[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
هل ماتت جامعة الدول العربية؟ سؤال مزمن ومثير للجدل، وهو الآن أشد سخونة؛ بسبب محنة الشعب السوري الراهنة، ولذلك تختلف الإجابة عنه بين "الأطباء" وهم هنا ملايين المواطنين العرب، وعلى رأسهم النخبة المثقفة والمعنية بالشأن العام.
فالمنافحون عن الجامعة يستندون إلى القرار "الجريء" الذي صدر عن مجلس وزراء الخارجية العرب مساء السبت الماضي، بتعليق مشاركة وفد الحكومة السورية في اجتماعات الجامعة ما لم ينفذ ما تضمنته مبادرة الجامعة لإنقاذ سوريا من حمام الدم المستمر فيها منذ ثمانية شهور على يد عصابات الأسد.
أما فريق الادعاء -وهو الفريق الأعرض والأضخم- فيحكم على الجامعة بأنها ميتة سريريًّا، ويستشهدون على قنوطهم منها بالمثل الشعبي السائر: فالج لا تعالج. وهؤلاء لا ينتقصون من قيمة قرار الجامعة بتعليق عضوية النظام الأسدي في الجامعة، لكنهم يتخذون منه شاهدًا يؤيد دعواهم.
هم يحاججون بأن القرار الذي جاء مفاجئًا للجميع من أنصار الشعب ومن أتباع النظام على حد سواء، تطلب من المؤسسة الكسيحة ثمانية أشهر مترعة بشلال من دماء المدنيين العزل المسالمين، وبعشرات الألوف من الجرحى والمعتقلين الذين يجري تعذيبهم بمنتهى القسوة إلى حد الموت في كثير من الأحيان!!
ويضيف هذا الفريق أن القرار غير المتوقع مر بخطوات سلحفائية طويلة ومملة، وأنه لولا الضغط الشديد والمتواصل من الشارع العربي بعامة والسوري بخاصة، لما وُلِدَ قرار التعليق.
وبعيدًا من هذا الجدل الحارّ الذي لا يكاد يتوقف، فإن كل عاقل منصف يدرك أن هذه الصورة البشعة للجامعة لا تعبر عن سائر مكوناتها، فالجميع يعلمون البون الشاسع بين موقف دول مجلس التعاون وبين أنظمة الاستبداد في السودان والجزائر واليمن من أنهار الدم المتدفقة في شوارع المدن والقرى السورية المرابطة. وبالطبع لم نذكر لبنان؛ لأنه اليوم محكوم من خامنئي عبر وكيله في لبنان حزب اللات، فهو في خندق البغضاء الصفوية مع بشار وزبانيته ورعاعه الحاقدين.
من هنا، فإن خلاصة أي قراءة موضوعية لمسيرة الجامعة بعامة ولموقفها القبيح من الدم السوري بخاصة، لا بد أن ينتهي إلى نتيجة أكيدة تقضي بضرورة تفكيك هذه المنظمة التي أدمنت الفشل في تاريخها كله؛ لإعادة هيكلتها بصورة مختلفة جذريًّا، هيكلة تشتمل على تخليصها من دائها العضال: مبدأ الإجماع العقيم، الذي شلَّ حركتها وأفقدها فاعليتها في المواقف الحاسمة والمنعطفات المفصلية، وأتاح لكل طاغية تافه أن يتحكم بقرارات الجامعة؛ ولذلك لطالما جاءت تلك القرارات في أكثريتها الساحقة لفظية غائمة تقتصر على الشجب والإدانة الكلامية الببغاوية المكرورة، فاستحقت ما تلاقيه من سخرية وازدراء.
ولعل مساعي مجلس التعاون التي لاحت بوادرها قبل فترة؛ لتوسيع دائرة المجلس ليضم المغرب والأردن، لعل تلك المساعي كانت بمنزلة تعبير عملي عن الحاجة الماسّة إلى تكوين بديل إيجابي للجامعة العليلة.
ولا يفوت المرء أن يلاحظ نقطة جوهرية غالبًا ما تغيب عن المشهد في حُمَّى المناقشات الملتهبة، وهي أن أي منظمة جماعية ليست سوى مرآة تعكس واقع أعضائها. فجامعة الدول العربية صورة واقعية عن بنية النظم السياسية للدول الأعضاء، وهي بنية تشهد تحولات تاريخية منذ مطلع عام2011م. فالبلدان التي يستبد العسكر بالسيطرة على مقدراتها، لا يمكن أن تقف مع شعب عربي ثائر على نظام يشبهها في تسلطه وتجبره على شعبه.
فإذا اكتملت مسيرة الربيع العربي -بإذن الله- كما تأمل الشعوب، فإن الجامعة سوف تتغير نحو الأفضل، وإن كان من الحيوي لبلوغ تلك الغاية النبيلة تقليص السيادة المطلقة التي يتخفى الطغاة وراءها فقط في مواجهة شعوبهم المغلوبة على أمرها، وفي التمرد على الدول الشقيقة لإجهاض كل تعاون مثمر لمصلحة الأمة جمعاء. وليس الأوربيون أجدر من العرب في التوحد المتنوع الذي أنجزوه، بحيث توحدت سياساتهم الخارجية والاقتصادية والدفاعية، مع احتفاظ كل بلد بنظامه الخاص وأسلوب معيشته ونظامه الاجتماعي.. مع أن الأوربيين يتحدثون لغات عدة، وقد خاضت بلدانهم حروبًا شرسة ومؤلمة على مدى قرون من الزمان.
أما العالم العربي فلغته واحدة، ودين أكثريته الساحقة هو الإسلام، ولم تقع حروب مديدة بين شعوبه. إن العلاج الأمثل يأتي كلما أصبح للشعوب إسهام فعلي في صياغة قرارها وصنع مستقبلها.
المصدر: موقع المسلم.