرلمان الجديد لن تختلف عن تركيبة البرلمان الحالي.
قضايا المنافسةوتنوعت القضايا التي دارت حولها المنافسة بين الأحزاب الرئيسية بين قضايا محلية تركز على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين مثل نظام التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، أو تخفيض أسعار السولار للمزارعين والحد من البطالة.
كما فرضت المشكلة الكردية نفسها كمحور للتنافس بين الحزب الحاكم وحزب الشعب الجمهوري، ومحور لتبادل الاتهامات بين الحزب الحاكم وحزب الحركة القومية المعارض، إضافة إلى قضية حقوق العلويين ومطالبهم كأقلية دينية، فيما اختفت تمامًا قضية رفع الحظر عن الحجاب، التي كانت قضية أساسية في الانتخابات السابقة عام 2007م وانتخابات عام 2002م.
ولم تغب القضايا الخارجية عن المنافسة، وشكلت القضية الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة وتشجيع قوافل المساعدات الإنسانية والعلاقات المتوترة مع إسرائيل والتطورات في الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا، القضايا الأبرز مع تراجع للاهتمام بقضية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، كما بات الربيع الثوري العربي على وقع الثورات التي يشهدها العالم العربي، يشكل تحديًا تركيًّا كبيرًا؛ نظرًا للعلاقات الإيجابية التي تربط أنقرة بمعظم الدول العربية.
المصدر: موقع إسلام أون لاين.