[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
كشف حادث تفجير كنيسة الإسكندرية بعضًا من خيوط المخطَّط بعيد المدى، الذي نسجته الأيادي الصهيونية الآثمة منذ سنوات طويلة لتمزيق وتقسيم الوطن العربي، مستخدمة المسيحيين كورقة تحقق لهم أغراضهم الدنيئة، وتنفذ لهم غاياتهم الشيطانية. فها هي الأيادي الخفية للكيان الصهيوني تعبث مرة أخرى داخل البلاد العربية من خلف ستار اضطهاد المسيحيين واستهدافهم، على اعتبار أنهم أقلية مضطهدة وسط أغلبية إسلامية. من هذا المنطلق تعتمد "إسرائيل" في ترسيخ وجودها الشاذ بالمنطقة من خلال العمل على دعم الأقليات الدينية والعرقية في كافة أنحاء الوطن العربي، وتسعى دومًا لدعم مشاريع التفتُّت والانفصال، وإقامة دويلات يتم الإعلان عنها على أسس دينية وعرقية.
فـ"إسرائيل" دائمًا وأبدًا تعتمد على زرع الفتن وبثّ الفرقة والانقسام، وجعلها ركيزة أساسية في سياستها الخارجية في حربها ضد العرب، وكانت "الورقة المسيحية" أهم وسائل تلك السياسة، التي برزت بوضوح مع تولي الصهيوني المتطرف أفيجدور ليبرمان منصب وزير الخارجية في حكومة نتنياهو، وبدأت ملامحها في الظهور مع دعوة موريس صادق -الناشط القبطي المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية- للأقباط المصريين بالتبرع بملايين الدولارات لـ"إسرائيل"؛ لدعم أمنها وسياساتها كـ"دولة يهودية"، على أن يتم تقديم تلك التبرعات، والتي حدد قيمتها بـ3 ملايين دولار، لأفيجدور ليبرمان لتساعده في دعم "إسرائيل" وتحقيق حلم يهود العالم في استمرار وتقوية دولة إسرائيل "اليهودية".
نصارى متصهينين
وليس من المنطقي أن يقوم مسيحيو مصر بهذه الخطوة دون دعم من جانب الأقباط داخل مصر، وهو ما يعكس تغلغل الفكر الصهيوني بينهم، رغم المعارضة الشكلية التي يبديها أحيانًا شنودة رئيس الأقباط في مصر للكيان الصهيوني، وتحريمه الحج إلى القدس بتأشيرة دخول "إسرائيلية".
ويبدو أن "موريس صادق" قد فضح ما يضمره بعض الأقباط المتصهينين ضد مصر، خاصة المقيمين منهم في المهجر بعدما أكد أن المسيحيين في مصر يشعرون بالتضامن والتأييد للجالية اليهودية التي لا تزال تعيش في مصر، مشيرًا إلى أن الألم المشترك الذي يجمع الأقباط واليهود جعله يشعر ببالغ التعاطف والتأييد "لإسرائيل" التي تضم أشقاءنا من اليهود المصريين، على حد قوله.
تلك السياسة الصهيونية التي تستخدم المسيحيين في الدول العربية ورقة رابحة في يد "إسرائيل"، عبّر عنها موشيه شاريت رئيس وزراء الكيان الصهيوني عام 1954م في مذكراته "مخطط بن جوريون"، عندما دعا لتحريك الأقليات المسيحية في العالم العربي ضد الأغلبيات المسلمة؛ وذلك لإذكاء النار في مشاعر الأقليات المسيحية في المنطقة، وتثبيت ميولها الانعزالية؛ لتدمير الاستقرار داخل المجتمعات العربية.
تحريض مخطَّط
فالرؤية الصهيونية للنصارى في العالم العربي لها دلالات وأبعاد سياسية، باتت نشعر بها بقوة في السنوات الأخيرة مع تغير ملامح الخريطة الجيو سياسية بمنطقة الشرق الأوسط، وبالأخص في السودان والعراق ولبنان وبطبيعة الحال في مصر، التي ما زالت تعتبر العدو الأكبر "لإسرائيل"، رغم مرور نحو 33 عامًا على اتفاق السلام المزعوم بينهما. ولعل خير دليل على ذلك الانقسام الوشيك الذي ستشهده السودان، وإقامة دولة مسيحية في جنوبها؛ نتيجة للدعم والمساندة التي قدمها الكيان الصهيوني للمتمردين المسيحيين بالجنوب.
ومن أخطر التقارير العبرية التي رصدناها في الفترة الأخيرة، والتي تفضح بما لا يدع مجالاً للشك مخططات "إسرائيل" لتحريض المسيحيين في الدول العربية على الأنظمة الإسلامية الحاكمة والتمرد عليها؛ ليكونوا كلمة السر في تقسيمها وتشرذمها - تقرير صادر حديثًا عن المركز الأورشليمي للدراسات العامة والسياسية، الذي يضم نخبة من الباحثين الاستراتيجيين، أبرزهم تسيفي مزائيل -سفير دولة الاحتلال السابق بالقاهرة- والذي على دراية ومعرفة واسعة بأوضاع الأقباط في مصر..
وبالتالي بأوضاع المسيحيين في باقي الدول العربية، والذي أفرد لهم تقريره الذي حمل عنوان "أزمة النصارى في الشرق الأوسط"، ونُشرت فيه صور تفجير كنيسة الإسكندرية، زعم فيه أن المسيحيين في الدول العربية يعيشون بالفعل في الفترة الأخيرة محنة حقيقية، انعكست من خلال استهداف الكنائس في العراق ومصر، وقبل ذلك في لبنان، والتي تعبر عن تدهور الأوضاع بين المسلمين والمسيحيين في مختلف الأقطار العربية.
ولعل خير دليل على ذلك مشروع القرار المطروح على البرلمان اللبناني الذي يدعو لحظر بيع أراضي النصارى للمسلمين؛ بزعم الحفاظ على تواجدهم في لبنان، وخوفًا من أن يضطروا في نهاية المطاف إلى ترك البلاد؛ لعدم امتلاكهم أراضي فيها.
أزمة في لبنان
وتابع التقرير الصهيوني أنه كما هو متوقع -وكما تأمله إسرائيل- أثار مشروع القانون هذا ردود فعل عنيفة، وزاد من التوتر السياسي القائم في لبنان، على خلفية اقتراب صدور القرار حول هوية مغتالي رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
وقد جاء طرح هذا القانون المشبوه ليزيد من الطين بلة في لبنان، التي تعاني هي الأخرى من الاحتقان الطائفي، كما هو الحال في مصر والعراق، وبخاصة في هذا التوقيت؛ ليكون فرصة ذهبية "لإسرائيل" لإشعال الفتنة الداخلية؛ لكي تصرف أنظار اللبنانيين عنها، خاصة بعد اكتشافها لأكبر حقول الغاز الطبيعي الذي من المحتمل أن يكون داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما يثبت رؤيتنا في استخدام الكيان الصهيوني للمسيحيين في الدول العربية كورقة لإثارة الفتن.
ومما يؤكد على ذلك دعوة الخبير الصهيوني من خلال تقريره المشبوه -وهو ما يكشف نوايا "إسرائيل" الحقيقية- إلى ضرورة اعتبار مشروع القانون اللبناني، الذي تُعدّ فرص تمريره في البرلمان ضئيلة للغاية، كنقطة انطلاق من خلالها تناقش أوضاع المسيحيين السيئة في الدول العربية واضطهادهم المزعوم على يد المسلمين، مروِّجًا لمزاعم بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بشأن تضاؤل عدد المسيحيين في الدول العربية نتيجة لهذا الاضطهاد المزعوم، مشيرًا إلى تزايد أعداد النصارى الذين هاجروا من لبنان وباقي الدول العربية على خلفية الضغوط المتزايدة عليهم من جانب المنظمات والحركات الإسلامية.
هجرة إلى الخارج
وتابع مزائيل تقريره بالقول: "إن التفجيرات الضخمة التي تعرضت لها الكنائس المسيحية في بغداد والإسكندرية هي أقوى العمليات التي تستهدف أماكن دينية في الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة"، زاعمًا أنه نتيجة للاضطهاد واستهدافهم المتواصل غادر عدد كبير من مسيحيي العراق بلاد الرافدين، وأيضًا المسيحيين داخل الأراضي الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة بعد هروب عدد كبير منها عقب سيطرة حماس على الأوضاع فيه.
كما تطرق الخبير الصهيوني لأوضاع المسيحيين في مصر، زاعمًا بوجود هجرة كبيرة من جانب أقباط مصر لأوربا وأمريكا خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة للعنف المتزايد ضدهم، ومؤخرًا نتيجة لتهديدات تنظيم القاعدة وعناصر إسلامية لهم، التي تهدف في المقام الأول إلى خلق زعزعة في البلاد وحالة من الفوضى ليتسنى لهم السيطرة عليها، منتقدًا في ختام تقريره الموقف الهزيل لأوربا وبابا الفاتيكان حيال أتباعهم من المسيحيين في الشرق الأوسط، واصفًا ردَّ فعلهم على ما يتعرضون له بالضعيف.
وزعم مزائيل أن الأقباط في مصر يعانون من اضطهاد شديد، متوقعًا أن عددًا كبيرًا سيغادرونها بعد حادث تفجير كنيسة الإسكندرية إذا سنحت لهم الفرصة، متجاهلين دعوة بابا الفاتيكان لهم بالصمود والبقاء في مصر، لكن توقعاتهم بتدهور الأوضاع في مصر تدفعهم أكثر للهروب منها.
أكاذيب صهيونية
ها هي "إسرائيل" تواصل بث سمومها علنًا لتحقيق مخططاتها بإغراق العالم العربي في حالة من الفوضى، بواسطة افتعال الأزمات بين المسلمين والمسيحيين، وتصويرهم دومًا بأنهم أقلية منبوذة ومضطهدة، وفي هذا الإطار اتسم تناول الإعلام الصهيوني لملف المسيحيين في العام العربي عمومًا، والأقباط في مصر على وجه الخصوص، بالطابع السلبي إذ ظل يردِّد دون توقف أقاويل عن وجود رغبة من قبل الأغلبية المسلمة بتهميش المسيحيين، والقول بأنهم في طريقهم إلى زوال إذا لم يتم طرح قضيتهم بشكل فعَّال.
ونلاحظ أن الإعلام الصهيوني تَعَامل مع ملف الأقباط في مصر -على سبيل المثال- كنموذج من منطلق سعي "إسرائيل" لبثّ الفرقة والانقسام والفتن بين أبناء الوطن الواحد، وصورتهم بأنهم يتعرضون لمذابح وللقتل. وفي هذا السياق كتب الخبير الإسرائيلي جاي باخور -الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون المدني المصري- يقول في أحد تقاريره المشبوهة بصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: "الأقباط المساكين في مصر حالهم كحال المارونيين في لبنان، وخطؤهم الأكبر أنهم لم يطالبوا بإقامة دولة لهم تكون لهم فيها الأغلبية، على عكس اليهود الذين أصروا على إقامة دولتهم؛ لكي يظلوا قائمين إلى جانب المسلمين في الشرق الأوسط، فلولا تلك الدولة لما ظل اليهود قائمين إلى الآن، وأصبح وضعهم كوضع أقباط مصر الآن".
فيما زعم يوحاي سيلع خبير الشئون العربية أن مصر تشهد حاليًا شبه حرب أهلية سرية، غير واضحة المعالم بين الأقباط والمسلمين، معللاً ذلك بقيام السلطات المصرية بتشديد الحراسة على الكنائس وتجمعات المسيحيين؛ خوفًا من قيام المسلمين بالإضرار بهم، والذين يؤمنون بأن ليس للأقباط في مصر أي حق، وأنهم لا يجب أن يعيشوا على أرضها. وأشار للأكاذيب التي تروِّج لها بعض مواقع الإنترنت التابعة للأقباط المتصهينين على شبكة المعلومات الدولية قائلاً: "إنها تعكس صورة كئيبة للغاية لأوضاع الأقباط في مصر، منها تعرض فتيات قبطيات للاختطاف واغتصابهن وإجبارهن على اعتناق الإسلام، وإجبار التلاميذ المسيحيين على قراءة القرآن في المدارس من خلال مادة اللغة العربية، وأن المدارس المصرية ملحق بها مساجد، ولا يوجد بها مكان واحد للطلاب والتلاميذ المسيحيين ليقيموا فيه شعائرهم الدينية".
هذه هي الصورة التي يروِّج لها الإعلام الصهيوني لتشويه صورة العرب والمسلمين أمام العالم، مستغلين النصارى في الدول العربية، وتصويرهم على أنهم طابور خامس؛ بهدف إشعال الفتنة بين مسلمي ونصارى القُطر العربي الواحد، ساعيًا لطمس الوجه الحقيقي المتسامح للإسلام والمسلمين في تعاملهم مع أهل الكتاب، وبخاصة الأقباط، الذين يعيشون في أمانٍ وسلام إلى جانب المسلمين في جميع الأقطار العربية.
على أية حال، ستظل الأيادي الصهيونية تعبث في الدول العربية، التي يجب على أنظمتها الانتباه إلى أبعاد المخططات الصهيونية، فها هي السودان على وشك السقوط في براثن الانقسام والتفتُّت، وبات العالم على وشك استقبال دولة مسيحية جديدة في جنوبه على وفاقٍ واتفاق مع الصهاينة في تل أبيب..
فهل يمكن أن نرى صورة مكررة لهذا السيناريو المرتقب في جنوب مصر، ويصبح المسيحيون ورقة "إسرائيل" الرابحة في تقسيم وحدة أراضي الدول العربية؟!
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.